أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-14
1142
التاريخ: 2024-04-21
762
التاريخ: 2024-04-03
759
التاريخ: 5-05-2015
2486
|
رصد المفسّرون عددا من الظواهر التركيبيّة والبنيويّة في النصّ ، ومنها مسألة التقديم والتأخير في العناصر المكوّنة للجملة، وحاولوا أن يفسّروا سب حدوث مثل هذا التقديم والتأخير، وابتداء نبيّن أنّ هذا التقديم والتأخير قد يكون متعلّقا بالمستوى النحوي من مثل تقدّم المعمول على العامل أو غيره، وقد يكون أسلوبيّا لا علاقة له بنظام الجملة في العربية. ومن أبرز الأسباب التي يذكرونها لهذه الظاهرة المناسبة. وحين نفسّر هذه المناسبة نجدها ذات بعدين : بعد داخلي اصطلحنا على تسميته بالاتّساق الداخلي، وبعد خارجي هو السياق المقامي، كما اجتهدوا أن يتبيّنوا أثر هذا التقديم والتأخير على البناء النصّي، وأثره في قراءة هدف النصّ، أو العكس أي دور هدف النصّ على حدوث هذا التقديم والتأخير، ولعلّ الزمخشري يعدّ أبرز من تنبّه لهذه الظاهرة السياقيّة.
وفي تفسير الزمخشري لقوله تعالى {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} يقول : " وفي تقديم الآخرة ، وبناء يوقنون على (هم) تعريض بأهل الكتاب، وبما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته، وأنّ قولهم ليس بصادر عن إيقان، وأنّ اليقين ما عليه من آمن بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" «1». فهنا ربط مباشر بالهدف أو بمقصد الخطاب، وهو (التعريض). وهكذا يتحوّل التقديم والتأخير من مظهر أسلوبي تركيبي إلى ظاهرة سياقية.
وينبّه الزمخشري بصراحة على هذا الربط بين ظاهرة التقديم والتأخير وسياق النصّ اللّغوي ومقصد الخطاب في تقديم وقوع القتل على الأمر بالذبح في الآية الكريمة {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها ....} يتساءل : " فما الفائدة في ترجيح هذا النظم ؟ قلنا : إنّما قدمت قصّة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل لأنّه لو عمل على عكسه لكانت قصّة واحدة، ولو كانت قصّة واحدة لذهب الغرض من بنية التقريع " «2». ولاحظ أنّه اعتبر أنّ عدم حصول هذا التقديم والتأخير الأسلوبي يعدّ سببا في ذهاب الغرض، ولاحظ قوله" ترجيح النظم " وعلاقته بالاتّساق الداخلي للنصّ.
وفي تفسير الرازي للآية (137) من السورة الكريمة {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ ، وَ.....} قال الرازي : " أما قوله { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} فإنّما قدمه لأنّ الإيمان باللّه أصل الإيمان بالشرائع فمن لا يعرف اللّه استحال أن يعرف نبيّا أو كتابا ..." «3». وذكر ابن الصائغ في الآية الكريمة { لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ} أنّ ذلك بسبب التولّي من الأعلى إلى الأدنى «4». وهكذا يرتبط مباشرة بترتّب الوقائع في السياق المقامي؛ فالسنة هي الأدنى والنوم هو الأعلى، فمن تنزّه عن السنة وهي الومضة من النوم فمن باب أولى أن يتنزّه عن الأعلى وهو النوم كله.
ويوازن المفسّرون بين السياقات اللّغويّة في النصّ القرآني من حيث ترتيب الأحداث فيها وحدوث التقديم والتأخير، ومن ذلك التقديم والتأخير في العدل والشفاعة في الآيتين (48) و(123) من سورة البقرة، والذي مرّ معنا سابقا، والذي يمكن أن نجد تفسيره على المستوى التداولي بربط الظاهرة الأسلوبية بهدف النّص ، " قطعا لطمع من"، وأيضا يفسّر في ضوء المقام الاجتماعي " أحوالهم التي يصوّرها النّص" وقريب منه قوله تعالى : { وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ } في الآية (173) من سورة البقرة، قدّم (به) في هذه السورة، وأخّرها في المائدة في الآية (3) ، وفي الأنعام في الآية (145)، وفي النحل في الآية (115) قيل " لأنّ تقديم الباء الأصل فإنّها تجري مجرى الألف، والتشديد في التعدّي ، وكان كحرف من الفعل ، وكان الموضع الأوّل أولى بما هو الأصل، ليعلم ما يقتضيه اللفظ ثم قدّم فيما سواها ما هو المستنكر وهو الذبح لغير اللّه، وتقديم ما هو الغرض أولى، ولهذا جاز تقديم المفعول على الفاعل والحال على ذي الحال، والظرف على العامل فيه، إذا كان أكثر ذلك في الغرض في الإخبار" «5» ومرّة أخرى يرتبط التقديم والتأخير بسياق الحال ويعرض الخطاب.
وفي قوله تعالى {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ } [البقرة : 284] (يغفر) مقدّم هنا وفي غيرها، إلّا في المائدة فإنّ فيها { يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} [المائدة : 40] " لأنّها نزلت في حقّ السارق والسارقة وعذابهما يقع في الدنيا فقدّم لفظ العذاب، وفي غيرها قدّم لفظ المغفرة رحمة منه سبحانه وترغيبا للعباد في المسارعة إلى موجبات المغفرة " «6». إنّ أمامنا مثالا جميلا على ترتّب الخطاب وتلوّنه بحسب السياق، فإنّ النّصين يحملان مضمونا واحدا إلّا أنّ أحدهما خاطب أناسا عاديّين يجترحون معاصي صغيرة فقدّمت المغفرة وأخّر العذاب. والنصّ الثاني خاطب من وقع في حدّ من الحدود وهو حدّ السرقة، فاستوجب تقديم العذاب على المغفرة. واختلاف أحوال المخاطبين يجد صداه داخل لغة النّص كما تقدّم كما أنّ الصياغة الطبيعيّة التي تتّفق مع غرض النصّ، وهو ترغيب العباد بالمسارعة إلى موجبات الرحمة اقتضت تقديم المغفرة على العذاب في المواضع جميعها إلّا في سياق سورة المائدة للسبب الذي ذكرنا.
ومن أمثله هذه الموازنات لدى الرازي توقّفه عند التقديم والتأخير في قوله تعالى في سورة البقرة {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ } [البقرة : 58]. وفي سورة الأعراف {وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف : 161] . ويتساءل الرازي هنا لم يقدّم المؤخّر وفي الجواب قال : " يحتمل أن يقال إنّ بعضهم كانوا مذنبين والبعض الآخر ما كانوا مذنبين، فالمذنب لا بدّ أن يكون اشتغاله بحطّ الذنوب مقدّما على الاشتغال بالعبادة لأنّ التوبة عن الذنب مقدّمة على الاشتغال بالعبادات المستقبلة لا محالة، فلا جرم كان تكليف هؤلاء أن يقولوا أوّلا حطة، ثم يدخلوا الباب سجّدا، وأمّا الذي لا يكون مذنبا فالأولى به أن يشتغل بالعبادة ثم يذكر التوبة ثانيا على سبيل هضم النفس، وإزالة العجب في فعل تلك العبادة، فهؤلاء يجب أن يدخلوا الباب سجدا أوّلا ثم يقولوا حطّة ثانيا فلمّا احتمل كون أولئك المخاطبين منقسمين إلى هذين القسمين لا جرم ذكر اللّه تعالى حكم كل واحد منها في سورة أخرى" «7». إنّ طبيعة المخاطب المختلفة على هذا النحو اقتضت هذا التقديم والتأخير، كما أنّ التقديم والتأخير يأخذ شكلا تداوليّا بترتيب عناصر الخطاب حسب أولويّتها للمخاطب. كما أنّ تفاصيل سياق الحال المرتبطة بهدف النصّ جعلته يتشكّل على هذا النحو في هذين النصّين.
______________
(1) الكشاف ، 1/ 57.
(2) نفسه ، 1/ 127.
(3) تفسير الرازي ، 4/ 83.
(4) الإتقان في علوم القرآن ، 2/ 31.
(5) الفيروزآبادي ، بصائر ذوي التمييز ، 1/ 154.
(6) الفيروزآبادي ، بصائر ذوي التمييز ، 1/ 155.
(7) تفسير الرازي ، 3/ 93.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|