أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-4-2019
1396
التاريخ: 2023-08-20
892
التاريخ: 8-5-2019
4109
التاريخ: 15-4-2021
1604
|
حركة التاريخ بحرية الفرد
إنّ التاريخ ينفرد بمنهج خاصّ عن بقيّة أشياء الكون الخاصّ به، لأنّه يريد أن يدرس أفعال الإنسان التي لا تخضع للضرورات والحتميات، والجامدات، وإنّما تتميّز بالحرّية بشروطها الزمانية والمكانية، وغير ذلك، ولأنّ الواقعة التاريخية فردية فريدة في كلّ فرد فرد مشخّص لا يتكرّر، حتّى إنّ بعض المنطقيين قالوا بأنّ كلّ إنسان كلّي، منحصر بفرده، وإن تشابه بعضهم مع بعض، فكلّ فرد له زمان محدّد، ومكان معيّن، وشرائط خاصّة، والفرد الآخر وإن كان في الزمان نفسه، أو لنفرض فـي المكان الوسيع نفسـه، إلاّ أن شرائطه وخصوصياته، تختلف اختلافاً كبيراً، فمقولات التاريخ هي الإنسان، والفردية والزمان، والمكان، والشرائط، والخصوصيات، والمزايا، وليست كذلك مقولات العلم الطبيعي المادّة، والعلّية والمعلولية، والكلّية والجزئيّة، وما أشبه ذلك. ولذا فالإنسان الذي يريد التوصل إلى فلسفة التاريخ، يحتاج إلى دراسة كلّ ذلك في التاريخ القريب، أو التاريخ البعيد.
وسرّ التقدّم في العلوم الطبيعية هو في وصولها إلى قوانين كلّية تمكّن العالم من التنبؤ العلمي الدقيق؛ إذ إنّها ليست خاضعة لحركة الأزمنة والأمكنة، والخصوصيات والشرائط، وليست كذلك العلوم الإنسانية، فتستطيع كلّ العلوم التجريبية أن تقدّم تقريراً عن موضوعاتها في أحكام عامّة. أمّا التاريخ فلا يتمكّن أن يستوعب الأفراد بشرط واحد وأمر فارد حتّى تكون نتائج فلسفة التاريخ كنتائج الفيزياء، والكيمياء، وما أشبه ذلك. مثلاً، كيف يتمكّن المؤرخ أن يفسّر سقوط الشيوعية كما يفسّر الشخص المربوط بعلم طبقات الأرض وقوع الزلازل؟ . إنّ هناك فرقاً بين الأمرين، فوقوع الزلازل له فلسفة كونية واحدة، مثالها مثال (4 × 4 = 16، وليس كذلك مثل التنبؤ بسقوط الشيوعية بالدقّة والاستيعاب، فإنّه وإن أمكن التخلّف في ظنّ ذلك العالم بطبقات الأرض بالنسبة إلى وقوع زلزال كما حدث ويحدث، لكن العام دائماً هو المحكّم، بينما ليس الأمر كذلك بالنسبة إلى فلسفة التاريخ وبالنسبة إلى الإنسان، ولذا لا تكون درجة الدقّة في العلوم الإنسانية مثل درجة الدّقّة في العلوم الطبيعية؛ لأنّه يمكن أن توجد تنبؤات، بعيدة المدى، واسعة النطاق، لا تتناول التفصيلات الجزئية؛ إذ إنّها ثانوية لا تفقد بسببها أصل قيمة التنبؤ.
نعم، التنبؤات التاريخية تكون في إطار فضفاض، يتمكّن المؤرّخ الذي وصل إلى روح التاريخ وفلسفة الحياة أن يصل إلى كثير منها.
وقد مثَّلَ أحد علماء الغرب ما ذكرناه بقوله: إنّه لا يمكنك أن تستحدث إصلاحاً سياسياً أو اجتماعياً دون أن تثير قوى معارضة، وتتناسب شدّة المعارضة طردياً مع مدى هذا الإصلاح، وذلك إن كان هناك دائماً مصالح مرتبطة بالوضع القائم المراد تغييره أو إصلاحه. ولا يمكن أن تحقّق ثورة ناجحة إلاّ إذا كانت الطبقة الحاكمة قد اعتراها الوهن نتيجة انقسامها على نفسها، ونتيجة الهزيمة في الحرب، وإنّه لا يمكنك أن تمنح إنساناً سلطة على غيره من الناس دون أن يغيّره ذلك بإساءة استخدامها ويزداد الإغراء بإساءة استخدام السلطة كلّما ازدادت هذه السلطة المخوّلة له ولا يقدر على مقاومة إغراء الاستبداد بالسلطة إلاّ القليلون، ولا يمكنك أن تقيم نظاماً لا يتطرّق إليه الفساد، لأنّ النظم تعتمد في تركيبها على العامل الإنساني إلى حدّ كبير، وكلّما كان التخطيط في النظام أكثر شمولاً لمظاهر النشاط البشري كان الخلل الناتج عن العامل الإنساني أكثر تأثيراً، وهذا يعني أنّ أفضل الأنظمة تحدث فيها انحرافات في التطبيق نتيجة أهواء الأشخاص الذين يمارسون سلطة التنفيذ، والأهواء تكون مختلفة ذاتاً لأنّ الله سبحانه وتعالى خلق كلّ إنسان على شكل خاصّ ومعنويات خاصّة، ولأنّ الأموال، والإغراءات، والضغوط، وما أشبه ذلك، تتدخّل في الأفراد القائمين بالنظام.
أقول: ولهذا نجد أنّ الأقوام تتغير آراؤهم مع تغيّر الزمان والمكان، مثلاً: في البلد الفلاني الغربي، نجد أنّ الخمر حرّمت تحريماً قطعياً في برهة من الزمان؛ بسبب ضغوط جماعة من عقلاء القوم، ثمّ بعد تلك البرهة، حلّلت بسبب ضغوط جماعة من نفس القوم أيضاً. وهكذا نجد أنّ مملكةً واحدة، أو جمهورية واحدة، تختلف مدنها بعضها عن بعض في قوانين خاصّة، فهذا يقرّر قانون كذا، وذاك يقرّر قانوناً خلاف ذلك القانون، وهكذا بالنسبة إلى التواريخ الماضية، والتنبؤات المستقبلية، مثلاً: إذا ازدهرت دولة ما، وغرقت في الترف، وجنحت إلى السلم، وكان إلى جوارها دولة جائعة، ولكنّها كثيرة التسليح، أو كثيرة النفوس، أو تسندها قوّة كبيرة من الدول، مثلاً: فإنّه لم يمض من الوقت فترة حتّى تجتاح الدولة الجائعة جارتها المترفة حالما تجد مبرراً للهجوم عليها، إذ الجائع كثيراً لا يمتلك القدرة على التفكير في القبول العام، وإنّما يفكّر بالنسبة إلى قناعته بنفسه سواء كانت قناعة واقعية، أو قناعة تبريرية.
وهكذا شأن المنظّمة الديمقراطية التي تحالفت مع منظّمة ديكتاتورية، تسعى لتحقيق هدفها، فإنّ المنظّمة الديمقراطية ستصبح مخلب قطّ لأغراض غريبة عن الديمقراطية، أو ستواجه كارثة تحلّ بكيانها. وهكذا إذا صفّق الناس لدولة حديثة وصلت إلى الحكم بسبب مبرّر ما، رفعه أولئك الرؤساء لهذه الدولة من مبرّرات لأن يصبحوا ديكتاتوريين، فيفعلوا كما يفعل سائر الديكتاتوريين، إلى غير ذلك من الأمثلة. وهذه القواعد عامّة بالنسبة إلى السابق واللاحق، لأنّ فلسفة التاريخ تهدي إلى مثل هذه القوانين، فإنّه وإن أمكن الاستثناء نادراً إلاّ أنّ القاعدة العامّة هي ما ذكرناه.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|