أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-8-2020
1747
التاريخ: 10-9-2016
1876
التاريخ: 17-4-2019
1698
التاريخ: 2024-10-25
107
|
من يصنع التاريخ؟
التاريخ يصنع من ناحية الأشخاص ومن ناحية الحضارات، والشخصيات تصنعها الحضارات أو الأشخاص، إلاّ إذا كان الشخص مرتبطاً بالغيب، فإنّ الغيب يصنعه، وهو الذي يصنع التاريخ، ولا شأن للحضارة السابقة أو الأشخاص في صنعه وفي صنع التاريخ.
مثلاً: الحضارة الإسلامية بمقوماتها الخاصّة هي التي أوجدت الصفويين (1)، والصفويون بدورهم هم الذين صنعوا التاريخ، فكلّ واحد منهما يتفاعل مع الآخر ويكون مكمّلاً للآخر.
وهكذا بالنسبة للحضارات التي نشاهدها على الأرض سواء كانت حضارة صحيحة، أو حضارة باطلة، هذا باستثناء الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)ومن أشبه من الشخصيات المرتبطة بالغيب التي صنعها الله سبحانه وتعالى فصنعت التاريخ، ولم تكن الجاهلية إبان رسول الله (صلى الله عليه وآله)هي التي صنعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)لأنّ الرسالة لم تكن مربوطة بالجاهلية من قريب ولا من بعيد، وفي المقابل فرعون، وهتلر، وستالين قد صنعوا التاريخ، بينما الحضارة الخاصّة قبل ظهور هؤلاء هي التي صنعت هؤلاء، فإن لم تكن الحضارة المصرية قبل فرعون، والحضارة الألمانية قبل هتلر، والحضارة الروسية قبل ستالين، لم يكن هؤلاء أبداً. كما أنّه إذا لم يكن هؤلاء، لم يصطبغ التاريخ بالصبغة الفرعونية، والصبغة النازية، والصبغة الاستالينية.
أقسام الاختيار
ثـم إنّ البطل، والقائد، والملك ليس ممّن يختاره الله سبحانه وتعالى بمعنى اختيار الرضى دائماً بل قـد يكـون اختيـاره ـ اختيـار الأسبـاب ـ، وإنّما قوله سبحانه وتعالى{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26] (2)، فـإنّ الله سبحانه وتعالى جعـل فـي الدنيـا الأسـباب، فمـن أخـذ بتلك الأسـباب وصـل إلـى تلـك المسببـات والنتائـج. ولـذا قال سبحانه وتعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثً} [النساء: 78] (3)، فهناك اختيار الرضى وهناك اختيار الأسباب. أمّا اختيار الرضى فهو خاصّ بالأنبياء، والأوصياء بل والصالحين من عباده أمثال سلمان(4)، والمقداد(5)، وأصحاب عيسى وأصحاب موسى الطيبين. أمّا الاختيار المطلق حسب المشي بالأسباب للوصول إلى النتائج، فيكون بسببٍ، كجمع الجنود، والأصحاب، والسلع، والمال حلالاً وحراماً، أمثال فرعون، ونمرود، وستالين، وهتلر، وصدّام، ومن إليهم.
والأمر ليس بمعنى الجبرية وإنما الأمر بين الأمرين.
إذا عرفت هذا: فالبطل لا يكون إلاّ شجاعاً في ناحية من نواحي حياته سواء الناحية العلمية، أو الناحية التسليحية، أو الناحية المالية، أو ما إلى ذلك من مختلف مناحي الحياة، فيما إذا كان البطل هو الذي حصل على ذلك.
أمّا إذا لم يحصل على ذلك بنفسه ـ مثلاً ـ في الناحية العسكرية حيث ورثها الابن عن أبيه كما في الملوك. أو الناحية المالية حيث يرث الوارث مورّثه صاحب الملايين فليس ذلك من البطولة في شيء.
نعم، إذا أحسن الابن أو الوارث التصرّف بحيث كان الامتداد منه يكون حين ذلك بطلاً من هذه الناحية، فعلى هذا، فالبطولة قد تكون حقّة كبطولة الأنبياء، وقد تكون زائفة كبطولة الطواغيت الذين يغتصبون الحكم لأنفسهم اغتصاباً.
معنى البطولة
فليست البطولة بالشعارات، وإنشاء الخطابات، والتهريج، والاستبداد، والأضواء، فهـذه ليست إلاّ بطولـة قسرية أو فرضية التي نجدهـا عند الطواغيت والجبابرة، ولا تقاس بطولـة وعظمــة الرجـال بتيجـان الملـوك وأُبهّتهم، ولا بصليل الســيوف، ولا بترديد الصحف أخبارهم وأسماءهم صباحَ مساء، وما ذلك إلاّ أكذوبة، ومظهر باطل، وعرض زائل، وبريق باهت، وإنّما البطولة هـي الإدارة القويّة، وهي الشجاعة والأقدام، وهي الثبات والاستقامة.
والأمّة البطلة هي التي لا تترك مصيرها في الأوقات الحرجة معلقاً على قرار يصدره فرد واحد يخطئ في الأكثر ويصيب أحياناً.
وليست البطولة باستئثار السلطات، والعمل على إضعاف المؤسّسات الاستشارية ـ التي يعبّر عنها بالديمقراطية ـ ولا بالقضاء عليها، كما كان يقول فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الزخرف: 51] (6) أو {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي واميت} [البقرة: 258] (7)، فإنّ أمثال ذلك شأن كلّ جاهل مستبد يستولي على مباهج الدنيا ولذائذها.
الديكتاتور والبطولة
ومن شأن الجاهل المستبدّ أنّه يؤثّر على الجماهير بتقديم وعود لهم كما أنّه ينسب كل إنجاز ناجح إلى شخصه ودون غيره حتّى إنّه إذا جاء المحصول الزراعي وفيراً فإنّ ذلك لا يعود إلى ظروف الطقس، وأتعاب الفلاحين، والرحمة الإلهية، وما أشبه ذلك، وإنّما ينسبه إلى عبقرية نفسه. فكما حكى الله سبحانه وتعالى عن فرعون حيث قال: { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) } [الأعراف: 130] (8)، فلو كانت الحسنة لهم فلماذا لم يفعلوا الحسنة طول عمرهم؟ بل قال الله سبحانه وتعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [الأعراف: 133] (9) وقالوا أخيراً بأنّ الحسنات لهم، بل الحسنات والسيئات من الله سبحانه وتعالى حيث قال: ((إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ))(10)، ولذا لمّا وقع عليهم الرجز قالوا: {يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 134 - 136] (11) .
ولمّا كان الناس يتطلّعون في الأزمات الحرجة من فيضان، أو زلازل، أو حروب، أو قحط، أو ما أشبه ذلك إلى من ينقذهم فإنّه يبثّ في أذهان الجماهير أنّهم يمرّون بفترة حرجة من تاريخهم ثمّ يثير فيهم الشعور بالحاجة إلى بطل ومخلّص وأنّه هو ذلك البطل الذي سيخلّصهم، بينما هو كاذبٌ في الحقيقة، وقد رأينا حكاماً في العراق كيف تحدّثوا عن أنفسهم على أنّهم منقذون ومخلصون للشعب العراقي لكن في التطبيق لم يستفد منهم الشعب سوى الديكتاتورية والاستبداد. فقد قضى صدام على كل الزعامات المنافسة له، فإنه يقدم نفسه باعتباره المخلِّص الوحيد، وإنّه ممدودٌ بعناية من الله ليخدع الشعب. والجماهير غير الواعية بطبيعتها تيسّر للزعيم أن يصبح حاكماً مطلقاً يأمر كما يشاء ويحكم كما يريد، لأنّها بطبيعتها تستسلم للحاكم المثير كلّما آثار ضجّة كما كان يفعل هتلر وستالين ومن إليهم، وعندما يقول كلّ واحد من الناس مقالة أهل الكوفة: ما لنا والدخول بين السلاطين سيتحملون مشقّة شروره أكثر من أن يتحمّلوا محاولة عزله، مع أنّ محاولة العزل قد تكون أيسر بكثير وضريبته أقلّ، والتاريخ الإسلامي يحدّثنا عن الذين أزالوا الوليد على صعوبته، أو أزالوا المتوكّل على صعوبة الإزالة، كان لهم من الخيرات أكثر ممّا لم يزيلوا معاوية (12) حتّى عمل فيهم ما عمل، علماً بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه)(13)، فلو تطوّع واحد أو جماعة لقتله يوم شاهدوه على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)لما حدث ما حدث، إذ لم يكن قتله إلاّ أمراً يسيراً بينما تركوه وشأنه ففعل فيهم الأفاعيل، حتّى إنّي قرأت في بعض الكتب أنّ معاوية أحرق في اليمن ذات مرّة أربعين ألف إنسان، وقضيّة مسرف بن عقبة(14) ومن أشبهه(15) مذكورة في التاريخ. ولذا فاللازم أن ينظر إلى الزعيم من هذا القبيل نظرة ازدراء وكراهة حتّى لو كان مؤمناً بوطنه مخلصاً لما يرى، فهتلر فعل في العالم وبألمانيا ما فعل، ممّا حمّل الشعب الألماني وسائر الشعوب ويلات تلك الـحروب إلى الحال الحاضر، وقد مضى على هتلر نصف قرن.
والغريب في الأمر أنّ الجماهير على ما تشاهده من ديكتاتورية وديكتاتوريين تقدّسهم حتّى بعد موتهم، إذا لم يُزالوا بسبب حرب، أو انقلاب، أو ما أشبه ذلك، وقد حدّثني بعض الأصدقاء الذين سافروا إلى الصين أن الجماهير تقف كلّ يوم أمام قبر ماو تسي تونغ (16) بمقدار ربع ساعة فينظرون إلى موميائه المحنط داخل صندوق زجاجي، وماو تسي تونغ هو الذي فعل بالصين ما فعل من الجرائم، حتّى إنّ إذاعة موسكو اتّهمته بأنّه قتل ما يقارب أربعين مليوناً بالإضافة إلى أنّ الشعب الصيني كان جائعاً في زمانه بحيث إنّ تحية بعضهم لبعض إذا رآه بدل السلام عليه أو السؤال عن صحته يقول له هل أنت شبعان أم لا؟، حيث إنّ كلّ الشعب كان في حالة من الجوع، والمرض، والفقر، والجهل، وما أشبه ذلك، وإنّما التهريج هو الذي جعل منه بطلاً.
نعم، أصلح بعض الأمور الظاهرية، وجعل بعض الحدائق العامّة، ومـا أشبه ذلك، كما فعله البهلوي الأوّل في إيران فإنّه حطّم مراعي إيران وأشغل الناس ببعض المظاهر كالحدائق العامّة، والشوارع، والمتنزهات، وما أشبه ذلك، بينما كانت لإيران قبل بهلوي 33 ألف قناة للمياه تحت الأرض تروي كلّ إيران، حتّى إنهم لم يكونوا يحتاجون إلى الخارج، بينما نشاهد بعد ذلك الشعب الإيراني يحتاج إلى الخارج حتّى في لحومه، وأرزه، وحنطته.
وعلى كلّ حال: فظهر مما ذكرناه الجواب عن أسئلة متعدّدة وهي: من يصنع الشخصية؟ ومن يصنع الحضارة؟ وهل الشخصية تصنع الحضارة أو الحضارة تصنع الشخصية؟ وما هو محور التاريخ؟ هل الأفراد أم الحضارة؟ ولمن يؤرّخ المؤرّخ؟ هل لشخصيّات يراها صنعت التاريخ وأثّرت فيه أم يؤرّخ للحضارات؟ ومن الذي يصنع أحداث التاريخ ويؤثر في مساره؟ هل هم الأفراد أم الجماعات، أو الحكّام أو الشعوب؟ وهل الأحداث التي تصل إلى درجة التأثير والفاعلية من خلق ساسة وقادة بلغوا مرتبة البطولة؟ أم أنّ هذه الحضارة حصيلة بطولة أسهم فيها شعب بجميع أوجه نشاطه الاقتصادي، والاجتماعي، والعلمي، والسياسي، والفكـري، والفنّي، والأدبي، والأسري، فضلاً عـن أنظمته مـن قوانين، وعادات، وتقاليد، وإن كان كلّ واحد من هذه المفردات محلّ تساؤل واختلاف بين الطوائف المختلفة، لكن الذي ذكرناه هو مقتضى المنطق والعقل، فكلّ من الشخصية والحضارة يصنع الآخر، ولا نريد بالحضارة هنا الحضارة الصحيحة الحقّة المزدهرة بل عموم الحضارة، وهي تشمل مختلف الحضارات حتّى القائمة على الاستبداد، والديكتاتورية، والتخلّف مثل حضارة، بني أميّة، وحضارة بني العبّاس إن صح أن نسمي مثل ذلك حضارة، فهي تسمى أيضاً بالحضارة لغة؛ لأنّها مأخوذة من الحضر في مقابل البدو الرحل.
البيئة وأثرها في تكوين الشخصية
ثم إنّ الشخصية الكبيرة والبطل المغوار لا يستطيع التأثير في التاريخ ما لم يكن الزمان والمكان مؤاتيين له، ولما لم تكن الظروف مهيّأة لظهوره، وإنّ البطولة يحدّدها نوع العالم والبيئة التي ينشأ فيها البطل، أو الزعيم، أو الشخصية، وقد ذكرنا سابقاً هذا باستثناء الأنبياء ومن لفّ لفّهم، ـ مثلاً ـ هل كان هتلر يصبح هتلر إذا كان يعيش في لندن، وهل كان ستالين يمكن أن يكون ستالين إذا كان يعيش في باريس؟ هذا بالنسبة إلى الأبطال المزيفين، أمّا الأبطال الحقيقيون كالأنبياء فبعضهم لم يكن الزمان أو المكان مؤاتياً لهم، ولهذا كان الناس يقتلونهم أو يطردونهم، ـ مثلاً ـ النبي دانيال، والنبي حبقوق، طُرِدوا من مكانهم إلى بابل ثمّ من بابل جاؤوا إلى إيران في قرية صغيرة، وأخذ كلّ واحد منهم يبلّغ تبليغاً محدوداً، وهكذا بالنسبة للأنبياء الذين كانوا يُقتلون كما قال الله سبحانه وتعالى: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [البقرة: 91] (17). وهكذا بالنسبة إلى أبطال الفكر، والعلم، والفلسفة، والأدب، والدين، وما أشبه ذلك، إذ يحدّدهم ـ إلى حد ما ـ الزمان، والمكان، والشرائط، والمزايا، فمن المتعسّر أن ينشأ عباقرة الفكر، وعباقرة العلم، أو الفلسفة، أو الأدب، أو ما أشبه ذلك في أمم على درجة كبيرة من التخلّف الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو السياسي، أو ما أشبه ذلك.
والديمقراطية إنّما نشأت في الغرب بعد مقدّمات فكرية قام بها عدد كبير من المفكّرين، وقد قرأت في كتاب أنّ مجموع ما كتب حول الديمقراطية في الغرب قبل ظهور الديمقراطية قد بلغ عشرين ألف كتاب، وعشرين ألف كتاب يحتاج إلى عشرين ألف مفكّر إن قلنا أنّ كل واحد كتب كتاباً واحداً.
وتشرشل(18) الذي انتصر في الحرب العالمية الثانية، لم يكن بوسعه الانتصار
لولا مؤازرة قوى عديدة له، ولذا لمّا رفضه الشعب البريطاني بعد الحرب بعد أن كان منتصراً في الحرب سقط سقوطاً ذريعاً لأنّ الشعب لم يكن يريده، وهكذا لمّا رفض الشعب الفرنسي ديغول (19) وقد دخل فرنسا محرّراً لها من بطش النازيين سقط ديغول على أنّه أيضاً انتصر في الحرب، فاللازم أن تكون هناك قوى مؤاتية زماناً ومكاناً بالنسبة إلى ما يطلق عليه البطل بطلاً، سواء كان بطلاً واقعياً أو بطلاً مزيّفاً.
وعلى أيّ حال: فإنّ البطل سواء كان واقعياً أو مزيّفاً، تسبقه ظروف اجتماعية، واقتصادية، وسياسية خاصّة، تبعث إلى الحاجة إليه فيما إذا كانت الحاجة إلى حدّ الأزمة، فإنّ مثل ذلك يوجب ظهور البطل، فالبطل هو نتاج المجتمع، كما أنّ المجتمع أيضاً بدوره هو نتاج البطل، يؤثّر أحدهما على الآخر كما ذكرنا سابقاً، وليس للتاريخ حركة حتمية مطلقة وإنّما الحركة تكون حتمية واختيارية معاً. فإنّ نظرية الحتمية الاجتماعية تجعل الفرد أسير قوى تاريخية لا يستطيع أن يفلت منها بل الفرد ضئيل إلى جانب هذه القوى ويكون حينئذ الذي يسمّى بالبطل منفّذاً فقط لحركة التاريخ الحتمية.
والزعم الشيوعي بأنّ حركة التاريخ هي حتمية، زعم دلّ الدليل على خلافه، وتحطّم الاتّحاد السوفياتي بنفسه خير دليل على ذلك.
ومن يزعم أنّ أمثال لينين (20)، وستالين، ونابليون (21)، ومن أشبه لو كان غيرهم مكانهم، لم تظهر تلك الحركات، والانتصارات، والانكسارات، وما أشبه ذلك رجمٌ بالغيب، فما هو الدليل على ذلك؟
يقول أحد علماء الغرب: إنّك إن شئت أن تدرك، وتفهم خوارق نظام المجتمع، فإنّك لن تصل إلى ذلك عبر الاعتكاف على قراءة سير الحكّام العظام في التاريخ من القديم حتّى نابليون وفردريك، ذلك أنّ المرء يجد نفسه تائهاً سائراً إلى طريق مسدود، لو نسب أي حادث طبع عصراً تاريخياً بطابعه إلى فرد ما، وقد يلاحظ المؤلّف أنّ فرداً ما، هو السبب المباشر لواقعة حاسمة، ولكن على المؤرّخ أن يتجاوز ذلك ليدرس العوامل التي أنتجت هذا الفرد وحتَّمت عليه أن يفعل ما يفعل. فالمجتمع هو الذي يشكّل الرجل العظيم قبل أن يستطيع الرجل العظيم أن يعيد تشكيل المجتمع.
أقول: وكما ذكرنا فإنّ كلّ واحد من الشخصية والمجتمع، يؤثّر أحدهما في الآخر، ويكون النتاج ما نراه، سواء كان شخصية دينية أو دنيوية، مصلحاً كغاندي(22) في بلاد الهند، أو مفسداً كستالين في روسيا. فمن الضروري أنّ الذي يريد أن يذكر، ويصل إلى فلسفة التاريخ، ويحلّل الأحداث، أن ينظر إلى الأمرين معاً نظير قوله:
مسألة الدور جرت بيني وبين من أحبّ*** لولا مشيبي ما جفت لولا جفاها لم أشب
وهكذا نجد الأمر كذلك في كلّ مناحي الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والتربوية، والعسكرية، والعائلية، فالمجتمع هو الذي يوجد الشخص الاقتصادي، والشخص الاقتصادي هو الذي يوجّه المجتمع إلى الاقتصاد، سواء كان الاقتصاد سليماً أو منحرفاً بحق أو بباطل، وهكذا بدا الاقتصاد لماركس كأنّه العامل الأوّل والأخير في تحريك دواليب الحياة، وكما يرى هيجل (23) من أنّ الروح هي التي تؤثّر، أو كما يراه فرويد من أنّ الجنس هو المؤثر
على حياة المجتمعات، كل ذلك انحراف عن الواقع، والنظر إلى شيء من زاوية واحدة لا من زوايا مختلفة.
والشخص الذي يكتب فلسفة التاريخ، لا يمكن أن يعتمد على مثل هذه الأفكار التي تخالف الفطرة البشرية.
نعم، من الصحيح أنّ الفطرة والعقل هي أساس الحركات الاجتماعية، فالصحة تكون منهما، والزيف يكون بالزيغ عنهما.
ومن الواضح أن الزيف إنّما يكون زيفاً عن شيء صحيح. أمّا ما لا صحيح له، فلا يعقل أن يكون فيه زيفٌ.
مثال ذلك مثل الدينار المزيّف؛ فإنّه إذا لـم يكن ديناراً صحيحاً، لم يكن ديناراً مزيّفاً، فإنّ الباطل يظهر نفسه بمظهر الحقّ حتّى يكون له سوق، وإذا لم يكن هنالك حقٌّ في ناحية من نواحي الحياة، لم يكن هنالك باطل.
مثلا آخر: الجبان يُظهر نفسه بمظهر الشجاع، والشجاع كائن خارجاً، والبخيل يظهر نفسه بمظهر الكريم، وإذا لم يكن كريم لم يكن هنالك بخيل بهذا المعنى، وهكذا الأديان المزيّفة والقوانين الفاسدة تظهر نفسها بمظهر الأديان الصحيحة والقوانين المستقيمة.
وهناك بعض الشواهد التاريخية التي تدلل على ذلك، يقول أحد الرواة: رأيت شمراً قاتل الحسين (عليه السلام) في مسجد الكوفة يصلّي جماعة قبل ظهور المختار فلمّا أكمل صلاته رفـع يديه وقال: يا ربّ، إنّك تعلم أنيّ شريف!، فقلت له: ويلك قتلت الحسين، وسبيت أهله، وحرقت خيامه، ومع ذلك أنت شريف، قال: كنت مأموراً، والمأمور معذور.
وحتّى شمر بن ذي الجوشن بهذه الجرائم، يحاول أن يتظاهر بأنه شريف، لوجود بعض الشرفاء في المجتمع.
ومثله قال عمر بن سعد حيث لم يسلّم عليه بُرير، قال يا بُرير، لم لا تسلّم عليّ، أزِعمت أنّي لست بمسلم؟.
قال له بُرير: ويلك، تفعل هذه الأفاعيل ثم تزعم أنك مسلم.
فإذا لم يكن هناك مسلم، ما كان عمر بن سعد يزعم أنّه مسلم، فإنّ المتاع المزيّف إنّما يروّج نفسه باسم المتاع الصحيح.
والحاصل: أنّ من يريد البحث في فلسفة التاريخ ويدوّن ما يحصل من نتائج بكتابة، أو مقالة، فالمفترض أن يراعي الجانبين الشخصي والمجتمع، فبدون هذه النظرة لا يتمكّن أن يصل إلى رؤية صحيحة للتاريخ.
________________
(1) وهي سلالة إسلامية شيعية، تأسست على أنقاض الحكم المغولي التيموري، وتنسب إلى (صفي الدين الأردبيلي(، المولود سنة 650ه (1252م) والمتوفى سنة 735ه (1334م) ؛ والذي قضى على (الآق قيونلو( واتخذ (تبريز( عاصمة له، ولقّب ب(شاه(، وحكمت هذه السلالة إيران مدة مائتين وخمس وثلاثين سنة منذ سنة 905ه (1500م) وإلى 1140ه (1728م)، ثم جاء بعده (شاه إسماعيل بن حيدر الصفوي(، المولود سنة 893ه (1488م)، والذي حكم من سنة 905ه (1500م) واستمر إلى 930ه (1524م)، وقد خاض حروباً متعددة مع العثمانيين ؛ والذين هزموه في معركة (جالدران( قرب مدينة (تبريز( سنة 920ه (1514م)، ثم حكم من بعده ابنه (طهماسب الأول(، الذي اتّخذ (قزوين( عاصمة له سنة 962ه (1555م)، والذي حكم 54 سنة، ثم جاء بعده (إسماعيل الثاني( وحكم سنتين، ثم من بعده (محمد خدابنده بن طهماسب الأول( وحكم عشر سنوات، ثم (شاه عباس الأول ابن محمد(، الذي نقل العاصمة إلى أصفهان سنة 1001ه (1593م)، وحكم أربعاً وأربعين سنة، ثم جاء بعده شاه سليمان، حفيد شاه عباس الأول. وكان آخر ملوكهم (شاه حسين(، الذي حدثت في عهده فتنة (الأفغان( ؛ عندما احتلّ ملكها (شرف الأفغاني( أصفهان، واعتقل (شاه حسين( وقتله سنة 1140ه (1728م) وتركه ثلاثة أيام بدون غسل ولا كفن، وأمر ملك الأفغان بهدم المدارس والمساجد والحمّامات في إيران.
(2) سورة آل عمران : الآية 26.
(3) سورة النساء : الآية 78.
(4) سلمان الفارسي : زوريه بن خشفوذان، وسمّاه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)بـ(سلمان)، عالم ومحدث وقائد إسلامي، ترك أهله ووطنه أصفهان، هاجر في سبيل الوصول إلى المنهج الروحي، الذي يستقي منه تعاليم الدين ؛ فذهب إلى الشام والإسكندرية والحجاز ولاقى في رحلته هذه من المصائب والمحن ما يعجز البيان عن ذكره. أسلم على يد الرسول (صلى الله عليه وآله)في السنة الأولى للهجرة ؛ وقال(صلى الله عليه وآله)في حقه : (سلمان منّا أهل البيت( وآخى الرسول(صلى الله عليه وآله)بينه وبين أبي ذر(، واشترك معه في غزواته وحروبه، فشارك في غزوة الخندق سنة 5 ه، وأشار بحفر الخندق ؛ ليقي المسلمين من هجمات قريش، وشارك في حرب ثقيف بالطائف ؛ وأشار باستعمال المنجنيق، كما وشارك في فتح المدائن الغربية ـ بهرسير ـ، وفتح المدائن ـ توسفون ـ ؛ وتولى إمارتها في عهد عمر بن الخطاب وبقي فيها إلى أن وافاه الأجل سنة 34هـ، وقيل : 36ه. وعاش على أقل التقادير مائتين وخمسين سنة، وقيل: ثلاثمائة وخمسين سنة، وقيل : إنه أدرك بعض أوصياء عيسى (ع). ترجمه سفينة البحار: ج1 ص 648، تهذيب الأسماء واللغات : ج1 ص 226، الاستيعاب بهامش الإصابة: ج2 ص 58 ـ 59.
(5) المقداد بن الأسود الكندي، وهو ابن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة البهرائي، لُقّب بالأسود ؛ نسبةً لحليفه الأسود بن عبد يغوث الزُّهري، وبالكندي ؛ نسبة إلى حلفاء أبيه، صحابي جليل ومجتهد كبير وفارس شجاع، وكان يعادل ألف فارس على حدّ تعبير عمرو ابن العاص ؛ كما ذكر ذلك اليعقوبي في تاريخه : ج1 ص 148، اشترك في غزوة (بدر( سنة 2 ه وقد وصف الإمام أمير المؤمنين (ع) شجاعته قائلاً : (ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد بن عمرو(، اشترك في معركة (أحد( سنة 3 ه و(الغابة( و(خيبر( و(فتح مصر( ؛ كما ذكر ذلك في الغدير : ج9 ص 116، وتهذيب الأسماء : ج2 ص 112، والإصابة : ج3 ص454. قال عنه الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله): (أمرني ربّي بحب أربعة من أصحابي وأخبرني أنه يحبهم. فقيل : يا رسول الله، من هم؟ قال (صلى الله عليه وآله): علي والمقداد وسلمان وأبو ذر(، وقال(صلى الله عليه وآله)في حقه : (وذاك منا، أبغض الله من أبغضه وأحب الله من أحبه(، وقال(صلى الله عليه وآله)أيضاً : (الجنة تشتاق إليك يا علي وإلى عمار وسلمان وأبي ذر والمقداد(، وأشهر ألقابه : (حارس رسول الله(صلى الله عليه وآله)(؛ كما نقل ذلك مستدرك الوسائل : ج3 ص 348، زوّجه الرسول(صلى الله عليه وآله)ب(رباعة بنت الزبير بن عبد المطلب)، وقف في وجه الخط الانحرافي الذي سرى في القيادة بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وجاهر بالمخالفة للثلاثة، وكان يقول : (واعجباً من قريش واستئثارهم بهذا الأمر على أهل هذا البيت، معدن الفضل، ونجوم الأرض , ونور البلاد، والله، إنّ فيهم لرجلاً ما رأيت رجلاً بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)أولى منه بالحق ولا أقضى بالعدل ولا آمر بالمعروف، ولا أنهى عن المنكر(، وعارض تصرفات ثالثهم بالخصوص ـ عثمان ـ في نهب أموال المسلمين وتقسيمها بين أقربائه، توفي سنة 33ه (653م)، وعاش سبعين سنة.
(6) سورة الزخرف : الآية 51.
(7) سورة البقرة : الآية 258.
(8) سورة الأعراف : الآيات 130- 131.
(9) سورة الأعراف: الآية 133.
(10) سورة الإسراء : الآية 131.
(11) سورة الأعراف : الآيات 134- 136.
(12) معاوية بن صخر بن حرب بن أمية الأموي، مؤسس الدولة الأموية في بلاد الشام، وأمّه هند بنت عتبة، المشهورة بالزنا والملقبة ب(آكلة الأكباد)، أسلم يوم الفتح، ولاّه عمر بن الخطاب الأردن ثم دمشق معها، وولاّه عثمان بن عفّان كلّ بلاد الشام، عزله الإمام أمير المؤمنين (ع) مـن منصبـه ثـم حـاربـه فـي واقعـة صفين، التي كانت الميزان فـي تشخيص الباغي لدى الصحابة، حيث قال النبي (صلى الله عليه وآله)لعمار بن ياسر : (يا عمار، تقتلك الفئة الباغية)، مات في دمشق سنة 60ه (680م) بعد أن حكم 20 سنة في الخلافة وحكم أربعين سنة في الإمارة، أشهر فضائله ؛ كما عن ابن خلكان في ترجمة النسائي، عندما سئل عن معاوية وما روي من فضائله، قال : (ما أعرف له فضيلة إلاّّ (لا أشبع الله بطنه)( ؛ وهذه الكلمة قالها الرسول(صلى الله عليه وآله)في حقّه، انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص55.
من مثالب معاوية أنه كتب إلى عماله في جميع الأمصار أنْ يسبوا الصحابة أمثال علي بن أبي طالب(ع)، كما أنه حوّل الحكومة إلى استبدادية وشخصية وجعل البلاد إرثاً له ولأقربائه، وجمّد الحركة الفكرية الإسلامية عبر القضاء على الصحابة ؛ فقد قتل عمار ابن ياسر وحجر بن عدي الكندي وأصحابه ومحمد بن أبي بكر ومالك الأشتر وعمرو بن الحمق الخزاعي ( والإمام علي والإمام الحسن(، وقضى على المعارضة الداخلية بتوجيه الناس إلى الحروب الخارجية ؛ وقد أشار لعثمان بذلك حيث قال له : (رأي لك يا أمير المؤمنين، أنْ تأمرهم بالجهاد يشغلهم عنك وأن تجمهرهم في المغازي حتى يذلّوا لك فلا يكون همُّ أحدهم إلاّ نفسه(، وكان يأخذ على التهمة والظنة حتى كان الرجل يسقط بكلمة فيضرب عنقه، وكتب إلى عماله وولاته في جميع البلاد والأمصار أمثال بسر بن أرطأة، واليه على المدينة ومكة واليمن ؛ والغامدي واليه على الأنبار ألا يجيز لأحد من شيعة علي(ع) ولا من أهل بيته ولا من أهل ولايته، الذين يرون فضله ويتحدثون بمناقبه شهادةً، وكتب أيضاً : (انظروا من يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان ولا تجيزوا له شهادة(، وفي كتاب آخر : (من اتهمتموه ـ أنه محب لعلي ـ ولم تقم عليه بينة فاقتلوه(، وأمر سفيان بن عون الغامدي حين أرسله للعراق : (اقتل من لقيته ممن هو ليس على مثل رأيك واخرب كل ما مررت به من قرى(، للمزيد راجع تاريخ بغداد : ج1ص207، أسد الغابة : ج4 ص385، الإصابة : ج3ص33، شذرات الذهب : ج1ص65، تهذيب التهذيب : ج10ص207، الكامل في التاريخ : ج3، وفيات الأعيان : ج1 ص77، منهاج البراعة : ج7 ص142ـ 143.
(13) وقعة صفين : ص216، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص 32 ب 54، وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص176 ب27، ونهج الحق : ص 309 »(إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه( «.
(14) مسلم بن عقبة وسمي ب(مسرف( ؛ لكثرة سفكه للدماء ؛ قاد جيشاً من أهل الشام لقتال أهل المدينة قوامه خمسة آلاف في 28 ذي الحجة سنة 64ه، وقيل : 63ه، حيث قال له معاوية : (واجعل طريقك على المدينة فإن حاربوك فحاربهم وإن ظفرت بهم فأبحهم ثلاثاً(. وتقاتل مع أهل المدينة وكان أميرهم عبد الله بن حنظلة، غسيل الملائكة، وقُتل عبد الله مع سبعمائة من المهاجرين والأنصار والموالين ؛ كما ذكر ذلك في البداية والنهاية : ج8 ص222، بالإضافة إلى عشرة آلاف شخص من الرجال والنساء والأطفال، ودخل (مسرف( المدينة وأباحها ثلاثة أيام لجنوده وسرقوا أموالهم وممتلكاتهم وهتكوا أعراضهم وقد ورد في التاريخ أنهم زنوا في المسجد النبوي حتى وَلَدت ألف امرأة بكر من الزنا بعد الواقعة وعرفوا بأولاد(الحرّة(، وأخذ الناس على أن يبايعوا أنهم عبيد ليزيد ؛ فكان الرجل من قريش يؤتى به فيقال : بايع على أنك عبد قن للخليفة، فيقول : لا، فيضرب عنقه، وبعد أن فعل الأفاعيل بالمدينة، توجه إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير الذي رفض البيعة ليزيد بن معاوية، ومات في الطريق في منطقة تعرف ب (الغدير(، واستخلف الحصين بن النمير لقيادة الجيش.
(15) أمثال بسر بن أرطأة العامري، الذي أرسله معاوية لمحاربة أهل مكة والمدينة سنة 40ه ؛ حيث قال له : (سر حتى تمر بالمدنية فاطرد الناس وأخف من مررت به وانهب أموال كل من أصبت له مالاً ممّن لم يكن قد دخل في طاعتنا(، وعندما دخل المدينة قتل الرجال والأطفال وسبى النساء فكن أول مسلمات سبين في الإسلام، وقد باع معاوية النساء المسلمات المسبيات في الأسواق، فكان يكشف عن سيقانهن فأيّها أعظم ساقاً تشترى بثمن غالٍ، وعندما أرسل معاوية بسر بن أرطأة ?إلى اليمن وكان عليها عبيد الله بن العباس والي الإمام علي بن أبي طالب(ع)، هرب عبيدالله حين أحس بهجوم بُسُر عليه وعندما دخل بُسُر اليمن، فعل ما فعل بأهل المدينة، وسبى النساء وقتل الأطفال حتى إنه ذبح القثم وعبد الرحمن، أطفال عبيد الله بن العباس، وكانا في حجر أمهما، وعندما شاهدت أمهما هذا المنظر انهارت وأخذت تنشد :
ها من أحس بابني اللذين هما
حدثت بسراً وما صدقت ما زعموا من
انحى على ودجي ابني مرهفه مشحوذة
سمعي وعقلي فعقلي اليوم مختطف
قبلهم ومن الإثم الذي اقترفوا
وكذاك الإثم يقترف
وفي أيام ولايته على البصرة، فتك بأهلها وقتلهم حتى ضج الناس لما أصابهم منه.
وأمثال سمرة بن جندب، الذي بذل له معاوية أربعمائة ألف درهم لروايته أن قوله تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ)) البقرة 204، نزلت في حق علي (ع)، وأن قوله تعالى : ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)) البقرة 207 ؛ نزلت في حق ابن ملجم ، وقد قتل سمرة ثمانية آلاف شخص في الكوفة ؛ فقيل له : (هل تخاف أن تكون قتلت أحداً بريئاً؟ فأجاب : لو قتلت مثلهم ما خشيت( !!، راجع في ترجمته الإصابة : ج2 ص 78، الكافي (روضة) : ج8 ص 332، أسد الغابة : ج2 ص 354، الجرح والتعديل : ج4 ص 154، شذرات الذهب : ج1 ص 65، الكنى والألقاب : ج3 ص 23، تهذيب التهذيب : ج4 ص236، تاريخ الطبري : ج4 ص 215، الكامل في التاريخ : ج3 ص462 و 495، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج4 ص 73 ـ 79.
(16) زعيم صيني، ولد سنة 1893م، ومات سنة 1976م، قاد ثورة على الحكم سنة 1927م وقاد مسيرة سنة 1934م ثم تراجع أمام الجيش، مؤسس الحزب الشيوعي الصيني، أصبح رئيساً للصين الشعبية سنة 1954م، واستمر في الحكم إلى سنة 1959م، نادى بالثورة الثقافية سنة 1966م، من مؤلفاته: (الكتاب الأحمر).
(17) سورة البقرة : الآية 91.
(18) ونستون تشرشل، أحد القيادات السياسية البريطانية، الذي أنقذ بلاده من الهزيمة إلى النصر في الحرب العالمية الثانية والتي عبر عنها: (الحرب التي لا ضرورة لها(.
ولد في مدينة أكسفورد في 30 تشرين الثاني سنة 1874م، تخرج ضابطاً في الجيش برتبة ملازم سنة 1895م، تولّى وزارة البحرية سنة 1911م ـ 1915م، وتولّى وزارة التموين سنة 1917م والحربية سنة 1918م ثم وزارة المستعمرات والمالية 1925م والحربية مرّة ثالثة سنة 1939م، أصبح رئيساً للوزراء بين سنة 1940ـ 1945م وسنة 1951ـ 1955م كما ترأس حزب المحافظين، مات في 25 كانون الثاني 1965 عن عمر يناهز 91سنة، له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، منها : (مذكرات تشرشل(، (رحلتي لإفريقيا(، (الأزمة العالمية(، (أفكار ومغامرات(، (خطوة خطوة(، (الحرب الكونية الثانية(، (تاريخ الشعوب الناطقة بالإنجليزية(.
(19) الجنرال شارل ديغول، ولد سنة 1890م، قائد فرنسي، دعا إلى مقاومة الألمان بعد هزيمة 1940م في نداء مشهور أطلقه من لندن ؛ كما رفض الاعتراف بحكومة فيش في نفس السنة، ترأس الحكومة المؤقتة بين سنة 1944م ـ 1946م، أصبح رئيساً للجمهورية الخامسة بين سنة 1959ـ 1969م حيث قدم استقالته، ومات سنة 1970م، من مؤلفاته : (مذكرات ديغول(.
(20) فلاديمير إيليتش أوليانوف، المشهور ب(لينين) نسبة إلى اسم نهر لينا حيث كان منفياً على ضفافه في العهد الملكي الإمبراطوري، زعيم وكاتب روسي، ولد سنة 1870م ومات سنة 1924م، دخل المعترك السياسي بتأسيس الحزب الشيوعي في روسيا وقاد الثورة البلشفية سنة 1917م وأطاح بحكومة كيرنسكي، أسس الاتحاد السوفياتي السابق وأصبح رئيساً للبلاد بين سنة 1917م ـ 1924م، أهم مؤلفاته : (الاستعمار أعلى مراتب الرأسمالية(.
(21) نَابِلْيُون بُونَابَرْت، ولِدَ سنة 1769م في جزيرة كورسِيكَا، أحد أبرز القادة العسكريين في فرنسا، قاد الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798م، واستطاع أن يحتل الإسكندرية بعد معارك دامية ثم احتل القاهرة في 27 تموز سنة 1798م، ثم احتل الشام في شباط 1799م ثم مدينة (يافا(، التي أحدث فيها مجازر مروعة ثم حاصر (عكا( في 19 آذار 1799م، ولم يستطع أن يحتلها، كما خاض حروباً مع العثمانيين سنة 1799م في (تل طابور( و (أبو قير(، حكم سنة 1804م واستمر في الحكم الى سنة 1814م، وغزا روسيا 1812، وتنازل عن العرش سنة 1814م ؛ إثر حربه مع روسيا وبريطانيا والسويد والنمسا الذين شكلوا تحالفاً ضده وانتصروا عليه في معركة (الأمم( سنة 1813م، ونفي إلى جزيرة (إليا( ثم إلى (سانت هيلانة( التي مات فيها سنة 1821م.
(22) المهاتما غاندي، ولد في (بور بند( الهندية سنة 1286ه (1869م)، واغتيل سنة 1367ه (1948م)، بدأ كفاحه السلمي لتحرير الهند سنة1337ه (1919م)، وتزعم حزب المؤتمر، سعت جهوده إلى تحرير الهند من الاستعمار البريطاني، عبر وسيلة المقاومة السلبية ـ اللاعنف ـ والعصيان المدني والصوم، وقد كلّفه صراعه أن يدخل السجن عدّة مرات، من مؤلفاته : (قصة تجاربي مع الحقيقة).
(23) جورج ولهام فريد يريك، المشهور بهيجل، صاحب النظرية الديالكتيكية أو الجدلية، ولد سنة 1770م، ومات في برلين بسبب الكوليرا سنة1831م، درس في جامعة (هير لبرغ( وبرلين قرابة الخمسة عشر عاماً، له سبعة مؤلفات هي : (موسوعة العلوم الفلسفية)، (منطق وفلسفة الطبيعة)، (فلسفة الجمال)، (تاريخ الفلسفة(، (دروس في فلسفة الدين(، (مبادئ فلسفة الفقه(، (فينومولوجيا الذهن( ؛ والذي يتعرض فيه للظواهر الذهنية وآثارها في حياة الإنسان. للتفصيل راجع حياة هيجل للدكتور عبد الرحمن البدوي.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|