المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6667 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



مهمّة المؤرّخ  
  
2220   09:33 صباحاً   التاريخ: 19-4-2019
المؤلف : السيد محمد الحسيني الشيرازي
الكتاب أو المصدر : فلسفة التاريخ
الجزء والصفحة : ص 71- 79
القسم : التاريخ / التاريخ والحضارة / التاريخ /

مهمّة المؤرّخ

 على المحلل التاريخي أن يراعي ظروف الزمان والمكان والشرائط والخصوصيات والملابسات للأحداث والأمم التي أصابتها تلك الأحداث، وألاّ يصدر أحكام الزيغ والضلال على الماضي، أو إصدار أحكام الزيغ والضلال على المستقبل حسب موازينه الشخصية.

إنّ إصدار أحكام الزيغ والضلال خاصّ بالله سبحانه وتعالى وبأنبيائه عليهم أفضل الصلاة والسلام سواء كان بالنسبة إلى الماضي أو بالنسبة إلى المستقبل، فلا يحقّ للمؤرّخ والفيلسوف أن يجعل من نفسه واعظاً عقيدياً معتمداً على ذوقه الشخصي، لأنّ ذلك لن يؤدّي إلاّ إلى أحكام خاطئة إذا قيست بعقلية ذلك العصر، الذي يدرسه سواء بالنسبة إلى العصر الماضي أو العصر المستقبلي، فإنّ لكلّ عصر تاريخاً بل لكلّ حقبة ذلك، كما أنّ لكلّ حضارة شخصيتها وقيمها، وليس للمؤرّخ أن ينظر إلى الماضي من خلال معايير الحاضر، كما أنه لم يكن للمؤرخ السابق أن ينظر إلى الحضارة الحاضرة حسب مقاييس الماضي، وإن كان بين الماضي والمستقبل والحاضر معايير كلّية هي كالروح السائدة في أجزاء البدن، أمّا الوصول إلى ذلك فهو مشكلة المشاكل، ولا يمكن إلاّ بقدر معين من العلم وقدر معين ممّا ورثه الإنسان عن الأنبياء عن الله سبحانه وتعالى. فإنّ الإنسانية ليست شكلاً واحداً ولا طابعاً مستقلاً ولا نمطاً متفرداً ماضيه ومستقبله وحاضره، إلاّ في صور خاصّة وموازين قطعية.

ولذا ينبغي التعبير عن كلّ عصر بتعبيرات خاصّة به، لأنّ لكلّ عصر ولكلّ أمّة طابعاً فريداً غير قابل للتكرار، بل قال بعضهم: إنّ كلّ فرد من الإنسان كلّي منحصر بفرده في الخصوصيات والمزايا والشرائط والأفكار وما أشبه ذلك، وقد أشار إلى ذلك القرآن الحكيم ـ فإنّه قابل للتطبيق على الأمم وعلى الأفراد وعلى الجماعات ـ قال الله سبحانه وتعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17] (1)، فإذا أردنا أن نمثل ذلك بأوانٍ، فهناك إناء يستوعب مثقالاً من الماء وهناك إناء فوق ذلك وفوق ذلك إلى أن يصل إلى بحار الدنيا، حتّى يصل إلى ما يكون بحار الدنيا جزءاً صغيراً منها كما قال سبحانه وتعالى: { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] (2)، فأفضل ما خلق الله الماء في إطار الماديات ثمّ جعل من الماء السماء كما قال سبحانه وتعالى: {وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] (3)، ولا نعلم إلى اليوم أنّ المراد بسبع سماوات هل العدد أو المبالغة كما قال: بكلٍّ بعضٌ.

وعلى كلّ حال: فليست الحضارة المصرية القديمة كالحضارة العراقية، أو الآشورية أو ما أشبه ذلك، كما أنّهما لا يشابهان حضارة الصين، أو حضارة اليونان، أو حضارة الرومان، وهكذا لا تشابه بين حضارة اليهود الموسوية، وحضارة المسيحيين العيسوية، وحضارة المسلمين المحمّدية صلوات الله على أنبياء هذه الحضارات، وإن كان يشبـه بعضهـا بعضـاً في الجامع الذي أقرّه الله سبحانه وتعالى، حيث قال: { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [البقرة: 136] (4)، فإنّ (الأنبياء أخوة من أمّهات شتى) (5)؛ كما ورد فـي الحديث، وإنّما الفروق تكون زمانية ومكانية وحسب خصوصيات الأمم. ولذا قال عيسى المسيح (ع) لليهود: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [آل عمران: 50] (6)، وقال سبحانه وتعالى: {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ } [البقرة: 286] (7)، ثمّ غير تلك الجهة العامّة بالنسبة إلى الحضارات المختلفة، فقد تشكّلت كلّ منها بطريقة متمايزة منفردة؛ ومن ثمّ وجب على المؤرّخ أن يلاحظ العصر الذي يدرسه والدين الذي يدرسه وما أشبه ذلك.

وعليه، فاللازم على من يريد معرفة فلسفة التاريخ ألاّ يتجاوز ظروف الزمان والمكان والشرائط والخصوصيات والأمم، حتّى يصدر أحكاماً مطلقة، فهذا غير صحيح، إلاّ في الكلّي العامّ الدقيق الجاري في الكلّ، مثال ذلك مثال الفواكه المختلفة التي فيها جامعٌ عامٌ من العناصر الأربعة، بينما لكلّ واحد منها لون وشكل وطعم وخصوصية ومزيّة وخاصيّة وغيرها.

وقد قرأت في بعض الكتب أنّه يعيش على الكرة الأرضية 30 مليوناً من الأحياء سواء كانت أحياء نباتية أو أحياء حيوانية أو أحياء إنسانية، وهذه الثلاثون مليوناً على فرض صحة هذا الرقم فيها جامعٌ واحدٌ من الحياة النباتية أو الحيوانية أو الإنسانية، بينما لكلّ واحد منها خصوصية ومزيّة، كما نشاهد ذلك بالنسبة إلى النباتات المختلفة، فأحدها لا يشبه الآخر إطلاقاً، وإن كان في الجميع جامع واحد يعبّر عنه بالنبات، أو بالنسبة للحيوان يعبّر عنه بالحيوان.

المنهج المادّي في دراسة العلوم

لا يتسنى التعرّف على روح الأمّة، وشخصيتها المعنوية، وفلسفة التاريخ بمنهج العلوم الطبيعية من فيزيـاء وكيمياء؛ إذ هذه العلوم الطبيعية لا تكشف إلاّ عمّا هو ظاهري وخارجي، بينما فلسفة التاريخ أمرٌ معنوي، وروح عامة. والماضي التاريخي والمستقبل الآتي والحاضر أمر روحي، ولا يمكن التعرّف على الروح من الظاهر، وإنّما الروح هي التي تعرف الروح، أمّا الظاهر فيعرَّف بظاهر ويعرِّف الظاهر. فالروح الداخلية للإنسان هي التي يمكن أن تكشف روح العصر سابقاً أو حالاً أو مستقبلاً، فلابدّ للمؤرِّخ الذي يريد أن يتعرّف على شخصية الأمّة ويصل إلى روحها العامة ـ ممّا نسميه بفلسفة التاريخ ـ أنْ يتفاعل مـع الأمّـة وأنْ يستشعر فـي ذاته تراث الأمّة، ولا يتسنى فهم ذلك من خلال الأمور الطبيعية والعلوم الظاهرية، فإنّ الإنسان ليس مجرّد عقل، ولا مجرّد عاطفة، ولا ما ينبع عنهما من الإرادة المنتهية إلى الأعمال الخارجية، بل الإنسان كلّ ذلك.

وفي هذه الأمور الفردية تختفي الروح العامة كما لا تفهم شخصية الإنسان إلاّ في ضوء هذه الجوانب كلّها، أي إنّك إذا أردت أن تعرف زيداً، فلابدّ أن تسبر عقله، وتعرف عواطفه، وتدري كيفية استخدامه لإرادته، كذلك الروح المميّزة للأمّة في عصر معيّن، لا تفهم إلاّ في ضوء مكوّناتها جميعاً. وليست هذه الأمور مجرّد أفعال خارجية، وأمور ظاهرية من اقتصاد، وسياسة، واجتماع، وتربية، وفكر، وما أشبه ذلك، وإنّما طبيعة باطنية، تكمن خلف هذه الأفعال، وتشكّلها في صور مختلفة، ونواحٍ متعدّدة، وكما لا يمكن فهم الإنسان الواحد إلاّ من خلال مرور الزمان، وعبر مظاهر إرادته، وليست البواعث الذاتية محدّدة تحديداً جازماً لسلوكه، كما تحدّد خصائص الشجرة وفقاً للبذرة، وكذلك بالنسبة إلى الحيوان، فإنّ البذرة، والحيوان الصغير، إذا رآه الإنسان، وكان عارفاً بنوعيته وخصوصياته، يعرف الشجرة، والحيوان الكبير المتحوّل من هذا الحيوان الصغير، وليس الإنسان كذلك من حيث علاقته بالتاريخ الماضي، وكذلك المستقبل، فإنّ الحياة البشرية طابعها الاستمرار كلّ لحظة، ترتبط بأخرى لتكوِّن وحدة متكاملة، وهذا الإنسان يتغيّر تغيّراً سريعاً، ويتنوّع تنوّعاً مختلفاً، وبينما نشاهد أنّ الحيوان منذ أنْ حفظ التاريخ لم يتغيّر عن حالته السابقة، وإنّما يعمل النحل بكيفية خاصّة، والنملة بكيفية خاصّة، وهكذا بالنسبة إلى الأسد، والدبّ، وسائر الحيوانات، بينما نرى الإنسان في ارتقاء وانخفاض، وصعود ونزول، وتوقف وتحرّك، لأنَّ الإنسان يحمل إرادة واعية، ويتصرُّف باختيار، وحرية في المواقف التي تواجهه، لذلك لا يمكن تخمين رد الفعل الإنساني في استجابته. أمّا الحيوان؛ فإنّه يتصرّف حسب غريزته؛ لذلك يكون ردُّ فعله واحداً.

كما هو بالنسبة إلى الفرد، كذلك بالنسبة إلى الأمّة، فإنّ الإرادة والاختيار شيء غريب في الإنسان لا يعرف حقيقتهما إلاّ الله سبحانه وتعالى، وقال عزَّ وجلَّ: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] (8)؛ أيّ خلقه وهداه إلى مصالحه مستمرّاً وهكذا في الحيوان على نحو واحد، مع تغيير يسير في سلوكه وحياته، وكذلك حال الشجرة، والفرق بينهما الروح الحيوانية، وعدم الروح الحيوانية. كما أنّ هناك فرقاً آخر بين الحيوان والشجر، إنّ الشجر مرتبط بالأرض، بينما الحيوان يتحرّك هنا وهناك، بينما الإنسان يختار، ويفعل، ويتغيّر يوماً بعد يوم، ارتفاعاً ونزولاً، وقلّةً وكثرةً، وتجدّداً وتجمّداً.

وتفهم الحياة الإنسانية في ضوء الاستمرار، والتنوّع، والتغيّر في الزمان، وليس هناك أيّ كائن حيّ آخر تتسم حياته بذلك حسب علمنا، إذ نحن لم تصل علومنا إلـى معرفة سائر الكائنات الحيّة بخصوصياتها كالجنّ، والملك، والشيطان، وما أشبه ذلك، لكن مقتضى أنّ الأنبياء بعثوا إلى الجن والأنس، وأنّ الجن أيضاً له شبه بالإنس في بعض الخصوصيات، ولذا كان عرضة للامتحان، والسؤال والجواب، والثواب والعقوبة، ولكن من الظاهر أنّه لا يصل إلى حدّ الإنسان في الوصول إلى هذه الخصوصيات، ولذا فقد ورد في الأحاديث: (إنّ محلّ الجنّ الصالح الأعراف لا الجنّة) .

ومن ناحية أخرى، فإنّ حاضر الإنسان مشحون في الماضي، كما أنّ الحاضر مشحون بتوقّعات المستقبل، ولذا نجد آنات الزمان لدى الإنسان في ديمومة، وانفصال، واستمرار، وعلوّ، وهبوط، وتجدّد، ولا نجد مثل هذا الاتّصال أو الاستمرار في العالم الطبيعي، ولا في مثل عالم الحيوان والشجر. وإذا انتقلنا من الفرد إلى المجتمع، وجدنا الماضي ماثلاً في الحاضر على نطاق أكثر اتساعاً متّخذاً شكل تراث من أنظمة، وعقائد، وأفكار، ومعارف، وصنائع، واقتصاديات، وسياسيات، واجتماعيات، وغير ذلك ممّا يشكّل تراث الأمم، ومن ذلك نعرف شخصيات أولئك والروح العامة فيهم ممّا نسميه بفلسفة التاريخ، والمقولات الأساسية التي تميّز الزمان التاريخي هي التنوّع، والتغيّر، والديمومة، والصعود، والنزول، والتجدّد، والتجمّد.

ولابدّ أن تكون للمؤرّخ الذي يريد دراسة التاريخ، والوصول إلى الروح العامة منه، حاسّة تاريخية كي يدرك ذلك، ومن ثمّ يتجنّب النظر إلى الماضي باعتباره صورة مماثلة للحاضر من جانب السابق، وهكذا بالنسبة إلى المستقبل في الجانب الآتي. فلا يستطيع المؤرخ أن يستنسخ الماضي، أو المستقبل حسب محدوديته، ونظرته الضيقة في الحاضر.

دور القيم والمشخص

ثمّ لا يخفى أنّ الحضارة جوهرها القيم، فإنّ القيم المعنوية هي التي تدير الحضارة بصور مادّية مختلفة، فقيم الشيوعيين هي التي تدير الشيوعية، كما أنّ القيم الرأسمالية هي التي تدير الرأسمالية، وقيم الإسلام هي التي تدير بلاد المسلمين، والأمر كان كذلك من القديم، لأنّ الإنسان هو الذي أقامها، وإن كان ما يقدّمه الإنسان جوهره القيم، ولكنهّ ليس معزولاً عن الوجود المشخّص.

ومـن هنـا لـم تكـن القيم تنتمي إلى الإنسان فقط، بل إلى الوجود المشخّص أيضاً. إذ لا وجود بغير تشخّص، فإنّ الكلّي الطبيعي على اصطلاح المنطقيين هي الماهية بالوجود المشخّص كما قال الحاج السبزواري:

كليّ الطبيعي هي المهية***وجودُه وجودها شخصيّة (9)

فعلاقة الإنسان بالوجود، وعلاقة الوجود بالإنسان، وعلاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى إنّما تكون علاقة ذات بعدين: بعد التشخيص، وبعد الحقيقة.

والأخير هو الذي يحمل القيم ويسري إلى الوجود الشخصي. فالإنسان حقيقة وشخصية وقيم، والقيم مربوطة بكليهما، وهناك شخصية وهناك جماعة وهناك نوع وهناك جنس، ولكن الجماعة والنوع والجنس لا وجود لها بدون الأفراد.

ومن هنا كان لابدّ لنا أن نلاحظ هذه الأمور الأربعة، والقيم إنّما تكون منسوبة إليها جميعاً، فيقال قيم زيد وقيم الحزب الفلاني وقيم نوع الإنسان، وربما قيم نوع الحيوان، فإنّ للحيوان أيضاً قيماً يسير عليها مثل قيمة الغضب أو الرضى أو الشهوة أو ما أشبه ذلك، ممّا يشترك الإنسان والحيوان فيها، ولذا يقال الوجدان الفردي والوجدان الجماعي، والوجدان الجماعي عبارة عن مجموعة وجدانات فردية تهيمن عليها قيم واحدة.

ومن الواضح أنّ القيم غير النوع، كما أنّ النوع غير الجماعة، والوجدان هي المكوّنة في داخل الإنسان ممّا يعطي الإنسان القيم، والإنسان هو محلّ القيم، ولولا وجود الإنسان لما كان هناك شيء نسميه عالم القيم، إلاّ أن نوسّع في القيّم لتشمل الحيوان أيضاً على ما ذكرناه. ولولا وجود القيم لكان الإنسان في حالة طبيعية لا لون له. ولذا قال الله سبحانه وتعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة: 138] (10)، والصبغة تكون في ظاهر الإنسان وفي باطنه.

مثلاً: صبغة الرحمة أو صبغة العنف، فإنّ النفس تتلوّن بهاتين الصبغتين ثمّ لهاتين الصبغتين مظهر في خارج الإنسان، حيث يكون الإنسان عنيفاً أو يكون في أموره رحيماً، ولذا قال الله سبحانه وتعالى: {لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] (11) والفظّ في الظاهر، و غليظ القلب في الباطن، وقد ذكرنا في بعض كتب تفاسيرنا أنّ قوله سبحانه وتعالى: ((الرحمن الرحيم)) حكاية عن ظاهر الرحمة وباطن الرحمة مع أنّ الله سبحانه وتعالى ليس له نفس وظاهر بمعنى الإنسان، وإذا أردنا أن نقيس ذلك بالإنسان نجد أن بعض الناس يظهرون الرحمة ويبطنون الفظاظة، وبعض الناس باطنهم الرحمة أمّا ظاهرهم فالقسوة، وكلاهما خلاف موازين الإنسان والإنسانية، والله يريد أن يبيّن بقوله: ((الرحمن الرحيم)) حسب ما يستفاد من هاتين الكلمتين أنّه ظاهر الرحمة، وباطن الرحمة أيضاً، وفي التعبير العرفي يقال فلان رحيم القلب، ولا يقال رحمان القلب، وبذلك يظهر أنّ الحضارة مرتبطة بالوجدان، كما أنّ فلسفة التاريخ والروح العامة أيضاً كذلك، لكن ليس معنى ذلك أنّ الروح العامة لا تظهر في المظهر، وإلاّ فمن الواضح أنّ الروح العامة تظهر في مظهر كلّ فرد فرد، وجماعة وجماعة، وأمّة وأمّة، وهكذا.

________________

(1) سورة الرعد: الآية 17.

(2) سورة هود: الآية 7.

(3) سورة فصلت: الآيات 11 ـ 12.

(4) سورة البقرة: الآية 136.

(5) فقد ورد في بعض الكتب عن الرسول (ص): (الأنبياء أخوة لعلات دينهم واحد وأمهاتهم شتى) كنز العمال: ج14 ص 336 ح38566، تفسير القرطبي: ج16 ص106، جامع البيان: ج3 ص396، وقريب منه في مسند الطيالسي: ج1 ص355 وتفسير ابن كثير: ج2 ص67 وتحفة الأحوذي: ج10 ص14 ومصنف ابن أبي شيبة: ج7 ص 499.

(6) سورة آل عمران: الآية 50.

(7) سورة البقرة: الآية 286.

(8) سورة طه: الآية 50.

(9) شرح منظومة السبزواري: النسب الأربعة: ص39 للمؤلف.

(10) سورة البقرة: الآية 138.

(11) سورة آل عمران: الآية 159.




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).