أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-12
15433
التاريخ: 14-2-2019
2211
التاريخ: 2024-01-06
1171
التاريخ: 14-2-2019
2681
|
عندما وقف رسول الله (صلى الله عليه واله) في غدير خم مخاطباً المسلمين : (من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه) ، كان يعلن انتقال الصلاحية الشرعية بعد وفاته (صلى الله عليه واله) من النبوة الى الامامة، وانتقال الصلاحية الشرعية يقتضي انتقال القيادة الاجتماعية والسياسية من محمد رسول الله (صلى الله عليه واله) الى علي بن ابي طالب (عليه السلام)، ذلك ان الصلاحية الشرعية في ولاية امر المسلمين، بما فيها حقوقهم وواجباتهم وعباداتهم ومعاملاتهم، كانت تعني سريان قيادة رسول الله (صلى الله عليه واله) للمجتمع الاسلامي، الا انه لا نبي بعده (صلى الله عليه واله).
فمن اجل ان تستمر المسيرة الاسلامية الى يوم القيامة، كان لابد من التوصية بامر الدين الى من له الاهلية والكفاءة في تحمل المسؤولية الشرعية في ادارة المجتمع، فمحمد (صلى الله عليه واله) خاتم الانبياء اوصى لعلي (عليه السلام) بأمرة المؤمنين بعد وفاته (صلى الله عليه واله) امام اضخم تجمع للمسلمين يحصل ابداً في ذلك الزمان، وهو تجمع غدير خم قبل افتراق الطرق المؤدية الى اوطان المسلمين، ولكن المشكلة التأريخية بقيت قائمة، وهي ان نظرية انتقال الصلاحية الشرعية من جيل الى آخر استبطنت صراعاً اجتماعياً بين الاجنحة الفاعلة في المجتمع.
1- الطموح والصراع نحو الخلافة:
ولاشك ان تنامي قوة المسلمين وتزايد عددهم واتساع مساحة دولتهم كان يغذّي الطموحات نحو ابعاد علي (عليه السلام) عن وصاية رسول الله (صلى الله عليه واله) وخلافته، ذلك لان النضج العام لم يكن قد وصل حداً يستطيع التمييز فيه بين الحق والباطل او بين الخير والشر.
وقد اصبح الطموح نحو السلطة السياسية بعد مجيء الاسلام الى الجزيرة العربية اكبر حجماً واعظم وزناً، ذلك لان السلطة اصبحت كبيرة وضخمة بضخامة الاسلام وقدرته على تعبئة الامم للنهوض من سباتها ضد الشرك والظلم، فلو كانت السلطة زمن الجاهلية تقاس بدرجة واحدة، فانها اصبحت بعد ظهور الاسلام تقاس بمائة درجة، لان الاسلام استوعب او في طريقه لاستيعاب العالم القديم باجمعه.
ولذلك اصبح الصراع الاجتماعي من اجل الفوز بالجائزة الدنيوية العظمى اشد شراسة من اي زمن مضى، فلا عجب ان يؤكد رسول الله (صلى الله عليه واله) مرات عديدة بان علياً (عليه السلام) هو اخاه ووليه وناصره ورافع لوائه، وانه منه بمنـزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعده وانه خليفته بعده (صلى الله عليه واله)، وغيرها من الصفات التي تدلّ على انه (صلى الله عليه واله) كان يهيأ الاُمة لولاية علي بن ابي طالب (عليه السلام) الذي جمع كل صفات الولاية الشرعية والامامة الحقة.
لقد اصبح المجتمع الاسلامي بعد حجة الوداع مجتمعاً عظيماً يمتلك القدرة الدينية والسياسية والاجتماعية للتأثير على بقية الشعوب والامم، وجلبها الى حضيرة الاسلام، بالسلام او بالحرب.
2- مراحل انتقال الصلاحية الشرعية:
ان اعلان انتقال الصلاحية الشرعية من رسول الله (صلى الله عليه واله) الى امير المؤمنين (عليه السلام) في غدير خم لم يكن وليد يومه، بل كانت هناك مقدمات تأريخية وشرعية تثبت ان الاعلان كان نتيجة فلسفية لتلك المقدمات التي مرت بمراحل، منها :
المرحلة الاولى: الوجود بالقوة، فقد كان علي (عليه السلام) يمتلك امكانية كامنة على تحمل مسؤولية الولاية الشرعية وادارة المجتمع الاسلامي بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله)، ذلك انه كان الارض الخصبة التي انبت فيها النبي (صلى الله عليه واله) كل ما يستطيع انباته من شجاعة وحلم وعلم واخلاق وطهارة وعفة وزهد وتقوى وفصاحة، بحيث كان موقع علي (عليه السلام) من النبي (صلى الله عليه واله) موقع المرآة المتلألئة، والصوت القوي، والسيف المنافح عن الحق، والشخصية الاسلامية المُثلى لامتدادت نبي الرحمة (صلى الله عليه واله)، فكانت تلك الامكانية الهائلة موضع نظر المسلمين، والمشركين، والمنافقين، والذين في قلوبهم مرض على حد سواء، ولم يكن للآخرين مثيل او شبيه لتلك الامكانية.
المرحلة الثانية: الوجود بالفعل، فقد كان نمو قوة علي (عليه السلام) الاجتماعية نمواً طبيعياً، خصوصاً : في المعارك الطاحنة التي خاضها ضد الشرك، وفي حفظه القرآن المجيد وادراك باطنه وظاهره، مجمله ومبينّه، محكمه ومتشابهه،ناسخه ومنسوخه، وتعليمه المسلمين، وفي زواجه بسيدة نساء العالمين (عليه السلام)، وتبليغه سورة براءة في حج السنة التاسعة، ودعوته الناس للاسلام في اليمن، وفي توليته على المدينة من قبل رسول الله (صلى الله عليه واله) في غزوة تبوك، وفي اعلان الولاية الشرعية في غدير خم، كل ذلك اعطى الامام (عليه السلام) قوة اجتماعية ودينية، تجعل انتقال الصلاحية الشرعية من النبوة الى الامامة انتقالاً طبيعياً لا يزلزل تلك الامة التي لا تزال حديثة عهد بالدين وباحكامه وبعدالته ونظافته الاخلاقية.
وانتقالٌ بهذا الحجم ـ اقصد بحجم النبوة التي يوحى لها والامامة المعصومة التي لا يوحى لها ـ يحتاج الى امرين مترابطين ترابطاً شديداً :
الاول : امضاء ذلك من قبل صاحب الرسالة، وهو النبي (صلى الله عليه واله)، واعلانه الى الجمهور العريض والامة الواسعة، وقد حصل ذلك يوم الغدير بالخصوص.
الثاني : ان يكون الاعلان عن انتقال الصلاحية الشرعية في حياة رسول الله (صلى الله عليه واله) وقبل وفاته (صلى الله عليه واله) وعلى لسانه الشريف (صلى الله عليه واله) حتى يطمئن الناس لصلاحية ذلك الانتقال، وقد حدث كل ذلك امام الملأ العام.
المرحلة الثالثة: نضوج فكرة الامامة والولاية الشرعية في اذهان الناس، بحيث ان يوم الغدير ـ وهو يوم اكمال النعمة واتمام الدين ـ لم يحمل اعتراضاً وجيهاً حمله لنا التأريخ، بل كان ابو بكر وعمر من اوائل من هنأ الامام (عليه السلام) بأمرة المؤمنين، كيف لا، وان رسول الله (صلى الله عليه واله) قال وهو ينعى نفسه : (انني اوشك ان اُدعى فاجيب داعي الله)، وفيه دلالة على ان انتقال الصلاحية الشرعية كان امراً طبيعياً عند وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله) وانتقاله الى عالم الخلود، واي غرابة في ذلك، وان الرسل والانبياء (عليه السلام) تركوا الدنيا وانتقلوا جميعاً الى عالم الآخرة.
ولكن نضوج فكرة الامامة في اذهان المسلمين لا يعني قبولها والتسليم بها دون معارضة وطموحات شخصية، كما اشار تعالى : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144]، وكما وصفها ...يوم السقيفة : (وكان كل منهم يتمناها لنفسه).
وعلى اي تقدير، فان انتقال الصلاحية الشرعية في دولة اسلامية كدولة النبي (صلى الله عليه واله) كان له تأثيراً كبيراً على استمرارية النهج الديني والسياسة العامة وتعيين الولاة والعلاقات الاجتماعية وحفظ الثروة الاجتماعية وبيت المال وقضايا التجارة والحروب.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|