أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-4-2020
1916
التاريخ: 31-1-2023
1351
التاريخ: 30-1-2021
7106
التاريخ: 25-2-2019
2278
|
الغرض الاصلي من ايجاد الإنسان معرفة اللّه والوصول إلى حبه والانس به ، و الوصول إليه بالحب والانس يتوقف على صفاء النفس و تجردها.
فكلما صارت النفس أصفى وأشد تجردا ، كان انسها وحبها باللّه أشد و أكثر, و صفاء النفس و تجردها موقوف على التنزه عن الشهوات ، و الكف عن اللذات ، و الانقطاع عن الحطام الدنيوية ، و تحريك الجوارح و ايقاعها لأجله في الاعمال الشاقة ، و التجرد لذكره و توجيه القلب إليه.
ولذلك شرعت العبادات المشتملة على هذه الأمور، اذ بعضها إنفاق المال و بذله ، الموجب للانقطاع عن الحطام الدنية ، كالزكاة و الخمس و الصدقات ، و بعضها الكف عن الشهوات و اللذات ، كالصوم ، و بعضها التجرد لذكر اللّه و توجيه القلب إليه ، و ارتكاب تحريك الأعضاء وتعبها ، كالصلاة ، و الحج من بينها مشتمل على جميع هذه الأمور مع الزيادة ، إذ فيه هجران اوطان ، وإتعاب أبدان ، و إنفاق أموال ، و انقطاع آمال ، و تحمل مشاق ، و تجديد ميثاق ، و حضور مشاعر، و شهود شعائر، و يتحقق في أعماله التجرد لذكر اللّه ، والإقبال عليه بضروب الطاعات و العبادات ، مع كون أعماله أمورا لا تأنس بها النفوس ، و لا تهتدي إلى معانيها العقول ، كرمي الجمار بالاحجار، و التردد بين الصفا و المروة على سبيل التكرار، اذ بمثل هذه الاعمال يظهر كمال الرق و العبودية ، فان سائر العبادات اعمال و افعال يظهر وجهها للعقل ، فللنفس إليها ميل ، و للطبع بها انس.
وأما بعض اعمال الحج ، كرمي الجمار و ترددات السعي ، فلا حظ للنفس و لا انس للطبع فيها ولا اهتداء للعقل إلى معانيها ، فلا يكون الاقدام عليها الا لمجرد الامر و قصد الامتثال له من حيث إنه امر واجب الاتباع ، ففيها عزل العقل عن تصرفه ، و صرف النفس و الطبع عن محل انسه ، فان كل ما أدرك العقل معناه مال الطبع إليه ميلا ما ، فيكون ذلك الميل معينا للامتثال فلا يظهر به كمال الرق و الانقياد ، و لذلك قال النبي (صلى الله عليه واله) في الحج على الخصوص : «لبيك بحجة حقا و تعبدا ورقا!»، و لم يقل ذلك في غيره من العبادات , فمثل هذه العبادة - أي ما لم يهتد العقل الى معناه و وجهه - أبلغ أنواع العبادات في تزكية النفوس و صرفها عن مقتضى الطبع و البغي إلى الاسترقاق ، فتعجب بعض الناس من هذه الافعال العجيبة مصدره الجهل بأسرار التعبدات ، و هذا هو السر في وضع الحج ، مع دلالة كل عمل من أعماله على بعض أحوال الآخرة ، او في بعض أسرار أخر , ما فيه من اجتماع أهل العالم في موضع تكرر فيه نزول الوحي ، و هبوط جبرئيل و غيره من الملائكة المقربين على رسوله المكرم ، و من قبله على خليله المعظم (عليهما أفضل الصلاة ) ، بل لا يزال مرجعا و منزلا لجميع الأنبياء ، من آدم إلى خاتم ، و مهبطا للوحى ، و محلا لنزول طوائف الملائكة.
و قد تولد فيه سيد الرسل (صلى الله عليه واله) و تواطأت أكثر مواضعه قدمه الشريفة و أقدام سائر الأنبياء ، و لذلك سمى ب (البيت العتيق)، و قد شرفه اللّه تعالى بالإضافة إلى نفسه ، و نصبه مقصدا لعباده ، وجعل ما حواليه حرما لبيته ، و تفخيما لأمره ، و جعل عرفات كالميدان على فناء حرمه ، و اكد حرمة الموضع بتحريم صيده و قطع شجره ، و وضعه على مثال حضرة الملوك ، فقصده الزوار من كل فج عميق ، و من كل أوب سحيق ، شعثاء غبراء متواضعين لرب البيت ، و مستكنين له ، خضوعا لجلاله ، و استكانة لعزته و عظمته ، مع الاعتراف بتنزهه عن ان يحومه بيت او يكتنفه بلد.
ولا ريب في ان الاجتماع في مثل هذا الموضع، مع ما فيه من حصول المؤالفة و المصاحبة ، و مجاورة الابدال و الاوتاد و الأخيار المجتمعين من أقطار البلاد ، و تظاهر الهمم ، و تعاون النفوس على التضرع و الابتهال و الدعاء الموجب لسرعة الإجابة ، بذكر النبي (صلى الله عليه واله) و اجلاله ، و نزول الوحي عليه ، و غاية سعيه و اهتمامه في اعلاء كلمة اللّه و نشر احكام دينه ، فتحصل الرقة للقلب ، و الصفاء للنفس.
ثم لكون الحج أعظم التكليفات لهذه الأمة ، جعل بمنزلة الرهبانية في الملل السالفة ، فان الأمم الماضية إذا أرادوا العمل لا صعب التكليف و اشقها على النفس ، انفردوا عن الخلق ، و انحازوا إلى قلل الجبال ، و آثروا التوحش عن الخلق بطلب الانس باللّه ، و التجرد له في جميع الحركات و السكنات ، فتركوا اللذات الحاضرة ، و ألزموا أنفسهم الرياضات الشاقة ، طمعا في الآخرة ، و قد اثنى اللّه عليهم في كتابه ، و قال : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة: 82] , و قال تعالى : {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} [الحديد: 27].
و لما اندرس ذلك ، و أقبل الخلق على اتباع الشهوات ، و هجروا التجرد لعبادة اللّه تعالى ، و فروا عنها ، بعث اللّه تعالى من سرة البطحاء محمدا (صلى الله عليه واله)، لأحياء طريق الآخرة ، و تجديد سنة المرسلين في سلوكها ، فسأله أهل الملل من الرهبانية و السياحة في دينه فقال (صلى الله عليه واله): «أبدلنا بالرهبانية الجهاد و التكبير على كل شرف - يعني الحج- و أبدلنا بالسياحة الصوم».
فانعم اللّه على هذه الأمة ، بأن جعل الحج رهبانية لهم ، فهو بإزاء أعظم التكاليف والطاعات في الملل السابقة.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|