أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-18
1287
التاريخ: 2023-03-21
956
التاريخ: 2-06-2015
3911
التاريخ: 2-06-2015
6857
|
الظاهر أنّ القائلين هم مشركو العرب ، بقرينة قوله : { الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } مشيراً إلى أنّهم ليسوا من أهل الكتاب ، واستقربه الطبرسي في مجمعه (1).
وهذه الآية تدلّ على أنّهم طلبوا من النبي أمرين :
أ. لولا يكلّمهم الله سبحانه.
ب. لماذا لا تأتي الآية إليهم أنفسهم ؟
وكلا السؤالين ساقطان في منطق العقل ، بملاحظة الشرائط المصححة لطلب الإعجاز التي مرّت.
أمّا السؤال الأوّل : فإن كان مرادهم هلا يكلّمنا الله معاينة ، فهو محال ، لأنّه يستلزم جسمانيته سبحانه.
وإن كان مرادهم تكليمهم مخبراً بأنّ مدّعي النبوة نبي ، ولكن لا بالمعاينة ، بل بإحدى الطرق المألوفة من إسماعهم ، فهو وإن كان أمراً ممكناً لكنه لا يفيدهم الإذعان ، إذ من الممكن اتهام ذلك الإسماع بالسحر كما قالوا ذلك في غير هذا المورد.
وأوضح في البطلان لو كان مرادهم لولا يكلمنا الله مثلما كلّم موسى وغيره من الأنبياء ، فإنّ هذا يستلزم نزول الوحي عليهم ، وهو يتوقف على توفر شرائط معينة ، وهي غير موجودة إلاّ في أفراد قلائل.
ولا يقل عنه في البطلان لو كان مرادهم سماع الوحي النازل على النبي (صلى الله عليه واله) فإنّ السماع متوقف ـ كذلك ـ على توفر الشرائط غير الموجودة في المشركين. وعلى فرض الإسماع لا يفيدهم الإذعان لإمكان اتّهامه بالسحر أيضاً.
وهذه الوجوه الأربعة محتملات لقولهم ( لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللهُ ) وهي كما ترى غير مستحقة للإجابة بل جديرة بالاعراض.
أضف إلى ذلك أنّ المحتمل الثالث ـ وهو تكليم الله إياهم كتكليمه سائر الأنبياء ـ يستلزم لغوية بعث الأنبياء الذي جرت عليه سنّة الله من لدن نزول آدم إلى الأرض.
وقد نقل هذا السؤال في مورد آخر ، حيث حكاه سبحانه بقوله : {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً } [المدثر : 52] . وكأنّ كل واحد من أفراد المشركين يتوقع أنّ تنزل عليه صحائف فيها تكاليفه ، وهي تؤيد أنّ مرادهم من تكليمه إيّاهم هو المحتمل الثالث. هذا كلّه حول السؤال الأوّل.
وأمّا السؤال الثاني : أعني قوله : { أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ } فهو يشير إلى أنّهم طلبوا من النبي (صلى الله عليه واله) ظهور المعاجز على أيديهم ، وهذا السؤال سخيف جداً ، إذ ظهور المعاجز على أيديهم يتوقف على توفر شرائط غير موجودة في المشركين ولا في غيرهم إلاّ في أفراد قلائل ، أعني : الأنبياء والمرسلين.
ويحتمل أن يكون المراد : أن يأتي النبي بآية موافقة لطلبهم. ويشير إليه قوله في ذيل الآية {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [البقرة : 118]. حيث اقترح اليهود الآيات على موسى ، والنصارى على المسيح.
ولكن عدم إجابة النبي (صلى الله عليه واله) لاقتراحهم ، لأنّه كان فيما أتى به من الحجج والمعاجز الباهرة كفاية لمن كان بصدد تحصيل اليقين ولمن ترك التعنّت والعناد.
وإلى هذا الجواب أشار سبحانه في ذيل الآية {قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة : 118].
على أنّه من المحتمل أيضاً أن تكون الآيات المطلوبة من النبي (صلى الله عليه واله) من الأمور المستحيلة ، ويقرب من ذلك قوله سبحانه في نفس الآية : { كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } ومن المعلوم أنّ اليهود طلبوا من موسى رؤية الله جهرة.
وقوله سبحانه : {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } يشير إلى أنّ سؤالهم كان أشبه بسؤال من تقدّمهم في الكفر والقسوة والتعنت والعناد ، ولذلك قال سبحانه في موضع آخر : {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ } [الذاريات : 52 - 54].
والحاصل : أنّ ذيل الآية يشير إلى أنّ الواجب على الله في هداية الناس هو بعث الأنبياء وتزويدهم بالدلائل والمعاجز التي تثبت بوضوح صلتهم بالله وصدق مقالتهم ، وأمّا إجراء المعاجز المطلوبة منهم على أيديهم فليس بواجب في منطق العقل إذ لمن يريد تحصيل اليقين كفاية فيما أتوا به من المعاجز.
الآية الثانية
قال سبحانه : {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء : 153].
إنّ الآية تدلّ على أنّ أهل الكتاب سألوا النبي أن ينزل عليهم كتاباً من السماء ، وهذا السؤال يحتمل وجوهاً نأتي بجميعها ، وسوف يرى القارئ انّ الوجوه المحتملة كلّها غير جامعة للشرائط المصححة لقيام النبي بإجابة طلبهم ، وإليك هذه الاحتمالات :
1. أن يعرج النبي إلى السماء ويرجع مع كتاب اليهم وقد سأل المشركون نظير ذلك حيث حكى الله سبحانه عنهم في سورة الإسراء إذ قال : {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ } [الإسراء : 93] وكيفية السؤال هذه ، تدلّ على أنّهم لم يكونوا بصدد كشف الحقيقة ، لأنّ في واحد من الأمرين ( العروج إلى السماء وحده ، أو نزول الكتاب إلى النبي مع عدم عروجه ) كفاية ، فطلب الأمرين معاً يكشف عن أنّهم لم يتخذوا لأنفسهم موقف المتحري للحقيقة ، بل كانوا يتبعون في سؤالهم هوسهم ، وهواهم.
2. أن ينزل النبي عليهم أنفسهم كتاباً من السماء مكتوباً كما كانت التوراة مكتوبة من عند الله في الألواح حتى يروا نزول الكتاب من السماء بأُمّ أعينهم.
ولكن هذا الاحتمال أيضاً ينبئ عن أنّهم اتخذوا لأنفسهم موضع اللجاج والعناد كما ينبئ عن ذلك تشبيه هذا السؤال بسؤال بني إسرائيل من نبيهم موسى حيث قال : { فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً } وعندئذ لا يجب في منطق العقل الإجابة على هذا السؤال ، لأنّ موقف السائل لو كان موقف المستشف للحقيقة لاكتفى بما زوّد به النبي من المعاجز ، ولما شبّه الله سبحانه سؤالهم بسؤال بني إسرائيل من نبيهم ، علم منه أنّهم لم يكونوا في موقف المتحرّي للحقيقة.
أضف إلى ذلك أنّه لو قام النبي بهذا الإعجاز كان من المحتمل جداً أن لا يؤمن به أهل الكتاب أيضاً ، وعندئذ يسقط القيام بالإعجاز لما قلنا أنّه إنّما يجب القيام بالمعاجز المقترحة إذا كان هناك مظنة إيمان السائل.
ويدل على ما ذكرنا من الاحتمال أنّه سبحانه يقول : {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الأنعام : 7].
وليس لقائل أن يقول : إنّ هذه الآية واردة في حق المشركين ولم يعلم وحدة تفكيرهم مع أهل الكتاب ، وذلك لأنّ المراد من أهل الكتاب في الآية هم اليهود القاطنون في المدينة وما حولها ، وهم كانوا أشد الناس عناداً ولجاجاً في حق النبي بدليل أنّ أكثر المشركين اعتنقوا الإسلام واختاروه دونهم إذ بقوا على شريعتهم ، ولم يؤمن إلاّ قليل منهم.
ثم إنّ في الإجابة على هذا الاقتراح ضرباً من الإهانة للقرآن والاستهانة به ، فإنّ طلب نزول الكتاب عليهم من السماء ، ينبئ عن أنّ القرآن النازل على قلب النبي لم يكن كافياً في إثبات نبوّته ، وتصديق رسالته وانّما يجب التصديق إذا رئي نزول القرآن بأُمّ الأعين.
على أنّ كيفية السؤال تنبئ عن الاعتقاد الفاسد ، وهو أنّ الله تعالى جسم واقع في السماء ، ولأجل ذلك اقترحوا على النبي أن ينزل الله سبحانه كتاباً من السماء يرون نزوله برأي العين.
ولنفترض قيام النبي (صلى الله عليه واله) بإجابة هذا السؤال ، أو ليست تلك الإجابة توجب أن يطمع الآخرون في هذا الأمر ويطلبوا من النبي أن يفعل لهم ما فعل لغيرهم ، المرة بعد المرّة ، والكرّة بعد الأخرى ، مع كثرة القبائل وتعدّد البطون ، وعندئذ تصبح النبوّة العوبة بأيدي الجهّال ، ويصبح مثله كمثل المرتاضين والسحرة الذين غدوا أداة طيّعة لترفيه الناس.
هذه الوجوه ترد على هذا المحتمل من السؤال ، غير أنّ هاهنا إشكالاً آخر ، وهو أنّه لو قام النبي (صلى الله عليه واله) بهذا الوجه من السؤال وهو أن ينزل عليهم كتاباً من
السماء مكتوباً كما كانت التوراة مكتوبة من عند الله في الألواح ـ إذ على هذا الوجه ـ لفاتت المصالح المترتبة على نزول القرآن تدريجياً ، فإن لنزول القرآن نجوماً عللاً وغايات أُشير إليها في الكتاب العزيز ، كما أُشير إلى اعتراض المشركين بأنّه لماذا لا ينزل عليه القرآن جملة واحدة ، قال سبحانه ، { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } [الفرقان : 32-33]. إذ في نزول القرآن نجوماً أسرار قد أُشير في الآية إلى واحد منها وهو تثبيت فؤاد النبي (صلى الله عليه واله) ، فنزول القرآن مكتوباً مرّة واحدة يوجب فوات فوائد موجودة في النزول التدريجي .
_____________________
(1) مفاهيم القرآن ، ج 1 ، ص 195.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|