التحول الديمقراطي وأثره على التعديلات الدستورية في الوطن العربي |
2807
08:43 صباحاً
التاريخ: 27-9-2018
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-10-2015
4463
التاريخ: 26-10-2015
2509
التاريخ: 2-4-2017
7395
التاريخ: 5-5-2022
1639
|
تاريخيا ارتبطت عملية التحول الديمقراطي مع التعديلات الدستورية، وذلك لضمان استمرارية الممارسة على أسس ديمقراطية، واذا رجعنا إلى المنطقة العربية، فإن التعديلات الدستورية قد فرضتها مستجدات سياسية اقتصادية واجتماعية، واذا كانت عملية التحول الديمقراطي قد نجحت عموما في الدول الغربية، فإن أغلب هذه التجارب فشلت في بلورة تجارب ديمقراطية ناجحة في الدول العربية. يعرف الفقيه *صامويل هنتغتون* عملية التحول الديمقراطي بأنها: "تسلسل تطوري يتم المرور به من نظام تسلطي مغلق لا يسمح بالمشاركة السياسية، إلى نظام سياسي مفتوح يسمح بالمشاركة السياسية" (1) . كذلك يعرف "فيليب شمبيتر" بأنه: "عمليات واجراءات يتم اتخاذها للتحول من نظام غير ديمقراطي إلى نظام ديمقراطي" (2) . ومن خصائص عملية التحول الديمقراطي، أنها تمثل عملية صعبة ومتشابكة، تعبر عن تحولات في الأبنية والغايات التي تؤثر على توزيع ممارسة السلطة، بالإضافة إلى أنها تتضمن مخاطر الرجوع إلى النظام الشمولي التسلطي" (3) . لقد شهد عقدي التأمينات والتسعينات اهتماما كبيرا بصنع الدساتير الديمقراطية، لاسيما في الدول التي شهدت تحولات نحو الديمقراطية في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وآسيا، امتد هذا النشاط في نهاية القرن العشرين إلى بعض الدول الديمقراطية في غرب وشمال أوربا، حيث تم وضع دساتير جديدة وادخال تعديلات جوهرية في دساتير عدة دول منها: بلجيكا هولندا...إلخ (4) .
وفي أعقاب الثورات العربية الأخيرة في مطلع العقد الثاني في القرن 21 ، امتد هذا الاهتمام إلى المنطقة العربية التي تشهد أغلبها دساتير ديمقراطية منذ استقلالها. إن المضمون الأكثر شيوعا للديمقراطية هو المتصل بعمل المؤسسات والإجراءات والقواعد التي تنظم عملية اتخاذ القرارات، وبتمكين المواطنين من المشاركة في عملية صنع القرارات، وتنظيم علاقة مؤسسات الحكم بالمواطنين (5) . أي يستهدف الحكم الديمقراطي تقييد سلطة الحكام والحد من احتمالات تعسفهم، وتقديم ضمانات وآليات لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، ووسائل إدارة الصراع لسياسي بطرق سلمية (6) . وعليه يعتبر الحكم الديمقراطي حل لمشكلة استبداد وتعسف الحكام عند صنع القرار السياسي، وظهر كبديل لأنظمة الحكم الشمولية. من بين المضامين الجوهرية للديمقراطية هو تقييد الحكم بالقانون، أي وجود دستور(غالبا ما يكون مدونا) يخضع له الحكام والمحكومون على قدم المساواة، وهذا المبدأ يطلق عليه في الديمقراطيات المعاصرة الحكم الدستوري، إضافة إلى تبني مبدأ السيادة الشعبية والعمل على إنشاء دولة مؤسسات، قائمة على وظيفة حكم لها قواعدها وضوابطها، واعمال آلية المراجعة القضائية والسماح للمواطنين بتحدي قرارات الحكومات في المحاكم المستقلة، بالفصل في المنازعات الدستورية، مثل محكمة العدل الأوروبية التي صار لها دورا مهما في توسيع النظام القانوني الأوروبي واعلاءه على القوانين الوطنية، وأصبح له شأن مهم في رسم الحياة السياسية (7) ، وعدم تناقض ذلك مع مبادئ وثوابت المرجعية العليا.
وتتأكد الديمقراطية باحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها وعدم الخضوع لأي نفوذ أجنبي، وتمكين المواطن من المشاركة السياسية، واسهامه في صنع السياسات العامة والقرارا ت المصيرية، تحت لواء مبدأ المساواة السياسية وتكافؤ فرص المشاركة في الحياة السياسية لكافة فئات المجتمع، إعمالا لمبدأ "الشعب هو مصدر السلطة". وهذا لن يتأتى إلا باحترام حق المواطنة، وفكرة مساواة جميع الناس في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية ....إلخ.
وتجدر الإشارة إلى أن النظام الديمقراطي ليس النظام الأمثل، لكنه أقل الأنظمة سوءا وأفضلها في الحد من استبداد الحكام وتقييدها، وأكثرها توفيرا لآليات محاسبة المسؤولين المقصرين، ومن حيث المبدأ لا يمكن القول أنه لا يوجد نظام ديمقراطي مكتمل الأركان يصلح لكل دول العالم، وتعدد أشكال الديمقراطية يعني قابليتها للتعديل لتلاءم أولويات كل مجتمع على حدى. ومن هنا يمكن الجزم على عدم إمكانية استيراد هذه الأشكال الديمقراطية دون مراعاة أولويات الجماهير، والمرجعيات العليا للمجتمع وكذلك الأوضاع الداخلية للمجتمع ومدى خصوصيتها (8) واذا رجعنا إلى المنطقة العربية، نجد أنها تأتي في أخر الت رتيب العالمي من حيث درجة التطور الديمقراطي، فالثورة العالمية الديمقراطية التي أسماها الفقيه "صامويل هنتغتون" بالموجة الثالثة للتحول الديمقراطي، التي جاءت عقب موجتين سابقتين الأولى كانت مابين 1828-1926 والثانية في الفترة مابين 1926- 1975 (9) . هذه الثورة لم تصب الوطن العربي إلا بشكل جزئي، حيث نتجت عن تجارب الانتقال إلى التعددية السياسية في الوطن العربي في عديد من الحالات، تغير شكل النظام السياسي لكن دون تغير في جوهر العملية السياسية وطبيعة السلطة ونمط ممارسة الحكم ، مما أصاب الحياة السياسية في العديد منها بالركود. عملية التحول الديمقراطي لم تأت بنتيجتها، كل ما نجم عنها هو هامش ديمقراطي محدود، لذلك يعتبر البعض أن ما يحدث في الدول العربية هو بمثابة عملية تحديد للنظام التسلطي، غايتها تكريس قدرة النظم الحاكمة على الاستمرار أكثر من كونها عملية دمقرطة جدية وصارمة. لذلك تعتبر النظم التسلطية هي الشائعة في الوطن لعربي، وما يؤكد ذلك عدة مؤثرات مثل: غياب التداول السلمي للسلطة (ظاهرة الأبدية في السلطة)، انتهاكات حقوق الإنسان، إفراغ التعددية السياسية من مضمونها الحقيقي وتكبيلها بعدة قيود سياسية وادارية، افتقار العمليات الانتخابية في عديد من الدول العربية إلى النزاهة والشفافية، وغياب التوازن بين السلطات لصالح المؤسسة التنفيذية(10) . ولهذا فإن أولويات المجتمعات العربية التي تشهد تحولا في أنظمته السياسية نحو نظام الحكم الديمقراطي، تدور حول مواجهة هذا الإرث الذي تركته أنظمة الحكم الشمولي والتسلطي في هذه الدول، والذي تضمن الكثير من الأمور المذكورة أعلاه، إضافة إلى الزعماء والرؤساء وتضخيم صلاحياتهم، عدم صلاحية وفعالية الدساتير والمنظومة القانونية بشكل عام، عدم فاعلية البرلمانات، تدخل الأجهزة الأمنية في السياسة، الفساد السياسي وعدم حياد الأجهزة الإدارية (11) فما شهدته المنطقة العربية من ثورات وحراكات واحتجاجات، التي أسفرت عن إسقاط نظام قديم، تواجه صعوبات في بناء الحكم الجديد، من أهمها معضلة إنشاء مؤسسات جديدة تضع الخصائص الرئيسية للديمقراطية موضع التطبيق. وبناء نظام حكم جديد ليس مجرد عملية نقل الآخرين دون مراعاة بيئة مكافئة، أو اختيار نظام من بين أنظمة الحكم المعروفة بطريقة غير مدروسة، فالعملية أعقد من هذا لابد من مراعاة الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمجتمع ذاته، وأولويات المرحلة الراهنة، وأخذ الدروس والعبر من الدول التي وقعت في أخطاء للإستفادة منها (12) وهنا تكمن المعضلة أي معالجة التحديات والإشكاليات حسب الأولويات التي تفرضها الأوضاع المختلفة لكل مجتمع، وكيفية ترجمة مطالب الشعب إلى أطر قانونية ودستورية وسياسية، تشكل ملامح النظام السياسي المأمول، أي ضرورة الوقوف على مستوجبات العملية التي يتم بموجبها إيجاد المؤسسات والآليات والهياكل والضمانات الكفيلة بتحقيق الأهداف المرجوة. عملية البناء المؤسسي هذه تتطلب بناء النظم الجديدة ووضع الأطر الدستورية والقانونية، المتمثلة أساسا في وضع الدستور أو تعديله وبناء مؤسسات النظام السياسي الجديد، من خلال قراءة الواقع العملي بشكل صحيح، ووضع ضمانات تستجيب لمطالب الشعب، وتضمن فعالية مؤسسات الدولة، وتمنع عودة الاستبداد، وهذا كله يتوقف على قدرات ومهارات الفاعلين السياسيين من نخب وقوى سياسية، وهذا ما تعاني منه في كثير من دول العربية (13) .
الانتقال الديمقراطي " Transition démocratique " هو من بين الحالات التي شهدت تحولا سياسيا نحو الديمقراطية، فهو الحالة التي يتم من خلالها تحويل السلطة من يد الحكام المطلقين إلى حكومة ديمقراطية منتخبة، هذا الانتقال يتحقق بعد انهيار النظام القديم، وتوافق القوى السياسية على اختيار النظام الديمقراطي الجديد بمؤسساته واجراءاته وضماناته المتعارف عليها. عادة لا يتم وضع دساتير جديدة خلال هذه المرحلة التي قد تتطلب مجرد تعديل نص دستوري أو أكثر، نظرا لصعوبة التوافق على كل أقسام الدستور مرة واحدة، خاصة وأن النظام الديمقراطي الوليد يظل في أوضاع غير مستقرة نوعا ما، أي لا يزال لم يتخلص بعد من مشاكل انخفاض الوعي السياسي، تخلف الوسائل الإعلامية، نفوذ الأجهزة العسكري......إلخ (14) . ثم بعد ذلك تأتي عملية التحول الديمقراطي" Transformation démocratique "، وهي عملية تشمل على أبعاد مختلفة، تنتهي بالدخول في حالة جديدة هي ترسيخ النظام الديمقراطي، وفي هذه الحالة يتم وضع دساتير جديدة كما حدث في بولندا حيث وضع الدستور الجديد عام 1997 بعد أن عدل عام 1992 ، في أعقاب الحراك الذي بدأ عام 1988 ، وكذلك في المكسيك لم يتم وضع دستور جديد، إذ استمر العمل بدستور 1917 إلى وقتنا هذا مع إجراء عدة تعديلات دستورية (15) .
مثلها الدول العربية، حيث عرفت العشرية الثانية من القرن 21 حراكا شعبيا تمخضت عنه ثورات عربية أسقطت العديد من الأنظمة الديكتاتورية في تونس، ليبيا، مصر، وشجعت قيام ثورات مماثلة في باقي الدول العربية كسوريا، باقي دول المغرب العربي، أجبرت هذه الأنظمة على مباشرة جملة من الإصلاحات في جميع المناحي، كان تعديل الدستور أهمها كونه القانون الأسمى في الدولة (16) .
فهناك مطالب إصلاحية شعبية وثورات عربية تريد الإصلاح، لكن الإشكال مصداقية هذه الثورات التي تريد تحقيق تحولا ديمقراطيا، فهل فعلا السياسات الإصلاحية التي باشرتها هذه الأنظمة العربية هي إقرار بأحقية ومشروعية المطالب العربية، أم أن هذه الثورات لا تهدف إلى تحول ديمقراطي مصاحب بتعديلات دستورية تأسيسية قادرة على ضمان الاستقرار في الوطن العربي، وانما استخلاف أنظمة ديكتاتورية هرمة بأخرى شابة؟.
_______________________
1- محمد سعد أبو عامود، الرأي العام والتحول الديمقراطي دار الفكر الجامعي، القاهرة، 2010 ، ص 131
2- أحمد منصور بلقيس، الأحزاب السياسية والتحول الديمقراطي في اليمن، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2004 ، ص 29
3- أبو عامود، المرجع السابق، ص 142
4- عبد الفتاح ماضي، نحو سلطة رابعة مستقلة للإنتخابات، مجلة الديمقراطي، مؤسسة الأهرام، عدد 39، 2010، ص 55
5- محمد الشافعي أبوراس، نظم الحكم المعاصرة، عالم الكتاب، القاهرة، 2005 ، ص 593
6- عبد الحليم الزيات، التنمية السياسية، دراسة في علم الإجتماع السياسي، دار المعرفة الجامعة، الإسكندرية، 2002
ص 171
7- Morange PHILIPPE, Contribution à une théorie générale des libertés publiques, paris, 1980,p.5
8- عبد الفتاح ماضي ، المرجع السابق، ص 83
9- عادل مدوري، الثورات العربية من يقف وراءها؟، مقال منشور على الموقع الإلكتروني التالي:
http://www.makhbay.com/nens.php?action=showid=12163، ص 15
10- عبد الحليم الزيات، المرجع السابق، ص 12
11- محمد الشافعي أبو راس، المرجع السايق، ص 124
12- محمد جابر الأنصاري، الديمقراطية و معوقات التكوين السياسي العربي، مجلة المستقبل العربي، مركز . د ا رسات الوحدة العربية، بيروت، 1991، ص 453
13- انظر عبد الفتاح ماضي، الديمقراطية الآن والتنافس غدا، جريدة البديل، القاهرة، 18/4/2008 متاحة على الموقع الإلكتروني التالي:
-www.abdelfattahmady.com/ consulté le : 2-3-2025 .
14- Abdel- Fattah MADY, A critique of quantitative measures of the degree of democracy, Democratization, vol 13,n 02,2006,p131.
15- عبد الفتاح ماضي، نحو سلطة رابعة مستقلة للانتخابات، مجلة الديمقراطية، مؤسسة الأهرام، عدد ، 39 ، 2010 ص 85
16- علي الدين هلال ونيفين مسعد، النظم السياسية العربية قضايا الاستمرار والتغير، مركز دراسات الوحدة العربية، . الطبعة الثالثة، 2005 ، ص 131.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|