x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
المعراج في نظر القرآن والسنة والتاريخ
المؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
المصدر: سيد المرسلين
الجزء والصفحة: ج1،ص536-555.
4-5-2017
3965
كان الليل يخيم على الافق ويسودُ الظلام على كل مكان، فقد حان الأوانُ لان ترقدَ جميع الاحياء في مساكنها وتستريح في جحورها وأعشاشها وتغمض الأجفان لبعض الساعات عن مظاهر الطبيعة لتستعيد نشاطها من أجل العمل في يوم جديد حافل بالنشاط والحركة والسعي.
فذلك قانون الطبيعة في كلِّ ليل ونهار.
ولم يكن رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) بمستثنى عن هذا الناموس الطبيعي.
فهو (صـلى الله علـيه وآله) مضى ليستريح بعد أن صلّى صلاة العتمة أيضاً.
ولكنه فجأةً سمع صوتاً مألوفاً مأنوساً له وكان ذلك هو صوت أمين الوحي جبرئيل وهو يخبره بأن أمامه الليلة سفراً بعيداً ورحلة طويلة وانه سيرافقه في هذا الرحلة إلى مختلف نقاط الكون وسيسافر على متن دابة فضائية تدعى البراق .
لقد بدأ رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) رحلته الفضائية العظيمة من بيت اخت علي بن أبي طالب اُم هاني وتوجه على متن تلك الدابة إلى بيت المقدس في الأردن وفلسطين والّذي يسمى المسجد الأقصى أيضاً وهبط في تلك النقطة بعد مدة قصيرة جداً وزار مواضع عديدة من ذلك المسجد وتفقّد بيت لحم مسقط رأس السيد المسيح ومنازل الأنبياء وآثارهم ومحاريبهم وصلّى عند كل محراب من بعض تلك المحاريب ركعتين.
ثم بدأ بعد ذلك القسم الثاني من رحلته حيث عرج من ذلك إلى السماوات العلى وشاهد النجوم والكواكب واطّلع على نظام العالم العلوي وتحدث مع ارواح الأنبياء والملائكة السماويين واطّلع على مراكز الرحمة والعذاب ( الجنة والنار ) ورأى درجات أهل الجنة وأشباح أهل النار عن كثب وبالتالي تعرف على أسرار الوجود ورموز الطبيعة ووقف على سعة الكون وآثار القدرة الالهيّة المطلقة ثم واصل رحلته حتّى بلغ إلى سدرة المنتهى فوجَدها مسربلة بالعظمة المتناهية والجلال العظيم وعندها انتهى برنامج رحلته (صـلى الله علـيه وآله) فامر بأن يعود من حيث أتى فعاد بعد (صـلى الله علـيه وآله) ومرّ في عودته على بيت المقدس ثانية ثم توجّه منه إلى مكة ومرّ خلال الطريق على قافلة تجارية لقريش وقد ضلّ بعير لهم في البيداء وكانوا يبحثون عنه ثم وجد في رحلهم قعباً مملوء من الماء فشرب منه وصبَّ بقيته على الأرض أو غطاه كما كان بناء على رواية. وترجّل عن مركبته الفضائية العجيبة في بيت اُم هاني قبيل طلوع الفجر وأخبرها بالخبر قبل اي أحد ثم كشف عن هذا الحادث في أندية قريش صباح نفس تلك الليلة.
فاستبعد السامعون قصة المعراج والحركة السريعة هذه واعتبروه أمراً محالا وانكروه وفشا هذا الخبر في جميع الأوساط وغضب بسببه أشراف قريش وساداتهم اكثر من غيرهم.
وكعادتها بادرت قريش إلى تكذيب هذه القصّة وقالوا : هذا واللّه الامر البيّن ( العجيب المنكر ) واللّه إن العير لتطّرد شهراً من مكة إلى الشام مدبرة وشهراً مقبلة أفيذهب ذلك محمّدٌ في ليلة واحدة؟
وقالوا : إن صدقَتَ فصف لنا بيتَ المقدس فإن فينا من شاهدهُ.
فلم يصف لهم رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) بيت المقدس فحسب بل اخبرهم بكل ما مرّ به وفعله ورآه في طريق عودته من بيت المقدس إلى مكّة وقال : وآية ذلك أنّي مررت على بعير بني فلان بوادي كذا وكذا وقد ضلّ لهم بعير وقد همّوا في طلبه وشربت من ماء في آنية لهم مغطاة بغطاء وثم غطّيت عليها كما كان ثم مررتُ على بعير فلان وقد نفّرت لهم ناقة وانكسرت يدها.
فقالت قريش : أخبرنا عن عير قريش.
فقال (صـلى الله علـيه وآله) : إنَّها الآن في التنعيم ( وهو مبدأ الحرم ) يتقدمها جمل أورق ( أبيض مائل إلى السواد ) عليه غرارتان وستدخل الآن مكة.
فغضب قريش من هذه الأخبار القاطعة وقالت : سنعلمنَّ الآن صِدقه أو كِذبه.
ثم لم تمض لحظاتٌ إلاّ وطلعت العير عليهم وحدَّثهم أبو سفيان بكل ما أخبرهم به رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) من ضياع بعير لهم في الطريق وهمّهم في طلبه وأنهم وضعوا ماء مملوء فغطوه ولما رجعوا وجدوه مغطى كما غطوه ولكن لم يجدوا فيه ماءً.
هذه هي خلاصة ما جاء في كتب التفسير والتاريخ والحديث حول المعراج.
وإذا أراد القارئ الكريم أن يقف على تفاصيل أكثر في هذا المجال فما عليه إلاّ أن يراجع بحار الأنوار باب المعراج .
هل للمعراج جذور قرآنية؟
لقد جاءَ ذكر المعراج النبوي وسيره العجيب (صـلى الله علـيه وآله) في العالم العلوي والفضاء غير المتناهي في سورتين من القرآن الكريم بشكل واضح وصريح كما واشير اليها في سور اُخرى أيضاً.
ونحن نكتفي هنا باستعراض الآيات الّتي ذكرت هذه القضيّة بصورة واضحة ونقف عند بعض النقاط الجديدة بالدراسة فيها :
يقول اللّه تعالى في سورة الأسراء : سُبحانَ الّذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرام إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الّذي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَه مِن آياتِنا إنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصير .
ويستفاد من ظاهر هذه الآية اُمور :
1 ـ لكي نعلم بأنَّ النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) لم يطو تلك المسافات ولم يقم برحلته إلى تلك العوالم بقوّة بشرية بل تسنى له كلُ ذلك بقوة غيبيّة فبها استطاع أن يطوي تلك المسافات البعيدة في زمن قصير جداً بدأ اللّه تعالى حديثه عن الاسراء بقوله : سُبْحانَ الّذي وهو اشارة إلى تنزيه اللّه عن كلِّ نقص وعيب.
ولم يكتف بذلك بل وصف نفسَه بوضوح بأنه هو تعالى سبب هذه الرحلة والمسيّرُ فيها إذ قال : أسرى أي إنَّ اللّه تعالى هو الّذي سرى برسوله (صـلى الله علـيه وآله) وأخذه إلى تلك الرحلة.
وهذه العناية لأجل أن لا يتصور الناس بأنّ هذه الرحلة تحققت بالوسائل العادية وحسب القوانين الطبيعية ليتسنّى لهم إنكارها إِنما تحققت بقدرة اللّه وعنايته الربوبية الخاصة.
2 ـ إن هذه الرحلة تحققت برمّتها خلال الليل ويستفاد هذا المطلب ـ علاوة على كلمة ليلا ـ من كلمة أسرى أيضاً لأنّ العرب كانت تستعمل اللفظة المذكورة في السير ليلا.
3 ـ مع أنّ هذه الرحلة بدأت من بيت اُم هاني ابنة أبي طالب فإن الآية صرّحت بأنها تَمَّت من المسجد الحرام ولعل هذا لأنّ العرب كانت تعتبر كل مكة حرماً إلهياً ومن هنا كان كل مكان من مكة يتمتع عندهم بحكم الحرم والمسجد الحرام فيكون المراد بالمسجد الحرام هنا مكّة ومكّة والحرم كلها مسجد فصحَّ أن يقول : من المسجد الحرام .
وتَذهب بعض الروايات إلى أنَّ المعراج كان من نَفس المسجد الحرام.
ثم إنَّ هذه الآية وان كانت تصرّح بأنَّ المعراج بدأ من المسجد الحرام وانتهى ب : المجسد الأقصى إلاّ أن ذلك لا ينافي أن يكون للنبيّ (صـلى الله علـيه وآله) رحلة اُخرى إلى العالم العُلوي لأنّ هذه الاّية تبيّن فقط قسماً من هذه الرحلة وأما القسم الآخر من برنامج هذه الرحلة فتتعرض لذكره آيات في مطلع سورة النجم .
4 ـ إنّ النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) عرج بجسمه وروحه معاً لا بالروح فقط.
ويدلُّ على ذلك قوله تعالى بعبده الّذي يُستَعمل في الجسم والروح معاً ولو كان المعراج بالروح فقط لزم أن يقول : بروحه .
5 ـ إنَّ الغرض من هذا السير العظيم وهذه الرحلة العجيبة هو إيقاف النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) على مراتب الوجود وإطلاعه على الكون العظيم وهذا ما سنشرحه فيما بعد.
وأما السورة الاُخرى الّتي تعرض لبيان حادثة المعراج بوضوح وصراحة هي سورة النجم .
والآيات الّتي سندرجها هنا من هذه السورة نزلت على رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) عندما قال لقريش : رأيت جبرئيلَ أوّل ما اُوحي التي على صورته الي خُلِقَ عليها جادلته قريش في ذلك فنزلتِ الآيات التالية تجيب على اعتراضهم : {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 12 - 18].
أحاديث المعراج :
روى المفسرون والمحدّثون أخباراً وروايات كثيرة حول معراج النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) وما شاهده في هذه الرحلة العظيمة ليست برمتها صحيحة مُسَلَّمة مقطوعاً بها.
ولقد قسّم المفسر الشيعيُ الكبير المرحومُ العلامة الطبرسيّ هذه الاخبار إلى أصناف أربعة إذ قال :
وتنقسم جملتها إلى أربعة اوجه :
أحدها : ما يقطع على صحته لتواتر الأخبار به واحاطة العلم بصحته مثل أصل المعراج.
وثانيها : ما ورد في ذلك مما تجوِّزه العقول ولا تأباه الاصول مثل طوافه في السماء ورؤيته أرواح الأنبياء وتحدّثه معهم ورؤيته للجنة والنار فنحن نجوّزه ثم نقطع على أن ذلك كان في يقظته دون منامه.
وثالثها : ما يكون ظاهره مخالفاً لبعض الاُصول إلاّ أنه يمكن تأويلها على وجه يوافق المعقول فالأولى أن نؤوّله على ما يطابق الحق والدليل. مثل أنّه راى أهل الجنة وأهل النار وتحدّث معهما الّذي يجب أن يؤوّل فيُحمل على انه : رأى أشباحهم وصورَهُم وَصفاتهم.
ورابعها : ما لا يصحّ ظاهره ولا يمكن تأويله وهي ما اُلصِق واُلحق بهذه الحادثة من الأساطير والخرافات مثل ما روي من أنه (صـلى الله علـيه وآله) كلّم اللّه سبحانه جهرةً ورآه وقعد معه على سريره أو سمع صرير قلمه ونحو ذلك ممّا يوجب ظاهره التشبيه والتجسيم واللّه سبحانه يتقدّس عن ذلك كلّه فالأولى أن لا نقبله .
متى وَقَعت هذه الحادثة؟
مع ان أهميّة هذه الحادثة العجيبة كانت تستوجب أن تكون مضبوطة التفاصيل من جميع الجهات إلاّ أنها تعرضت للاختلاف ـ مع ذلك ـ من بعض الجهات ومنها تحديد تاريخ وقوعها.
فقد ادّعى كاتبا السيرة المعروفان : إبن اسحاق و ابن هشام أنها وقعت في السنة العاشرة من البعثة الشريفة.
وذهب المؤرخ الكبير البيهقي إلى أنها وقعت في السنة الثانية عشرة من البعثة.
وذهب آخرُون إلى أنها وقعت في أوائل البعثة بينما قال فريق رابع : أنها وقعت في أواسطها.
وربما يقال في الجمع بين هذه الأقوال : أنه كان لرسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) معارج متعددة.
ولكنّنا نعتقد أنّ المعراج الّذي فُرِضَت فيه الصلاة وَقع بعد وفاة أبي طالب (عليه السلام) في السنة العاشرة قطعاً.
لأنّ من مسلَّمات الحديث والتاريخ أن اللّه تعالى أمر نبيّه (صـلى الله علـيه وآله) في ليلة المعراج أن تصلّي اُمّة رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) كلَّ يوم وليلة خمس صلوات.
كما أنه يُستفاد من ثنايا التاريخ أيضاً أن الصلاة لم تُفرَض مادام أبو طالب (عليه السلام) على قيد الحياة بل فُرِضت بعد وفاته لأنّه حضر عنده ـ ساعة وفاته ـ سراة قُريش وأسيادها وطلبوا منه أن يبت لهم في أمر ابن أخيه محمّد ويمنعه من فعله فيعطونه ـ في قبال ذلك ـ ما يريد فقال لهم رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) في ذلك المجلس : نعم كلمة واحدة تعطونيها : تقولون لا إله إلاّ اللّه وتخلعون ما تعبدون من دونه .
لقد طلب منهم رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) هذا الأمر ولم يطلب منهم شيئاً آخر كالصلاة وغيرها من الفُروع أبداً وهذا هو بنفسه يدلّ على أنه لم تجب الصلاة حتّى ذلك اليوم وإلاّ كان الإيمان المجرّد عن العمل والصلاة مفروضة لا فائدة فيه.
وأما أنه لم يذكر شيئاً عن نبُوّته ورسالته فلأنّ الاعتراف بوحدانية اللّه بأمره وطلبه (صـلى الله علـيه وآله) اعتراف ضِمنيّ برسالته ونبوّته وفي الحقيقة انَّ التلفُّظ بهذه العبارات بأمره يتضمّن شهادتين واقرارين : الإقرار باللّهِ الواحد والإقرار بنبوّة رسول الإسلام.
هذا مضافاً إلى أن كُتّاب السيرة ذكروا كيفية إسلام جماعة مثل الطفيل بن عمرو الدوسي الّذي أسلم قبل الهجرة بأعوام اكتفى النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) بالشهادتين ولم يجر اي حديث عن الصلاة ابداً.
ان هذه الامثلة تكشف عن أن هذه الحادثة ( المعراج ) الّتي فُرضت فيها الصلاة وقعت قبل الهجرة بسنوات.
والذين تصوّروا أن المعراج وقع قبل السنة العاشرة مخطئون خطأ كبيراً لأنّ النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) كان محصوراً في شعب أبي طالب منذ السنة الثامنة وحتّى السنة العاشرة ولم يكن وضع المسلمين ليسمح بفرض تكليف زائد ( مثل الصلاة ).
وأما سنوات ما قبل الحصار فعلاوة على ضغوط قريش على المسلمين والّتي كانت هي بنفسها مانعاً من فرض الصلاة على المسلمين كان المسلمون قلةً معدودين ولم يكن نورُ الايمان واُصول الإسلام قد ترسخت في قلوب ذلك العدد القليل بشكل قوي بعد ولذلك يكون من المستبعد أن يكلفوا بأمر زائد مثل الصلاة في مثل ذلك الظرف.
وأمّا ما ورد في بعض الأخبار والروايات من ان الامام علياً (عليه السلام) صلى مع رسول اللّه قبل البعثة بثلاث سنوات واستمر على ذلك بعدها أيضاً فليس المراد منها الصلوات المحدودة المؤقتة بوقت المشروطة بشروط خاصة بل كانت تلك الصلوات عبارة من عبادة خاصة غير محدودة أو كان المراد منها الصلوات المندوبة والعبادات غير الواجبة.
هل كان المعراج جسمانياً؟
لقد وقع النقاش والكلام في كيفية معراج النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) وأنه كان روحانياً أو جسمانياً وروحانياً معاً وقيل في ذلك كلام كثير.
ومع أن القرآن الكريم والأحاديث تشهد بجلاء لا غموض فيه بأن معراجه (صـلى الله علـيه وآله) كان جسمانياً فقد اُوردت في المقام بعض الإشكالات والاعتراضات الّتي منعت البعض عن قبول هذه الحقيقة وبالتالي دفعتهم إلى ارتكاب التأويل والزعم بأن معراج النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) كان روحانياً أي بالروح لا بالجسم.
لقد قال هؤلاء : ان روح النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) هي الّتي طافت في تلك العوالم ثم عادت إلى جسد النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) مرة اُخرى!!
وذهب جماعة إلى أبعد من ذلك إذ ادّعوا بان جميع هذه المشاهدات والقضايا تمّت لرسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) في عالم الرؤيا فكل ما رآه النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) أو فعله من الطواف واللقاء والصلاة كانت رؤيا ورؤيا الأنبياء صادقة!!
على أن أقوال الفريق الأخير من البعد عن الواقع بحيث لا يمكن ذكره في عداد الأقوال والنظريات أبداً لأنَّ قريش بعد أن سمعت من رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) ادعاءه بانه سار كل تلك المسافة الطويلة البعيدة وطاف على كل تلك الاماكن المتباعدة العديدة في ليلة واحدة انزعجت بشدة وهبّت لتكذيبه حقيقة إلى درجة أن خبر المعراج أصبح حديث الساعة في نوادي قريش واوساطها آنذاك.
ولو كان كل ذلك تحقق للنبيّ (صـلى الله علـيه وآله) في المنام والرؤيا لما كان لتكذيب قريش وانزعاجها واستنكارها معنى إذ لا موجب للنزاع لو كان (صـلى الله علـيه وآله) يقول : إنّي فعلت تلك الامور ورأيت تلك المشاهد في الرؤيا والمنام إذ هو على كل حال رؤيا وكل شيء ـ حتّى الاُمور المحالة أو المستبعدة جداً ـ ممكن في عالم الرؤيا.
ومن هنا لا قيمة للقول الأخير أصلا فلا تستحق المتابعة أصلا.
ولكن مع الأسف استحسن بعض العلماء المصريين ( مثل فريد وجدي ) هذا الرأي وسعى في تقويته وتبريره ونحن نحبذ ان نتركه وان لا نناقش فيه .
ما هو المراد من المعراج الروحاني؟
لقد عمد فريق ممن عجز عن دفع وحلّ بعض الاعتراضات والاشكالات الواردة على المعراج الجسماني إلى تأويل الآيات والأحاديث واعتبر المعراج النبوي معراجاً روحانياً لا غير.
والمقصود من المعراج الروحانيّ هو التدبّر في مخلوقات اللّه ومصنوعاته ومشاهدة جلاله وجماله والاستغراق في ذكر الحق والتفكر فيه وبالتالي التخلص من القيود والاغلال المادية والعلائق الدنيوية والعبور من المراتب الامكانية في المراحل الباطنية والقلبية الّتي يحصل بعد طيّها نوعٌ من القرب الخاص الّذي لا يمكن وصفه.
فاذا كان المراد من ( المعراج الروحانيّ ) هو التفكر في عظمة الحق وسعة الخلق و .. و .. فلا شك أن هذا ليس من مختصات رسول الإسلام (صـلى الله علـيه وآله) بل كان أكثر الأنبياء وكثير من الاولياء من ذوي البصائر القويّة الطاهرة يمتلكون هذه المرتبة على حين أن القرآن الكريم يعتبر ( المعراج ) من خصائص رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) ويذكره على انه نوع من الامتياز الخاص به (صـلى الله علـيه وآله).
هذا مضافا إلى ان مثل هذه الحالة ( اعني التفكر في عظمة الخالق والاستغراق في التوجه إلى الحق ) كانت تتكرر لرسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) في كل ليلة والحال ان ( المعراج ) الّذي هو محط الكلام قد وقع في ليلة معيَّنة.
إن ما دفع بهذا الفريق إلى اتخاذ مثل هذا الموقف من ( المعراج ) وآل بهم اختيار هذا الرأي هو فرضية الفلكي اليوناني المعروف بطلميوس الّتي كانت سائدة في الأوساط العلمية في الشرق والغرب طيلة ألفي سنة بالكامل والّتي اُلّف حولها مئآت الكتب وكانت تعدُّ حتّى حين من المسلّمات في مجال العلوم الطبيعية وهي على نحو الاجمال كالتالي:
إن الاجسام في هذا العالم على نوعين : أجسام عنصرية واجسام فلكية.
والجسم العنصري هي العناصر الأربعة المعروفة : الماء والتراب والهواء والنار .
وأوّل كرة تبدو لنا هي كرة التراب وهي مركزُ العالم ثم تليها كرة الماء ثم كرة الهواء وتأتي بعد كل هذه الثلاثة كرة النار وكلٌ من هذه الكرات محيطة بالاُخرى وهنا ( اي وعند كرة النار ) تنتهي الكرات وتبدأ الاجسام الفلكية.
والمقصود من الأجسام الفلكيّة هيَ الافلاكُ التسعة الّتي تقع الواحدة فوق الاخرى وتحيط الواحدة بالاُخرى على هيئة قشور البصل وهي متصلة بعضها ببعض من دون فاصلة بينها وهي غير قابلة للاختراق والالتئام ( اي الشق والالتحام ) والفصل والوصل ولا يستطيع أيّ شيء من اختراقها والتحرك فيها بصورة مستقيمة لأن ذلك يستلزم انفصام اجزاء الفلك.
من هنا يكون المعراج الجسماني مستلزماً لأن ينطلق النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) من مركز العالم ويصعد بصورة مستقيمة إلى الأعلى عابراً الكرات العنصرية الأربع ومخترقا الأفلاك التسعة الواحد تلو الآخر بينما يستحيل خرق هذه الأفلاك ثم التحامها حسب نظرية بطلميوس وفرضيّته الفلكية.
وعلى هذا لا مناص من أن نعتقد بأن المعراج النبويّ كان معراجاً روحانياً اي ان روحه (صـلى الله علـيه وآله) هي الّتي عرجت حتّى لا يمنع أيُّ جسم من عبورها وسيرها وصعودها إلى النقطة المطلوبة والغاية المرسومة.
الجواب :
ان هذا الكلام كان مقبولا وذا قيمة عند ما كانت هيئة بطلميوس وفرضيته الفلكية لم تكن بعد قد فقدت قيمتها في الاوساط العلمية وكان هناك من يعتقد بها من صميم فؤاده.
ففي مثل تلك البيئة كان من الممكن التلاعب بالحقائق القرآنية وتأويل صريح القرآن ونصوص الروايات.
أما الآن فقد فقدت أمثال هذه الفرضيات قيمتها وظهر للجميع بطلانها ولم يعد أحد يتحدث عنها إلاّ من باب ما يسمى بتاريخ العلوم.
فاليوم وبالنظر إلى كل هذه الأجهزة الفلكية والآلات الفضائية الدقيقة والتلسكوبات العملاقة وهبوط المركبات الفضائية المتعددة على سطح القمر والمريخ وعملية القيادة الفضائية على سطح القمر لم يعد مجال لهذه الفرضيات الخيالية.
فاليوم لا يعتبر العلماء المحقّقون فكرة العناصر الأربعة والفلك المتّصل كقشرة البصل إلاّ جزءً من الاساطير.
فان العلماء لم يستطيعوا بالآلات العلمية وأجهزة الرصد الدقيقة والعيون المسلحة من رؤية تلك العوالم الّتي حاكها وصنعها بطلميوس بقوة خياله من هنا فان أية نظرية تقوم على هذا الاساس غير الصحيح تكون عارية عن أية قيمة واعتبار.
نَغمةٌ شاذةٌ :
ولقد طلع مؤسس الفرقة الشيخية الشيخ احمد الاحسائي في الرسالة القطيفية بنغمة شاذة في هذا الصعيد حيث أراد بابداء طرحة جديدة أن يرضي كلا الطرفين ( القائلين بروحانية المعراج النبوي والقائلين بجسمانيته ) حيث قال : ان النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) عرج ببدنه البرزخي (الهور قليائي) ثم استدل لذلك بقوله :
ان الصاعد كلّما صعد ألقى في كل رتبة من المراتب المذكورة ما فيها فمثلا إذا تجاوز كرة الهواء القى ما فيه من الهواء وإذا تجاوز كرة النار ألقى ما فيها وإذا رجع أخذ ما له من كرة النار وإذا وصل إلى كرة الهواء أخذ ما له من الهواء.
ومن هنا فانَّ النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) عندما عرج إلى السماء القى في كل كرة واحداً من تلك العناصر الأربعة في كرته وعرج ببدن فاقد لهذه العناصر.
ومثل هذا البدن لا يمكن ان يكون بدناً عنصرياً فليس هو الا البدن البرزخي ( الّذي أسماه الهور قليائي ) لا غير .
وبهذا ـ حسب تصوّره ـ أرضى من نفسه كلا الطرفين المذكورين لأنه من جانب اعتقد بالمعاد الجسماني وفي نفس الوقت تخلّص من اشكال خرق الافلاك والتحامها لأن نفوذ الجسم البرزخي لا يستوجب أي خَرق وانفصال في جدار الفلك.
ولكن هذه النظرية ـ كما هو واضح لكلّ عالِم متحرٍّ للحقيقة بعيد عن العصبية ـ واضحة البطلان كسابقتها ( نظرية المعراج الروحاني ) فمضافاً إلى انها مخالفة للقرآن وظاهر الاحاديث لأنّه ـ كما أسلفنا ـ لو عرضنا آية المعراج ( من سورة الاسراء ) على أيّ عارف باللغة مهما كانت وطلبنا منه رأيه في هذا الصدد لقال : ان مراد القائل هو البدن الدنيوي العنصري الّذي عَبّر عنه القرآن بلفظ العبد في قوله تعالى : سبحان الّذي أسرى بعبده وليس الهور قليائي الّذي لم يكن يعرفه المجتمع العربيّ ولا يعرف أمثاله في ذلك اليوم أساساً في حين أنهم كانوا هم المخاطَبون في آية المعراج في سورة الاسراء لا غيرهم.
هذا مضافاً إلى أنَّ ما دفع بالشَيخ إلى ارتكاب هذا التأويل البارد هو الاسطورة اليونانية المذكورة حول الفلك حيث تصوّرها كحقيقة ثابتة من حقائق اللوح المحفوظ وقد كذبها وفندها كلُ فلكييّ العالم اليَومَ وأعلنوا عن سخافتها.
فلا يجوز لنا أن نقلِّد تلك الفرضية تقليداً أعمى.
وإذا ما رأينا بعضَ القدماء من المشايخ قال بمثل هذا محسناً الظن بتلك الفرضية الفلكية القديمة وأمثالها امكن إعذارهم لعدم قيام ادلة علمية قوية على خلافها آنذاك.
اما اليوم فلا ينبغي لنا ان نتجاهل الحقائق القرآنية لفرضية ثبت بطلانها في الأوساط العلمية.
المعراج وقوانين العلم الحديث :
قد يتصور فريقٌ من الناس أن القوانين الطبيعية والعلمية الحاضرة لا تتلاءم مع معراج النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) وذلك لأنه :
1 ـ يقول العلم الحديث : إِنَّ الابتعاد عن الأرض يتطلب التخلّص من جاذبية الأرض وبعبارة اُخرى ابطال مفعولها.
فان ( الكرة ) الّتي نقذفها إلى الأعلى تعود مرة ثانية إلى الأرض بفعل الجاذبية ومهما كرّرنا قذف الكرة إلى الأعلى فأنها تعود وترجع إلى الأرض أيضاً.
فاذا أردنا أن نبطل مفعول جاذبية الأرض ابطالا كاملا بحيث لا تعود الكرة المقذوفة إلى الأعلى إلى الأرض ثانيةً بل تواصل مسيرها إلى الأعلى فإننا نحتاج لتحقيق هذا الهدف إلى جعل سرعة الكرة باتجاه معاكس للأرض تعادل 000 / 25 ميلا في الساعة.
وعلى هذا فان معنى المعراج هو ان يكون النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) قد خرج من محيط جاذبية الأرض واصبح في حالة انعدام الوزن.
ولكن ينطرح هنا سؤال وهو : كيف استطاع رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) ان يطوي بدون وسائل هذه المسافة بمثل هذه السرعة وهل البدن الطبيعي يتحمل مثل هذه السرعة مع عدم توفر الغطاء الواقي والوسائل اللازمة الّتي تصون الجسم من التبعثر والذوبان بفعل السرعة الفائقة.
2 ـ إنّ الهواء القابل للاستنشاق غير موجود فوق عدد من الكيلومترات بعيداً عن سطح الأرض بمعنى اننا كلما ذهبنا صعداً إلى الطبقات العليا وابتعدنا عن الأرض أصبح الهواء أرقّ حتّى يغدو غير قابل للاستنشاق وربما نصل إذا واصلنا الصعود إلى الأعلى إلى منطقة ينعدم فيها الهواء اللازم للتنفس بالمرة فكيف استطاع رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) وبعد طي تلك المسافة الطويلة والبعيدة في أعالي الجو أن يعيش بدون وجود الاوكسيجين؟!
3 ـ إِنَّ الاشعة الفضائية والاحجار السماوية والشهب الكثيرة المتطايرة إذا اصطدمت بأي جسم أرضي أبادَتهُ وأفنته ولكنها عندما تصطدم بالغلاف الغازيّ المحيط بالأرض تتلاشى وتصبح كالبودر ولا تصل إلى الأرض فيكون الغلاف الغازي في الحقيقة بمثابة درع يقي سُكّان الأرض من خطر تلك القذائف المهلكة.
ومع هذه الحالة كيف تهيّأ لرسول الله (صـلى الله علـيه وآله) أن يصون نفسَه من تلك الاشعة الفضائية والاحجار السماوية؟!
4 ـ إذا قلَّ ضغطُ الهواء على جسم الإنسان فزاد أو نقص اختلت حياته الطبيعية فهو يمكنه أن يعيش تحت ضغط معين من الهواء لا يوجَد في الطبقات العُليا من الجوّ فكيف استطاع النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) والحال هذه أن يحافظ على حياته في أعالي الفضاء؟!
5 ـ إنَّ سرعة الحركة الّتي ساربها النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) لا ريب كانت تفوق سرعة الحركة الّتي يسير بها النور ومع العلم بأنّ سرعة النور هي 000 / 300 كيلومتراً في الثانية مع العلم أيضاً أنه ثبت في العلم الحديث أنه لا يستطيع أيُّ جسم أن يتحرك بسرعة تفوق سرعة النور فكيف استطاع النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) ان يسير بسرعة تفوق سرعة النور ومع ذلك يرجع إلى الأرض سالم الجسم كامله؟؟!
جوابنا :
وجوابنا هو : أننا إذا أردنا أن نناقش هذه المسألة على ضوء القوانين العلميّة الطبيعية لتجاوز عدد الاعتراضات والاشكالات ما ذكرناه آنفاً.
ولكننا نقول في جواب هذا الفريق متساءلين : ما هو مقصودكم من توضيح هذه النواميس الطبيعية.
هل تريدون القول بأن السير في العوالم العليا أمرٌ غير ممكن وممتنع ذاتاً وبالتالي أنه أمر محال.
فاننا نقول ـ حينئذ ـ في الجواب على ذلك بان الجهود والتحقيقات العلمية الّتي بذلها علماء الفضاء في الشرق والغرب قد جعلت هذا الأمر ـ ولحسن الحظ ـ أمراً ممكناً وعادياً لأن مع اطلاق أوّل قمر اصطناعي عام ( 1957 م ) إلى السماء والّذي اسماه علماء الفضاء ب اسپوتنيك اتضح أنه يمكن إبطال مفعول جاذبية الأرض بواسطة الصاروخ كما أن إرسال السفن الفضائيّة الحاملة لروّاد الفضاء من البشر بواسطة الصاروخ أوضح أنَّ ما كان يَعِدّه البشر مانعاً من الصعود إلى الأعلى في الفضاء قد أصبح قابلا لرفعه وإزالته والتخلّص منه بيد العلم والتكنولوجيا.
إن البشر استطاع بأدواته وآلاته العلمية والتكنولوجية أن يعالج مشكلات عديدة في مجال ارتياد الفضاء مثل مشكلة الشهب والنيازك المتطايرة في الجوّ ومشكلة الاشعة الفضائية ومشكلة إنعدام الغاز اللازم للتنفس و .. و .. وهاهو علم ارتياد الفضاء في حال توسع مستمرّ وان العلماء أصبحوا الآن يثقون بأنهم سرعان ما يتمكنون من مدّ بساط الحياة والعيش في إحدى الكرات السماوية والسفر إلى إحدى الكواكب كالقمر والمريخ بِسهولة كبرى!
إنَّ هذه الأحداث العلمية وهذا التقدّم التكنولوجي في مجال ارتياد الفضاء شاهدٌ قويٌّ على أنّ هذا العمل أمر ممكن مائة بالمائة وليس من الاُمور المستحيلة.
وإذا كان مقصود المعترضين على المعراج هو انه لا يمكن القيام بمثل هذه الرحلة من دون أجهزة علميّة وتكنولوجية ولم يكن رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) يملك في تلك الليلة مثل هذه الأجهزة فكيف طوى تلك المسافات وطاف على جميع تلك العوالم من دون أدنى وسيلةِ نقل من هذا القبيل؟!
فاننا نقول في معرض الاجابة على اعتراضهم هذا بأن جواب هذا الاعتراض يتضح من الابحاث الّتي سبقت منا حول معاجز الأنبياء وخصوصاً بحثنا المفصَّل حول حادثة عام الفيل وهلاك جيش أبرهة العظيم بالأحجار الصغيرة لأنه من المسلَّم أنَّ ما يستطيع البشر فعله عن طريق الأدوات والآلات العلمية الصناعية يستطيع الأنبياء فعلَه بعناية اللّه تعالى وإقداره وبدون الأسباب الظاهرية والخارجية.
لقد عرج رسول الإسلام (صـلى الله علـيه وآله) إلى السماء بعناية وباقدار اللّه الّذي خلق الوجود كله واقام هذا النظام البديع برمته فهو الّذي أعطى للأرض جاذبيتها وأعطى للشمس أشعتها وأوجد مختلف طبقات الهواء وأنواع الغازات في الجوّ ومتى أراد أخذَها وانتزاعها منها أو كبح جماحها وردّ عاديتها.
فاذا تحقق معراج النبيّ الاكرم محمّد (صـلى الله علـيه وآله) في ظلّ العناية الآلهيّة فانّ من المسلَّم ان جميع النواميس تخضع أمام قدرته القاهرة وارادته الغالِبة وهي طوع إرادته والسماوات والأرض مطويّات بيمينه والجميع في قبضته ورهن اشارته دائماً وأبداً وفي كل حين وأوان.
وعلى هذا فماذا يمنع من أن يعمل اللّه الّذي منح للأرض جاذبيتها وللأجرام السماوية أشعتها على إخراج عبده المصطفى بقدرته المطلقة ومن دون الاسباب الظاهرية من مركز الجاذبية الأرضيّة ويصونه من أخطار الاشعة الكونية وأن يعمد خالق كل هذا القدر الهائل من الاوكسيجين إلى إيجاد الهواء اللازم لنبيّه في الطبقات الّتي ينعدم فيها الهواء وهذا هو معنى قولهم : إنَّ اللّه مسبِّبُ الأسباب ومعطِّلُ الأسباب .
ان أمر المعجزة يختلف ويفترق أساساً عن أمر العلل الطبيعية والقدرة البشرية.
ونحن يجب أن لا نقيس قدرة اللّه المطلقة بقدرتنا المحدودة فاذا كنّا لا نقدر على شيء من دون الأسباب لم يصحَ أن نقول : ان القادر المطلق لا يقدر على مثله من دون الاسباب الطبيعية أيضاً.
إنَّ إحياء الموتى وقلب العصا إلى ثعبان وإبقاء يونس حيّاً في بطن الحوت في قعر البحار مما صدّقته جميع الكتب السماوية ونقلته إلينا لا تقلّ إشكالا ولا تختلف جواباً عن قصة المعراج النبوي
وخلاصة القول : ان جميع العلل الطبيعية والموانع الخارجية مسخَّرةٌ لِلّه تعالى خاضعة لارادته مطيعةٌ لأمره وارادته يمكن تعلّقُها بكلّ شيء إلاّ بالأمر المحال وأما غيرذلك أي ما يكون ممكناً بالذات مهما كان فانّهُ قابلٌ لأن يتحقق في ظل ارادة اللّه ومشيئته سواء يقدر البشر عليه أم لا يقدر.
على أن حديثنا هذا موجَّهٌ إلى مَن آمن باللّه وعرف ربّه بصفاته الخاصة به تعالى وبالتالي آمن باللّه الأزليّ على أنّه القادر على كلّ شيء.
الهدفُ من المعراج :
لقد بيّنت الاحاديث ـ بعد الآيات ـ الغرض من المعراج واليك طائفة من هذه الاحاديث.
1 ـ يقول ثابت بن دينار سألت الامامَ زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) عن اللّه جلّ جلاله هل يوصَف بمكان فقال : تعالى اللّهُ عَن ذلِكَ .
قلت : فلم اسرى بنبيه محمّد (صـلى الله علـيه وآله) إلى السماء؟
قال : لِيُريَهُ مَلكوتَ السماوات وما فيها من عجائب صنعِهِ وبدائع خلقه .
2 ـ وقال يونس بن عبد الرحمان قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) لأيّ عِلة عرج اللّهُ بنبيّه إلى السماء ومنها إلى سدرة المنتهى ومنها إلى حجب النور وخاطبه وناجاهُ هناك واللّه لا يوصف بمكان؟ .
فقال (عليه السلام) : إنَّ اللّه لا يُوصَفُ بمكان ولا يَجري عليهِ زمانٌ وَلكنَّهُ عزوجل أرادَ ان يُشَرِّف به مَلائِكته وسكانَ سَماواتِه ويكرِّمَهُم بمشاهدته وَيُريَه من عجائب عظمته ما يخبر بهِ بَعدَ هُبُوطِه وليسَ ذلِكَ على ما يَقُولُه المشبّهون سبحانَ اللّهِ تعالى عَمّا يَصِفُون .
أجل يجب أن يكون لرسول الإسلام وخاتم الأنبياء مثل هذا المقام العظيم ومثل هذه المنزلة السامقة ليقول للبشرية العائشة في القرن العشرين والّتي أصبحت تفكر في الهُبوط على المريخ و الزهرة وغيرها من الانجم البعيدة :
بانني قد فعلت هذا من دون أية وسيلة وانَّ ربّي قد مَنَّ عليّ وعرّفني على نظام السماوات والأرض وأطلَعَني بقدرته وبعنايته على أسرار الوجود ورموز الكون.