التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
الخصائص الأجتماعية والحضارية لعصر بابل القديم
المؤلف: طـه باقر.
المصدر: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة
الجزء والصفحة: ص478-489
1-12-2016
3382
موجز خصائص العهد البابلي القديم من الناحية الحضارية:
1ـ تعريفه من الناحية الزمنية بأنه العصر الذي أعقب سقوط أمبراطورية "أور" (سلالة أور الثالثة) في حدود 2004 ق.م وشمل فترة زمنية طويلة إلى نهاية سلالة بابل الاولى (في حدود 1595 ق.م) وقيام حكم الكشيين فيكون قد استغرق نيفاً وأربعة قرون، وكان من الناحية السياسية كما مر بنا عصر دول مدن او دويلات حكمت متعاصرة ومتحاربة وتصفية إحداهما للأخرى إلى أن تفردت بزعامة البلاد سلالة بابل الأولى في عهد ملكها السادس حمورابي (1750 – 1792 ق.م) وتوحيده القطر في مملكة واحدة كبرى.
2ـ ولعل أبرز ما لاحظناه هو هجرات الأقوام السامية، من الساميين الغربيين الذين سميناهم بالآموريين أو الكنعانيين الشرقيين إلى مختلف بلاد الشام ووادي الرافدين، فتغيرت الأبنية العامة لهذه الأقطار من النواحي القومية والسياسية واللغوية. وبإضافة هؤلاء الساميين الغربيين إلى الساميين القدامى الموجودين في وادي الرافدين طغى التحول القومي واللغوي في العراق إلى السامية على الطابع السومري القديم، ومثل ذلك يقال بالنسبة إلى الطابع السياسي، فقد انتهى السومريون من الناحية السياسية، وتفردت الأقوام السامية بالحكم منذ نهاية سلالة أور الثالثة إلى سقوط الدولة الكلدانية على يد الفرس الأخمينيين (539 ق.م).
3- إن هؤلاء الساميين الجدد من الفرع الغربي للساميين أو العرب السوريين ، ولغتهم كما رأينا أحد فروع كتلة اللغات أو اللهجات السامية الغربية، أي الكنعانية والفينيقية والعبرانية والآرامية وغيرها. وبالنظر إلى هجراتهم الكبيرة إلى العراق كان من المتوقع ان تعم لهجتهم في وادي الرافدين وتصبح لغة التدوين بدلاً من السامية الشرقية التي سميناها باللغة الآكدية أي لغة سامي العراق قبل مجيء هؤلاء الساميين الجدد، ولكن هذا لم يقع وإنما استمرت اللغة الآكدية بصفتها لغة التدوين الرسمية، إذ لم يخلف الآموريون شيئاً مدوناً بلغتهم في العراق باستثناء ما سبق أن ذكرناه من أنها صارت بلاد شك إحدى اللغات المحكية الرئيسية ودخول أسماء أعلام سامية غريبة كثيرة من أسماء عدد من الآلهة. ومما له صلة بهذه الملاحظة اللغوية أن اللغة الآكدية تفرعت ف العصر البابلي إلى فرعين رئيسين هما اللغة البابلية القديمة واللغة الآشورية القديمة، وتطور كل من هذين الفرعين في العصور التالية مما ذكرناه في كلامنا على اللغات السامية.
3- ولعل أبرز النتائج التي استتبعت زوال السومريين سياسياً واتساع التدوين باللغة الآكدية ميزة اخرى اتسمت بها حضارة وادي الرافدين في العهد البابلي القديم، هي ظهور حركة واسعة في التدوين والتأليف والنقل والترجمة، وفي مقدمتها تدوين المعارف والعلوم التي بدأت في طور نضجها. فكأن القوة قد شعروا بزوال الثقافة السومرية فأخذ المتضلعون بمعارف العصر يدونون مآثر السومريين وينقلون النصوص الأدبية واللغوية والدينية، ويثبتون تدوين أصولها إما باللغة السومرية أو بترجمة الكثير منها أو تحويرها لإنشاء قطع أدبية باللغة البابلية على هيئة نتاج فني أدبي جديد سترد نماذج منه ف الجزء الثاني من كتابنا، مثل ملحمة جلجامش وأساطير الخليفة والأشياء إلى غير ذلك من القطع التي ألفت باللغة البابلية ولكنها ترجع إلى أصول سومرية. ومن اجل تعريف المصطلحات السومرية ووضع مرادفات في اللغة البابلية بدأ الكتبة منذ العهد البابلي القديم يؤلفون نصوصاً لغوية مهمة بعضها على هيئة معاجم لشرح العلامات المسمارية من ناحية قيمها الصوتية ومرادفها بالبابلية بدأ الكتبة منذ العهد البابلي القديم يؤلفون نصوصاً لغوية مهمة بعضها على هيئة معاجم لشرح العلامات المسمارية من ناحية قيمها الصوتية ومرادفاتها بالبابلية، كما شرحوا مبادئ مهمة في نحو اللغة السومرية وما يضاهي التراكيب اللغوية السومرية من اللغة البابلية، وقد خلفوا لنا نماذج متنوعة من هذه المعاجم، بعضها شرح للعلامات المسمارية وبعضها معاجم بأسماء النباتات والحيوانات وأسماء السومرية الأشياء والمواد المختلفة. ويجدر ان نذكر بهذا الصدد أن أثبات الملوك السومرية التي أوردنا ترجمتها قد دونت في العصر البابلي القديم، إذ سبق أن قلنا إن آخر نشرة لها قد تمت في عهد سلالة "أيسن" كما جمعت أثبات سلالات أخرى. كل ذلك جعل المآثر المدونة التي جاءت إلينا من ذلك العصر تتميز بالكثرة والتنوع، بحيث يمكن القول إن العصر البابلي القديم يتفرد من بين العصور الأخرى في تاريخ حضارة وادي الرافدين من ناحية التأليف والتدوين. وإلى هذه المدونات جاء من هذا العصر الألوف الكثيرة من ألواح الطين المدونة بشؤون الحياة المختلفة والمعاملات التجارية المتنوعة مثل معاملات البيع والشراء والإيجارات والقروض والرهان والأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والتبني والإرث ، وقرارات المحاكم والشرائع المدونة مثل قانون "لبت ــ عشتار"، خامس ملوك سلالة "أيسن" وقانون مملكة "اشنونا" المكتشف في تل حرمل، وما يسمى بالقوانين الآشورية القديمة، مما سنفرد له فصلاً خاصاً في الجزء الثاني. وسيمر بنا في كلامنا عن العلوم والمعارف في حضارة وادي حضارة وادي الرافدين كيف انتقلت المعارف الرياضية في العهد البابلي القديم من مراحل الممارسة والمعلومات العملية إلى طور النضج والتدوين ومرحلة العلم الصحيح.
4- القصر والمعبد:
من التغييرات المهمة التي انتهى إليها التطور السياسي للعراق القديم في هذا العصر تعاظم سلطة الملك وانفصال السلطة الزمنية المتعاظمة الممثلة بالقصر "ايكالم" عن السلطة الدينية الممثلة بالمعبد وطبقة الكهنة. ففي العصور القديمة من حضارة وادي الرافدين، ولا سيما عصر فجر السلالات (2370 – 2800 ق.م)، كانت الصلة وثيقة بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية، حيث الحاكم كان يتصف بالصفة الدينية والزمنية المزدوجة رغم وجود طبقات الكهنة المختلفة. ومع أن بوادر الانفصال ما بين السلطتين وتعاظم سلطة الحكام قد بدأت في العصر الآكدي الذي أعقب عصر فجر السلالات، إلا أن ذلك الانفصال لم يتضح إلا في العصر البابلي القديم. وإذا كان الملك قد استمر في هذا العصر على صفته الدينية المقدسة لصلته الوثقى بالآلهة بكونه ممثلاً لها في حكم البشر، فإنه صار سيداً مطلقاً عل جميع المملكة، وبلغت هذه الظاهرة اوجها إبان حكم الملك "حمورابي" حيث تم نقل جميع السلطات من المعبد إلى القصر، وأصبح صنف القضاة وشؤون المحاكم علمانية(1).
ولعل أجلى ما يوضح لنا هذه الظاهرة الجديدة في بناء حضارة وادي الرافدين ضخامة القصور الملكية التي طغت على المعابد على الرغم من استمرار العناية بها من جانب ملوك ذلك العهد. ولكن صارت الأبنية الدينية لا تقارن بضخامة القصور واتساعها . ويمكن مقارنة هذين النوعين من الأبنية مما جاء إلينا من النماذج التي كشف عنها في أثناء التنقيبات في المدن المختلفة، مثل معبد الآلهة "عشتار كيتيتوم" (Inshtar – Kititum) في أشجالي (منطقة ديالى)(2)، والمعابد الصغيرة المكتشفة في تل حرمل(3)، ومعبد الآلهة "ننكال" في مدينة "أور" وغيرها من المعابد الصغيرة المؤلفة من مدخل المعبد والحجرة الأمامية التي تفضي إلى الساحة وفيها دكة القربين ثم حجرة "المآبين" (Ante-Cella) والحجرة المقدسة (Cella) وفيها المحراب (Niche) والدكة لإقامة تمثال الإله المخصص إليه المعبد. والمرجح أنه لأول مرة ظهرت عادة بناء معابد صغيرة وبعضها عبارة عن نماذج مصغرة للمعابد في بيوت السكنى لعبادة العائلة الخاصة، كما ظهرت المعابد الصغيرة المشيدة في طرقات المدينة المؤلفة من مجرد ساحة صغيرة ذات مذبح للقرابين ودكة لتمثال الإله. وقد وجدت في "أور" أمثلة طريفة لهذه المعابد المخصصة لبعض الآلة القليلة الشأن مثل المعبد المسمى "با ــ ساك" (Pa – Sag) والمعبد المخصص للإله "ننشوبر" (Ninshubur) والآلهة "لاما" (4Lama)() كما وجد نموذج معبد مصغر في أحد بيوت السكني في تل حرمل(5).
ويصح ان نستنتج من هذه الظاهرة اتجاهاً جديداً في الديانة يدور على تعلق الفرد بالآلهة لا عن طريق السلطة الرسمية، زمنية أو كهنوتية، وإنما كان منبعثاً من العلاقة الشخصية بين الفرد وإلهة، وبعبارة أخرى ما يصح أن نعده مظهراً من مظاهر العبادة الشعبية الجماهيرية، يعزز ذلك ما امتازت به الأختام هو صاحب الختم ، من جانب إلهة الحامي إلى إله آخر أعظم شأناً.
وبالمقارنة مع تضاؤل شأن المعبد حجماً وسعة ونفوذاً كشفت التنقيبات التي أجريت في جملة مواضع قديمة عن عدة نماذج من القصور الضخمة نذكر منها قصر الملك "بلالاما"، ملك "اشنونا" في تل أسمر (اشنونا القديمة)، وقصر ملك الوركاء "سين ــ كاشد" في الوركاء(6)، وقصر ملك مدينة ماري "زمري ــ لم"، ذلك القصر الذي يعد في سعته وكثرة حجراته وساحاته ومرافقه الكثيرة مدينة كاملة، إذ تبلغ مساحته زهاء سبعة إيكرات (أي نحو 28,000 متر مربعاً) (650×450 قدما). وقد تفرد من بين مآثر العصور القديمة بزخارفه وزينته وجمال تخطيطه(7)، ويبلغ ثخن جدرانه الخارجية(40) قدماً، وقد شيدت على أسس من حجر الكلس وتتخللها أبراج للدفاع، وبلغ عدد حجراته الداخلية أكثر من ثلاثمائة حجرة. ووجد المنقبون في هذا القصر أكثر من (20,000) لوح من ألواح الطين المدونة بالخط المسماري واللغة البابلية القديمة، وهي تسجل مختلف الشؤون الإدارية والاقتصادية، من بينها الرسائل الملكية التي أشرنا إليها مراراً، وهي تعود إلى زمن الملك "شمسي ــ أدد" وولديه "اشمي ــ دكان" و "يسمح ــ أدد)، ثم الوثائق الخاصة بعهد الملك "زمري ــ لم" من بعد استقلال "ماري" عن التبعية الآشورية.
5- المصادر:
إن ما نوهنا به من ميزات العصر البابلي القديم من اتساع حركة التدوين جعلت هذا العصر يتفرد أيضاً بميزة اخرى من بين العصور التاريخية الاخرى في حضارة وادي الرافدين، هي وفرة المصادر التي جاءتنا منه المؤلفة من الألوف الكثيرة من ألواح الطين المتنوعة في محتوياتها، مضافاً إلى ذلك البقايا والمخلفات الأثرية المتنوعة، كالبقايا المعمارية الكثيرة والآثار المادية الاخرى، مثل المعابد والقصور ودور السكني، بحيث يصح القول إن العصر البابلي القديم لا يضارعه عصر آخر في تاريخ العراق القديم من ناحية وفرة مصادر معرفتنا بتاريخه وتنوع هذه المصادر، فيستطيع المؤرخ بفضل هذه المصادر أن يستخرج صورة شاملة عن حياة المجتمع في مختلف مقوماتها ومظاهرها.
وبالنسبة إلى التنقيبات التي أجريت في عدة مواضع أثرية من هذا العصر يمكن القول إنه على الرغم من أن ما تم من تحريات أثرية لحال التاريخ لم يكن بالمقياس الذي ينبغي أن تكون عليه التنقيبات الأثرية إلا أنها بالمقارنة مع العهود التاريخية الاخرى تعد وافية واسعة. هذا مع العلم بأن أكثر من عاصمة من عواصم الدول التي قامت في هذا العصر لم تتناولها التحريات الآثارية بعد، مثل مدينة "أيسن" ولارسة وغيرهما. اما مدينة بابل التي كانت عاصمة سلالة بابل الاولى وعاصمة امبراطورية حمورابي وظلت عاصمة البلاد إلى آخر عهود التاريخ فإنه لم يكشف فيها عن بقايا العصر البابلي القديم بسبب ما ذكرناه من ارتفاع مستوى المياه الجوفية (ارتفاع مستوى النهر) مما جعل الطبقات الأثرية الممثلة لذلك العصر تحت مستوى الماء. فرغم أن المنقبين الألمان الذين أمضوا أعواماً طويلة في التنقيب في بابل (1917 – 1899) وبلغوا أعماقاً تحت السطح تقدر في بعض الاماكن بنحو (40) قدماً فإنهم لم يعثروا إلا على أجزاء قليلة من بقايا جدران وكسر من ألواح طينية يرجح أنها تعود إلى أواخر عهد سلالة بابل الأولى. ومع ذلك فإن التنقيبات الأثرية الاخرى قد تناولت مدناً ومواقع أخرى مهمة، نذكر على سبيل المثال بقايا القصور الفخمة العائدة إلى حكام مملكة "اشنونا" في مواضع ديالى مثل تل أسمر "مدينة اشنونا" حيث قصر الملك "بلا لاما" الذي نوهنا به. ونذكر كذلك تنقيبات مدينة أور التي كشف فيها عن مجموعة كبيرة من دور لسكني وشوارعها، وقد بلغت مساحة احدى الحارات السكنية زهاء (10000) ياردة مربعة (8), وقد سبق ان ذكرنا التنقيبات التي اجريت في مدينة ماري والكشف عن القصر الفخم العائد الى ملكها "زمري- لم" بالأضافة الى حارات دور السكنى من العصر البابلي القديم . وننوه كذلك بالتنقيبات التي أجريت في مدينة "نفر" والوركاء وتل "حرمل" والضباعي وتل الدير وغيرها.
إن التنقيبات التي نوهنا بأشهرها لم تقتصر أهميتها على الكشف عن نماذج مهمة من البقايا المعمارية والمواد الأثرية الاخرى من العهد البابلي القديم، بل إنها كذلك كشفت عن مجموعات كثيرة ومهمة من النصوص المسمارية التي تأتي في مقدمة مصادرنا عن أحوال العصر البابلي القديم، مضافاً إليها الألوف الكثيرة من ألواح الطين التي استخرجت عن طريق الحفريات الغير مشروعة، أي حفريات سراق الآثار، فكان حصيلة كل ذلك ما عندنا الآن من مجموعات كثيرة من ألواح الطين لا يمكن تقدير عدد ما هو مخزون منها في مخازن المتاحف العالمية، ولعل الرقم 70,000 – 50,000 رقم قريب من الصحة.
ومع ان عهد سلالة أور الثالث يضاهي العصر البابلي القديم من حيث وفرة المصادر المدونة التي جاءت إلينا، إلا أن هناك فرقاً مهماً بين محتويات الألواح الاقتصادية والإدارية من عهد سلالة أور الثالثة (وهي في حدود 20,000 لوح) وبين وثائق العصر البابلي القديم، ذلك أن اغلب ألواح أور وثائق رسمية خاصة بتسجيل الشؤون الإدارية لأملاك القصر والمعبد وإدارة الدولة بوجه عام، في حين أن قسماً كبيراً من ألواح العهد البابلي القديم وثائق شخصية، أي إنها وثائق تعود إلى أفراد المجتمع من عامة الناس وهي مدونة بمختلف شؤون الحياة اليومية، ومثل هذا يقال بالنسبة إلى الرسائل من كل من هذين العهدين.
ونختتم هذه الملاحظات العامة عن مصادر العهد البابلي القديم بتصنيف تلك الوثائق من حيث محتوياتها إلى الأصناف الرئيسة التالية:
1ـ الكتابات الرسمية:
وما يعرف بالنصوص الملكية (Royal – Inscriptions)، وقد وجدت مجموعات متنوعة من هذه الوثائق(9) التي سجلت لنا نشاط ملوك ذلك العصر في البناء والإنشاء ولا سيما بناء المعابد أو تجديد أبنيتها وحفر أنهار الري والسدود وإقامة الأسوار والحصون. وقد دونت الاخبار المتعلقة بمثل هذه الأعمال في المسلات الحجرية أو في المخاريط الطينية أو ألواح الطين أو التماثيل أو الأساطين الطينية، وكان البعض منها يدفن في أسس المعابد أو القصور وغيرها من الأبنية الرسمية.
2- إثبات الحوادث المؤرخ بها:
مر بنا في كلامنا عن طرق تدوين الحوادث وتقويمها أسلوب التأريخ بالحوادث المشهورة بحسب سني حكم الملوك أي ما يصطلح عليه بــ (Data Formulae) وقد جاءتنا من هذه الأثبات نماذج كثيرة، منها قوائم الحوادث المؤرخ بها الخاصة بحكم ملك واحد، وبعضها جداول بالسني المؤرخ بها الخاصة بحكم سلالة خاصة من الملوك. وتعد هذه الوثائق على قدر كبير من الأهمية فإنها سجل بتسلسل الاحداث المهمة في حكم الملوك وتسلسل ملوك السلالات، كما ان الحوادث المتخذة للتأريخ منها ذات أهمية خاصة في معرفة تأريخ العصر، فنقرأ فيها حملات الملوك الحربية وفتوحهم الخارجية وعلاقاتهم مع غيرهم من الملوك والحكام، وأعمالهم العمرانية مثل بناء المعابد والقصور وإقامة الحصون وشؤون الري المختلفة، وتحت التماثيل للآلهة ولأنفسهم، وتعيين الكهنة والكاهنات وبوجه خاص من الأسر المالكة في المعابد، وقد يؤرخ بموت حاكم صديق من الدويلات المجاورة ، وخير مثال على هذا النمط من التأريخ ما اكتشف حديثاً في تل الضباعي القريب من تل حرمل (وكلاهما في المنطقة المسماة بغداد الجديدة). ومن هذا الصنف من اثبات الحوادث المؤرخ بها القوائم الآشورية الخاصة يعود الملوك بأسماء كبار موظفي الدولة ابتداء من الملك.
ومن قبيل هذا النوع من المصادر التي جاءتنا من العهد البابلي القديم إثبات الملوك (King – Lists) التي سبق ان تكلمنا عنها في الفصل الخاص بتأريخ التحريات. ونذكر كذلك الشرائع المدونة والنصوص القانونية الأخرى التي امتاز هذا العهد بوفرة ما وجد منها، والنصوص الأدبية والدينية مثل مجاميع الصلوات التراتيل والأدعية المخصصة للآلهة المختلفة. والأثبات الخاصة بأسماء الآلهة وانسابها، ونصوص الأساطير والقصص(10).
3- النصوص الخاصة بتنبوءات الفأل:
النصوص الخاصة بتنبوءات الفأل (Omen Texts) التي وجدت منها نماذج متنوعة منذ العصر البابلي القديم، وهذه عبارة عن سجلات بالمشاهدات الخاصة بالظواهر الطبيعية والطرق المختلفة المستعملة في العرافة والتنبؤ مثل فحص كبد الحيوان المضحى وخلط الزيت بالماء إلى غير ذلك من انواع العرافة مما سنفصل الكلام عنها في الجزء الثاني من كتابنا. وهذه إلى جانب أهميتها من الناحية العقائدية والأسطورية ذات أهمية تاريخية خاصة لأنها كثيراً ما تشير إلى حوادث تأريخية مما يتعلق بالسلالات الحاكمة وملوكها.
4- الأثبات الجغرافية:
من المدونات الطريفة التي بدأت تظهر في حضارة وادي الرافدين منذ العصر البابلي القديم ما يطلق عليه اسم الأثبات أو الجداول الجغرافية (Geographical Lists) وهي عبارة معاجم صغيرة بأسماء المدن والمواضع الشهيرة التي كانت ترتب إما بحسب تسلسلها الجغرافي او بحسب كتابة أسمائها. ولعل أقدم ما وجد من هذه الأثبات اللوح الطيني الذي اكتشف في تل حرمل (مجلة سومر، المجلد الثالث). ومن قبيل هذا النوع من المؤلفات الجغرافية ذكر الطرق والمسالك الشهيرة وأسماء المدن والأمكنة التي تمر منها أي ما يصح أن نسميه "دليل السفر" Itinerary)).
5- الرسائل:
يمكن تصنيف الرسائل التي جاءت إلينا من العهد البابلي القديم إلى صنفين رئيسين(11) الرسائل الرسمية (12) والرسائل الخاصة بين عامة الناس. ويتضمن الصنف الأول الرسائل المتبادلة بين ملوك، أو المرسلة من الملوك إلى ولاتهم وعمالهم في الأقاليم التابعة لهم أو ما بين الولاة أنفسهم، والمثال على ذلك الرسائل المهمة الخاصة بالملك حمورابي والرسائل المكتشفة في قصر الملك "زمري ــ لم" في مدينة ماري (13)، ونذكر كذلك الرسائل المكتشفة في تل حرمل وهي تتضمن الصنفين من الرسائل (مجلة سومر، المجلد الرابع عشر 1958) ورسائل تل الدير، وغيرها مع مجاميع الرسائل الرسمية والخاصة التي وجدت في المدن المختلفة.
6- الوثائق والعقود الخاصة بالمعاملات اليومية المختلفة كالبيع والشراء والمداينات والإيجارات ومختلف الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والتبني وقرارات المحاكم وغيرها، وقد وجدت مجموعة كبيرة من هذه الوثائق من المدن المختلفة(14).
7- النصوص الرياضية:
سبق أن ذكرنا في أول كلامنا على خصائص العصر البابلي القديم الحضارية كيف أن المعارف العملية الخاصة بالرياضيات وغيرها من المعارف قد انتقلت من الطور العملي إلى طور التدوين في ذلك العصر. والواقع من الامر أن القسم الأعظم من الألواح الرياضية التي جاءتنا من حضارة وادي الرافدين ترجه في زمنها إلى هذا العصر ثم العهد السلوقي (القرن الثالث ق.م) ولما كنا سنخصص بحثاً خاصاً للعلوم والمعارف في الجزء الثاني من هذا الكتاب فنكتفي بهذا التنويه مضيفين إليه المراجع الرئيسية عن الموضوع(15).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر البحث الآتي حول الموضوع:
Harris. "On the Process of Secularization under Hammurabi", in JCS, 15m (1961), 117ff.
(2) AAO.
(3) انظر مجلة "سومر"، (1946)، القسم الإنجليزي.
(4) انظر Woolley, in AJ, x, (1930), 368ff.
Wiseman, "The Goddess Lams at Ur" in IRAQ, XXII, (1960), 166ff
(5) انظر مجلة "سومر"، (1946)، القسم الانجليزي.
(6) انظر Lenzen, UVB, XIX, (1963).
(7) انظر A. Parrot, Mission Archeologique de Mari, le Pala is, (1958 – 9).
(8) انظر A. Parrot, Mission Archeologique de Mari, le Pala is, (1958 – 9)
(9) تنقيبات "أور" (1931 – 1930):
Woolley, Ur Excavations; AJ, XI, (1931).
(10) حول النصوص الملكية انظر: RISAm. SAk. ZZB
Gadd and Legrain, Royal Inscriptions From Ur,
(11) سيأتي تفصيل الكلام على هذه المواضع الأدبية في القسم الثاني من كتابنا. ونحيل القارئ إلى المصدر الآتي حول ترجمة هذه النصوص: ANET.
وعن التراتيل والأدعية والصلوات: Falkenstcin and Von Soden, OP.CIT
راجع اشهر النشرات عن نصوص الفأل:
(1) A. Goetze in JCS, I, (1947).
(2)------ Yala Oriental Series, VI, 181ff.
(12) حول الأثبات الجغرافية انظر:
(1) Chieram Sumerian Lexical Texts, (1929).
(2) Goetze in JCS, VII, 51ff. SUMER, III, (1947).
(13) حول رسائل حمورابي بوجه خاص ورسائل العهد البابلي القديم بوجه عام انظر:
(1) King, Letters and Inscriptions of Hammurabi.
(2) Thureau – Dangin, Letters et Contracts de L' Epoque de la Priemier Dynastie.
(3) ----, La Correspondance de Hammurabi avec Shamash – Khasir.
(4) Lutz, Early Babylonian Letters from Larsa.
(5) Ungnad, Bab. Letters of the Hammurabi Periods.
(6) Lutz, Bab. Letters of the Early Bab., Cassite and Neo=Bab. Periods.
(7) Goetze, "Fifty Old Bab. Letters from Harmal", in SUMERm XIV, (1958).
(14) فيما يأتي المراجع الأساسية عن الشرائع والوثائق القانونية:
(1) Kohler. Ungnad, Hammurapi's Gesetz (1909 – 1923).
(2) Schorr, Altbabylonische Rechtsurkunden, (1914).
(3) Waterman in AJSL, XXIX, 145ff. IBID, 286ff.xxx, 48ff' XXXIII, 203ff.
(4) Simmons in JCS, XIII, XIV, (1959 – 60)' IX, (1955).
(5) Kraus, JCS, III.
(6) Lutz, Legal and Economic Documents from Ashaiyali.
(15) عن الرياضيات انظر:
(1) Neugebauer, Mathemtische Keilschrifttexte.
(2) ------ and Sachs, Cuneiform Mathematical Texts (1945).
(3) Thureau – Dangin, Texts Mathematiques Babyloinens.
نشر مؤلف هذا الكتاب الألواح الرياضية المكتشفة في تل حرمل والضباعي في مجلة "سومر":
1949 ، 1950 ، 1951 ، 1953 ، 1963.