بطليموس السابع يذهب إلى منف لِيُتَوَّجَ فيها
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج16 ص 317 ــ 318
2025-12-14
38
بعد أن استتب الأمر ﻟ «إيرجيتيس» وأصبح آمنًا على عرشه أو بعبارة أخرى عندما اعتقد أنه عاقب أهل الإسكندرية بما رأى فيه الكفاية للانتقام من أعدائه في خلال عام 144ق.م؛ أراد أن يستعطف الشعب المصري الأصيل؛ ومن ثم ولى وجهه شطر «منف» ليتوج نفسه على حسب الشعائر المصرية القديمة إرضاء للكهنة والمصريين معًا.
(1) ولادة بطليموس المنفي ابن بطليموس السابع
وفي خلال إقامة الشعائر والأحفال الخاصة بعيد التتويج رُزِقَ مولودًا ذكرًا أسماه — تيمنًا وإرضاء للمصريين — «المنفي» نسبة إلى «منف» التي وُلد فيها، فكانت صدفة سعيدة.
ومما يُؤسَف له جد الأسف أن هذا الأمير الجديد الذي كان ضحية في المستقبل ضحى به والده إرضاء لشهوة الحكم. وقد أقيمت بمناسبة ولادة هذا الأمير الأفراح، وكان من جرائها الحكم بالإعدام على أفراد آخرين من جديد ممن حضروا الحفل؛ وآية ذلك أنه كان في حاشية الملك بعض رجال من أهالي «سيريني» كانوا قد حضروا معه إلى مصر من هذه البلدة؛ وذلك بسبب ما كانوا قد أدوا له من خدمات، ولإخلاصهم وولائهم له. على أن هؤلاء كانوا قد تجرؤوا — بما كان لهم من مكانة ودالة — على أن يعلنوا صراحة عدم رضاهم عن تصرفات حظية الملك، التي تُدعى «إيرن» في مثل هذه المناسبة المحترمة. غير أن الملك عندما علم بهذا أمر بإعدامهم في الحال.
ولكننا نجد أن الملك أراد بعد ذلك أن يستغفر عن فعلته هذه؛ فأصدر قرارات إنسانية بمثابة هبات لهذا التتويج البهيج، وكان غرضه إعادة الطمأنينة إلى نفوس أصحاب الأملاك الذين كانت ممتلكاتهم مهددة بالضياع، وذلك على غرار ما يحدث عند خروج الناس من العهود التي سادها الاضطراب والفوضى (1)؛ إذ يرون في كل إحسان مهما قل مكرمة عظيمة.
على أن «كليوباترا» كانت قد ظنت أنها اشترت ما حصلت عليه بصورة أكيدة، وهو اشتراكها في الملك بما أدته من ثمن دفعته بكل ما عندها من قوة احتمال، ومن سوء معاملة تفوق حد الوصف؛ فإنها مع ذلك لم تلبث أن استيقظت من غفلتها وثابت إلى رشدها؛ إذ ترى «إيرجيتيس» الرخو السمين من جهته قد بدأ — بعد أن صفا له الجو كما كان يظن — في الانغماس في اللذات والشهوات كما يحب ويريد، وفي الوقت نفسه أخذ يعمل على أن يشعر الشعب ومن حوله من رجال البلاط بأنه هو السيد المُطاع، ويقال: إن جل همه وقتئذ كان البحث عن ارتكاب جرائم ومخاز، هذا إلى أنه كان من دواعي سروره وغبطته أن يحارب الرأي العام وتقاليده.
(2) زواج بطليموس السابع من كليوباترا ابنة أخته
وقد ضرب في ذلك أرذل الأمثال وأوضعها؛ فقد كان — كما نعلم — متزوجًا من أخته «كليوباترا الثانية»، وقد كان هذا النوع من الزنا تبيحه له العادة التي كان يسير على نهجها ملوك مصر القدامى، غير أن ذلك لم يَكْفِهِ؛ بل نجده قد افترع ابنة زوجه وأخته «كليوباترا»، وبعد ذلك تزوج منها وأصبحت تُدعى «كليوباترا الثالثة»، وقد كان معنى هذا الاعتداء على ابنة زوجه أنه لفظ الأم ليتزوج من ابنتها (حوالي عام 143ق.م) (2). والظاهر أنه لم يحتفل بالزواج في الإسكندرية على نطاق واسع، ولكن بعد نهاية رحلة قام بها لقضاء شهر العسل في «إدفو» حيث أهدى المعبد هناك للإله «حور» رب «إدفو»، بعد بداية العمل في وضع أساسه منذ 95 عامًا مضت؛ وكان ذلك في 18 مسرى من السنة الثامنة والعشرين من حكمه (5 سبتمبر سنة 142ق.م)، وقد قُدِّمَت هناك الأضاحي، وأقيمت الولائم والأفراح من كل نوع.
والواقع أن «إيرجيتيس» بزواجه من ابنة أخته قد بلغ النهاية التي ما بعدها نهاية في الخروج على التقاليد والفجور السافر، هذا فضلًا عما كان عليه من وقاحة واستهتار مما أدى إلى فقدانه أية رابطة عطف تربط بينه وبين شعبه وذويه.
أما «كليوباترا الثانية» فإننا إذا رجعنا إلى الوراء ونظرنا في ماضيها لوجدنا أنها كانت قد عملت كل ما في طاقتها لتقضي على كل ما كان هناك من خلافات ومخاصمات بين أخويها «بطليموس فيلومتور» و«بطليموس إيرجيتيس الثاني»، ومنذ ذلك العهد كان الشعب الإسكندري يعطف عليها، ومن ثم فإن محبة الشعب وإشفاقه عليها قد ازدادت بالأحداث الأخيرة، وأصبح لها منزلة مرموقة في قلوب الإسكندريين، وعلى ذلك فإن هجر «إيرجيتيس» لها بهذه الصورة المشينة كان السبب المباشر لقيام الثورة المقبلة، وكان عليه أن يدافع عن نفسه، ويقدم شريعة تعطيه حق النصر.
...........................................
- راجع: Pap. Turin., I. p. 9, 21 in the date of year XXVI (144 B.C.).
- راجع: Justin, XXXVIII, 8, 5.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة