تحريك المسؤولية السياسية للحكومة من قبل البرلمان
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص52-55
2025-12-10
18
يباشر البرلمان مهمة الرقابة على أعمال الحكومة ، ويملك من الوسائل ما يكفل تحريك المسؤولية السياسية التضامنية لها أو المسؤولية السياسية الفردية لأحد الوزراء وفقا لأحكام الدساتير والأنظمة الداخلية للبرلمانات ، وهذا الأسلوب المباشر لتحريك المسؤولية السياسية يعد أمرا بديهيا ولازما لقيام النظام البرلماني(1). وتختلف التسميات التي تطلق على المسؤولية السياسية بناء على مبادرة أعضاء البرلمان وفقا للنظام الدستوري لكل دولة ، ففي بريطانيا تسمى تلك المبادرة (بالاقتراح بلوم الحكومة)(2). وفي الكويت تسمى (سحب الثقة من الوزراء أو عدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء) ، وفي العراق تسمى (سحب الثقة). وتأتي هذه المبادرة من عضو أو أكثر من أعضاء البرلمان وفقا لما تنص عليه الدساتير والأنظمة الداخلية للبرلمانات لكل دولة من تلك الدول . وتنعقد المسؤولية السياسية امام البرلمان وذلك وفق النظام المتبع في كل دولة من حيث الأخذ بنظام المجلس الواحد أو نظام المجلسين - فإذا كانت الدولة تأخذ بنظام المجلس الواحد :- في هذه الحالة لا تكون الحكومة مسؤولة إلا امام هذا المجلس وهذا الامر ينطبق على النظام الدستوري الكويتي بموجب الدستور الصادر سنة 1962 ، الذي يقوم على أساس الأخذ بنظام المجلس الواحد ، إذ يوجد في الكويت مجلس واحد وهو مجلس الأمة(3). والذي يتمتع باختصاصات واسعة من بينها الرقابة على أعمال الحكومة ، ويقوم تكوينه على أساس ديمقراطي وهو الانتخاب(4).
- وأما إذا كانت الدولة تأخذ بنظام المجلسين :- فالأمر هنا يكون مختلفا. فإما إن تنعقد المسؤولية السياسية للحكومة أو احد أعضائها امام المجلسين معا ، وذلك عندما يكون المجلسين متساويان من حيث التمثيل ومن حيث الاختصاصات ، إذ يستطيع آيا منهما إن يثير مسؤولية الحكومة أو احد الوزراء(5). ولكن هذا الأسلوب تعرض لانتقادات ، منها إن من شأن تقرير مسؤولية الحكومة امام المجلسين معا إن يؤدي إلى تشديد التضييق على الحكومة ويعقد الأمور ويزيد من الازمات الوزارية في الدول التي تأخذ بهذا النظام(6). وقد تنعقد هذه المسؤولية امام احد المجلسين فقط ، والغالب إن يكون هذا المجلس هو المجلس الأدنى منهما ، وذلك لان تكوينه يقوم على أساس ديمقراطي وهو الانتخاب ويكون أكثر تمثيلا للشعب ، فضلا عن تمتعه باختصاصات واسعة تفوق اختصاصات المجلس الآخر الذي يقوم في تكوينه على أساس التعيين أو الوراثة (كالدول الموحدة) ، أو على أساس التمثيل للولايات والأقاليم (كالدول الاتحادية) . كما إن تلك المجالس قد فقدت الكثير من اختصاصاتها لصالح المجالس المنتخبة من قبل الشعب مباشرة ، نتيجة للتطور الديمقراطي في الوقت الحاضر بحيث أصبحت المجالس العليا عبارة عن مجالس ارستقراطية شكلية ، تم الغاء أكثرها مع وجود مطالبات بالإلغاء المتبقي منها(7). إذ يلاحظ إن نظام المجلسين كان له الغلبة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، ثم بدأ هذا النظام يهتز في الفترة ما بين الحربين العالميتين وأخذت كفة المجلس الواحد ترجح فيما بعد الحرب العالمية الثانية وخصوصا في الدول الموحدة(8). وهذا هو الاتجاه الذي تبناه النظام الدستوري البريطاني ، إذ ان الحكومة البريطانية مسؤولة سياسيا عن أعمالها بصورة فردية أو تضامنية امام مجلس العموم وحده دون مجلس اللوردات بعد إن كانت تلك المسؤولية في صورتها الأولى المتمثلة بنظام الاتهام الجنائي Impeachment تنعقد امام المجلسين معا ، اتهاماً امام مجلس العموم ومحاكمةٍ امام مجلس اللوردات ولكن بعد استقرار المسؤولية السياسية الخالصة وخصوصا منذ سنة 1783 وتزايد اختصاصات مجلس العموم التشريعية والرقابية على حساب اختصاص مجلس اللوردات وذلك بموجب قانوني البرلمان لسنتي 1911 و 1949(9). بحيث أصبحت اختصاصات الأخير شرفية أكثر منها حقيقية ، مما جعل مجلس العموم هو المختص فقط بمحاسبة الحكومة عن سياستها العامة(10). إذ لا يوجد في مجلس اللوردات اقتراع على عدم الثقة بالحكومة – رغم كونه يملك مراقبتها بوسائل الرقابة - فهي لا تسأل إلا امام مجلس العموم ، لأنه وحده الذي يمثل الناخبين وأما مجلس اللوردات ، فهو مجلس وراثي لا يُحل ومن ثم فلا يجوز أعطاء المجلس غير القابل للحل الحق في إسقاط الوزارة حفاظا للتوازن بين السلطات(11).
أما بالنسبة للنظام الدستوري العراقي وفقا لدستور سنة 2005 فقد تبنى النظام الاتحادي القائم على أساس نظام المجلسين إذ تتكون السلطة التشريعية من مجلسين ، مجلس النواب ومجلس الاتحاد(12). اذ يقوم الأول في تكوينه على أساس الانتخاب ويمثل الشعب العراقي بأكمله(13). ويتمتع باختصاصات واسعة من بينها الرقابة على أداء السلطة التنفيذية وتحريك المسؤولية السياسية للحكومة من خلال عدة وسائل ، إضافة إلى سحب الثقة من الحكومة بأكملها أو احد الوزراء(14). أما بالنسبة للمجلس الثاني فهو مجلس الاتحاد الذي يقوم تكوينه على أساس تمثيل الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ، الا إن هذا الدستور لم يفرد لهذا المجلس الا نصين فقط(15). ولكن لم تكن تلك النصوص لتبين بشكل كافٍ آلية تشكيل مجلس الاتحاد أو ماهية اختصاصاته وصلاحياته ومنها الرقابة على الحكومة الاتحادية أم حكومات الأقاليم ، وعلاقته بمجلس النواب وعلاقته بالسلطات الأخرى الاتحادية والمحلية على حد سواء ، ومن ثم فإن ترك هذا الدستور تنظيم هذا المجلس لقانون يسنه مجلس النواب بأغلبية ثلثي أعضائه ، يعني إن ذلك المجلس سيكون تابعا وخاضعا لمجلس النواب ، لان بإمكان الأخير إن يتحكم بمجلس الاتحاد من حيث تقليص صلاحياته وتهميش دوره بأصدار قانونه(16). دون إن يكون لمجلس الاتحاد الحق في الاعتراض على ذلك ، مما يجعلنا أمام مجلس ضعيف ذي صلاحيات مقيدة فضلا عن التأخير والمماطلة في اصدار هذا القانون الذي لم يصدر لحد تاريخ كتابة هذه الدراسة(17). وهناك تساؤل يثار بهذا الصدد حول مدى إمكانية مباشرة هذا المجلس للرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة الى جانب مجلس النواب ، وهل يجوز له سحب الثقة من احد الوزراء أو من الحكومة بكاملها ؟ قبل الاجابة عن هذا التساؤل لابد من الاشارة بشكل عام الى إن سلطات المجلس التشريعي الثاني في ممارسة الرقابة على أعمال الحكومة محدودة لاسيما في الدول الفيدرالية التي اخذت بالنظام البرلماني ، ويرجع سبب ذلك بالدرجة الاولى الى عدم مسؤولية الحكومة امام هذا المجلس في هذه الدول ، وعدم قدرته على حجب الثقة عن الحكومة وعدم مشاركته في تشكيلها(18). و(من وجهة نظر الباحث) إن منح مجلس الاتحاد الاختصاص الرقابي من عدمه على اعمال الحكومة يتوقف بالدرجة الاولى على سن قانونه وما يتضمنه من مبادئ ومنها طريقة اختيار اعضائه ، وهل تملك الحكومة صلاحية حل هذا المجلس ام لا ، إذ لا يجوز منح المجلس غير القابل للحل صلاحية تحريك مسؤولية الحكومة السياسية ، لان ذلك يخل بمبدأ التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية .
_______________
1- د. إبراهيم عبد العزيز شيحا ، وضع السلطة التنفيذية فـي الأنظمة السياسية المعاصرة ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2006 ، ص 68.
2- د. عبد الله ناصف ، مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981 ، ص 100.
3- د. احمد الموافي ، مبادئ القانون الـدستوري الكويتي ، مصر للخدمات العلمية ، القـاهرة ، 2004 ، ص 208.
4- ينظر المادة (80 ) من الـــدستور الـكويتي لسنة 1962.
5- كما هو الحال في بلجيكا وهولندا وايطاليا ، ينظر د. محمد قدري حسن ، مصدر سابق ، ص 399. وكذلك د. عصام سليمان ، الأنظمة البرلمانية بين النظرية والتطبيق (دراسة مقارنة) ، مصدر سابق ، ص 32.
6- د. عبد الله ناصف ، مصدر سابق ، ص 99.
7- حيث تم طرح عدة اقتراحات لإلغاء مجلس اللوردات البريطاني في الأعوام (1968و1987و1998) ، د. محمد طي ، مصدر سابق ، ص 352 وما بعدها.
8- د. وريس دوفرجيه ، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري (الأنظمة السياسية الكبرى) ، ترجمة د. جورج سعد ، الطبعة الثانية ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 2014. ص 119-121 .
9- ينظر قانوني (Parliament Act , Chapter 131 , 1911) و(Parliament Act , Chapter 103, 1949) منشورة على الموقع الالكتروني لوزارة العدل البريطانية ، مصدر سبق الاشارة اليه .
10- د. محمد رفعت عبد الوهاب ، النظم السياسية ، دار الجامعة الجديدة للنشر والتوزيع ، الإسكندرية ، 2007. ص 311.
11- د. محمد قدري حسن ، رئيس الوزراء في النظم البرلمانية المعاصرة (دراسة مقارنة) ، دار الــفكر العربي ، القاهرة ، 1987. ص 399. وكذلك حمدان الشمري ، تقرير حول النظم البرلمانية مابين نظامي المجلس الواحد والمجلسين ، مجلس الأمة الكويتي ، الأمانة العامة ، الدراسات والبحوث ، يوليو 2013، ص 8.
12- ينظر المادة (48) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 .
13- ينظر المادة (49/ أولا) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
14- ينظر البنود (ثانيا وسابعا و ثامنا) من المادة (61) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
15- تنص المادة (65) من الدستور على أن " يتم انشاء مجلس تشريعي يُدعى (بمجلس الاتحاد) يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ، وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته وكل ما يتعلق به بقانون يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب " . والمادة (137) منه التي تنص على أن " يؤجل العمل بأحكام المواد الخاصة بمجلس الاتحاد اينما وردت في هذا الدستور ، الى حين صدور قرار من مجلس النواب بأغلبية الثلثين ، بعد دورته الانتخابية الاولى التي يعقدها بعد نفاذ هذا الدستور " . وكذلك ينظر قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم (72/اتحادية /2012) المؤرخ في 1/10/2012 المتعلق بتفسير المادتان المذكورتان ، منشور على الموقع الالكتروني لمجلس القضاء الاعلى ، مصدر سبق الاشارة اليه .
16- د. دومنيك توربان ، النظام الدستوري لخدمة الاستقرار والديمقراطية ، ترجمة علي يوسف اليعقوبي ، بحث منشور بمجلة حوار الفكر ، السنة (8) ، العدد (22-23) ،المعهد العراقي لحوار الفكر ، بغداد ، 2012، ص 128.
17- د. حميد حنون خالد ، مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق ، مصدر سابق ، ص 283-284 . وكذلك د. علي يوسف الشكري , الثنائية التشريعية في العراق ضرورة أم تأكيد للفدرالية (دراسة تحليلية نقدية)، دراسات حول الدستور العراقي ، ط (1) ، مؤسسة افاق للدراسات والأبحاث العراقية ، بغداد ، 2008 ، ص 107 . و د. حنان محمد القيسي ، ثنائية المجلس التشريعي في العراق(دراسة في مجلس الاتحاد) ، منشورات بيت الحكمة ، بغداد ، 2012 ، ص 202- 204.
18- د. عابد خالد رسول ، المجلس التشريعي الثاني في الدولة الفيدرالية ، مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية ، السليمانية ، 2013 ، ص 338.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة