المَيز بين علوم الامام والعلوم البشريّة
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج2، ص 53- 54
2025-11-10
145
لا يخفي عليك أنّ العلوم البشريّة منقسمة إلى : البديهيات والنظريات.
والإنسان من لدن وجوده أراد كشف المجهولات بالتفكير وترتيب المقدمات ، وفي هذا السبيل كثيرا ما كان يخطأ ، ولذا وضع علم الميزان ليمنعه عن ذلك ، ومعه لا يعصمه ، وإن أفاده لخطائه في تطبيق علم الميزان على محاوراته ، وعليه فالعلوم النظريّة مكتسبة من البديهيات بترتيب المقدمات ، وترتيب المقدمات يحتاج إلى التعلّم والتعليمات ، وحيث أنّ آحاد الإنسان في التفكير وترتيب المقدمات ليسوا بمتساوين يؤدي التفكير في جملة من المسائل إلى الاختلاف في النتائج في كشف الحقائق ، ولم يتمكنوا من الاتفاق فيها ، إذ ربّما يكون الترتيب بنظر واحد تماما وبنظر آخر ناقصا ، ولذا تكون النتيجة عند واحد واضحة ، وعند آخر غير واضحة ، بحيث يمكن عنده تجديد النظر ، ويحتمل خلافه كما ليسوا عند إظهار النظر على السواء ، إذ ربّما أظهر واحد نظره في مجهول بأنّ الأمر كذا أو كذا قطعا ، وأظهر ثان بأنّ الأمر كذا وكذا من دون التأكيد بالقطع ، وأظهر آخر بأنّ الظاهر أنّه كذا ، ورابع بأنّه محتمل ، وخامس بأنّه مشكل ، فيما إذا لا يؤدي نظره إلى شيء ، وعليه فيكون باب التأمل والاشكال وتجديد النظر في كثير من المعلومات منفتحا.
هذا مضافا إلى مجهولات كثيرة يكون كشفها خارجا عن حيطة قدرة علم الإنسان ، ولذا اعترف الأعاظم من العلماء بالقصور عن حلّ جميع المجهولات ، وإن ظفروا بالاصول والضوابط المتعددة الصحيحة من المقدمات البديهيّة كما لا يخفى ، وكيف كان فهذه هي العلوم الاكتسابية الّتي لا يمكن لأحد أن يرثها من أبيه أو آخر من دون تحمّل المشاق في تحصيلها.
وفي قبالها علوم إلهية أفاضها الله تعالى إلى أنبيائه وأوليائه ، وهذه العلوم الإلهية لا تحتاج إلى الاكتساب وترتيب المقدمات للوصول إلى المجهولات النظرية ، بل نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده ومعه يرى حقيقة كلّ شيء ولا تحجب عنه ، ولا يحتاج انتقاله من نبيّ إلى نبيّ ، أو من وليّ إلى وليّ إلى مئونة ، بل ينتقل إليه بالاشراق وتنوير الباطن في لحظة ، ولذا صار بعض الأنبياء أو الأئمة ـ عليهم الصلوات والسّلام ـ نبيا وإماما في حال الصباوة من دون حاجة إلى مضي زمان.
ثم إنّ العلوم الإلهيّة لا اختلاف فيها ، بل كلّها واضحة ، ولا يكون فيها أجلى وأوضح ، ولذا لم يسمع من نبيّ ما تعارف بيننا من الأوضح والأظهر ، أو الظاهر فضلا عن لا أدري ولا أعلم ، والعلوم الإلهية كلّها حاضرة عندهم ، ولذا لم يقل أحد منهم في مقام الجواب عن مسألة ، المسألة تحتاج إلى المراجعة أو التأمل ، أو نحو ذلك ، بل كانوا داعين للناس إلى الأسئلة ، وأجابوا عنها من دون إحالة إلى المطالعة أو التأجيل.
ولا يعتري على العلوم الإلهية ما يحتاج معه إلى تجديد النظر ، بل هي على ما هي عليها من القوّة والظهور ، نعم تصير أجلى بمرور الأزمنة والدهور للسامعين.
ولا ينافي ذلك النسخ في الشرائع أو شريعتنا ، لأنّ معنى النسخ ليس إلّا ارتفاع أمد الحكم النافع ، بحيث لا اعتبار به بعد ارتفاع أمده وليس فيه ما يكشف عن عدم صحة الحكم في وقته وزمانه ، بل كلّ منسوخ حكم صحيح متين في زمانه ، ولذا يصدّق كلّ نبيّ ما نزل على النبيّ الآخر ولا يكذّبه.
ومما ذكر يظهر أن العلوم الإلهية حيث لا تحتاج إلى ترتيب المقدمات ، لا يكون فيها الاختلاف ، ولذا لا يكون الأنبياء والأئمة ـ عليهم الصلوات والسلام ـ مختلفين في أمر من الامور ، بل كلّهم مخبرون عن الحقائق الواحدة ، وإن كانت كلماتهم للناس بحسب اختلاف استعدادهم وتفاوت ظروفهم مختلفة.
الاكثر قراءة في صفات الأئمة وفضائلهم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة