تحريم الخمر في الاسلام
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص363-367
2025-11-08
14
يدعي جماعة من المحدثين والمؤلفين في السيرة ان عليا ( ع ) قد نقل السيدة فاطمة ( ع ) إلى بيته بعد معركة بدر وكان قد عقد له النبي ( ص ) عليها قبل ذلك ، وبينا هو يستعد لنقلها ، وعنده شارفان قد اناخهما إلى جانب حجرة لبعض الأنصار وهو مشغول عنهما وإذا بالحمزة بن عبد المطلب قد خرج عليهما من مكان وقد استولى عليه السكر وأفقده عقله ووعيه فوثب عليهما وشق بطنيهما واخرج كبديهما ومضى لسبيله ، ولما رآهما علي ( ع ) بهذه الحالة وعرف ان عمه الحمزة قد فعل بهما ذلك ، ذهب إلى رسول اللّه يشكوه إليه ، فقام النبي ومشى معه حتى وقف من الشارفين ، ثم دخل البيت الذي فيه الحمزة ، فإذا هو ثمل محمرة عيناه ، فنظر الحمزة إلى النبي وصعد النظر إليه ، وقال : ما أنتم إلا عبيد لأبي بعد اليوم ، فتركه النبي وانصرف .
وانطلق الرواة لهذه الأسطورة من ذلك إلى أن الخمر لم تكن قد حرمها الاسلام يوم ذاك ، وروى هذا الحديث كل من مسلم والبخاري في صحيحيهما من مرويات محمد بن شهاب الزهري الذي عاش في قصور الأمويين وعلى موائدهم وكانوا يغدقون عليه من خزينة الدولة كما يشاء ، وقد تحدثنا عن تاريخه في كتابنا الموضوعات وخلال بعض الفصول السابقة من هذا الكتاب . وبعد التتبع في الآيات التي تعرضت للخمر ومفاسده يظهر أن تحريم الخمر كان قبل معركة بدر وحتى قبل هجرة النبي ( ص ) إلى المدينة فمن الآيات التي تنص على تحريمه الآية من سورة الأعراف : إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وقد نزلت الأعراف على النبي ( ص ) قبل هجرته ونص أكثر المفسرين على أن الاثم هي الخمر ، وكانت تسميته بذلك من الشائعات عند العرب وفي ذلك يقول بعض الشعراء :
شربت الاثم حتى غاب عقلي * كذاك الإثم يفعل بالعقول
وقال آخر :
نهانا رسول اللّه ان نقرب الخنا * وان نشرب الاثم الذي يوجب الوزرا [1]
وجاء في تفسير الرازي في تفسير الآية ان الاثم يجب تخصيصه بالخمر لأن اللّه تعالى قال في سورة البقرة عن الخمر والميسر وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما[2].
وقال في تفسير الميزان ان الكتاب نص على تحريم الخمر في الاسلام قبل الهجرة والآيات التي نزلت بعدها كانت للتشديد والتأكيد على حرمتها .
ومما يؤكد ان تحريم الخمر كان في مطلع فجر الاسلام ان الخمر من الكبائر بالاتفاق وجميع الكبائر نهى عنها النبي ( ص ) في مكة .
وتشير إلى ذلك الآية من سورة المائدة :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ ، فقد نصت على أن الخمر من عمل الشيطان واعمال الشيطان لا بد لكل نبي ان يحاربها وينهى عنها ويحرمها منذ الأيام الأولى لبعثته .
وقد اخرج الطبراني من طريق معاذ بن جبل ان أول ما نهى عنه النبي ( ص ) شرب الخمر وملاحاة الرجال وكان تحريم الخمر في المراحل الأولى لتاريخ بعثته .
ومما يؤيد ذلك ما رواه ابن هشام في سيرته عن خلاد بن قرة وغيره ان أعشى قيس خرج إلى رسول اللّه يريد الاسلام فقال يمدح رسول اللّه :
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا * وبت كما بات السليم مسهدا
فلما كان بمكة أو قريبا منها اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن امره فأخبره انه جاء يريد رسول اللّه ليسلم ، فقال له : يا أبا بصير :
ان محمدا يحرم الزنا ، فقال الأعشى : واللّه إن ذلك لأمر ما لي فيه من أرب ، فقال له وإنه ليحرم الخمر فقال الأعشى : اما هذه فإن في النفس منها لعلالات ، ولكني منصرف فاتروى منها عامي هذا ، ثم آتيه فأسلم ، فانصرف راجعا ، ومات في عامه ولم يعد إلى رسول اللّه .
وجاء في الكافي للكليني عن علي بن يقطين عن أبي الحسن ( ع ) أنه قال في تفسير الآية إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ . قال اما ما ظهر منها فهو الزنا المعلن ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواحش في الجاهلية ، وما بطن ، وهو نكاح الأبناء لأزواج آبائهم ، لأن الناس كانوا قبل ان يبعث النبي ( ص ) إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمه فحرم اللّه ذلك ، واما الاثم فهو الخمر .
على أنه من المتفق عليه ان سورة البقرة نزلت على النبي في أوائل هجرته قبل معركة بدر وغيرها من غزواته وفيها يقول اللّه سبحانه :
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وهي واردة في معرض تحريمها بضميمة الميسر الذي لا يشك أحد في أنه من المحرمات في جميع الشرائع والأديان .
هذا بالإضافة إلى أن كتب الحديث تروي عن جماعة من كبار الصحابة انهم شربوها بعد آيتي البقرة والنساء .
فقد جاء في الدر المنثور ان رجلا من الصحابة شربها ودخل في صلاته وهو يهجر فنزل قوله تعالى :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ، ومع ذلك شربها من شربها من المسلمين وكان بين من شربها عمر بن الخطاب كما جاء في المجلد السادس من تفسير الميزان عن الزمخشري في ربيع الأبرار ، وقد جاء فيه انه اخذ لحي بعير فشج به رأس عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر .
وكاين بالقليب قليب بدر * من القينات والشرب الكرام
وكاين بالقليب قليب بدر * من السرب المكامل بالسنام
أيدعونا ابن كبشة ان سنحيا * وكيف حياة اصداء وهام
أيعجز ان يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي
فبلغ ذلك رسول اللّه فخرج مغضبا يجر رداءه فرفع شيئا كان في يده ليضربه فقال أعوذ باللّه من غضب اللّه وغضب رسوله ، فأنزل اللّه سبحانه .
إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ .
إلى كثير من المرويات التي تنص على أن جماعة من أعيان الصحابة شربوا الخمر مع نزول الآيات المتعددة في تحريمها[3].
ومجمل القول مما لا شك فيه ان تحريمها كان في عهد مبكر من تاريخ البعثة وقبل هجرة النبي ( ص ) والرواية التي تنسب إلى الحمزة شربها في السنة الثالثة من الهجرة وانه بقر بطني شارفين لعلي ( ع ) هي من صنع الزهري وقد وضعها للأمويين في جملة ما وضعه من المرويات التي تسيء إلى الهاشميين .
كما واني أشك فيما ينسب لعمر بن الخطاب وأبي بكر من هذا النوع لا سيما وقد كانا ملازمين للنبي ( ص ) ومن البعيد ان يتظاهرا بعمل من هذا النوع وقد نهى عنه النبي فيما نهى من المحرمات ، ولم يكن ليخفى عليهما تحريمها بعد آيتي الأعراف والبقرة اما آية المائدة وغيرها مما يتضمن النهي عنها فلقد جاءت للتشديد على الناس حتى لا يتساهلوا في شربها .
[1] انظر مجمع البيان ج 3 تفسير سورة الأعراف .
[2] الرازي جزء 13 تفسير الأعراف .
[3] انظر ص 133 من المجلد السادس تفسير الميزان للسيد محمد حسين الطباطبائي .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة