الوثائق الديموطيقية
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج15 ص 464 ــ 465
2025-11-05
30
اتَّضح من درس الوثائق الديموطيقية التي حُلَّت رموزها حتى الآن أنها تحتوي على قصص شيِّقة تُعَد من روائع الأدب، كما تحتوي على متون دينية تضرب بأعراقها إلى أصول العقائد المصرية القديمة، ومتون سحرية، ووثائق خاصة بالنجوم، ومتون قضائية تشمل عقود بيع وشراء، ورهن ووصايا، وزواج وطلاق، وقوانين دينية ودنيوية، وإيجارات أطيان وبيوت ووظائف، وقسمة ومشاركة، وضمانات منوَّعة، وبيع وظائف … وغير ذلك مما كان يجري في تلك الفترة من معاملات، ولا نزاع في أن كل هذه المعاملات تعكس ضوءًا ساطعًا على سرِّ الحياة في هذا العهد، وما كان للشعب المصري من تقاليد وعادات خاصة به في تلك الفترة التي دُوِّنت فيها هذه الوثائق.
ولا نزاع في أن المتون الديموطيقية الخاصة بالشئون القانونية، وهي التي قد بقيت مهملة من جانب علماء الآثار في تلك الفترة، وكان أول من أبرز أهميتها بعد الأثري الكبير «بركش» الذي أرسى قواعد هذه اللغة ووضع لها أجرومية؛ الأثري الفرنسي «يوجين ريفيو» فقد خصص معظم دراساته لهذا الفرع من العلوم المصرية القديمة، وله فيها مؤلفات تعد الأساس الأول لدرس القانون المصري في هذه الفترة، ولا يكاد يشك إنسان في أهمية ما أنتجه في هذا الباب، وبخاصة عندما نعلم أن المصريين القدامى كانوا هم السابقين في هذا المضمار، وقد قفا الرومان أثرهم، ولن نكون مبالغين إذا قلنا إن المصريين القدامى هم الذين وضعوا الأسس القانونية القويمة للعالم المتمدين، وعنهم أخذ الإغريق كما أشرنا إلى ذلك في غير هذا المكان، ومن أجل ذلك فإن درس القانون المصري يعد من المعلومات التي لا غنى عنها لمن أراد أن يدرس القانون الروماني درسًا مقارنًا.
هذا فضلًا عن أن هذه القوانين المصرية تُعتَبر عنصرًا أساسيًّا لمن يريد فهم الحياة المصرية القديمة في تلك الفترة من الوجهتين الاجتماعية والاقتصادية كما جاءت في المتون الديموطيقية؛ وذلك لأنها تلقي ضوءًا ساطعًا على مركز السكان المصريين، وبخاصة أهل الوجه القبلي ومصر الوسطى الذين كانوا يُعَدون شبه منعزلين عن الوجه البحري وعن الإسكندرية التي كانت تعد مدينة إغريقية من كل الوجه، لدرجة أنها كانت تعتبر جزءًا منفصلًا عن سائر البلاد المصرية، وعلى الرغم مما جاء من أخطاء في الترجمة، وفي النقل فيما كتبه «يوجين ريفيو» فإنه لا يزال يعد من أهم المصادر في الوثائق الديموطيقية بوجه عام.
والآن سنحاول، بما لدينا من وثائق ديموطيقية عن مختلف نواحي الحياة المصرية، وهي التي أوردنا ترجمتها أو ملخصها في الأجزاء الثلاثة الأخيرة من هذه الموسوعة، وما يحتويه هذا الجزء الذي نحن بصدده؛ أن نضع صورة عن الحياة المصرية في مختلف الميادين الاجتماعية في تلك الفترة التي أغفلها المؤرخون، وبخاصة في العهد البطلمي.
ولا نزاع في أن هذه الصورة لن تكون كاملة من كل الوجوه، وذلك لأننا لا زلنا في بداية الطريق نحو حلِّ المتون الديموطيقية التي تزخر بها متاحف العالم، والتي لا تزال في جوف تربة أرض مصر. يُضاف إلى ذلك أن ما وصل إلينا من متون ديموطيقية من أرض الدلتا لا يكاد يُذكَر؛ إذ الواقع أن معظم ما وصل إلى أيدينا من وثائق ديموطيقية عُثِر عليه في الوجه القبلي، وبخاصة في إقليم «طيبة»، وكذلك وصل إلينا كثير من الوثائق الديموطيقية من الفيوم ومصر الوسطى، كما أشرنا إلى ذلك عند التحدث عن هذه الوثائق؛ ومن أجل ذلك فإن الصورة التي سنضعها هنا عن الحياة المصرية في تلك الفترة لن تكون كاملة شاملة بل معظمها محلِّية.
وقبل أن نتناول الوثائق الديموطيقية التي يرجع تاريخها من أول «الإسكندر» حتى نهاية عهد «بطليموس» الرابع؛ بالبحث والتحليل، لا بد لنا من أن نرجع إلى أصول الموضوعات التي سندرسها هنا منذ ظهور الكتابة الديموطيقية؛ أي منذ عهد الأسرة الخامسة والعشرين مقتفين في ذلك أثر تدرج الوثائق وتطورها على حسب الأحوال الاجتماعية والسياسية التي اجتازتها البلاد.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة