الإشكاليات التي تحد من دور الصحف في مواجهة الفساد					
				 
				
					
						
						 المؤلف:  
						الدكتور خالد العزي					
					
						
						 المصدر:  
						التشريعات الإعلامية واخلاقيات المهنة					
					
						
						 الجزء والصفحة:  
						ص 156- 161 					
					
					
						
						2025-11-03
					
					
						
						47					
				 
				
				
				
				
				
				
				
				
				
			 
			
			
				
				الإشكاليات التي تحد من دور الصحف في مواجهة الفساد:
الصحف شأنها شأن بقية الأجهزة والمؤسسات الأخرى في المجتمع، تتعرض للضغوط والمؤثرات التي تحد من قيامها بدورها في التصدي لهذه الظاهرة، حيث تواجه بالعديد من العقبات التي تحد من فاعلية دورها في هذا المجال وتوجد عدة إشكاليات تواجه الصحف داخل البلدان النامية ومنها مصر، حيث تحد من دورها في مواجهة ظاهرة الفساد وهذه العوامل تشمل:
1) نمط الملكية:
في دراسة قام بها البنك الدولي مؤخراً حول ملكية وسائل الإعلام في 97 بلداً، وجد أن وسائل الإعلام التي تملكها الدولة أقل فاعلية من وسائل الإعلام التابعة للقطاع الخاص فيما يخص مراقبة الحكومة، فالبلدان التي حدت من تملك الدولة لوسائل الإعلام شهدت تحسناً سريعاً في كمية ونوعية تغطية عمليات الفساد، في المكسيك على سبيل المثال الخصخصة الجزئية للإذاعة في عام 1989 أدت إلى زيادة ضخمة في تغطية الفضائح الحكومية الناتجة عن الفساد، مقارنة مع غيرها من القارات الأخرى، فنجد أن أمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي معدلاتها في ملكية وسائل الإعلام متدنية، فالتلفزيون والصحافة ممركزة في أيدي قلة من المالكين من القطاع الخاص، فالتركيز في ملكية وسائل الإعلام بجانب القوانين القمعية الموجودة في أمريكا اللاتينية ومعظم البلدان النامية يقيدان من حرية وسائل الإعلام.
على الإعلام التحقيق في دعاوى مخالفة القانون من جانب الحكومة وإعلان ذلك، وتحتاج وسائل الإعلام لكي تكون لها فعاليتها في النهوض بهذا الدور أن تكون حرة من الضغوط السياسية التي تحول دون إعلان الفضائح التي تحرج القائمين على السلطة، فهناك ارتباط واضح بين مؤشرات حرية الصحافة وانتقاء الفساد وملكية وسائل الإعلام، فمتى سيطرت الدولة على وسائل الإعلام زاد احتمال خضوعها للضغوط السياسية، وحتى في البلدان التي توجد فيها قيود تنظيمية وغير رسمية على الصحافة، يمكن لوسائل الإعلام فيها أن تفضح الفساد وأن تزيد من الضغط لتحقيق نظام أفضل للإدارة.
مثال عن دور الإعلام في كشف الفساد:
كما في "بيرو" حيث أذاعت إحدى محطات التليفزيون المحلية خلال شهر سبتمبر عام 2000 شريط فيديو يظهر فيه رئيس الأمن الوطني وهو يقدم رشوة لأحد أعضاء المعارضة في الكونجرس مقابل التصويت للحكومة القائمة في السلطة، وسرعان ما انتشرت القصة في المطبوعات الصحفية مقترنة بتقارير تقول أن رئيس الأمن كان يقوم بتهريب السلاح لرجال حرب العصابات الكولومبيين وقد أدت عمليات كشف المعلومات إلى طرده، واستقالة الرئيس في نوفمبر 2000.
وهذا يظهر كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تغير من دوافع الفساد لدى الموظفين العموميين، وبقيام وسائل الإعلام بتزويد الرأي العام بالمعلومات، فإنها تزيد من شفافية العمل الحكومي وبالتالي فإن مخاطر فضح الفساد تكون أعلى في حالة وجود وسائل الإعلام الفعالة، كما تساعد وسائل الإعلام في بناء الرأي العام اللازم لمحاربة الفساد بخلق الرفض العام الذي يدفع القوى الفاعلة الفاسدة إلى الاستقالة وزيادة العقوبات على الفساد.
2) القيود القانونية:
تواجه وسائل الإعلام، خاصة الصحافة، قوانين تمنعها من حيازة المعلومات ونشرها، فهناك قوانين قمعية وجائرة مثل:
	- الزام الصحفيين بإقامة الأدلة على صحة ادعاءاتهم وإلا خسروا القضية.
 
	- تأمين حماية خاصة للموظفين الرسميين، هذه القوانين معمول بها في أوربا الشرقية وإفريقيا وآسيا وبعض دول أمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط.
 
	- منع إظهار الحقيقة في حال تشويه السمعة وتجعل سمعة الموظفين الرسميين تستحق الحماية أكثر مما يحق للشعب أن يطلع على الحقيقة.
 
	- تعريض المواطنين لدخول السجن مما يخلق جواً من الخوف لا يشجع على ممارسة التحقيق الصحفي وعلى كشف الفساد.
 
مثال عن القمع الممارس على وسائل الإعلام:
قانون الطعن في كازاخستان يعتبر نموذجاً للقوانين القمعية الجائرة، وهو يستخدم لإضعاف وسائل الإعلام التي تنتقد حكم النخبة السياسية والتجارية، حيث تمت مقاضاة صحيفة "تاكنمز بونيدلنيكا Nachnems_ponedelnika" الأسبوعية المستقلة سبعة عشرة مرة، وهي معروفة بنشر معلومات عن المسؤولين السياسيين وتورطهم بتجارة النفط وعقد صفقات عمل أخرى غير شرعية منذ عام 1998 إلى عام 2001 بحجة تشويهها سمعة المسؤولين الرسميين أو مدراء الشركات التي تربطهم بالدولة علاقات وثيقة، وقد جُرّمت الصحيفة ثلاث مرات بتهمة تشويه السمعة، وألزمت بدفع مبلغ قدره حوالي 180,000 دولار أمريكي، وبما أن قانون الطعن في كازاخستان لا يعترف بالحقيقة كوسيلة دفاع غُرَّمت الصحيفة لتشويهها سمعة مسؤولين رسميين دون الأخذ بعين الاعتبار دليل تورطهم بالرشوة، فهذا الحجم الهائل لهذه الدعاوى يشير إلى القمع المنظم الممارس على الصحيفة وإلى إساءة استخدام القوانين الخاصة من قبل المسؤولين في الدولة.
فقوانين العيب والقذف هي قوانين مقيدة بصفة خاصة لقمع صحافة التحقيقات، وتحمي جماعات مختارة مثل أفراد الأسرة الحاكمة والسياسيين ومسؤولي الحكومة من النقد، وعادة ما تصنف قوانين العيب من تلك الواقعة بأنها جريمة جنائية تمس الشرف والكرامة، أو سمعة أولئك الأفراد المختارين والمؤسسات المختارة، بغض النظر عن الحقيقة، وقد كشفت دراسة البنك الدولي التي تم إجرائها على 87 بلداً أن مثل هذه القوانين سائدة في البلدان النامية بصفة خاصة، وفي معظم البلدان الصناعية ونادراً ما يتم الاحتكام مطلقاً إلى تلك القوانين إلا أنها مع ذلك تعتبر في كثير من البلدان النامية الوسيلة الأساسية لمضايقة الصحفيين.
وتعمل الصحف المصرية في ظل ترسانة من القوانين المتصلة بجرائم النشر، ومع أن الدستور المصري قد نص على أن حرية الرأي والتعبير مكفولة، إلا أنه يحيل ذلك إلى القانون، ومع كثرة هذه القوانين وتعقدها وعمومية ، أحكامها، ونصوصها، وبالرغم من أنها لا تطبق في الغالب الأعم، إلا أنها تشكل سيفاً مسلطاً على رقاب الصحف، فيمكن استخدامها في أي وقت إذا ما حاولت الخروج عن المطلوب، ومارست دورها في النقد، والكشف عن الفساد وسوء استخدام السلطة، وفى إطار ندرة المعلومات وصعوبة الحصول على المستندات الكافية حولها، وبالإضافة إلى التخوف من احتمالية تطبيق القانون يميل الصحفيون إلى الحذر والتردد في نشر أية معلومات حول انحرافات المسؤولين، وتكتفي الصحف في الغالب بما تفصح عنه جهات التحقيق، أو تصدره ساحات المحاكم حول الفساد، دون القيام بأي دور يذكر في هذا المجال.
3) صعوبة الحصول على المعلومات:
الوصول إلى المعلومات العامة أمر بالغ الأهمية لقيام وسائل الإعلام بالتحقيق في القضايا بفاعلية، ولنقل الأخبار إلى الرأي العام، وقد كشفت دراسة أجريت مؤخراً في جنوب شرق آسيا، أن عدداً قليلاً من البلدان على وشك أن تتيح الوصول المفتوح إلى البيانات ذات الأهمية لوسائل الإعلام وللمواطنين، وتشمل تلك البيانات معلومات اقتصادية وتعليمية وصحية، وكذلك معلومات عن الإجراءات الحكومية والقضائية، والإفصاح عن النواحي المالية للشركات والمسؤولين، وعن ميزانيات الحكومة وعقودها، وجاءت الفلبين في أعلى المراتب، وجاءت ميانمار جنوب شرق آسيا في المرتبة الأدنى حيث لا تتوافر فيها حتى البيانات الاقتصادية الكلية الأساسية مثل الناتج القومي الإجمالي والتضخم.
وقد تم فرز الإجراءات سيئة التحديد للوصول إلى المعلومات، والهيكل المعلوماتي غير الملائم باعتبارهما مشكلتين شائعتين عبر معظم البلاد، ورغم تبني الدول الصناعية ومعظم الدول النامية لقوانين حرية المعلومات بهدف تحسين تدفقها لتوفير ضمانات قوية لوسائل الإعلام، إلا أن معظم هذه القوانين مقيدة بشدة باستثناءات محددة بصورة فضفاضة، وفيها ثغرات قد تتجاوز نطاق شواغل الرأي العام، فرغم التركيز على عصر ثورة المعلومات وصعوبة إخفاء الحقائق ، إلا أن تركز السلطة الفعلية في يد أشخاص معينة في العديد من دول العالم الثالث قد جعل هؤلاء الأشخاص وحدهم الذين يملكون المعلومات الحقيقية حول جوهر ما يجري في المجتمع، مما يترتب عليه من صعوبة الوصول إليها بسبب استحالة اختراق السياج المفروض حول المعلومات.
4) الضغوط الاقتصادية والتبعية المالية:
تؤدي الضغوط الاقتصادية للتدخل في تزويد المؤسسات الصحفية بالمعلومات، فعندما تمتلك الحكومة المطابع وتحد من استيراد وتوزيع الورق والأحبار اللازمة للطباعة، يمكنها التأثير على المضمون في وسائل الإعلام:
	- ففي الكاميرون رفضت الحكومة الإعلان في صحف مملوكة ملكية خاصة بعد قيامها ببعض التغطيات الانتقادية.
 
	- وفي أوغندا منعت الحكومة إداراتها من الإعلان الحكومي في الصحيفة الوحيدة المملوكة ملكية خاصة، ونظراً لأن الإعلان الحكومي كان يمثل 70 % من عائدات الصحيفة فقد كان له تأثيره السلبي الكبير.
 
يوفر هذا الدعم القوي من الدولة حوافز للتغطية الموالية للحكومة القائمة في السلطة، ويقلل من الدور الرقابي، وفي المقابل تمنع بعض الحكومات الأوروبية مثل ألمانيا وفقاً للقانون، الدعم الحكومي المباشر لوسائل الإعلام بهدف منع الدولة من تعريض استقلال تلك الوسائل للخطر، فعائدات الإعلان من المصادر الخاصة المتركزة على مضمون وسائل الإعلام.
ففي مسح أجراه البنك الدولي مؤخراً للصحفيين ورؤساء التحرير ومسؤولي الأخبار التنفيذيين في الولايات المتحدة، ردّ أن ما يزيد عن 35% من الأخبار لا تنشر إذا كانت ستضر عائدات الإعلان، وردّ أيضاً على استغلال وسائل الإعلام، مهدداً بالخطر من قبل شركات الإعلانات مما يجعل الخط الفاصل بين الإعلان ومحتوى المواد المحررة رفيع جداً.
5) ضعف الكفاءة المهنية:
تتطلب المعالجة الصحفية الجادة والنشطة لقضايا الفساد إعداداً وتمرساً خاصاً للمحررين الصحفيين الذين يوكل إليهم هذه المهام، وذلك بسبب العوامل التالية:
	- تعقيد هذه القضايا لارتباطها غالباً بالنواحي الإدارية والمالية المعقدة بطبيعتها.
 
	- والفترة الزمنية الطويلة نسبياً التي تأخذها هذه القضايا حتى تكتمل أركانها من.
 
فإذا لم يكن الصحفي مطلعاً على هذه الجوانب، ويتمتع بحاسة إخبارية متميزة تتيح له القدرة على تحديد المعلومة وتقييمها والكشف عن مكانها وتتبعها، فإن قدرته على التعامل مع هذه النوعية من القضايا سوف تصبح محدودة، فهي قضايا تحتاج تغطيتها إلى المهارة والحركة والقدرة على المناورة، والتعامل بصفة عامة مع الحدث بعقلية المشاركة في صنع هذا الحدث وليس مجرد نقله.
6) غياب الهوية وانعدام الرؤيا:
يشكل النظام السياسي القائم الملامح العامة لمضمون العملية الإعلامية، بحيث يأتي هذا المضمون معبراً بشكل كبير عن آراء وتوجهات ومواقف هذا النظام، فهو الذي يحدد نمط ملكية الصحف، وأساليب تنظيمها وإدارتها، ويفرض الأيديولوجيا التي تعمل في إطارها الصحف كما يحدد الوظائف والمهام التي تؤديها في المجتمع، وعدد المصادر الأساسية التي تستقي منها الصحف معلوماتها عن الوقائع والأحداث المختلفة التي تقع في المجتمع، وينعكس هذا الوضع على الجهاز الإعلامي حتى يصبح بلا هوية وأيديولوجية واضحة، وبالتالي تنعدم الانتماءات الفكرية لكبار المسؤولين فيه، وفي ظل غياب الولاء المهني والإحساس بالمصلحة العامة تسود المصلحة الشخصية والفردية، وبالتالي ممارسة العمل الصحفي والإعلامي بعقلية الموظفين خاصة في إطار المؤسسات الصحفية الرسمية.
فنجد الصحف المصرية تنتقد أحياناً، وتؤيد أحياناً أخرى، وقد تستخدم كأداة لارتكاب بعض الجرائم من خلال إطلاق صفحاتها الإعلانية بدون ضوابط أو محاذير معينة لأخلاقيات وآداب الإعلان، كما تلتزم توجهات النظام السياسي من خلال عناصره التوجيهية في دعم الواقع وعدم الإخلال بالأمن والنظام، والمحافظة على الاستقرار وتحسين صورة النظام ودعم شرعيته، وبذلك تكون النتائج المتوقعة من معالجات الصحف لمثل هذه الوقائع هي ،انسجام المضمون الصحفي وخروجه بصورة معينة ومرسومة سلفاً، وبالتالي خلق رأي عام مشوه، وذلك كما يرى "ميشيل كونيل".
 
				
				
					
					
					 الاكثر قراءة في  التحقيقات الصحفية					
					
				 
				
				
					
					
						اخر الاخبار
					
					
						
							  اخبار العتبة العباسية المقدسة