الأذان والإقامة في المدينة المنورة
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص269-272
2025-10-31
54
لقد جاء في سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد والسيرة الحلبية وغيرها أن الأذان شرّع في مطلع الهجرة ، وكان المسلمون يجتمعون إلى النبي ( ص ) في أوقات الصلاة بدون إعلام أو أذان ، وفي رواية ابن سعد عن سعيد بن المسيب ان النبي كان قد أعد مناديا ينادي للصلاة إذا جاء وقتها .
وروى ابن هشام في سيرته ان رسول اللّه حينما قدم المدينة ورأى اليهود فيها يستعملون بوقا للاعلام عند حضور الوقت المعين لاجتماعاتهم وعباداتهم ، عندما رأى ذلك فكر ان يستعمل البوق لاعلام المسلمين بأوقات الصلاة ، وأشار عليه بعضهم باستعمال الناقوس لهذه الغاية ، وظل المسلمون يتداولون الأمر بينهم فبعضهم كان يرجح بوق اليهود والبعض الآخر يرجح ناقوس النصارى ، وفيما هم في حيرة من امرهم وإذا بعبد اللّه بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه أحد الخزرج يأتي رسول اللّه ويخبره انه نام ليلته ورأى وهو نائم رجلا وعليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا بيده ، فقال له عبد اللّه أتبيع هذا الناقوس ، فقال له وما تصنع به فقال : ندعو فيه إلى الصلاة ، فقال له ، أفلا ادلك على خير من ذلك فقلت له بلى : قال تقول اللّه أكبر اللّه أكبر أشهد أن لا إله إلا اللّه مرتين وعد عليه صيغة الأذان كما هي عند المسلمين ، فلما أتم حديثه مع النبي ( ص ) قال : انها لرؤيا حق وامر بلالا فتعلمها وأذن بها لأنه كان أحسن المسلمين صوتا ، فلما اذن بلال للمرة الأولى سمع عمر بن الخطاب فأقبل مسرعا إلى النبي وهو يقول :
والذي بعثك بالحق يا رسول اللّه لقد رأيت مثل الذي رأى عبد اللّه بن زيد بن ثعلبة .
وجاء في رواية ابن جريج عن عطاء انه سمع عبيد بن عمر الليثي يقول : لما ائتمر النبي وأصحابه في استعمال الناقوس للأذان ذهب عمر بن الخطاب ليشتري ناقوسا لهذه الغاية فنام ليلته ورأى من علمه الأذان ، فذهب ليخبر رسول اللّه بذلك فوجد الوحي قد سبقه إلى النبي وعلمه الأذان .
وفي رواية البداية والنهاية ان امرأة من بني النجار كانت تقول : كان بيتي من أطول البيوت التي حول المسجد ، فكان بلال يؤذن فيه للفجر كل غداة ، فيأتي بالسحر ويجلس على سطح البيت ينتظر الفجر ، فإذا رآه تمطى وشرع في الأذان ، وجاء في قصة الأذان غير ذلك .
وبعد ان أورد ابن كثير حديث الأذان كما ذكرنا عن غيره ، قال :
لقد روى السهيلي عن البزاز بسند إلى زياد بن المنذر عن محمد بن علي بن الحسين عن علي ( ع ) ان النبي ( ص ) في ليلة الإسراء سمع ملكا من وراء الحجاب يؤذن بهذا الأذان ، ثم اخذ الملك بيد محمد فقدمه وصلى اماما باهل السماء وفيهم آدم ونوح وغيرهما من الأنبياء .
ولكن ابن كثير قد ضعف هذا الحديث محتجا لذلك بأن الراوي له من الجارودية وهو مع ذلك من المتهمين بالكذب ، وأضاف إلى ذلك أنه لو صح بأنه سمع ليلة الاسراء ملكا ينادي به من وراء الحجاب لكان قد امر به قبل الهجرة واستعمله بعدها في مقام الاعلام للصلاة .
ومهما كان الحال فمما لا شك فيه ان حديث تشريع الأذان بالشكل الذي رواه ابن هشام وابن سعد الحلبي وابن كثير من موضوعات المنافقين أو موضوعات الأمويين في عصر الصحابة أو بعده ليثبتوا بأنه كان يعتمد على المنامات في تشريع الأحكام ، وكان يشترك معه فيها عمر بن الخطاب وفي الأذان اشترك مع عمر عبد اللّه بن زيد حيث إنهما قد اخبرا النبي بالأذان كما رأياه في الطيف ووافقهما الوحي على ذلك .
وقد حاول الوضاعون ان يشركوا عمر بن الخطاب مع الوحي في تشريع بعض الأحكام كتشريع الحجاب وغيره كما سنتعرض لذلك خلال الفصول الآتية .
ومن المعلوم ان الأذان والإقامة من المستحبات الشرعية ومن الأحكام التي ليس للنبي ان يستقل بها أو يرتئيها فضلا عن غيره من المسلمين ، ووظيفته لا تتعدى التبليغ كرسول والتنفيذ كحاكم ، يتولى إدارة شؤون المسلمين حسبما تقتضيه المصلحة ومن الجائز ان يكون قبل نزول الوحي عليه قد فكر في وسيلة من وسائل الاعلام وجاءه الوحي بهذه الوسيلة .
وجاء في السيرة الحلبية عن ابن عمر وعلي بن الحسين انهما كانا يقولان في آذانهما بعد حي على الفلاح حي على خير العمل .
وفي أعيان الشيعة ج 2 ان البيهقي في سننه بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه ان علي بن الحسين كان يقول في اذانه حي على خير العمل كما رواها جماعة عن عبد اللّه بن عمر وسهل بن حنيف وجماعة من الصحابة والتابعين .
وحكي في الروض النضير جزء 2 ص 42 عن سعد الدين التفتازاني في حاشية العصفوري على مختصر الأصول أن حي على خير العمل كانت ثابتة في الأذان على عهد رسول اللّه وأن عمر بن الخطاب هو الذي امر بتركها مخافة ان يتكل الناس على الصلاة ويتركوا الجهاد .
وعدها المعلق على فقه السيرة للغزالي من السنة حيث قال : إن السنة ان يقال الصلاة خير من النوم في الأذان الأول مرتين ، وأسند ذلك إلى الطحاوي وغيره[1].
وجاء في الكافي عن محمد بن عمير عن حماد بن عيسى عن منصور بن أبي حازم عن أبي عبد اللّه الصادق ( ع ) أنه قال : لما هبط جبريل بالأذان على رسول اللّه ( ص ) كان رأسه في حجر علي ( ع ) فأذن جبريل ثم أقام ، فلما انتبه رسول اللّه قال يا علي أسمعت قال نعم : قال ادع بلالا وعلمه الأذان وجميع الروايات الواردة عن أهل البيت في كيفية الأذان تشتمل على حي على خير العمل بعد حي على الفلاح وانه كان كذلك في عهد رسول اللّه ( ص ) كما اكد ذلك جماعة من محدثي السنة ، ولكن الخليفة الثاني استحسن إلغاء هذه الفقرة من الأذان وامر بتركها حتى لا يتكل المسلمون على الصلاة ويتركوا الجهاد ، كما حكى عنه ذلك سعد الدين التفتازاني في حاشية شرح العضدي على مختصر الأصول .
[1] انظر فقه السيرة ص 203 ومعنى ذلك ان عمر بن الخطاب بامكانه ان يشرع وان ما يستحسنه يكون من جملة السنن ، والصلاة كما تكون خيرا من النوم أحيانا ، فقد يكون النوم خيرا منها بملايين المرات إذا كان لمصلحة تعود على الإسلام بالخير كنوم علي ( ع ) على فراش الرسول ، إذ لو لاه لم تكن الصلاة ولا الإسلام .
الاكثر قراءة في حاله بعد الهجرة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة