x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
غزوة خيبر
المؤلف: الشيخ علي الكوراني
المصدر: السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة: ج2، ص308-344
2024-11-02
1032
1 - محافظة خيبر
خيبر الآن محافظة مركزها مدينة خيبر ، وتقع شمال شرق المدينة المنورة ، وتبعد عنها 179 كيلومتراً ، وتشمل 189 قرية ، ومساحتها 260 كيلومتراً .
http : / / www . oman 0 . net / forum / showthread . php ? t = 17962
وفى معجم البلدان : 2 / 409 : « خيبر : الموضع المذكور في غزاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهى ناحية على ثمانية بُرُد من المدينة لمن يريد الشام . يطلق هذا الاسم على الولاية وتشتمل هذه الولاية على سبعة حصون ومزارع ونخل كثير ، وأسماء حصونها : حصن ناعم وعنده قتل مسعود بن مسلمة ألقيت عليه رحي ، والقموص حصن أبى الحقيق ، وحصن الشق ، وحصن النطاة ، وحصن السلالم ، وحصن الوطيح ، وحصن الكتيبة . وأما لفظ خيبر فهو بلسان اليهود : الحصن ، ولكون هذه البقعة تشتمل على هذه الحصون سميت خيابر » .
أقول : هاجر اليهود بعد المسيح ( عليه السلام ) إلى الجزيرة ينتظرون النبي الموعود ( صلى الله عليه وآله ) ، ونزلوا في مواضع منها تيماء ووادى القرى وخيبر وحول المدينة ، وكان في خيبر أودية فيها بعض العيون ، وبقربها قبيلة عبس وبعض قبائل غطفان النجدية ، لكنهم كانوا أهل إبل وشاء ولم يكونوا أهل زراعة ، فسكن فيها اليهود وزرعوها ونجحت فيها زراعة النخيل واشتهر تمرها بعد هجر . ولعل كلمة خيبر التي سموها بها نفس كلمة كيبوتس ، بمعنى مستوطنة أو قرية .
وكان يهود خيبر عندما بعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) نحو عشرة آلاف نسمة ، ومقاتلوهم نحو ثلاثة آلاف ، وقد انضم إليهم عدد أجلاهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) من جور المدينة من يهود قينقاع والنضير وقريظة ، وفيهم حاخامات وزعماء كبار رأَّسَهم أهل خيبر عليهم ، مثل حي بن أخطب الذي كان يتجول ويحث قريشاً وقبائل العرب على حرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويعد قبائل نجد بموسم تمر خيبر !
2 - بعد عودته من الحديبية بعشرين يوماً توجه « صلى الله عليه وآله » إلى خيبر
بعد عودته من الحديبية بنحو عشرين يوماً ، توجه النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى خيبر بجيشه البالغ نحو ألف وخمس مئة ، وكان ذلك في شهر صفر أواخر السنة السابعة للهجرة . وجاءه المتخلفون عن الحديبية فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد ، فأما الغنيمة فلا . ثم أمر منادياً ينادى بذلك . الصحيح من السيرة : 17 / 72 .
وفى سيرة ابن هشام : 3 / 791 : « ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر . ودفع الراية إلى علي بن أبي طالب وكانت بيضاء » . ثم روى ابن هشام أن الأكوع كان يرتجز بهم :
والله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا * وثبِّت الأقدامَ إن لاقينا
إنا إذا قوم بغوا علينا * وإن أرادوا فتنة أبينا
وهو شعر عبد الله بن رواحة ، وكان ( صلى الله عليه وآله ) يردده في حفر الخندق » . الغدير : 2 / 6 .
ثم نقل عن ابن إسحاق : « أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج إلى خيبر فسلك على عَصْر بفتح العين وإسكان الصاد المهملة ، وفى بعض النسخ عَصَر بفتح الصاد . قال : فبنى له فيها مسجد قال : ثم سلك على الصهباء ، ثم أقبل حتى نزل بواد يقال له الرجيع ، فنزل بين أهل خيبر وبين غطفان ، ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر ، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فكان أول حصن افتتحه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حصن ناعم » . « فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لحُسَيل : يا حُسَيل : إمض أمامنا حتى تأخذ بنا صدور الأودية ، حتى تأتى خيبر من بينها وبين الشام ، فأحول بينهم وبين الشام ، وبين حلفائهم من غطفان . فقال حُسَيل : أنا أسلك بك ، فانتهى به إلى موضع له طُرق فقال : يا رسول الله ، إن لها طرقاً تؤتى منها كلها ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : سمها لي . وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحب الفأل الحسن والاسم الحسن ويكره الطيرة والاسم القبيح ، فقال : لها طريق يقال لها : حزن وطريق يقال لها : شاش وطريق يقال لها : حاطب ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا تسلكها . قال : لم يبق إلا طريق واحد يقال له : مرحب ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أسلكها » . الصحيح من السيرة : 17 / 89 .
3 - سبب حرب النبي « صلى الله عليه وآله » يهودَ خيبر
قال في المواجهة مع رسول الله / 283 : « كانت خيبر من أعظم وأكبر التجمعات اليهودية في الجزيرة ، حتى أنها أصبحت قلعة حقيقية ففيها المال وفيها الرجال ، وقد تابع يهود خيبر بقلق بالغ أنباء مواجهات الرسول مع يهود بنى قينقاع وبنى النضير وبنى قريظة ، وتأثروا بما أصابهم ، وتعاطفوا معهم حتى صارت خيبر ملجأ للكثير من اليهود ، واستقطبت بخيراتها وأموالها عواطف الكثير من أبناء القبائل العربية المحتاجة الطامعة بأي شئ ، مما حوَّلها مع الأيام إلى قاعدة لمن يتربصون الدوائر بالنبي وآله ومن والاه ، وصارت أعظم خطر يهدد الإسلام .
وقد أدرك يهود خيبر ومن لجأ إليهم وتحالف معهم ، أن المواجهة مع محمد ومن والاه قدر محتوم لا مفر منه ، وقد أرعبتهم مواجهات محمد السابقة مع خصومه ، لذلك فهم يخشون فكرة شن هجوم عليه ، مما فرض عليهم فرضاً أن يبقوا بحالة ترقب وقلق حتى يأتي محمد ومن والاه لحربهم ، فيحاربونه حرباً دفاعية وهم في حصونهم .
واستعداداً لتلك المواجهة الحاسمة رمموا حصونهم وأصلحوها ، واستوردوا السلاح وصنعوه ، ووسعوا دائرة تحالفاتهم مع القبائل ، خاصة مع قبيلة غطفان وزعيمها عيينة بن حصن ، ويقال إنهم جندوا عشرة آلاف مقاتل يتم استعراضهم يومياً ، وقدروا أنهم بهذه العدة والعدد سيكونون أول من يلحق هزيمة ساحقة بمحمد وآله ومن والاه ، ومن هنا فقد أيقنوا بأن محمداً قادم إليهم لا محالة ، وترقبوا كل يوم قدومه ليواجهوه بما لا قبل له به !
وبعد أن فتح الله على نبيه في صلح الحديبية ذلك الفتح المبين ، وحقق انتصاره السياسي ، وخلَّت بطون قريش بينه وبين العرب ، واعترفت به وهى عدوته اللدودة ، واعترفت بحقه باستقطاب العرب حوله . عندئذ قدر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن الفرصة ملائمة لمواجهة أخطر وأقوى ما تبقى من خصومه وهم يهود خيبر . . . وبعد إتمام الاستعدادات وفى شهر صفر من السنة السابعة للهجرة ، زحف النبي نحو خيبر ودخلها عن طريق مرحب ، وفى الطريق علم أن قبائل غطفان الكبيرة قد تحالفت مع اليهود على حرب محمد مقابل تمر خيبر لسنة . ولما استقر الرسول في معسكره قرب خيبر ، أمر أتباعه أن لا يقاتلوا حتى يأذن لهم بالقتال » .
4 - وصول النبي « صلى الله عليه وآله » إلى خيبر
في خيبر سمع النبي ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه يرفعون أصواتهم بالتكبير ، فأمرهم أن يلتزموا الهدوء والسكينة والتواضع ، وقال لهم : إربعوا على أنفسكم ، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً ، إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم . . وقال لهم : قفوا فوقفوا ، فقال : « اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما أذرين ، فإنَّا نسألك من خير هذه القرية وخير أهلها ، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها . أقدموا باسم الله » . المناقب : 1 / 176 والصحيح من السيرة : 17 / 101 .
وكان أهل خيبر يتوقعون وصول النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لكنه فاجأهم من جهة لا يتوقعون مجيئه منها ، فرآه بعض المزارعين فقالوا : محمد والخميس وأدبروا هرباً ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) ورفع يديه : الله أكبر ، خربت خيبر ! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين . كما قالها عند محاصرة بني قريظة . الإرشاد : 1 / 110 وتفسير القمي : 2 / 189 .
وعسكر ( صلى الله عليه وآله ) بأصحابه قرب حصن ناعم ، وكان فيه قوات غطفان النجدية ، بزعامة شيخ فزارة عيينة بن حصن ، جاؤوا لنصرة اليهود قبل قدوم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بثلاثة أيام ، وروى أنهم كانوا أربعة آلاف ، ونزلوا في حصن ناعم في النطاة ، فأرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) سعد بن عبادة لينصح عيينة بالإنسحاب بقبيلته : « فلما انتهى سعد إلى الحصن ناداهم : إني أريد أكلِّم عيينة بن حصن ، فأراد عيينة أن يدخله الحصن فقال مرحب : لاتُدخله فيرى خلل حصننا ويعرف نواحيه التي يؤتى منها ، ولكن تخرج إليه . فقال عيينة : لقد أحببت أن يدخل فيرى حصانته ويرى عدداً كثيراً ، فأبى مرحب أن يدخله فخرج عيينة إلى باب الحصن ، فقال سعد : إن رسول الله أرسلني إليك يقول : إن الله قد وعدني خيبر فارجعوا وكفوا ، فإن ظهرنا عليها فلكم تمر خيبر سنة . فقال عيينة : إنَّا والله ما كنا لنسلم حلفاءنا لشئ وإنَّا لنعلم ما لك وما معك مما هاهنا طاقة ، هؤلاء قوم أهل حصون منيعة ، ورجال عددهم كثير وسلاح ! إن أقمت هلكت ومن معك ، وإن أردت القتال عجلوا عليك بالرجال والسلاح . ولا والله ما هؤلاء كقريش وقومٍ ساروا إليك إن أصابوا غِرَّة منك فذاك الذي أرادوا ، وإلا انصرفوا ، وهؤلاء يماكرونك الحرب ويطاولونك حتى تملهم . فقال سعد بن عبادة : أشهد ليحصرنك في حصنك هذا حتى تطلب الذي كنا عرضنا عليك فلا نعطيك إلا السيف ! وقد رأيت يا عيينة من قد حللنا بساحته من يهود يثرب ،
كيف مُزقوا كل ممزق !
فرجع سعد إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره بما قال . وقال سعد : يا رسول الله ، لئن أخذه السيف ليسلمنهم وليهربن إلى بلاده كما فعل ذلك قبل اليوم في الخندق . فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه أن يتوجهوا إلى حصنهم الذي في غطفان وذلك عشيةً وهم في حصن ناعم ، فنادى منادى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن أصبحوا على راياتكم عند حصن ناعم ، الذي فيه غطفان . قال : فرعبوا من ذلك يومهم وليلتهم ، فلما كان بعد هذه من تلك الليلة سمعوا صائحاً يصيح لا يدرون من السماء أو الأرض : يا معشر غطفان أهلكم أهلكم ! الغوث الغوث بحيفاء ، صِيح ثلاثة ، لا تربة ولا مال ! قال : فخرجت غطفان على الصعب والذلول ، وكان أمراً صنعه الله لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) . فلما أصبحوا أُخبر كِنانة بن أبي الحُقيق وهو في الكتيبة منطقة من خيبر بانصرافهم فسقط في يديه » .
الصحيح من السيرة : 17 / 110 .
5 - نداء النبي « صلى الله عليه وآله » بالأمان لأهل خيبر
روت مصادرهم : « عن الضحاك الأنصاري قال : لما سار النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى خيبر جعل علياً على مقدمته فقال ( صلى الله عليه وآله ) : من دخل النخل فهو آمن ، فلما تكلم النبي ( صلى الله عليه وآله ) نادى بها على فنظر النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى جبرائيل يضحك فقال : مايضحكك ؟ ! قال :
إني أحبه ! فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلى ( عليه السلام ) : إن جبرائيل يقول إنه يحبك ! قال ( عليه السلام ) : بَلَغْتُ أن يحبني جبرائيل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : نعم ومن هو خير من جبرائيل : الله عزَّ وجل » .
الطبراني الكبير : 8 / 301 ، مجمع الزوائد : 9 / 126 وأسد الغابة : 3 / 34 .
6 - فتح علي « عليه السلام » كل حصون خيبر ؟
كانت خيبر ثلاث مناطق : النَّطَاهْ بفتح النون المشددة وسكون الهاء ، وفيها ثلاثة حصون : حصن ناعم ، وحصن الصعب ، وحصن قلة . وتتصل بها منطقة الشق وفيها حصن أبي ، وحصن البرئ .
وعلى بعد كيلو مترات منها منطقة الكتيبة ، وفيها واد فيه أربعون ألف نخلة وعلى جبلها ثلاثة حصون : حصن القموص ، والسلالم ، والوطيح .
وقد استغرق فتح خيبر كلها وترتيب أمرها نحو شهرين . وبدأ النبي ( صلى الله عليه وآله ) بحصن ناعم في النطاة ، ففتحه بعد بضعة أيام . ثم حاصر حصن الصعب أياماً ، ثم فتح بقية الحصون في مدة قليلة .
ثم ترك علياً ( عليه السلام ) في منطقة النطاة والشق يرتب أمرها ، واتجه إلى الكتيبة فحاصر حصنها الأكبر « القموص » ، وطالت محاصرته له بضعة وعشرين يوماً !
وكان يرسل جيشه كل يوم بقيادة صحابي ، فيصلون إلى خندق الحصن فيرميهم اليهود من أبراجه بالسهام والأحجار ، فيرمونهم هم ، ويرجعون !
ثم تجرأ مرحب وفرسانه فأخذوا يخرجون من الحصن ويطلبوا من المسلمين أن يعبروا إليهم فلا يجرؤون ، بل يرجعون منهزمين حتى أحضر النبي ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) !
وروت مصادرنا أن فتح حصون خيبركلها كان بيد على ( عليه السلام ) ، وروى نحو ذلك في السيرة الحلبية : 2 / 737 ، عون المعبود : 8 / 172 ، قال : « وقصة فتح هذه الحصون : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ألبس علياً رضي الله عنه درعه الحديد وأعطاه الراية ، ووجهه إلى الحصن ، فلما انتهى على رضي الله عنه إلى باب الحصن ، اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالأرض ، ففتح الله ذلك الحصن الذي هو حصن ناعم ، وهو أول حصن فتح من حصون النطاة على يده رضي الله عنه .
وكان من سلم من يهود حصن ناعم انتقل إلى حصن الصعب من حصون النطاة ففتح الله حصن الصعب قبلما غابت الشمس من ذلك اليوم . ولما فتح ذلك الحصن تحول من سلم من أهله إلى حصن قلة ، وهو حصن بقلة جبل ، ويعبر عن هذا بقلعة الزبير ، وهو الذي صار في سهم الزبير بعد ذلك ، وهو آخر حصون النطاة . فحصون النطاة ثلاثة ، حصن ناعم ، وحصن الصعب ، وحصن قلة . ثم صار المسلمون إلى حصار حصون الشق ، فكان أول حصن بدأ به من حصني الشق حصن أبي ، فقاتل أهله قتالاً شديداً وهرب من كان فيه ، ولحق بحصن يقال له حصن البرئ ، وهو الحصن الثاني من حصني الشق .
ثم إن المسلمين لما أخذوا حصون النطاة وحصون الشق ، انهزم من سلم من يهود تلك الحصون إلى حصون الكتيبة ، وهى ثلاثة حصون القموص والوطيح وسلالم ، وكان أعظمها القموص ، وانتهى المسلمون إلى حصار الوطيح وحصن سلالم ويقال له السلاليم ، وهو حصن بنى الحقيق آخر حصون خيبر ، ومكثوا على حصارهما أربعة عشر يوماً ، فلم يخرج أحد منهما ، وسألوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الصلح على حقن دماء المقاتلة وترك الذرية لهم ، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم ، فصالحهم على ذلك » .
أقول : ستعرف أن محاصرة القموص طالت بضعاً وعشرين يوماً ، وذلك قبل محاصرة حصن السلالم والوطيح ، التي ذكر العيني أنها كانت أربعة عشر يوماً .
كما تدل روايته على أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قلع باب حصن ناعم ، ولم يذكر حجم ذلك الباب ، وسيأتي قلعه ( عليه السلام ) لباب حصن القموص ، وهو أكبر حصون خيبر .
7 - طريقة القتال في فتح النبي « صلى الله عليه وآله » حصون خيبر
« صفَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه ووعظهم ، ونهاهم عن القتال حتى يأذن لهم ، فعمد رجل من قبيلة أشجع فحمل على يهودي فقتله اليهودي ، فقال الناس : استشهد فلان . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أبعدَ ما نهيتُ عن القتال ؟ قالوا : نعم . فأمر رسول الله منادياً فنادى في الناس : لا تحل الجنة لعاص . . وقالوا إن مرحباً هو الذي قتل ذلك الرجل الأشجعي . . وأذن رسول الله في القتال وحثهم على الصبر ، وأول حصن حاصره حصن ناعم . . وقاتل ( صلى الله عليه وآله ) يومه ذاك أشد القتال ، وقاتله أهل النطاة أشد القتال ، وترَّس جماعة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليه يومئذٍ ، وعليه كما قال محمد بن عمر درعان وبيضة ومغفر ، وهو على فرس يقال له الظرب ، وفى يده قناة وترس » . الصحيح من السيرة : 17 / 152 .
أقول : كان اليهود مستميتين في الدفاع عن خيبر ، ومن الطبيعي أنهم كانوا يخططون لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! فقد روى الواقدي : 2 / 670 والصحيح من السيرة : 17 / 219 « أن كنانة ابن أبي الحقيق كان رامياً يرمى بثلاثة أسهم في ثلاث مائة ذراع ، فيدخلها في هدف شبراً في شبر ! فما هو إلا أن قيل له : هذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد أقبل من الشق في أصحابه ، وقد تهيأ أهل القموص ، وقاموا على باب الحصن بالنبل . . فنهض كنانة إلى قوسه فلم يستطع أن يوترها لشدة الرعدة التي انتابته » !
والوضع الطبيعي أن يتحصن اليهود في قلاعهم ، ويردوا هجمات المسلمين بواسطة الرماة من أبراج القلعة وسطوحها . لكن أحاديث خيبر ذكرت أن فرسان اليهود خرجوا من بعض حصونهم واشتبكوا مع المسلمين أمام مداخلها ، وفتحوا أبواب الحصن للتواصل مع مقاتليهم ، فلم يمكنهم رمى المسلمين القريبين بالسهام . فكان على المسلمين أن يكتسحوا المقاتلين أمام باب الحصن ، ثم يدخلوه قبل أن يسدوا بابه ، ويقاوموا المقاتلين داخله . وكان اليهود عند سقوط الحصن ينسحبون إلى غيره ، وينقلون معهم ما أمكنهم من سلاح ومؤن أو يتلفونها ، فقد ورد ذكر بطلهم مرحب في معركة حصن ناعم وهو أول حصن فتحه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم كان بطل حصن القموص ، وهو آخر حصونهم وأهمها .
وهذه بعض نصوص القتال في فتح الحصون قبل حصن القموص من كتاب : الصحيح من السيرة : 17 / 171 : « لم يكن بخيبر حصن أكثر طعاماً وودكاً وماشية ومتاعاً من حصن الصعب بن معاذ ، ووجدوا فيه ما لم يكونوا يظنون ، من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك ، وكان فيه خمس مائة مقاتل ، وكان المسلمون قد أقاموا أياماً يقاتلون ليس عندهم طعام إلا العلف !
وروى ابن إسحاق عن بعض قبيلة أسلم ومحمد بن عمر ، عن معتب الأسلمي واللفظ له قال : أصابتنا معشر أسلم مجاعة حين قدمنا خيبر ، وأقمنا عشرة أيام على حصن النطاة لا نفتح شيئاً فيه طعام ، فأجمعت أسلم أن أرسلوا أسماء بن حارثة فقالوا : إئت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقل له : إن أسلم يقرؤونك السلام ويقولون : إنَّا قد جُهدنا من الجوع والضعف . . وحسب نص الحلبي : إن اليهود حملت حملة منكرة فانكشف المسلمون حتى انتهوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو واقف قد نزل عن فرسه . . ثم إن المسلمين اقتحموا الحصن يقتلون ويأسرون ، فوجدوا في ذلك الحصن من الشعير . . . ونادى منادى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كلوا واعلفوا ولا تحملوا أي لا تخرجوا به إلى بلادكم .
وحسب نص الواقدي : وقد أقمنا عليه يومين نقاتلهم أشد القتال ، فلما كان اليوم الثالث بكَّر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليهم ، فخرج رجل من اليهود كأنه الدقل في حربة له وخرج وعاديته معه ، فرموا بالنبل ساعة سراعاً وترِّسنا عن رسول الله وأمطروا علينا بالنبل فكان نبلهم مثل الجراد ، حتى ظننت ألا يقلعوا ، ثم حملوا علينا حملة رجل واحد فانكشف المسلمون حتى انتهوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو واقف قد نزل عن فرسه ، ومِدْعَم يمسك فرسه . . .
وندب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المسلمين وحضهم على الجهاد ورغبهم فيه ، وأخبرهم أن الله قد وعده خيبر يغنمه إياها . قال فأقبل الناس جميعاً حتى عادوا إلى صاحب رايتهم ، ثم زحف بهم الحباب فلم يزل يدنو قليلاً قليلاً وترجع اليهود على أدبارها حتى لحمها الشر ، فانكشفوا سراعاً ودخلوا الحصن وغلَّقوا عليهم ، ووافوا على جدره وله جدر دون جدر ، فجعلوا يرموننا بالجندل رمياً كثيراً ، ونحَّوْنا عن حصنهم بوقع الحجارة ، حتى رجعنا إلى موضع الحباب الأول .
ثم إن اليهود تلاومت بينها وقالت : ما نستبقى لأنفسنا ؟ قد قتل أهل الجد والجلد في حصن ناعم ! فخرجوا مستميتين ورجعنا إليهم فاقتتلنا على باب الحصن أشد القتال ، وقتل يومئذٍ على الباب ثلاثة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أبو صياح ، وقد شهد بدراً ، ضربه رجل منهم بالسيف فأطن قحف رأسه ، وعدى بن مرة بن سراقة طعنه أحدهم بالحربة بين ثدييه فمات ، والثالث الحارث بن حاطب وقد شهد بدراً ، رماه رجل من فوق الحصن فدمغه .
وقد قتلنا منهم على الحصن عدة كلما قتلنا منهم رجلاً حملوه حتى يدخلوه الحصن ، ثم حمل صاحب رايتنا وحملنا معه ، وأدخلنا اليهود الحصن وتبعناهم في جوفه ، فلما دخلنا عليهم الحصن فكأنهم غنم ! فقتلنا من أشرف لنا وأسرنا منهم وهربوا في كل وجه يركبون الحرة ، يريدون حصن قلعة الزبير ، وجعلنا ندعهم يهربون . وصعد المسلمون على جدره فكبروا عليه تكبيراً كثيراً . . ووجدوا فيه من البز والآنية ، ووجدوا خوابى السّكَر فأمروا فكسروها ، فكانوا يكسرونها حتى سال السكر في الحصن ، والخوابى كبار لا يطاق حملها . . وأخرجنا منه غنماً كثيراً وبقراً وحمراً ، وأخرجنا منه آلة كثيرة للحرب ومنجنيقاً ودبابات وعُدَّة ، فنعلم أنهم قد كانوا يظنون أن الحصار يكون دهراً ، فعجل الله خزيهم . . .
أخرج من أطم من حصن الصعب ابن معاذ من البز عشرون عكماً « ربطة » محزومة من غليظ متاع اليمن ، وألف وخمس مائة قطيفة ، ويقال : قدم كل رجل بقطيفة على أهله » .
وفى سبل الهدي : 5 / 125 : « ذكر قتل على رضي الله عنه الحارث وأخاه مرحباً وعامراً وياسراً ، فرسان يهود وسبعانها . روى محمد بن عمر عن جابر قال : أول من خرج من حصون خيبر مبارزاً الحارث أخو مرحب في عاديته فقتله علي ، ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن وبرز عامر ، وكان رجلاً جسيماً طويلاً ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين برز وطلع عامر أترونه خمسة أذرع وهو يدعو إلى البراز ؟ فخرج إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فضربه ضربات ، كل ذلك لا يصنع شيئاً ، حتى ضرب ساقيه فبرك ، ثم ذفف عليه وأخذ سلاحه » .
أقول : كان قتل هؤلاء في حصن ناعم وليس في حصن القموص مع مرحب كما رووا . وقد كان مرحب معهم ، لكنه لم يبرز إلا في حصن القموص . ويؤيده أن منزل ياسر أخ مرحب في النطاة لا في القموص . « معجم البكري : 2 / 523 » ، وأن الحارث كان يحوس الناس بحربته ، أما في مبارزة على ( عليه السلام ) لمرحب فلم يكن مع علي أحد ليحو
سهم الحارث .
8 - طالت محاصرة حصن خيبر وظهرت هزيمة المسلمين !
« يقع حصن القموص في الجهة المقابلة للمسجد الفعلي الذي كان مركز قيادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ويقع على مسافة قليلة إلى يمينه حصن السلالم وحصن الوطيح ، ويفصل هذه الحصون عن مركز قيادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) تلالٌ ووادٍ ، وقد رأيته قبل خمس وثلاثين سنة ، وادياً صغيراً فيه بعض نخيل وعين ماء جارية ، بقربها محراب ومكان للصلاة ، وقد سألت البدو عنها فقالوا هذه عين سيدنا علي .
وبعد الوادي جبل على قمته الحصون ، وخلفه وادى الكتيبة المشهورة بالنخيل .
وعندما فتح النبي ( صلى الله عليه وآله ) حصون النطاة والشق : « انهزم من سلم من يهود تلك الحصون إلى حصون الكتيبة ، وهى ثلاثة حصون : القموص والوطيح وسلالم ، وكان أعظم حصون خيبر القموص » . عون المعبود : 8 / 172 .
« فتحصنوا معهم في القموص أشد التحصين ، مغلقين عليهم لايبرزون ، حتى همَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يرميهم بالمنجنيق » . الواقدي : 2 / 670 .
وحاصرهم بضعاً وعشرين يوماً « تاريخ خليفة / 49 » وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يصلى بالمسلمين كل يوم صلاة الفجر ، ثم يصطفُّون ثم يذهبون لمهاجمة الحصن ، فيقطعون التلال حتى يصلوا إلى قرب الخندق في مواجهة الحصن .
وكان اليهود يتخذون مواقعهم في أبراج الحصن وعلى سطوحه ، ويرمون المسلمين بالسهام والأحجار ، فيحمى المسلمون أنفسهم منها ، أو يرمونهم بالسهام ، ويحاولون أن يتقدموا فلا يستطيعون ، فيرجعون بدون نتيجة !
ومع الأيام ضعفت معنويات المسلمين وقويت معنويات اليهود ، فصار بطلهم مرحب وفرسانه يخرجون من الحصن ، ويتحدون المسلمين أن يعبروا إليهم ! فينهزم المسلمون عنهم ، ويرجع اليهود منتصرين !
وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبقى علياً ( عليه السلام ) في المنطقة التي فتحها « النطاة والشق » أو بعثه في مهمة ، وكان يعطى الراية لوجهاء أصحابه ، فيوماً لسعد بن عبادة ، ويوماً للزبير ، ويوماً لطلحة ، ويوماً لسعد بن أبي وقاص ، ويوماً لأبى بكر ، ويوماً لعمر بن الخطاب . . وقد جرب بعضهم قيادة المسلمين لأكثر من يوم كما روى في عمر ، وكان الجميع يرجعون منهزمين ! ولم يجرؤوا على العبور إلى مرحب لمبارزته ! ولذا قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلى ( عليه السلام ) : « يا علي إكفنى مرحباً » . أمالي الطوسي / 4 والخرائج : 1 / 217 .
وقد ورد أن سعد بن عبادة رجع مجروحاً ، « الواقدي 2 / 653 » وفى رواية رجع محمولاً « الإحتجاج : 1 / 406 » . وروى أن عمر بن الخطاب رجع مجروحاً في رجله ، وهو يجبن المسلمين وهم يجبنونه ! رسائل المرتضي : 4 / 103 .
وفى رواية مجمع الزوائد : 6 / 151 ، أن هزيمة عمر كانت سريعة عندما أصابه حجر في رجله قال : « بعث عمر ومعه الناس ، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه » !
ويرد هنا سؤالان مهمان :
الأول : لماذا لم يذهب النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الحملات على القموص ؟ فقد شارك في القتال في حصن ناعم وحصن الصعب ورمى بسهام ، وترَّسه المسلمون من سهام اليهود ، لكنه لم يشارك في الحملات اليومية على حصن القموص !
والجواب : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما قال الله تعالى : وَمَا ينْطِقُ عَنِ الْهَوَي ، فهو لا يفعل عن الهوى بل بالوحي . والحكمة من فعله ( صلى الله عليه وآله ) أن يعرف الصحابة أنهم بدونه ( صلى الله عليه وآله ) وبدون على ( عليه السلام ) لا يستطيعون تحقيق النصر ، فعليهم أن يعرفوا حدودهم !
أما مرضه ( صلى الله عليه وآله ) فلم يكن مانعاً من مشاركته ، لأنه كان ليومين في أواخر حصاره للحصن ، فكان بإمكانه قيادة الحملة قبله أو بعده .
والسؤال الثاني : لماذا أبقى ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) في المنطقة المفتوحة ، أو بعثه بمهمة ؟
وجوابه : أن الحكمة من ذلك أن يثبت للمسلمين أن علياً ( عليه السلام ) صاحب الفتح ، وأنهم بدونه لا يستطيعون تحقيق النصر ولا مواجهة مرحب وفرسانه !
والحكمة لمستقبل الأمة : أن اليهود لا يكسر غطرستهم إلا علي ، وشيعة على ( عليه السلام ) .
9 - مَرِضَ علي « عليه السلام » بالرَّمَد والنبي « صلى الله عليه وآله » بالصداع !
يظهر أن علياً ( عليه السلام ) أصابه الرمد عندما ذهب النبي ( صلى الله عليه وآله ) من منطقة النطاة والشق إلى الكتيبة ، وأبقاه هناك ، لأن أحاديث خيبر نصت على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أرسل في إحضاره فجاء راكباً على بعير له ، وكان معصوب العينين بشق برد قطري ، ولما سأله عن حاله قال له : « رمدت بعدك » أي بعد فراقي لك !
كما ذكرت الرواية أن سبب وجع عينيه دخان أصابه من الحصون التي فتحها ففي مجمع الزوائد : 9 / 123 : « عن جميع بن عمير قال : قلت لعبد الله بن عمر حدثني عن علي ؟ قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فكأني أنظر إليها مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يحتضنها وكان علي بن أبي طالب أرمد من دخان الحصن فدفعها إليه ، فلا والله ما تتامت الخيل حتى فتحها الله عليه » !
وعن علي ( عليه السلام ) قال : « كنت أرمد من دخان الحصن » . كنز العمال : 10 / 92 .
وقد يكون اليهود استعملوا ذلك الدخان سلاحاً ليمنعوا تقدم على ( عليه السلام ) ، فاضطر إلى الدخول فيه لتعقب فرسانهم !
كما يظهر أن مرض النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالصداع كان في آخر محاصرة حصن القموص لأنهم رووا عن بريدة وغيره ، « الطبري : 2 / 300 » قال : « كان رسول الله ربما أخذته الشقيقة فيلبث اليوم واليومين لا يخرج ، فلما نزل رسول الله خيبر أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس ، وإن أبا بكر أخذ راية رسول الله ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً ثم رجع ، فأخذها عمر فقاتل قتالاً شديداً هو أشد من القتال الأول ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أما والله لأعطينها غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة . قال وليس ثَمَّ علي ، فتطاولت لها قريش ورجا كل واحد منهم أن يكون صاحب ذلك ، فأصبح فجاء على على بعير له حتى أناخ قريباً من خباء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو أرمد ، وقد عصب عينيه بشقة برد قطري ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « عليهم السلام » مالك ؟ قال : رمدت بعدك ! فقال رسول الله : أدن مني . . . » .
فيفهم منه أنهم دخلوا على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مرضه وأخبروه بهزيمة عمر ، فوعد الناس بالفتح في اليوم التالي واستدعى علياً ( عليه السلام ) . ويدل ذلك على أن عمر قاد الحملة على الحصن يومين ، ومعنى قتاله في المرة الثانية بأشد من الأولى أنه لم ينهزم بسرعة من سهام اليهود ، بل تأخر قليلاً حتى انهزم !
10 - غَضِبَ النبي « صلى الله عليه وآله » من فرار الصحابة وبشرهم بالفتح غداً !
غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما رأى هزيمة المسلمين شبه يومية ، ورأى أن غطرسة مرحب وفرسانه زادت ، ولم يجرؤ أحد من المسلمين على اقتحام الخندق فضلاً عن الحصن ، فطلب بعض المسلمين أن يرسل لإحضار على ( عليه السلام ) !
وفى رسائل المرتضي : 4 / 103 : « روى أبو سعيد الخدري « رحمه الله » أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أرسل عمر إلى خيبر فانهزم هو ومن معه ، حتى جاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يجبن أصحابه ويجبنونه ، فبلغ ذلك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كل مبلغ ، فبات ليلته مهموماً فلما أصبح خرج إلى الناس ومعه الراية فقال : لأعطين الراية اليوم رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار ! فتعرض لها المهاجرون والأنصار ، ثم قال : أين علي ؟ فقالوا : يا رسول الله هو أرمد ، فبعث إليه سلمان وأبا ذر ، فجاءا به وهو يقاد لا يقدر على فتح عينيه ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم أذهب عنه الرمد والحر والبرد وانصره على عدوه ، فإنه عبدك يحبك ويحب رسولك ، ثم دفع إليه الراية ، فقال حسان بن ثابت : يا رسول الله أتأذن لي أن أقول فيه شعراً ؟ فأذن له فقال :
وكان على أرمد العين يبتغى * دواء فلما لم يحس مداويا
شفاه رسول الله منه بتفلة * فبورك مرقيا وبورك راقيا
وقال سأعطى الراية اليوم ماضيا * كميا محبا للرسول مواليا
يحب إلهي والرسول يحبه * به يفتح الله الحصون الأوابيا
فأصفى بها دون البرية كلها * علياً وسماه الوزير المؤاخيا
فقال : إن علياً لم يجد بعد ذلك أذى في عينيه ، ولا أذى حر ولا برد » .
وفى سيرة ابن هشام : 3 / 797 : « بعث أبا بكر الصديق برايته وكانت بيضاء فيما قال ابن هشام إلى بعض حصون خيبر ، فقاتل فرجع ولم يك فتح ، وقد جَهِد ! ثم بعث الغد عمر بن الخطاب ، فقاتل ثم رجع ولم يك فتح ، وقد جَهِد ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « عليهم السلام » لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ليس بفرار ! قال : يقول سلمة : فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً رضوان الله عليه وهو أرمد فتفل في عينه ثم قال : خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك .
قال : يقول سلمة : فخرج والله بها يأنج ، يهرول هرولة ، وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن ، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال : من أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب . قال : يقول اليهودي : علوتم وما أنزل على موسي ! أو كما قال . قال : فما رجع حتى فتح الله على يديه » .
11 - قال النبي « صلى الله عليه وآله » لأصحابه الفارين : أميطوا عني !
في اليوم التالي لوعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالفتح ، تطاولت أعناق الصحابة لأخذ الراية ، لاعتقادهم بأن الذي يعطيه الراية سيفتح حصن القموص المستعصي ، حتى لو كان منهزماً ! فردهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! فقد روى أحمد ، الزوائد : 6 / 151 و 9 / 124 ووثقه « عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله أخذ الراية فهزها ثم قال : من يأخذها بحقها ؟ فجاء فلان فقال : أمِطْ « إذهب عني ! » ثم جاء رجل آخر فقال : أمط ! ثم قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : والذي كرم وجه محمد لأعطينها رجلاً لا يفر ، هاك يا علي ! فانطلق حتى فتح الله عليه » . وشرح الأخبار : 1 / 321 والعمدة / 139 ، وأبو يعلي : 2 / 499 ، أحمد : 3 / 16 ، تاريخ دمشق : 1 / 194 ونهاية ابن الأثير : 4 / 381 .
وفى تاريخ دمشق : 42 / 104 وغيره : « قال من يأخذها بحقها ؟ فجاء الزبير فقال : أنا . فقال : أمط ! ثم قام آخر . . . » . وهو يدل على فرار الزبير أيضاً .
وفى الروضة لشاذان بن جبرئيل / 139 : « انهزم جيش أبى بكر وعمر ، فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : ما بال أقوام يلقون المشركين ثم يفرون ؟ ! لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحب الله ويحب رسوله ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار ، يفتح الله على يديه بالنصر ، فلما كان من الغد قال ( صلى الله عليه وآله ) : أين ابن عمى علي ؟ فجاءه وهو أرمد » .
12 - أعطى النبي « صلى الله عليه وآله » الراية لعلي « عليه السلام » ودعا له
في إعلام الوري : 1 / 207 : « حاصرهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بضعاً وعشرين ليلة ، وبخيبر أربعة عشر ألف يهودي في حصونهم . . . فقال : لأعطين الراية غداً رجلاً كراراً غير فرار ، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، لا يرجع حتى يفتح الله على يده . فغدت قريش يقول بعضهم لبعض : أما على فقد كفيتموه فإنه أرمد لا يبصر موضع قدمه . . . قال سعد : جلست نصب عينيه ، ثم جثوت على ركبتي ، ثم قمت على رجلي قائماً ، رجاء أن يدعوني ، فقال : أدعو لي علياً ، فصاح الناس من كل جانب : إنه أرمد رمداً لا يبصر موضع قدمه ! فقال : أرسلوا إليه وادعوه . فأتى به يقاد فوضع رأسه على فخذه ثم تفل في عينيه فقام وكأن عينيه جزعتان « عقيقتان » ثم أعطاه الراية ودعا له ، فخرج يهرول هرولة ، فوالله ما بلغت أخراهم حتى دخل الحصن . قال جابر : فأعجلنا أن نلبس أسلحتنا ، وصاح سعد : يا أبا الحسن إربع يلحق بك الناس ، فأقبل حتى ركزها قريباً من الحصن ، فخرج إليه مرحب في عادية اليهود . . » .
وفى الكافي : 5 / 47 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « شعارنا : يا محمد يا محمد وشعارنا يوم بدر : يانصر الله اقترب اقترب . . ويوم خيبر يوم القموص : يا علي آتهم من عل » .
وفى الخصال / 554 ، أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) احتجَّ على أهل الشورى بوصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبجهاده بين يديه ، ومما قال لهم : « استخلف الناس أبا بكر وأنا والله أحق بالأمر وأولى به منه ، واستخلف أبو بكر عمر وأنا والله أحق بالأمر وأولى به منه ، إلا أن عمر جعلني مع خمسة نفر أنا سادسهم ، لا يعرف لهم على فضل ! . . . نشدتكم بالله أيها النفر هل فيكم أحد وحَّدَ الله قبلي ؟ قالوا : اللهم لا . . . قال : نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين رجع عمر يجبن أصحابه ويجبنونه قد رد راية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منهزماً ، فقال له رسول الله : لأعطين الراية غداً رجلاً ليس بفرار ، يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ، لا يرجع حتى يفتح الله عليه ، فلما أصبح قال : ادعوا لي علياً فقالوا : يا رسول الله هو رمدٌ ما يطرف ! فقال : جيئونى به ، فلما قمت بين يديه تفل في عيني وقال : اللهم أذهب عنه الحر والبرد ، فأذهب الله عنى الحر والبرد إلى ساعتي هذه ، وأخذت الراية فهزم الله المشركين وأظفرنى بهم ، غيري ؟ قالوا : اللهم لا » .
وفى الصحيح من السيرة : 17 / 243 : « فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم . ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى وحق رسوله . فوالله لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم . وقال أبو هريرة : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي : إذهب فقاتلهم حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت . . فخرج بها والله يأنج ، يهرول هرولة ، وإنَّا لخلفه نتبع أثره حتى ركزها تحت الحصن . فاطلع يهودي من رأس الحصن فقال : من أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب . فقال اليهودي : علوتم والذي أنزل التوراة على موسي . فما رجع حتى فتح الله تعالى على يديه ! وشرح الأخبار : 1 / 302 .
وعن حذيفة : لما تهيأ على ( عليه السلام ) للحملة قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي ، والذي نفسي بيده إن معك من لايخذلك ، هذا جبريل ( عليه السلام ) عن يمينك ، بيده سيف لو ضرب الجبال لقطعها ، فاستبشر بالرضوان والجنة . يا علي : إنك سيد العرب وأنا سيد ولد آدم » ! وفى رواية : أنه ( صلى الله عليه وآله ) ألبسه درعه الحديد وشد ذا الفقار في وسطه وأعطاه الراية ووجّهه إلى الحصن ، فقال على ( عليه السلام ) : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ الخ . . فخرج على بها وهو يهرول .
وفى نص آخر : أركبه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم خيبر وعممه بيده وألبسه ثيابه ، وأركبه بغلته ثم قال له : إمض يا علي وجبرئيل عن يمينك ، وميكائيل عن يسارك ، وعزرائيل أمامك ، وإسرافيل وراءك ، ونصر الله فوقك ، ودعائي خلفك » !
وفى صحيح مسلم : 7 / 121 : « قال عمر بن الخطاب : ما أحببت الإمارة إلا يومئذ ! قال فتساورت لها رجاء أن أدعى لها ! قال : فدعا رسول الله علي بن أبي طالب فأعطاه إياها ، فقال : إمش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ! قال : فسار على شيئاً ثم وقف ولم يلتفت فصرخ ، قال : يا رسول الله على ماذا أقاتل ؟ قال : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله » .
13 - وصل علي « عليه السلام » إلى الحصن قبل الجيش !
في مناقب آل أبي طالب : 2 / 320 : « الواقدي : فوالله ما بلغ عسكر النبي أُخَيرَاه حتى دخل على حصون اليهود كلها ، وهى قموص ، وناعم ، وسلالم ، ووطيح ، وحصن المصعب بن معاد ، وغنم . وكانت الغنيمة نصفها لعلى ونصفها
لسائر الصحابة .
شعبة وقتادة والحسن وابن عباس : أنه نزل جبرئيل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال له : إن الله تبارك وتعالى يأمرك يا محمد ويقول لك : إني بعثت جبرئيل إلى علي لينصره ، وعزتي وجلالي ما رمى على حجراً إلى أهل خيبر إلا رمى جبرئيل حجراً ، فادفع يا محمد إلى علي سهمين من غنائم خيبر ، سهماً له وسهم جبرئيل معه » .
14 - اليهود يعرفون أن نهايتهم على يد حيدرة
روى في الإحتجاج : 1 / 307 ، أن راهباً جاء إلى المدينة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) فجرى بينه وبين أبى بكر كلام فدخل على ( عليه السلام ) فقال له أبو بكر : « أيها الراهب سله فإنه صاحبك وبغيتك ، فأقبل الراهب بوجهه إلى علي ( عليه السلام ) ثم قال : يا فتى ما اسمك ؟ قال : إسمى عند اليهود إليا ، وعند النصارى إيليا ، وعند والدي علي ، وعند أمي حيدرة ، قال : ما محلك من نبيكم ؟ قال : أخي وصهري وابن عمى لِحّاً . قال : الراهب : أنت صاحبي ورب عيسى » .
وفى مدينة المعاجز : 1 / 173 : « إن اليهود من خيبر يجدون في كتابهم أن الذي يدمرهم إليا » وروى في الإرشاد : 1 / 126 ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أعطى الراية لعلى ( عليه السلام ) وقال له : « خذ الراية وامض بها ، فجبرئيل معك ، والنصر أمامك ، والرعب مبثوث في صدور القوم ، واعلم يا علي أنهم يجدون في كتابهم أن الذي يدمر عليهم اسمه إيليا . فإذا لقيتهم فقل أنا علي ، فإنهم يخذلون إن شاء الله » .
15 - عَبَر الخندق وقصد مرحباً وفرسانه !
في الخرائج : 1 / 217 : « روى مكحول أن مرحباً اليهودي قدمته اليهود لشجاعته ويساره ، وكان طويل القامة عظيم الهامة ، وما وافقه قرن لعظم خلقه ! وكانت له ظئر « مرضعة » قرأت الكتب وكانت تقول له : قاتل كل من قاتلك إلا من يسمى بحيدرة ، فإنك إن وقفت له هلكت ! فلما كثرت مناوشته « غطرسته » وبَعُلَ الناس بمكانه « تحيرهم فيه » شكوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسألوه أن يخرج إليه علياً ( عليه السلام ) وكان أرمد ، فتفل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في عينه فصحت ، ثم قال له : يا علي إكفنى مرحباً ! فخرج إليه فلما بصر به مرحب أسرع إليه فلم يره يعبأ به فتحير ، ثم قال : أنا الذي سمتني أمي مرحبا . فقال علي : أنا الذي سمتني أمي حيدرة . فلما سمعها هرب ولم يقف مما حذرته ظئره ، فتمثل له إبليس وقال : إلى أين ؟ قال : حذرت ممن اسمه حيدرة . قال : أولم يكن حيدرة إلا هذا ؟ حيدرة في الدنيا كثير ، فارجع فلعلك تقتله ، فإن قتلته سدت قومك وأنا في ظهرك . فما كان إلا كفواق ناقة حتى قتله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) » !
وفى مسند أحمد : 4 / 52 : « فخرج مرحب يخطر بسيفه فقال :
قد علمت خيبر أنى مرحبُ * شاكي السلاح بطلٌ مجربُ
إذا الحروب أقبلت تلهَّب
فقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :
أنا الذي سمتني أمي حيدره * كليث غابات كريه المنظره
أوفيهمُ بالصاع كَيلَ السنَّدرة
ففلق رأس مرحب بالسيف وكان الفتح على يديه » .
« فضربه على على هامته حتى عض السيف منها بأضراسه ! وسمع أهل العسكر صوت ضربته ! فما تتام آخر الناس مع علي حتى فتح الله له ولهم » . الطبري : 2 / 300 .
وعن أم سلمة : « سمعت وقْع السيف في أسنان مرحب » ! مجمع الزوائد : 6 / 152 ووثقه .
وفى بعض المصادر : شق رأسه وجسده نصفين حتى بلغ السرج !
معارج النبوة / 323 .
16 - بعد قتله مرحباً هاجم الحصن وقلع بابه !
تدل أحاديث خيبر على أن حملات المسلمين على حصن القموص كانت تتوقف عند الخندق الذي قبل الحصن ، ولا تتجاوزه !
ولذلك كان مرحب يخرج من الحصن هو وعاديته أي نخبة فرسانه ، ويتبختر أمام المسلمين ويتحداهم أن يعبروا ، فلا يجرأ منهم أحد على العبور !
إلى أن كان يومٌ رأى مرحب وفرسانه شخصاً وصل بمفرده قبل جيش المسلمين وعبر الخندق ، ووقف في مواجهتهم ، فكان ذلك علياً ( عليه السلام ) !
وأجاب على ( عليه السلام ) على شعر مرحب ثم كلمه ودعاه إلى الإسلام ، فاستشاط غضباً وحمل عليه وضربه ، فتلقى على ( عليه السلام ) الضربة ووجه اليه ضربته التاريخية فقدَّت خوذته الصخرية ، ومغفره ، ورأسه ، وقد تكون وصلت إلى فرسه !
وقال في تاريخ الخميس : 2 / 51 : « وقتل على يومئذٍ ثمانية من رؤسائهم ، وفر الباقون إلى الحصن » . ومن المؤكد أنه ( عليه السلام ) قتل أخ مرحب ويدعى ياسر ، لكن ذلك كان في فتحه حصن ناعم ، ولم أستطع التحقق من أنه ( عليه السلام ) قتل أحداً غير مرحب قبل دخول حصن القموص ، فقد اندهشوا بمصرع مرحب ، ففروا إلى داخل الحصن وأغلقوا بابه فلحقهم على ( عليه السلام ) ! وفى صعوده انهالت عليه سهام اليهود وأحجارهم من أبراج الحصن وسطوحه ، وكان يتجنبها أو يردها بترسه حتى تكسر ، فوجد باب حديد صغير ملقى فاتخذه ترساً ، حتى وصل إلى باب الحصن فأمسك بحلقته وهزه ثم دحاه بقدرة الله تعالى واقتلعه من أساسه فانذعر اليهود ! ودخل ( عليه السلام ) الحصن وحده ، فواجهه بعض فرسانهم فقتله ، ودوى صوته بالتكبير » !
في ذلك الوقت تمكن بعض المسلمين من عبور الخندق ، وقد يكون وصل بعضهم إلى علي ( عليه السلام ) لكن أكثرهم ما زالوا وراء الخندق يحاولون العبور ، فأخذ على ( عليه السلام ) باب الحصن وجعله لهم جسراً حتى عبروا !
ثم دخل أمامهم إلى الحصن ، وقد يكون وقع فيه قتال ، لكن خوف اليهود كان شديداً من مصرع مرحب ، فأعلنوا الاستسلام !
وقد عدَّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) جهاده في خيبر أحد الإمتحانات السبع التي امتحنها الله بها في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال في جواب أحد أحبار اليهود ، كما في الخصال / 369 .
« وأما السادسة يا أخا اليهود ، فإنا وردنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مدينة أصحابك خيبر على رجال من اليهود وفرسانها من قريش وغيرها ، فتلقونا بأمثال الجبال من الخيل والرجال والسلاح ، وهم في أمنع دار وأكثر عدد ، كل ينادى ويدعو ويبادر إلى القتال ، فلم يبرز إليهم من أصحابي أحد إلا قتلوه حتى إذا احمرت الحدق ، ودعيت إلى النزال وأهمت كل امرئ نفسه ، والتفت بعض أصحابي إلى بعض وكل يقول : يا أبا الحسن إنهض ، فأنهضنى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى دارهم فلم يبرز إلى منهم أحد إلا قتلته ، ولا ثبت لي فارس إلا طحنته ، ثم شددت عليهم شدة الليث على فريسته ، حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسدداً عليهم ، فاقتلعت باب حصنهم بيدي حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي ، أقتل من يظهر فيها من رجالها ، وأسبى من أجد من نسائها ، حتى افتتحتها وحدي ، ولم يكن لي فيها معاون إلا الله وحده ! ثم التفت ( عليه السلام ) إلى أصحابه فقال : أليس كذلك ؟ قالوا :
بلى يا أمير المؤمنين » !
أقول : يدل على أن رجالاً من فرسان قريش كانوا في خيبر لنصرة اليهود ، فلا بد أن تكون قريش بعثت بهم سراً ، أو يكونون أفراداً لهم علاقات مع اليهود .
قال المفيد في الإرشاد : 1 / 127 : « ولما قتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مرحباً رجع من كان معه وأغلقوا باب الحصن عليهم دونه ، فصار أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إليه فعالجه حتى فتحه وأكثر الناس من جانب الخندق لم يعبروا معه ، فأخذ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) باب الحصن فجعله على الخندق جسراً لهم حتى عبروا وظفروا بالحصن ونالوا الغنائم فلما انصرفوا من الحصن أخذه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بيمناه ، فدحا به أذرعاً من الأرض ، وكان الباب يغلقه عشرون رجلاً منهم » !
وأضاف العلامة في كشف اليقين / 141 : « وقال ( عليه السلام ) : ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية ولكن بقوة ربانية » .
وفى إعلام الوري : 1 / 207 : « قال أبان : حدثني زرارة قال : قال الباقر ( عليه السلام ) : انتهى إلى باب الحصن وقد أغلق في وجهه فاجتذبه اجتذاباً وتترس به ، ثم حمله على ظهره واقتحم الحصن اقتحاماً . واقتحم المسلمون والباب على ظهره ، قال : فوالله ما لقى على ( عليه السلام ) من الناس تحت الباب أشد مما لقى من الباب ثم رمى بالباب رمياً » .
وفى مناقب آل أبي طالب : 2 / 125 : « روى أحمد بن حنبل عن مشيخته عن جابر الأنصاري أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دفع الراية إلى علي ( عليه السلام ) في يوم خيبر بعد أن دعا له فجعل يسرع السير وأصحابه يقولون له إرفق ، حتى انتهى إلى الحصن فاجتذب بابه فألقاه على الأرض ، ثم اجتمع منا سبعون رجلاً وكان جهدهم أن أعادوا الباب » .
قال الحميري : وألقى باب حصنهم بعيداً ولم يك يستقل بأربعينا
وفى مجمع الزوائد : 6 / 151 ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « فانطلقت حتى أتيتهم ، فإذا فيهم مرحب يرتجز ، حتى التقينا فهزمه الله وانهزم أصحابه وتحصنوا ، وأغلقوا الباب فأتيت الباب فلم أزل أعالجه حتى فتحه الله » .
وقد روت عامة المصادر حديث عبد الله بن عمر ، كما في أمالي الصدوق / 604 ، وروضة الواعظين / 126 ، قال : « إن رسول الله دفع الراية يوم خيبر إلى رجل من أصحابه فرجع منهزماً ، فدفعها إلى آخر فرجع يجبن أصحابه ويجبنوه . . فلما أصبح قال : ادعوا لي علياً . . . قال : لما دنا من القموص ، أقبل أعداء الله من اليهود يرمونه بالنبل والحجارة ، فحمل عليهم على ( عليه السلام ) حتى دنا من الباب فثنى رجله ، ثم نزل مغضباً إلى أصل عتبة الباب فاقتلعه ثم رمى به خلف ظهره أربعين ذراعاً .
قال ابن عمر : وما عجبنا من فتح الله خيبر على يدي علي ، ولكنا عجبنا من قلعه الباب ورميه خلفه أربعين ذراعاً ، ولقد تكلف حمله أربعون رجلاً فما أطاقوه ، فأخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بذلك فقال : والذي نفسي بيده لقد أعانه عليه أربعون ملكاً !
وروى أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال في رسالته إلى سهل بن حنيف : والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدية ، ولا بحركة غذائية ، لكني أيدت بقوة ملكوتية ، ونفس بنور ربها مضية ، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء ! والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت ، ولو أمكنتنى الفرصة من رقابها لما بغيت » .
وقال ابن حجر المتعصب ، في الإصابة : 4 / 466 : « ومن خصائص على قوله ( صلى الله عليه وآله ) يوم خيبر : لأدفعن الراية غداً إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ، فلما أصبح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غدوا كلهم يرجو أن يعطاها . .
وروى في آخره قصة مرحب قال : « فضربه على هامته ضربة حتى عض السيف منه بيضة رأسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته ، فما قام آخر الناس حتى فتح الله
لهم . وفى المسند لعبد الله بن أحمد بن حنبل من حديث جابر : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما دفع الراية لعلى يوم خيبر أسرع ، فجعلوا يقولون له : إرفق ! حتى انتهى إلى الحصن ، فاجتذب بابه فألقاه على الأرض ، ثم اجتمع عليه سبعون رجلاً حتى أعادوه . . » .
17 - الباب الذي تترس به « عليه السلام » غير الباب الذي قلعه
قال المقريزي في الإمتاع : 1 / 310 : « وزعم بعضهم أن حمل على باب خيبر لا أصل له وإنما يروى عن رعاع الناس ، وليس كذلك فقد أخرجه ابن إسحاق في سيرته عن أبي رافع ، وأن سبعة لم يقلبوه ، وأخرجه الحاكم من طرق منها عن أبي على الحافظ ، حدثنا الهيثم بن خلف الدوري . . . عن جابر : أن علياً حمل الباب يوم خيبر وأنه جُرِّب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلاً »
وفى سيرة ابن هشام : 3 / 798 : « عن أبي رافع ، مولى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله برايته ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود فطاح ترسه من يده ، فتناول على باباً كان عند الحصن فترَّس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتني في نفر سبعة معي أنا ثامنهم ، نجهد على أن نقلب ذلك الباب ، فما نقلبه » ! وتاريخ الطبري : 2 / 301 .
وفى أعيان الشيعة : 1 / 405 : « وهذا الباب غير باب الحصن ، بل هو باب أصغر منه كان ملقى عند الحصن ، أخذه على فتترس به » .
وقال اليعقوبي : 2 / 56 : « فقتل مرحباً اليهودي واقتلع باب الحصن ، وكان حجارة طوله أربعة أذرع في عرض ذراعين في سمك ذراع ، فرمى به علي بن أبي طالب خلفه ودخل الحصن ودخله المسلمون » .
وقد تفرد اليعقوبي في أن باب خيبر كان من حجر ، والمعروف أنه من حديد ، ولعل باب حصن ناعم من حجر ، فقد قلعه على ( عليه السلام ) أيضاً !
18 - وكان أمير المؤمنين « عليه السلام » قلع باب حصن ناعم أيضاً !
روت بعض مصادر السنة كالسيرة الحلبية والعيني في عون المعبود : 8 / 172 ، أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قلع أيضاً باب حصن ناعم ، وهو أول حصن فتحه ( عليه السلام ) ، ولم تذكر الرواية حجم الباب ، ولا بد أنه كان أصغر من باب حصن القموص ، وتقدم أنه ( عليه السلام ) قتل هناك ياسر أخ مرحب ، ويفهم منها أن فتح الحصون كلها كان على يده ( عليه السلام ) ، ولكن رواة السلطة تفننوا في إخفاء مناقبه ونسبتها إلى آخرين !
19 - وتلقاه النبي « صلى الله عليه وآله » وبشره بنزول الوحي فيه !
في إعلام الوري : 1 / 207 : « وخرج البشير إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن علياً دخل الحصن ، فأقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فخرج على ( عليه السلام ) يتلقاه ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : قد بلغني نبؤك المشكور وصنيعك المذكور ، قد رضى الله عنك ورضيت أنا عنك . فبكى على ( عليه السلام ) فقال له : ما يبكيك يا علي ؟ فقال : فرحاً بأن الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله )
عنى راضيان » .
أقول : معناه أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) جاء إلى حصن خيبر لأول مرة فخرج على ( عليه السلام ) يتلقاه ! وما إن أخبره برضا الله ورضاه عليه حتى بكي !
فاعجب لهذه الرقة الإنسانية والعبودية المرهفة لله تعالي ، من شخص دوَّى صوت ضربته قبل ساعتين ، وقدَّ خوذة بطل اليهود وهامته نصفين ، ثم انقضَّ على الحصن كأنه كاسحة ألغام ، فقلع بابه ورفعه وأردى أبطال اليهود وأخضع اليهود ! وإذا به أمام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يبكى بكاء الطفل ، فرحاً برضا الله ورسوله عليه ! هذا ، ويبدو أن هذا المشهد تكرر من على ( عليه السلام ) عندما نزل جبرئيل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مرات عديدة برضا الله تبارك وتعالى عليه ومديحه .
ففي أحُد قال للنبي ( صلى الله عليه وآله ) « المناقب : 1 / 385 » : « أصابني ست عشرة ضربة سقطت إلى الأرض في أربع منهن فأتاني رجل حسن الوجه حسن اللمة طيب الريح فأخذ بضبعى فأقامني ، ثم قال : أقبل عليهم فإنك في طاعة الله وطاعة رسول الله وهما عنك راضيان ، فقال : يا علي أقر الله عينك ، ذاك جبرئيل » .
وعندما أرسله النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مهمة إلى وادى الرمل « الإرشاد : 1 / 116 » وكانت مجموعة من فاتكى العرب جاؤوا ليقتلوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأجاد وأحسن ، فنزلت سورة العاديات ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأصحابه : « هذا جبرئيل يخبرني أن علياً قادم ، ثم خرج إلى الناس فأمرهم أن يستقبلوا علياً ( عليه السلام ) ، وقام المسلمون له صفين مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلما بصر بالنبي ترجل عن فرسه وأهوى إلى قدميه يقبلهما ، فقال له : إركب فإن الله تعالى ورسوله عنك راضيان . فبكى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فرحاً » .
20 - ثم فتح النبي « صلى الله عليه وآله » حصني السلالم والوطيح
في معجم البلدان : 5 / 379 : « سمى بالوطيح بن مازن رجل من ثمود ، وكان الوطيح أعظمها ، وآخر حصون خيبر فتحاً هو والسلالم ، وفى كتاب الأموال لأبى عبيد الوطيحة بالهاء » .
وفى الصحيح من السيرة : 18 / 170 : « قال ابن إسحاق : وتدنَّى رسول الله الأموال يأخذها مالاً مالاً ويفتحها حصناً حصناً ، حتى انتهوا إلى ذينك الحصنين ، أعنى الوطيح وسلالم الذي هو حصن بنى الحقيق وهو آخر حصون خيبر ، وجعلوا لا يطلعون من حصنهم حتى همَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن ينصب عليهم المنجنيق لما رأى من تغليقهم وأنه لا يبرز منهم أحد . فلما أيقنوا بالهلكة وقد حصرهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أربعة عشر يوماً سألوا رسول الله الصلح ، فأرسل كنانة بن أبي الحقيق إلى رسول الله رجلاً من اليهود يقال له شماخ ، يقول : إِنزل فأكلمك ؟ فقال رسول الله : نعم ، فنزل كنانة بن أبي الحقيق ، فصالح رسول الله على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة وترك الذرية لهم ، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم ويخلون بين رسول الله وبين ما كان لهم من مال وأرض ، وعلى الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة ، وعلى البز إلا ثوباً على ظهر إنسان . . ووجد في ذينك الحصنين مائة درع وأربع مائة سيف وألف رمح ، وخمس مائة قوس عربية بجعابها . ووجدوا صحائف متعددة من التوراة فجاءت يهود تطلبها فأمر ( صلى الله عليه وآله ) بدفعها إليهم . وبذلك يكون الوطيح وسلالم فيئاً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ لم يحصل قتال في هذين الحصنين » . ونحوه تاريخ الطبري : 2 / 302 وتاريخ خليفة / 49 .
21 - أوسمة النبي « صلى الله عليه وآله » لعلي « عليه السلام » في خيبر
أ . روى الجميع قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه . وهو حديث متواتر ، وفى رواية : « ليس بفرار » . وفى رواية الحاكم : « لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله أبداً » . وفى رواية الخصال : « ويحبه الله ورسوله ، في ثناء كثير » . وفى رواية سُليم : « ليس بجبان ولا فرار » . وفى رواية شرح الأخبار : « يفتح خيبر عنوة » . وفى رواية الإرشاد : « أرونيه تروني رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها بحقها ليس بفرار » . وفى رواية مجمع الزوائد : « يقاتلهم حتى يفتح الله له » . وفى سنن النسائي : 5 / 112 : « يقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله » . وكررها النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الغد وقال اليوم .
ب . تقدم عن حذيفة « رحمه الله » قال : « لما تهيأ على ( عليه السلام ) للحملة قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي والذي نفسي بيده إن معك من لايخذلك ، هذا جبريل عن يمينك ، بيده سيف لو ضرب الجبال لقطعها ، فاستبشر بالرضوان والجنة . يا علي ، إنك سيد العرب ، وأنا سيد ولد آدم » ! السيرة الحلبية : 2 / 736 .
وقال في الصحيح من السيرة : 18 / 36 ، ملخصاً : « ثم إنه ( صلى الله عليه وآله ) شرَّف علياً ( عليه السلام ) بوسام كان هو الأصعب على حاسديه ومناوئيه ، الذين لم يكن يهمهم أن يقول فيه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما شاء مما يرتبط بالآخرة أو في عالم السماء والملائكة ، بشرط أن لا يؤثر على مشاريعهم الدنيوية التي يرون علياً ( عليه السلام ) هو المانع الأكبر من وصولهم إليها كهذا التصريح النبوي الذي يوجه المؤمنين أن لا يرضوا بغيره قائداً وسيداً » .
أقول : تعمد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يعلن هذا الوسام لعلى ( عليه السلام ) في خيبر ، وقد أعلنه قبلها وبعدها ، كما روته مصادر الطرفين ، ففي أمالي الطوسي / 608 ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة « عليها السلام » : « ثم إن الله تعالى اختارني من أهل بيتي ، واختار علياً والحسن والحسين ، واختارك . فأنا سيد ولد آدم ، وعلى سيد العرب ، وأنت سيدة النساء ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ومن ذريتكما المهدى يملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت من قبله جوراً » .
ورواه الحاكم : 3 / 124 ، عن عائشة قالت : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أُدعوا لي سيد العرب ، فقلت : يا رسول الله ألست سيد العرب ؟ فقال : أنا سيد ولد آدم وعلى سيد العرب » . « وابن أبي شيبة : 7 / 474 ، بغية الباحث / 283 ، أوسط الطبراني : 2 / 127 ، الرازي في تفسيره : 6 / 212 ، تاريخ بغداد : 11 / 90 » وفيه : إذا سرك أن تنظري إلى سيد العرب فانظري إلى علي .
ج . في المناقب للخوارزمي / 129 ، بسنده عن علي ( عليه السلام ) قال : « قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم فتحت خيبر : لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم ، لقلت فيك اليوم مقالاً ، لا تمرُّ على ملأ من المسلمين إلا أخذوا من تراب رجليك وفضل طهورك يستشفون به ! ولكن حسبك أن تكون منى وأنا منك ترثني وأرثك ، وأنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، أنت تؤدى ديني وتقاتل على سنتي ، وأنت في الآخرة أقرب الناس مني ، وأنت غداً على الحوض خليفتي تذود عنه المنافقين ، وأنت أول من يرد على الحوض ، وأنت أول داخل الجنة من أمتي ، وإن شيعتك على منابر من نور رواء مرويين ، مبيضة وجوههم حولي ، أشفع لهم فيكونون غداً في الجنة جيراني . وإن عدوك غداً ظماء مظمئين ، مسودة وجوههم مقمحين . حربك حربي وسلمك سلمي ، وسرك سرى وعلانيتك علانيتي ، وسريرة صدرك كسريرة صدري ، وأنت باب علمي ، وإن ولدك ولدي ، ولحمك لحمي ودمك دمي ، وإن الحق معك والحق على لسانك وفى قلبك وبين عينيك ، والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ، وأن الله عز وجل أمرني أن أبشرك أنك وعترتك في الجنة ، وأن عدوك في النار . يا علي ، لا يرد على الحوض مبغض لك ، ولا يغيب عنه محب لك ، قال قال علي : فخررت له سبحانه وتعالى ساجداً وحمدته على ما أنعم به على من الإسلام والقرآن ، وحببني إلى خاتم النبيين وسيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) » . ومناقب محمد بن سليمان : 1 / 249 ، شرح الأخبار : 2 / 381 ، كنز الفوائد / 281 وفى آخره في ثلاثتها : « فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي لولا أنت لم يعرف المؤمنون بعدي » . والصحيح من السيرة : 18 / 38 . وروته مصادر السنة ولعله صحيح على مبانيهم ، كالطبرانى في الكبير : 1 / 320 والزوائد : 9 / 131 .
22 - أفٍّ وتُفّ لمن ينكر فضائل علي « عليه السلام » !
روينا وروى السنة هذا الموقف لابن عباس ، كالنسائى في خصائص على ( عليه السلام ) / 62 ، عن عمرو بن ميمونة قال : « إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا : يا ابن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو بنا بين هؤلاء . فقال ابن عباس : بل أنا أقوم معكم . قال : وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمي ، قال : فابتدؤوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا ، قال : فجاء وهو ينفض ثوبه وهو يقول : أفٍّ وتُفّ ، وقعوا في رجل له بضع عشر ! وقعوا في رجل قال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « عليهم السلام » لأبعثن رجلاً يحب الله ورسوله لا يخزيه الله أبداً ، قال : فاستشرف لها من استشرف فقال : أين ابن أبي طالب ؟ قيل : هو في الرحى يطحن ، قال : وما كان أحدكم ليطحن ، قال : فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر فتفل في عينيه ثم هز الراية ثلاثاً فدفعها إليه . . الخ . ثم ذكر ابن عباس عدة مناقب لعلى ( عليه السلام ) منها أن الله أمر نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يأخذ سورة براءة من أبى بكر ويدفعها اليه ، لأنه لا يبلغ عنه إلا هو أو رجل منه ، وأن علياً أول من أسلم ، ونزول آية التطهير فيه وفى زوجته وولديه « عليهم السلام » ، ومبيته على فراش النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليلة الهجرة ، وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبى بعدي . . الخ » . ورواه النسائي في سننه : 5 / 113 ، أحمد : 1 / 330 ، الحاكم : 3 / 132 ، السنة لابن أبي عاصم / 588 ، تاريخ دمشق : 42 / 101 ، نهاية ابن كثير : 7 / 374 ، الخوارزمي / 125 ، فرات / 341 ، كشف اليقين / 27 ، ينابيع المودة : 1 / 110 ، شرح الأخبار : 2 / 299 ، المراجعات / 195
وقال صححه الذهبي .
23 - قريش تفرح لساعات بخبر انتصار اليهود على النبي « صلى الله عليه وآله »
روى ذلك ابن إسحاق وتلقاه الحميع بالقبول ، قال كما في سيرة ابن هشام : 3 / 806 ، عن الحجاج السلمي ، وكان تاجراً ثرياً وهو والد نصر بن الحجاج المعروف بجماله ، قال : « ولما فتحت خيبر كلم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الحجاج بن علاط السلمى ثم البهزي فقال : يا رسول الله إن لي بمكة مالاً عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة وكانت عنده ، له منها معرض بن الحجاج ومال متفرق في تجار أهل مكة فأذنْ لي يا رسول الله فأذن له ، قال : إنه لابد لي يا رسول الله من أن أقول ! قال : قل . قال الحجاج : فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثنية البيضاء رجالاً من قريش يتسمعون الأخبار ، ويسألون عن أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد بلغهم أنه قد سار إلى خيبر ، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز ريفاً ومنعةً ورجالاً ، فهم يتحسسون الأخبار ويسألون الركبان فلما رأوني قالوا : الحجاج بن علاط - قال : ولم يكونوا علموا بإسلامي - عنده والله الخبر ، أخبرنا فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر وهى بلد يهود وريف الحجاز ، قال : قلت : قد بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسركم ، قال : فالتبطوا بجنبى ناقتي يقولون : إيه يا حجاج ! قال : قلت : هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ، وقتل أصحابه قتلاً لم تسمعوا بمثله قط ، وأسر محمد أسراً ، وقالوا : لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم ! قال : فقاموا وصاحوا بمكة ، وقالوا : قد جاءكم الخبر ، وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم ،
فيقتل بين أظهركم !
قال قلت : أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي ، فإني أريد أن أقدم خيبر فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك . . . ثم ذكر أنه جمع ديونه ، وهرب من مكة » .
24 - كنوز آل أبي الحقيق
قال في الصحيح من السيرة : 18 / 46 ، ملخصاً : « أخذ المسلمون في جملة غنائم خيبر حلى آل أبي الحقيق ، وكانت أول الأمر في مسك حمل ، فلما كثرت جعلوها في مسك ثور ، ثم في مسك جمل عند الأكابر من آل أبي الحقيق ، وكانوا يعيرونها العرب . السيرة الحلبية : 3 / 42 . والمسك الجلد .
وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صالحهم على أن يخرجوا بأنفسهم وأهليهم وللنبي ( صلى الله عليه وآله ) الصفراء والبيضاء والحلقة والسلاح ، وشرطوا للنبي ( صلى الله عليه وآله ) أن لا يكتموه شيئاً فإن فعلوا فلا ذمة لهم . سنن البيهقي : 4 / 229 .
وفى السيرة الحلبية : 3 / 42 : أن جبرئيل ( عليه السلام ) أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمكانه فأخذه . ووجدوا فيه أساور ودمالج وخلاخل وأقرطة وخواتيم الذهب وعقود الجواهر والزّمرّد ، وعقود أظفار مجزع بالذهب .
25 - زواج النبي « صلى الله عليه وآله » بصفية بنت حُيى بن أخطب
في إعلام الوري : 1 / 208 : « وأخذ على فيمن أخذ صفية بنت حيي ، فدعا بلالاً فدفعها إليه وقال له : لاتضعها إلا في يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى يرى فيها رأيه ، فأخرجها بلال ومر بها إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على القتلى وقد كادت تذهب روحها ! فقال لبلال : أنزعت منك الرحمة يا بلال ! ثم اصطفاها ثم أعتقها وتزوجها » .
وفى كتاب سُليم / 409 : « فأعتقها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها » .
وفى سيرة ابن إسحاق : 5 / 246 : « كانت صفية رأت قبل ذلك أن قمراً وقع في حجرها فذكرت ذلك لأبيها فضرب وجهها ضربة أثرت فيه ، وقال : إنك لتمدين عنقك أن تكوني عند ملك العرب ! فلم يزل الأثر في وجهها حتى أتى بها إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فسألها عنه فأخبرته خبره . . لما تزوج رسول الله صفية ابنة حيي ، دعا الناس على مأدبتة وهى يومئذ بالحيس والتمر » .
« قالوا : إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين ، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه . فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومد الحجاب » . صحيح بخاري : 5 / 77 .
26 - ما أدرى بأيها أنا أسَرّ : بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ؟
أبقى النبي ( صلى الله عليه وآله ) جعفر بن أبي طالب رضى الله في الحبشة خمس عشرة سنة ، من الخامسة للبعثة إلى السابعة للهجرة ، حتى أمره بالعودة بمن بقي من المهاجرين وكان عددهم ستة عشر ، « ابن هشام : 3 / 818 » فوصلوا والنبي ( صلى الله عليه وآله ) في خيبرفقام النبي لجعفر ومشى اليه والتزمه وقبله بين عينيه ، وقال كلمته المشهورة : « ما أدرى بأيهما أنا أسر بقدوم جعفر أو بفتح خيبر » ! الطبقات : 2 / 108 ، ابن هشام : 3 / 818 ، الخصال / 77 ، مقاتل الطالبيين / 6 والحدائق : 10 / 498 .
وهى كلمة بليغة تعنى أن ما أنجزه جعفر رضي الله عنه من إزالة عقبة المسيحية الرومية من طريق الإسلام نعمة عظيمة ، يوازى إزالة عقبة اليهود من طريق الإسلام بفتح خيبر على يد أخيه على ( عليه السلام ) !
ففي الخصال / 484 : « قام إليه واستقبله اثنتي عشرة خطوة وعانقه وقبَّل ما بين عينيه وبكي ، وقال : لا أدرى بأيهما أنا أشد سروراً : بقدومك يا جعفر ، أم بفتح الله على أخيك خيبر ؟ ! وبكى فرحاً برؤيته » .
وفى تهذيب الأحكام : 3 / 186 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « قال له : يا جعفر ألا أعطيك ؟ ألا أمنحك ؟ ألا أحبوك ؟ قال فتشوف الناس ورأوا أنه يعطيه ذهباً أو فضة ! قال : بلى يا رسول الله . قال : صل أربع ركعات متى ما صليتهن غفر لك ما بينهن ، إن استطعت كل يوم وإلا فكل يومين أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة ، فإنه يغفر لك ما بينهما ! قال : كيف أصليها ؟ قال : تفتتح الصلاة ، ثم تقرأ ثم تقول خمس عشرة مرة وأنت قائم : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر . فإذا ركعت قلت ذلك عشراً ، وإذا رفعت رأسك فعشراً ، وإذا سجدت فعشراً ، فإذا رفعت رأسك فعشراً ، وإذا سجدت الثانية عشراً ، وإذا رفعت رأسك عشراً . فذلك خمس وسبعون ، تكون ثلاثمائة في أربع ركعات فهن ألف ومئتان . وتقرأ في كل ركعة بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون » .
27 - أسلم أبو موسى الأشعري أيام فتح خيبر
صادف وصول سفينة فيها أبو موسى الأشعري من اليمن ، مع وصول سفينة جعفر والمهاجرين ، فحشر نفسه معهم وجعل نفسه من المهاجرين ! قال إنه كان : « في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً فوافقنا النبي ( صلى الله عليه وآله ) حين افتتح خيبر » . صحيح بخاري : 5 / 79 .
وأبو موسى الأشعري غير مرضى عند أهل البيت « عليهم السلام » فقد وصفوه بأنه : « سامرى هذه الأمة » ! « الخصال / 457 » . وشهد عمار بن ياسر بأنه كان من الملثمين الذين أرادوا اغتيال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليلة العقبة !
« عن أبي نجاء حكيم قال : كنت جالساً مع عمار فجاء أبو موسى فقال : ما لي ولك ألست أخاك ؟ قال : ما أدرى إلا أنى سمعت رسول الله يلعنك ليلة الجبل ! قال : إنه قد استغفر لي ! قال عمار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار » !
تاريخ دمشق : 32 / 93 .
28 - أسلم أبو هريرة أيام فتح خيبر
جاء أبو هريرة مع وفد من قبيلته دوس إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان في خيبر فقصدوه إليها وأسلموا ، ويقال جعل لهم سهماً من الغنيمة . وكان أبو هريرة في الثلاثينات من عمره ، وكان فقيراً معدماً ، فسكن في الصفة وهى ملحق بمسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) يسكن فيه المساكين ، ويتصدق عليهم المسلمون .
وهذه صورة لشخصية أبي هريرة من كتاب « شيخ المضيرة أبو هريرة الدوسي » للعالم الأزهري : محمود أبو رية « رحمه الله » :
أ . قال ابن سعد في طبقاته وهو يتكلم عن غزوة خيبر : وقدم الدوسيون فيهم أبو هريرة وقدم الطفيل بن عمرو ، وقدم الأشعريون ورسول الله بخيبر ، فلحقوه بها فكلم رسول الله أصحابه فيهم أن يشركوهم في الغنيمة من غير سهم المقاتلين ففعلوا . وكان عددهم أكثر من خمسين شخصاً .
ب . وبعد رجوعه من خيبر تنكب أبو هريرة طريق العمل للعيش الكريم ، وسكن في صفة المسجد يتلقى ما تجود به نفوس المحسنين من صدقاتهم ، شأن سكنة التكايا والخوانق ، قال أبو هريرة كما رواه أحمد والشيخان : إني كنت امرأ مسكيناً أصحب رسول الله على ملء بطني !
لكنه زعم من ناحية أخرى أنه كان له مزود فيه بقية من تمر فمسها النبي ( صلى الله عليه وآله ) بيده الكريمة وقال له : كل من هذا المزود ما شئت في أي وقت ، وكان المزود معلقاً في حقوه فظل يأكل منه حياة النبي وحياة أبى بكر وحياة عمر وحياة عثمان إلى أن أغارت جيوش الشام على المدينة بعد قتل عثمان فانتهبته . وقد حسب أبو هريرة ما أكله من مزوده في هذه الفترة فوجده مئتى وسق !
وقال أبو هريرة مرة لعائشة كما روى البخاري وابن سعد وابن كثير وغيرهم : شغلك عن رسول الله المرآة والمكحلة ! فقالت له : إنما أنت الذي شغلك بطنك ، وألهاك نهمك عن رسول الله ، حتى كنت تعدو وراء الناس في الطرقات تلتمس منهم أن يطعموك من جوعك ، فينفرون منك ويهربون ، ثم ينتهى بك الأمر إلى أن تصرع مغشياً عليك من الجوع أمام حجرتي ، فيحسب الناس أنك مجنون فيطأون عنقك بأرجلهم .
ج . وكان أبو هريرة نهماً للطعام وجباناً ، وقد جاءت الرواية الصحيحة أنه لما نشب القتال في صفين بين على وبين معاوية ، كان يأكل على مائدة معاوية الفاخرة ، ويصلى وراء علي ، وإذا احتدم القتال لزم الجبل ! وكان يلقب « بشيخ المضيرة » وهو صنف من الطعام كان مشهوراً بين أطعمة معاوية الفاخرة . قال الزمخشري في ربيع الأبرار : وكان أبو هريرة يعجبه المضيرة فيأكلها مع معاوية ، وإذا حضرت الصلاة صلى خلف علي ، فإذا قيل له في ذلك قال : مضيرة معاوية أدسم ، والصلاة خلف على أفضل ، وكان يقال له : شيخ المضيرة .
وعقد بديع الزمان الهمذاني مقامة خاصة بين مقاماته سماها « المقامة المضيرية » غمز فيها أبا هريرة غمزة أليمة فقال : « وحضرنا معه دعوة بعض التجار ، فقدمت إلينا مضيرة ، تثنى على الحضارة ، وتترجرج في الغضارة ، وتؤذن بالسلامة ، وتشهد لمعاوية بالإمامة » ! والمضيرة تعرف في بلاد الشام باللبنية .
د . وقد عاش أبو هريرة في صُفَّة مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) سنة وتسعة أشهر ، ثم بعث النبي العلاء بن الحضرمي إلى البحرين وبعث معه نفراً منهم أبو هريرة ، فبقى في البحرين ، ثم ولى عمر على البحرين قدامة بن مظعون ثم عزله في سنة 20 ، وولى أبا هريرة مكانه ، ثم بلغه عنه خيانة لأمانته فعزله وولى مكانه عثمان بن أبي العاص الثقفي وحاسبه فقال له : أسرقت مال الله ؟ فقال لا . قال : فما جئت لنفسك ؟ قال : عشرين ألفاً . قال : من أين أصبتها ؟ قال كنت أتجر . قال : انظر رأس مالك ورزقك فخذه ، ثم أمر عمر بأن يقبض منه عشرة آلاف ، ثم قام اليه بالدرة فضربه حتى أدماه ، وقال له : يا عدو الله وعدو المسلمين !
ه - . وما كاد أبو هريرة يرجع إلى المدينة معزولاً عن ولايته بالبحرين حتى تلقفه الحبر الأكبر كعب الأحبار اليهودي ، وأخذ يلقنه من إسرائيلياته ، ويدس له من خرافاته ، وكان المسلمون يرجعون إليه ، فسال سيل روايتهما !
وقد أثبت علماء الحديث أمر أخذ أبي هريرة وغيره عن كعب الأحبار وذلك في باب « رواية الأكابر عن الأصاغر أو الصحابة عن التابعين » .
ومما يدلك على أن هذا الكاهن الداهية ، قد طوى أبا هريرة تحت جناحه حتى جعله يردد كلامه بالنص ويجعله حديثاً مرفوعاً إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
و . أبو هريرة يدلس : كانت طريقة أبي هريرة في روايته للحديث أن يرفع كل ما يرويه إلى النبي ، سواء أكان قد سمعه منه مشافهة ، أم أخذه من غيره من الصحابة ، أو من التابعين عنعنة ، وكان لا يميز بين هذا وذاك عند الرواية ، ولا يذكر اسم من أخذ عنه من غير النبي ، وهذا يعد عند المحدثين تدليساً ، ويكون ما يرويه من هذا الباب في حكم « المرسل » وقد أثبت العلماء أن أبا هريرة كان مدلساً لأن أكثر ما رواه بل غالبه لم يأخذه « سماعاً » من النبي ، بسبب تأخر إسلامه وإنما رواه عنعنة عن غيره من الصحابة أو التابعين .
قال يزيد بن إبراهيم : سمعت شعبة يقول : كان أبو هريرة يدلس . وعلق الذهبي على هذا الخبر بقوله : تدليس الصحابة كثير ولا عيب فيه ! وقال الحاكم : قوم يدلسون الحديث . . وأبو هريرة ولا ريب من هذا الجنس ، لأنه كان يروى عن غيره من الصحابة ، دون أن يذكر اسم من روى عنه ، ثم يرفعه إلى النبي !
ز . وقد ثبت أن عمر وعلياً وعثمان وعائشة وغيرهم من كبار الصحابة ، قد كذبوه في وجهه ، وبلغ من أمر عمر معه أن نهاه عن الرواية ثم ضربه عليها ، وبعد ذلك أنذره إذا هو روى أن ينفيه إلى بلاده ! وكان على رضي الله عنه سئ الرأي فيه ، فقد قال : ألا إن أكذب الناس أو قال : أكذب الأحياء على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأبو هريرة الدوسي ! وقال مرة : لا أحد أكذب من هذا الدوسي على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) !
ح . ويضرب المثل للكذب بكيس أبي هريرة أو جرابه ! وقد جعل معاوية أبا هريرة والياً على المدينة ، وأمره أن يضع أحاديث على علي !
قال أبو جعفر الإسكافي : إن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي تقتضى الطعن فيه ، والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ! منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير . . إلخ .
ط . توفى أبو هريرة سنة 59 ، عن ثمانين سنة بقصره بالعقيق ، وحمل إلى المدينة وصلى عليه أمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان .
وقال الشيخ محمود أبو رية « رحمه الله » : « قد سقنا تاريخ أبي هريرة مكشوفاً بعد أن نزعنا عنه ثوب « الراوية » الملفق الذي يظهره في غير صورته وأظهرنا شخصيته على حقيقتها ، من يوم أن كان يرعى الغنم في بلاده ، ثم يخدم ابن عفان وابنة غزوان بطعامه ، وكان يومئذ حافى القدمين لا يستر جسمه إلا إزار بال لا يبلغ نصف الساقين ، كان يجمعه كراهية أن ترى عورته ، إلى أن أصبح من ذوى الثراء العريض ، يتأثل الأراضي الواسعة بالعقيق وبذى الحليفة ، ويبتنى قصراً منيفا بالعقيق ، ويلبس الخز والكتان الممشق ، والساج المزرور بالديباج ، وغير ذلك مما لم يكن يحلم به أو يخطر بباله . ففي مرآته الصافية حقيقة مروياته الكثيرة المنبثة في كتب السنة كلها ، والتي تحمل غرائب وأساطير وخرافات وأوهاما ، وتعزى كلها وا أسفاً إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتنشر بين المسلمين على أنها من حقائق الدين الإسلامي ! تفتح أبواب الطعن على ديننا من أعدائه بأنه دين خرافات وأوهام يعادى العقل ، ويصادم المنطق !
فالأحرى بنا أن ندرأ عن أنفسنا وديننا هذه التهم ولا يأخذنا في ذلك أي اعتبار !
على أن أبا هريرة قد دفن بالعقيق بالمدينة فإنك تجد له ضريحاً عالياً فيه قبة مكسوة بالجوخ ، تعلوها عمامة كبيرة خضراء وهذه القبة داخل مسجد يسمى باسمه ، ويقع هذا المسجد في شارع يشق مدينة الجيزة « بالديار المصرية » من شرقها إلى غربها يسمى « شارع سيدي أبي هريرة » !
وقد رأينا هذا الضريح في يوم السبت الموافق 23 يونيه سنة 1962 وليس بعجيب أن يكون لأبى هريرة قبر في الجيزة غير قبره الذي بالمدينة ، فإن له من شيخه الكبير كعب الأحبار أسوة ! فهذا اليهودي كما هو معلوم مدفون بمدينة حمص بالشام ، ولكن له قبرا آخر فوقه قبة كبيرة تقع بأحد المساجد الكبيرة بحي الناصرية المشهور بالقاهرة . ويعمل لأبى هريرة مولد كل عام !
ومن العجيب أن وزارة الأوقاف بالجمهورية العربية المتحدة تنفق على قبرى أبي هريرة وشيخه من مال المسلمين ، على عين جميع رجال الدين » !