x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
المؤلف: الشيخ علي الكوراني
المصدر: السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة: ج2، ص265-297
2024-11-01
842
1 - هدف الحديبية فرض الأمر الواقع على قريش
بعد هزيمة الأحزاب وفشل حملتهم على المدينة ، غزا النبي ( صلى الله عليه وآله ) حلفاءهم بني قريظة وأجلاهم عن المدينة ، وغزا بنى المصطلق الذين كانوا يجمعون للغارة عليه وكانوا قريبين من مكة ، وفرض سيطرته على شعاع واسع من المدينة حتى وصل نفوذه إلى نجد . ثم أسلم ثمامة بن أثال وفرض الحصار على المواد التموينية لقريش ، ورافق ذلك الجدب وعدم المطر والضائقة الاقتصادية الشديدة عليهم ، لكنهم ظلوا على عنادهم وكبريائهم !
في ذلك الظرف أراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يفرض على قريش أن تعترف بالإسلام كأمر واقع ، فقصد مكة معلناً أنه يريد العمرة ، ولا يريد حرب قريش !
2 - توجه النبي « صلى الله عليه وآله » بالمسلمين إلى العمرة
في الكافي : 8 / 322 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لما خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في غزوة الحديبية خرج في ذي القعدة ، فلما انتهى إلى المكان الذي أحرم فيه ، أحرموا ولبسوا السلاح ، فلما بلغه أن المشركين قد أرسلوا إليه خالد بن الوليد ليرده قال : إِبغونى رجلاً يأخذني على غير هذا الطريق ، فأتى برجل من مزينة أو من جهينة ، فسأله فلم يوافقه فقال : أبغونى رجلاً غيره ، فأتى برجل آخر ، قال : فذكر له فأخذه معه حتى انتهى إلى العقبة فقال : من يصعدها حط الله عنه كما حط الله عن بني إسرائيل ، فقال لهم : أدخلوا الباب سجداً نغفر لكم خطاياكم .
قال فابتدرها خيل الأنصار الأوس والخزرج ، قال : وكانوا ألفاً وثمان مائة [ وأربع مائة ] فلما هبطوا إلى الحديبية إذ امرأة معها ابنها على القليب فسعى ابنها هارباً ، فلما أثبتت أنه رسول الله صرخت به : هؤلاء الصابئون ، ليس عليك منهم بأس ، فأتاها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأمرها فاستقت دلواً من ماء فأخذه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فشرب وغسل وجهه فأخذت فضلته فأعادته في البئر فلم تبرح حتى الساعة . « أي مملوءة » !
وخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأرسل إليه المشركون أبان بن سعيد في الخيل فكان بإزائه ثم أرسلوا الحليس فرأى البدن وهى تأكل بعضها أوبار بعض » أي هدى للكعبة « فرجع ولم يأت رسولَ الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال لأبى سفيان : يا أبا سفيان أما والله ما على هذا حالفناكم على أن تردوا الهدى عن محله ! فقال : أسكت فإنما أنت أعرابي ! فقال : أما والله لتخلين عن محمد وما أراد ، أو لأنفردن في الأحابيش ! فقال : أسكت حتى نأخذ من محمد وَلْثاً « عهداً » فأرسلوا إليه عروة بن مسعود وقد كان جاء إلى قريش في القوم الذين أصابهم المغيرة بن شعبة ، وكان خرج معهم من الطائف وكانوا تجاراً ، فقتلهم وجاء بأموالهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأبى رسول الله أن يقبلها وقال : هذا غَدر ولا حاجة لنا فيه !
فأرسلوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا : يا رسول الله هذا عروة بن مسعود ، قد أتاكم وهو يعظم البدن ، قال : فأقيموها فأقاموها . فقال : يا محمد مجئ من جئت ؟ قال : جئت أطوف بالبيت وأسعى بين الصفا والمروة وأنحر هذه الإبل ، وأخلى عنكم عن لحمانها . قال : لا واللات والعزى فما رأيت مثلك رُدَّ عما جئت له ، إن قومك يذكرونك الله والرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم ، وأن تقطع أرحامهم ، وأن تُجَرِّئ عليهم عدوهم . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما أنا بفاعل حتى أدخلها . قال وكان عروة بن مسعود حين كلم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تناول لحيته ، والمغيرة قائم على رأسه فضرب بيده فقال : من هذا يا محمد ؟ فقال : هذا ابن أخيك المغيرة . فقال : يا غُدَر والله ما جئت إلا في غسل سلحتك ، « إعطاء الديات لمن غدر بهم » .
قال : « فرجع إليهم فقال لأبى سفيان وأصحابه : لا والله ما رأيت مثل محمد رد عما جاء له ، فأرسلوا إليه سهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزي ، فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأثيرت في وجوههم البدن ، فقالا : مجئ من جئت ؟ قال : جئت لأطوف بالبيت وأسعى بين الصفا والمروة وأنحر البدن وأخلى بينكم وبين لحمانها . فقالا : إن قومك يناشدونك الله والرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم وتقطع أرحامهم وتُجَرِّى عليهم عدوهم . قال : فأبى عليهما رسول الله إلا أن يدخلها » .
3 - استنفرت قريش وبعثت طليعةً لصد النبي « صلى الله عليه وآله »
في تفسير القمي : 1 / 150 : « خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الحديبية يريد مكة ، فلما وقع الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس كميناً ، ليستقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على الجبال ، فلما كان في بعض الطريق وحضرت صلاة الظهر فأذن بلال فصلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالناس ، فقال خالد بن الوليد لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم فإنهم لا يقطعون صلاتهم ! ولكن يجئ لهم الآن صلاة أخرى هي أحب إليهم من ضياء أبصارهم ، فإذا دخلوا فيها حملنا عليهم ! فنزل جبرئيل بصلاة الخوف بهذه الآية : وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَوةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْياخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَاتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يصَلُّوا فَلْيصَلُّوا مَعَكَ وَلْياخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيمِيلُونَ عَلَيكُمْ مَيلَةً وَاحِدَةً . ففرق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه فرقتين ، فوقف بعضهم تجاه العدو وقد أخذوا سلاحهم ، وفرقة صلوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قياماً ، ومروا فوقفوا مواقف أصحابهم ، وجاء أولئك الذين لم يصلوا فصلى بهم رسول الله الركعة الثانية ولهم الأولي ، وقعد وتشهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقام أصحابه وصلوا هم الركعة الثانية ، وسلم عليهم » .
وفى سيرة ابن هشام : 3 / 775 ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « يا ويح قريش ! لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب ، فإن هم أصابونى كان الذي أرادوا ، وإن أظهرنى الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ! فما تظن قريش ! فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة . ثم قال : مَنْ رجلٌ يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها » .
4 - عسكرت قريش في بَلْدَح وعسكر النبي « صلى الله عليه وآله » في الحديبية
عسكرت قريش في بلدح وهو واد قرب مكة عند التنعيم وفخ ، « معجم البكري : 1 / 273 » وفيه ماء كثير وأصنام . طبقات ابن سعد : 2 / 95 والمناقب : 1 / 91 . وكانوا يرسلون دورياتهم إلى مداخل مكة والمناطق القريبة من الحديبية ، وكان قادة الخيل أبان بن سعيد ، وخالد بن الوليد ، وعكرمة بن أبي جهل ، وضرار بن الخطاب .
وفى المناقب : 1 / 174 : « قال الزهري : فلما صار بذى الحليفة قَلَّدَ النبي ( صلى الله عليه وآله ) الهدى وأشعره « جعل له علامة » وأحرم بالعمرة ، فلما بلغ غدير الأشطاط عند عسفان أتاه عتبة الخزاعي فقال : إن كعب بن لؤي وعامر بن لؤي جمعوا لك الجموع ، وهم مقاتلوك وصادُّوك عن البيت ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : روحوا فراحوا حتى إذا كان ببعض الطريق قال ( صلى الله عليه وآله ) : إن خالد بن الوليد بالغميم طليعة فخذوا ذات اليمين وسار حتى إذا كان بالثنية بركت ناقته فقال : ما خلأت القصواء ولكن حبسها حابس الفيل ! ثم قال : والله لايسألوننى خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ! قال فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد القَصَّة « 25 كم عن مكة من جهة جدة » فأتاهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة ، وكان عَيبَة نصح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال كما قال الغير فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إنا لم نجئ لقتال أحد ، ولكنا جئنا معتمرين ، في كلام له بين الصلح والحرب .
فقال بديل : سأبلغهم ما تقول ، فأتى قريشاً وقال : إن هذا الرجل يقول كذا وكذا فقال عروة بن مسعود الثقفي : إنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ، فقالوا : إئته ، فأتى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسمع منه مثل مقالته لبديل ورأى تعظيم الصحابة له ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما رجع قال : أي قوم والله لقد وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً ! يقتتلون على وضوئه ، ويتبادرون لأمره ، ويخفضون أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له ، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ! فقال رجل من بنى كنانة : إئته ، فلما أشرف عليهم قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : هذا فلان وهو من قوم يعظمون البُدْن فابعثوها فبعثت له واستقبله القوم يلبون ، فلما رأى ذلك قال : سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت الحرام .
ثم جاء مكرز بن حفص فجعل يكلم النبي إذ جاء سهيل بن عمرو فقال ( صلى الله عليه وآله ) : قد سهل عليكم أمركم ، فجلس وضرع إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الصلح ، ونزل عليه الوحي بالإجابة إلى ذلك » .
وفى روضة الواعظين / 62 : « ولقد كنا معه بالحديبية وإذا بقليب « بئر » جافة فأخرج سهماً من كنانته فناوله البراء بن عازب وقال له : إذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فاغرسه ، ففعل ذلك فتفجرت اثنتا عشرة عيناً من تحت السهم » !
وفى المناقب : 1 / 91 : « فجاءت قريش ومعهم سهيل بن عمرو فأشرفوا على القليب والعيون تنبع تحت السهم فقالت : ما رأينا كاليوم قط وهذا من سحر محمد قليل ! فلما أمر الناس بالرحيل قال : خذوا حاجتكم من الماء ، ثم قال للبراء : إذهب فرد السهم ، فلما فرغوا وارتحلوا أخذ السهم فجف الماء ، كأنه لم يكن هناك ماء » !
« قال البراء : كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالحديبية أربع عشرة مائة والحديبية بئر فقدمناها وعليها خمسون شاة ما ترويها . . فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء . . حتى جرت نهراً . . فارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها وهم جلوس على شفيرها . فقال سالم بن أبي الجعد : فقلت لجابر : كم كنتم يومئذ ؟ قال : لو كنا مائة ألف لكفانا ! كنا خمس عشرة مائة » . « وعلى الماء يومئذٍ نفر من المنافقين منهم عبد الله بن أُبي ، فقال أوس بن خولي : ويحك يا أبا الحباب ! أما آن لك أن تبصر ما أنت عليه ، أبعد هذا شئ ؟ ! فقال : إني قد رأيت مثل هذا ! فقال أوس : قبحك الله وقبح رأيك ! فأقبل ابن أُبى يريد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا أبا الحُبَاب : إني رأيت مثلما رأيت اليوم ! فقال : ما رأيت مثله قط ! قال : فلم قلته ؟ فقال ابن أُبي : يا رسول الله استغفر لي ، فقال ابنه عبد الله بن عبد الله : يا رسول الله استغفر له ، فاستغفر له . فقال عمر : ألم ينهك الله يا رسول الله أن تصلى عليهم أو تستغفر لهم ! فأعرض عنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأعاد عليه فقال له : ويلك إني خيرت فاخترت ، إن الله يقول : إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يغْفِرَ الله لَهُمْ » . الصحيح : 15 / 225 .
5 - هدايا خزاعة إلى النبي « صلى الله عليه وآله »
في الصحيح من السيرة : 15 / 356 : « وأهدى عمرو بن سالم وبسر بن سفيان الخزاعيان بالحديبية لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غنماً وجزوراً ، وأهدى عمرو بن سالم لسعد بن عبادة جُزُراً وكان صديقاً له ، فجاء سعد بالجزر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأخبره أن عَمْراً أهداها له ، فقال : وعمرو قد أهدى لنا ما ترى فبارك الله في عمرو . ثم أمر بالجزر أن تنحر وتقسم في أصحابه ، وفرق الغنم فيهم عن آخرها وشرك فيها فدخل على أم سلمة من لحم الجزور كنحو ما دخل على رجل من القوم . . وأمر ( صلى الله عليه وآله ) للذي جاء بالهدية بكسوة » .
6 - ابتلى الله المسلمين بالصيد وهم محرمون
عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال في قول الله عز وجل : لَيبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَئٍْ مِنَ الصَّيدِ تَنَالُهُ أَيدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيعْلَمَ اللهُ مَنْ يخَافُهُ بِالْغَيبِ : « حشرت لرسول الله في عمرة الحديبية الوحوش حتى نالتها أيديهم ورماحهم . ليبلوهم الله به . . نزلت في غزاة الحديبية قد جمع الله عليهم الصيد فدخل بين رحائلهم ، ليبلوهم الله أي يختبرهم » . الكافي : 4 / 396 ، تفسير القمي : 1 / 182 ، تفسير العياشي : 1 / 243 والنوادر للأشعري / 137 .
7 - أرسل النبي « صلى الله عليه وآله » خراش بن أمية الخزاعي إلى قريش
خراش بن أمية هو الذي حلق للنبي ( صلى الله عليه وآله ) في عمرة الحديبية ، « الفقيه : 2 / 239 » فهو قريب من النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان أول من أرسله برسالته إلى قريش أنى جئت معتمراً لا مقاتلاً ، فاعترضه معسكرهم وعقر بعيره عكرمة بن أبي جهل وأراد قتله على خلاف ما اتفقت عليه أصول العرب وكافة الناس من عدم قتل الرسول فأنقذته منهم قبيلة الأحابيش ، وعاد إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! الطبري : 2 / 278 وابن هشام : 3 / 779 .
8 - حاول مسلمون الذهاب إلى مكة فأسرهم المشركون
« وكان رجال من المسلمين قد دخلوا مكة بإذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهم : كرز بن جابر الفهري ، وعبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس ، وعبد الله بن حذافة السهمي ، وأبو الروم بن عمير العبدري ، وعياش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاص بن وائل وأبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس ، وعمير بن وهب الجمحي ، وحاطب بن أبي بلتعة ، وعبد الله بن أبي أمية . فعُلم بهم فأُخذوا » . سبل الهدى 5 / 48 .
أقول : هؤلاء مكيون كانوا مقطوعين عن أسرهم وأقاربهم ، ويبدو أن عملهم فردي ، وقد يكون بعضهم استأذن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال لهم إن استطعتم فأدخلوا وقيل إنهم دخلوا بأمان عثمان بن عفان ، ولا يصح ، لأنه هو دخل بأمان من ابن عمه أبان بن سعيد ، مع أنه كان مبعوث النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى قريش .
9 - أمر النبي « صلى الله عليه وآله » عمر بالذهاب فخاف فأرسل عثمان
« أراد أن يبعث عمر فقال : يا رسول الله إن عشيرتي قليل وإني فيهم على ما تعلم ولكني أدلك على عثمان بن عفان ، فأرسل إليه رسول الله فقال : انطلق إلى قومك من المؤمنين فبشرهم بما وعدني ربى من فتح مكة ، فلما انطلق عثمان لقى أبان بن سعيد فتأخر عن السرج فحمل عثمان بين يديه ودخل عثمان فأعلمهم ، وكانت المناوشة ، فجلس سهيل بن عمرو عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجلس عثمان في عسكر المشركين وبايع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المسلمين وضرب بإحدى يديه على الأخرى لعثمان . وقال المسلمون : طوبى لعثمان قد طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما كان ليفعل فلما جاء عثمان قال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أطفت بالبيت ؟ فقال : ما كنت لأطوف بالبيت ورسول الله لم يطف به . ثم ذكر القضية وما كان فيها » . الكافي : 8 / 326 .
أقول : كان أبان بن سعيد بن العاص قائد خيل المشركين مع خالد وعكرمة وضرار ، وكان مكلفاً أن يكونوا بإزاء جيش النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو أخو خالد بن سعيد المؤمن المهاجر إلى الحبشة والموجود مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأبوهما أبو أحيحة الأموي الثرى المشهور وله مكانة في قريش ، فأعطى الأمان لعثمان ، فلم يكن أي خطر عليه ، بل أركبه فرسه ودخل معه إلى مكة ، فبلغ رسالة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وفى الصحيح من السيرة : 15 / 297 ، ملخصاً : « ليت شعري لو أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان قد أمر عمر بن الخطاب بالمبيت في مكانه ليلة الهجرة فهل كان سيمتثل أمره ؟ ! أم كان سيعتذر بأن قريشاً سوف تقتله وليس هناك من يدفع عنه من بنى عدي ، أو من غيرهم ؟ ! وفى الحديبية لم يطلب منه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما يصل إلى حد ما طلبه من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ليلة الهجرة من حيث درجة الخطورة على حياته . . بل طلب منه أن يكون رسولاًيتمتع بحصانة الرسل الذين يعتبر الاعتداء عليهم عاراً وعيباً عند العرب وعند سائر الأمم ، وكان أرسل غيره في هذه المهمة وعاد سالماً ، ومنع المشركون سفهاءهم من الاعتداء عليه ، لأن الرسل لا تقتل !
ولكن عمر بن الخطاب يرفض طلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هذا ، ويعتذر بأمر شخصي بحت ليس له منشأ يقبله العقلاء الذين يعيشون أجواء التضحية في سبيل مبادئهم ، بل لا يقبله حتى عقلاء أهل الشرك والكفر ! فكيف يدَّعون أن الإسلام عزّ بإسلام عمر ، وأنه قد كانت له بطولات عظيمة ومواجهات مع المشركين قبل الهجرة كسرت شوكتهم » !
10 - مبعوثو قريش إلى النبي « صلى الله عليه وآله »
جاء بديل بن وقاء الخزاعي رئيس خزاعة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأرسله إلى قريش وكلمهم بحضور عروة بن مسعود الثقفي رئيس ثقيف ، فأيد كلامه وطلب منهم عروة أن يرسلوه فأرسلوه ، فجاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ورجع إلى قريش فحثهم على السماح له بأداء العمرة فلم يقبلوا ! القمي : 2 / 310 ، الطبري : 2 / 275 وابن شيبة : 8 / 514 .
ثم أرسلوا الحليس رئيس قبيلة الأحابيش كما تقدم من الكافي ، ويبدو أنه هو رغب بذلك ، فرجع وكلمهم أن يتركوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليؤدى عمرته ، فلم يقبلوا .
ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزي ، ومكرز بن حفص ، فلما جاء سهيل ورآه النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لأصحابه : سهل أمركم . وكانت مفاوضات النبي ( صلى الله عليه وآله ) معه صعبة ومثمرة ، وقد احتاج فيها سهيل أن يرجع إلى قريش لأخذ موافقتهم على بند حرية المسلمين في مكة ، فوافقوا .
11 - بيعة الرضوان بحضور مفاوض قريش
استمرت مفاوضات النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع سهيل بن عمرو يومين ، وكانت في بعض مراحلها متوترة وفيها تهديد ! قال الطبري : 2 / 280 : « فلما انتهى سهيل إلى رسول الله تكلم فأطال الكلام ، وتراجعا » .
وفى فتح الباري : 5 / 253 : « فلما لانَ بعضهم لبعض في الصلح ، وهم على ذلك إذ رمى رجل من الفريقين رجلاً من الفريق الآخر فتصايح الفريقان ، وارتهن كل من الفريقين من عندهم ، فارتهن المشركون عثمان ومن أتاهم من المسلمين وارتهن المسلمون سهيل بن عمرو ومن معه ، ودعا رسول الله إلى البيعة فبايعوه تحت الشجرة على أن لا يفروا ، وبلغ ذلك المشركين فأرعبهم الله ، فأرسلوا من كان مرتهناً ، ودعوا إلى الموادعة » .
وفى اليوم الثاني بقي النبي ( صلى الله عليه وآله ) مصراً على شرط حرية المسلمين في مكة ، فرجع سهيل إلى مكة للتشاور مع زعماء قريش بشأنه ، ثم عاد إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) . وقد أخذ النبي ( صلى الله عليه وآله ) بحضور سهيل بيعة الرضوان من أصحابه على القتال وعدم الفرار ، وعلى أن لاينازعوا الأمر أهله . فبيعة الرضوان لإرهاب قريش وإثبات جدية النبي ( صلى الله عليه وآله ) في فرض الأمر الواقع عليها .
وقال الواقدي : 2 / 602 قال لهم : « إن الله تعالى أمرني بالبيعة ، فتداك الناس يبايعونه ، بايعهم على أن لايفروا » .
وفى شرح مسلم : 13 / 2 : « في حديث ابن عمر وعبادة : بايعنا على السمع والطاعة وأن لا ننازع الأمر أهله » . وفى مسند أحمد : 5 / 321 ، عن عبادة : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك ، وأثرة عليك ، ولا تنازع الأمر أهله » . ومعناه : أن لا ننازع الوصي على
خلافة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
12 - الإشتباكات مع قريش ودور علي « عليه السلام » فيها
1 - نقرأ في سورة الفتح وصف مواجهة المسلمين لقريش في الحديبية ، في قوله تعالي : وَهُو الَّذِى كَفَّ أَيدِيهُمْ عَنْكُمْ وَأَيدِيكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا . هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْى مَعْكُوفًا أَنْ يبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيرِ عِلْمٍ لِيدْخِلَ اللهُ فِى رَحْمَتِهِ مَنْ يشَاءُ لَوْ تَزَيلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . الفتح : 24 - 25 .
فنرى في الحديبية ظفراً عسكرياً للمسلمين حتى عدَّ الفقهاء مكة مفتوحة عنوة : قال في الخلاف : 5 / 528 ، عن الآية : « وهذا صريح في الفتح » .
لكن رواة السلطة القرشية أخفوا الظفر العسكري لأن بطله على ( عليه السلام ) ، أو نسبوه إلى محمد بن مسلمة ، أو ابن الأكوع ، وحتى إلى خالد بن الوليد ، الذي كان يومها قائداً في جيش المشركين ! وغرضهم أن يخفوا مقاومة قريش للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وصده عن العمرة ، ويخفوا بطولة على ( عليه السلام ) في مواجهة قريش ! ويمدحوا أشخاصاً آخرين يحبونهم !
قال المفيد « رحمه الله » في الإرشاد : 1 / 119 : « ثم تلا بنى المصطلق الحديبية ، وكان اللواء يومئذ إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كما كان إليه في المشاهد قبلها ، وكان من بلائه في ذلك اليوم عند صف القوم في الحرب للقتال ما ظهر خبره واستفاض ذكره » .
أقول : رحم الله المفيد ليته بينه ، فقد ظهر ذلك واستفاض ذكره إلى عصره في القرن الرابع ، ثم طُمس وأخفى ولم يصلنا إلا محرفاً مبتوراً !
قال رواة السلطة كالطبري : 2 / 278 : « إن قريشاً بعثوا أربعين رجلاً منهم أو خمسين رجلاً ، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله ليصيبوا لهم من أصحابه ، فأخذوا أخذاً ، فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فعفا عنهم وخلى سبيلهم ، وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالحجارة والنبل » . وفى رواية ابن عبد البر أنهم كانوا ثمانين .
فمن الذي قاد هذه العملية النظيفة ، وهاجم هؤلاء الفرسان ، وأسرهم جميعاً بدون سفك دم ؟ لقد نسبوه إلى محمد بن مسلمة ، وكأن علياً ( عليه السلام ) كان نائماً وهو قائد الجيش ، الذي يعَين الحراسات ويسير الدوريات ويسهر على سير الأمور ! لكنهم يحبون ابن مسلمة ، لأنه شارك في تأسيس النظام القرشي ، وكان من المهاجمين لبيت فاطمة وعلى « عليهما السلام » !
2 - ثم رووا أن سهيل بن عمرو قال في مفاوضته للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : « يا محمد ! إن هذا الذي كان من حبس أصحابك ، وما كان من قتال من قاتلك ، لم يكن من رأى ذوى رأينا بل كنا له كارهين حين بلغنا ، ولم نعلم به وكان من سفهائنا ، فابعث إلينا بأصحابنا الذين أسرت أول مرة ، والذين أسرت آخر مرة !
قال : إني غير مرسلهم حتى ترسلوا أصحابي . قال : أنصفتنا . فبعث سهيل ومن معه إلى قريش بالشتيم بن عبد مناف التيمي فبعثوا بمن كان عندهم ، وهم : عثمان وعشرة من المهاجرين وأرسل رسول الله أصحابهم الذين أسروا » . الإمتاع : 1 / 289 .
فقد أسَرَ النبي ( صلى الله عليه وآله ) إذن مجموعة من المشركين وأطلقهم ، ثم أسر مجموعتين واحتفظ بهم ! فمن قام بذلك غير على ( عليه السلام ) قائد الجيش ؟ !
ثم رووا أن خيل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكانوا مئتى فارس ، قاتلوا فرسان قريش وهم خيل عكرمة بن أبي جهل ، وهزموهم حتى أدخلوهم حيطان مكة !
قال الزمخشري في الكشاف : 3 / 547 ، في تفسير قوله تعالي : مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ : « لما روى أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمس مائة ، فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من هزمه وأدخله حيطان مكة ، ثم عاد في الثانية حتى أدخله حيطان مكة ، ثم عاد في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة فأنزل الله : وهُوَ الَّذى كفَّ أيديهم »
فمن الذي بعثه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقاد هذه العملية النظيفة داخل الحرم ، وهزم قوة المشركين الضاربة بدون سفك دم ، ولماذا بخلوا بتسمية على ( عليه السلام ) ؟ !
3 - ويأخذك العجب من وقاحة رواة قريش ونسبتهم ذلك إلى خالد بن الوليد مع أنه كان قائد خيل المشركين ، واعترض النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الطريق وأراد أن يهاجم المسلمين وهم في صلاتهم ، لكن النبي ( صلى الله عليه وآله ) تحاشى القتال !
لاحظ ما رواه الطبري في تفسيره : 26 / 123 والسيوطي في الدر المنثور : 6 / 78 ، عن عدة مصادر في تفسير قوله تعالي : وَهُو الَّذِى كَفَّ أَيدِيهُمْ عَنْكُمْ وَأَيدِيكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ ، قال : « لما خرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالهدى وانتهى إلى ذي الحليفة قال له عمر : يا نبي الله تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح ولا كراع ! قال فبعث إلى المدينة فلم يدع بها كراعاً ولا سلاحاً إلا حمله ، فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل ، فسار حتى أتى منى فنزل بمني ، فأتاه عينه أن عكرمة بن أبي جهل قد خرج علينا في خمس مائة فقال لخالد بن الوليد : يا خالد هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل ، فقال خالد : أنا سيف الله وسيف رسوله فيومئذ سمى سيف الله ، يا رسول الله إرم بي حيث شئت ، فبعثه على خيل فلقى عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ، ثم عاد في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ، ثم عاد في الثالثة حتى أدخله حيطان مكة ! فأنزل الله : وَهُو الَّذِى كَفَّ أَيدِيهُمْ عَنْكُمْ وَأَيدِيكُمْ عَنْهُمْ . . إلى قوله : عذاباً أليماً » . فهي رواية مكذوبة لمدح عمر بأنه أفقه من النبي ( صلى الله عليه وآله ) فنبهه إلى لزوم السلاح في سفره ! ولمدح خالد وجعله سيف الله ! لكن اضطر ابن كثير للاعتراف بكذب الرواية ! قال في تفسيره : 4 / 20 : « لأن خالداً لم يكن أسلم ، بل كان حينئذ طليعة للمشركين كما ورد في الصحيح » !
4 - واجه القرشيون النبي ( صلى الله عليه وآله ) بشراسة وبغضاء ، مع أنه جاء معتمراً غير مقاتل ! وأرسلوا خيلهم بقيادة خالد لإرجاعه أو قتاله ، فتجنبها ونزل في الحديبية ، فأرسلوا خيلهم بقيادة أبان بن سعيد إلى قربه ، واستفردوا رجلاً مسلماً فقتلوه ! وأرسل إليهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) رسولاً فعقروا بعيره وأهانوه ! ثم قاموا بأسر مسلمين عُزَّل ذهبوا إلى مكة . ثم أرسل إليهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) عثمان بأمان أبان ، فحبسوه !
مقابل ذلك قام النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأسرمجموعة من اثنى عشر فارساً ، رداً على قتلهم المسلم : « يقال له رهم : اطلع الثنية من الحديبية فرماه المشركون بسهم فقتلوه ، فبعث رسول الله خيلاً فأتوه باثني عشر فارساً من الكفار فقال لهم نبي الله : هل لكم على عهد هل لكم على ذمة ، قالوا : لا . فأرسلهم » . تفسير الطبري : 26 / 122 .
ثم أسر النبي ( صلى الله عليه وآله ) مجموعة جاؤوا ليلاً للغارة على معسكره ، ولم يطلقهم .
ثم أسر أربعين أو خمسين فارساً ، وروى سبعين أو ثمانين ، « الدرر لابن عبد البر / 194 » .
ثم رد هجوم خيلهم بقيادة عكرمة ، وهزمهم حتى أوصلهم إلى حيطان مكة .
وكان الذي يقوم بالعمليات على ( عليه السلام ) ، ولذا جاءت نظيفة بدون سفك دم رجل واحد في الحرم ! لكنهم نسبوها إلى أحبائهم وفيهم من قادة المشركين !
وقد أنتجت هذه العمليات والبيعة التي أخذها النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنهم رأوا أن ، ميزان القوة مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقبلوا بالمعاهدة ، خاصة بند حرية المسلمين في مكة !
قال السيد شرف الدين في النص والاجتهاد / 166 : « صده المشركون عن مكة صداً شكساً شرساً لئيماً ، فما استخفه بذلك غضب ولا روع حلمه رائع ، كان يأخذ الأمور مع أولئك الجفاة بالملاينة والإغماض ، وله في شأنهم كلمات متواضعة ، على أن فيها من الرفعة والعلاء ما يريهم إياه فوق الثريا ويريهم أنفسهم تحت الثري ! وفيها من النصح لهم والإشفاق عليهم ما لم يكن فيه ريب لأحد منهم ، ومن الحكمة الإلهية ما يأخذ بمجامع قلوبهم على قسوتها وغلظتها ، ومن الوعيد والتهديد باستئصال جذرتهم وبذرتهم ما يقطع نياط قلوبهم » .
5 - أخفى رواة السلطة مناقب على ( عليه السلام ) في الحديبة ، لكن أفلتت منهم أحاديث :
الأول : رواه الحافظ في ثلاثة مواضع من تاريخه : 2 / 377 ، 3 / 181 و 4 / 441 « عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : « سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو آخذ بضبع على يوم الحديبية وهو يقول : هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله . مد بها صوته » .
فما هي المناسبة لهذه الإشادة من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليأخذ بعضد على ( عليه السلام ) ، ويمد صوته في مدحه ؟ وهل كان إلا بعد تحقيقه انتصاراً بأسر مجموعة من المشركين ، أو رد هجوم فرسانهم وفرارهم أمامه مسافة طويلة ، حتى أدخلهم حيطان مكة ؟ أو بعد تفاقم حسد الحاسدين وكلامهم على على ( عليه السلام ) ؟
وقد تضمنت بعض روايات الحافظ قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « أنا مدينة العلم وعلى بابها فمن أراد البيت فليأت الباب » ! « وتاريخ دمشق : 42 / 226 و 282 ، وفتح الملك العلى لابن الصديق المغربي / 57 والحاكم : 3 / 129 » ، لكن الأخير لم يذكر أن مناسبته في الحديبية .
وقال الخطيب التبريزي في الإكمال / 111 : « هذا حديث حسن صحيح فقد حسنه ابن حجر والعلائي وجماعة ، وصححه ابن معين وابن جرير والحاكم والسيوطي والعلامة الهندي وجماعة من السلف . وله شاهد من حديث ابن عباس عنه الطبري والطبراني والحاكم والخطيب ، ومن حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عنه الترمذي وابن جرير ، وقد تكلم فيه جماعة من المتعنتين والمتعصبين في الجرح ، فلا يلتفت إليهم » ! ومن مصادرنا : الطوسي في الأمالي / 483 ، الطبري الشيعي في المسترشد / 622 ، عن محمد بن المنكدر وفيه أنه يوم الحديبية .
والحديث الثاني : في المناقب : 2 / 244 ، عن الترمذي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال يوم الحديبية لسهيل بن عمرو وقد سأله رد جماعة : « يا معشر قريش لتنتهوا أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم على الدين امتحن الله قلبه بالإيمان ! قالوا : من هو يا رسول الله ؟ قال : هو خاصف النعل ، وكان أعطى علياً نعله يخصفها » .
وقد أوردنا مصادره في آيات الغدير / 144 ، وأثبتنا أنه صدر أيضاً عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في المدينة بعد فتح مكة ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبرهم بأنهم لن ينتهوا عن معاداة الإسلام حتى يقاتلهم على ( عليه السلام ) ! ويظهر أن سهيل بن عمرو طمع عندما قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) شرطهم بإرجاع من يأتيه منهم ، فطالب بمن أتاه قبل الحديبية !
والحديث الثالث رواه الجميع : لما رفض سهيل أن يكتبوا كلمة « رسول الله » .
ففي إعلام الوري : 1 / 371 : « فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم . فقال سهيل بن عمرو : هذا كتاب بيننا وبينك يا محمد ، فافتتحه بما نعرفه واكتب باسمك اللهم . فقال : أكتب باسمك اللهم وامح ما كتبت . فقال ( عليه السلام ) : لولا طاعتك يا رسول الله لما محوت . فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو . فقال سهيل : لو أجبتك في الكتاب إلى هذا لأقررت لك بالنبوة ، فامح هذا الاسم واكتب : محمد بن عبد الله . فقال له على ( عليه السلام ) : إنه والله لرسول الله على رغم أنفك . فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أمحها يا علي . فقال له : يا رسول الله إن يدي لا تنطلق تمحو اسمك من النبوة ! قال : فضع يدي عليها فمحاها رسول الله بيده ، وقال لعلي : ستدعى إلى مثلها فتجيب ، وأنت على مضض » .
وفى تفسير القمي : 2 / 313 : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي إنك أبيت أن تمحو إسمى من النبوة ، فوالذي بعثني بالحق نبياً لتجيبن أبناءهم إلى مثلها وأنت مضيض مضطهد !
فلما كان يوم صفين ورضوا بالحكمين كتب : هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، فقال عمرو بن العاص : لو علمنا أنك أمير المؤمنين ما حاربناك ، ولكن أكتب : هذا ما اصطلح عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : صدق الله وصدق رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، أخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بذلك » !
وفى الكافي : 8 / 326 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « فقال لعلى ( عليه السلام ) : أكتب بسم الله الرحمن الرحيم . فقال سهيل : ما أدرى ما الرحمن الرحيم ، إلا أنى أظن هذا الذي باليمامة ! ولكن أكتب كما نكتب : بسمك اللهم . قال : واكتبْ : هذا ما قاضى رسول الله سهيل بن عمرو . فقال : سهيل : فعلى مَ نقاتلك يا محمد ؟ ! فقال : أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله . فقال الناس : أنت رسول الله . قال : أكتب فكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله . فقال الناس : أنت رسول الله .
وكان في القضية أن من كان منا أتى إليكم رددتموه إلينا ورسول الله غير مستكره عن دينه ، ومن جاء إلينا منكم لم نرده إليكم . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا حاجة لنا فيهم . وعلى أن يعبد الله فيكم علانية غير سر . وإن كانوا ليتهادون السيور من المدينة إلى مكة . وما كانت قضية أعظم بركة منها ، لقد كاد أن يستولى على أهل مكة الإسلام » . أي يتهادون الهدايا . والسيور : ما تربط به الهدية .
وفى النص والاجتهاد / 174 : « فضج المسلمون وقالوا : والله لا يكتب إلا ما أمر به رسول الله . . . وأبوا إلا أن يكتب رسول الله كل الإباء ، وكادت الفتنة أن تقع لولا أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : أنا محمد رسول الله وإن كذبتموني ، وأنا محمد بن عبد الله فاكتب يا علي : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو » .
وهذا الحديث دليل من عشرات الأدلة على شرعية خلافة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
والحديث الرابع : روته مصادرنا ، قال العلامة في كشف اليقين / 136 : « وله في هذه الغزاة فضيلتان ، إحداهما : إنه لما خرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى غزاة الحديبية نزل الجحفة فلم يجد بها ماء فبعث سعد بن مالك بالروايا فغاب قريباً وعاد ، وقال : لم أقدر على المضي خوفاً من القوم ! فبعث آخر ففعل كذلك ، فبعث علياً ( عليه السلام ) بالروايا فورد واستسقى وجاء بها إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فدعا له بخير .
والثانية ، وذكر حديث تهديد النبي ( صلى الله عليه وآله ) لقريش بعلى ( عليه السلام ) وفيه : « وأومأ إلى علي فإنه يقاتل على التأويل إذا تركت سنتي ونبذت وحرف كتاب الله ، وتكلم في الدين من ليس له ذلك ، فيقاتلهم على إحياء دين الله » . ونحوه الإرشاد : 1 / 121 .
13 - بنود معاهدة الحديبية
1 - الهدنة لمدة عشر سنين ، إلا إذا اعتدى أحد الطرفين أو أعان معتدياً .
2 - حرية العرب في أن يختاروا من يتحالفون معه : النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو قريش .
3 - حرية المسلمين في مكة ، فلا يؤذون ولا يمنعون من أداء شعائر الإسلام .
4 - يلتزم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بإعادة من يأتيه مسلماً من قريش ، ولا تلتزم قريش بذلك .
5 - تُخْلى قريش مكة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) في العام القادم ثلاثة أيام ، فيؤدى العمرة .
قال القمي في تفسيره : 2 / 310 : « ورجع حفص بن الأحنف ، وسهيل بن عمرو إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقالا : يا محمد قد أجابت قريش إلى ما اشترطت عليهم من إظهار الإسلام وأن لا يكره أحدٌ على دينه . فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالكتب ودعا أمير المؤمنين وقال له : أكتب . . . ثم كتب : هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله والملأ من قريش وسهيل بن عمرو ، واصطلحوا على وضع الحرب بينهم عشر سنين ، على أن يكف بعض عن بعض ، وعلى أنه لا إسلال ، ولا إغلال ، وأن بيننا وبينهم عيبة مكفوفة ، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل ، وأن من أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل ، وأنه من أتى من قريش إلى أصحاب محمد بغير إذن وليه يرده إليه ، وأنه من أتى قريشاً من أصحاب محمد لم يرده إليه ، وأن يكون الإسلام ظاهراً بمكة لا يكره أحد على دينه ولايؤذى ولا يعير ، وأن محمداً يرجع عنهم عامه هذا وأصحابه ، ثم يدخل علينا في العام القابل مكة فيقيم فيها ثلاثة أيام ، ولا يدخل عليها بسلاح إلا سلاح المسافر السيوف في القراب . وكتب علي بن أبي طالب ، وشهد على الكتاب المهاجرون والأنصار . .
قال : فلما كتبوا الكتاب قامت خزاعة فقالت : نحن في عهد محمد رسول الله وعقده ، وقامت بنو بكر فقالت : نحن في عهد قريش وعقدها . وكتبوا نسختين نسخة عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ونسخة عند سهيل بن عمرو ، ورجع سهيل بن عمرو وحفص بن الأحنف إلى قريش فأخبراهم .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأصحابه : أنحروا بدنكم واحلقوا رؤوسكم ، فامتنعوا وقالوا : كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ولم نسع بين الصفا والمروة ؟ ! فاغتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من ذلك ، وشكى ذلك إلى أم سلمة فقالت : يا رسول الله إنحر أنت واحلق ، فنحر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وحلق ونحر القوم على حيث يقين وشك وارتياب ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تعظيماً للبدن : رحم الله المحلقين ، وقال قوم لم يسوقوا البدن : يا رسول الله والمقصرين ؟ لأن من لم يسق هدياً لم يجب عليه الحلق فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثانياً : رحم الله المحلقين الذين لم يسوقوا الهدي ، فقالوا يا رسول الله والمقصرين ؟ فقال رحم الله المقصرين » .
وفى المناقب : 1 / 174 : « فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : من جاءهم منا فأبعده الله ، ومن جاءنا منهم رددناه إليهم ، فلو علم الله الإسلام من قلبه جعل له مخرجاً .
إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده فقال سهيل : هذا يا محمد أول ما أفاوضك عليه أن ترده ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إنا لم نقض بالكتاب بعد ، قال : والله لا أصالحك على شئ أبداً . فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : فأجره لي ، قال : ما أنا بمجيره لك .
قال مكرز : بلى أجرناه فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إنه ليس عليه بأس إنما يرجع إلى أبيه وأمه فإني أريد أن أتم لقريش شرطها » ! .
14 - غضبَ عمر وانشق على النبي « صلى الله عليه وآله » !
في المسترشد للطبري الشيعي / 536 : « فغضب الثاني وقال لصاحبه : يزعم أنه نبي وهو يرد الناس إلى المشركين ! ثم أتى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : ألست برسول الله حقاً ؟ قال : بلى قال : ونحن المسلمون حقاً ؟ قال : بلي ، قال : وهم الكافرون ؟ قال : بلي ، قال : فعلى مَ نعطى الدنية في ديننا ؟ ! فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إنما أعمل بما يأمرني به الله ربي ، إنه من خرج منها إليهم راغباً فلا خير لنا في مقامه بين أظهرنا ومن رغب فينا منهم ، فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً . فقال : والله ما شككت في الإسلام إلا حين سمعت رسول الله يقول ذلك ! وقام من عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) متسخطاً لأمر الله وأمر رسوله ( صلى الله عليه وآله ) غير راض بذلك ، ثم أقبل يمشى في الناس ويؤلب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويعرض به ويقول : وعدنا برؤياه التي زعم أنه رآها يدخل مكة ، وقد صددنا عنها ومنعنا منها ثم ننصرف الآن ، وقد أعطينا الدنية في ديننا ! والله لو أن معي أعواناً ما أعطيت الدنية أبداً !
ثم روى عن الواقدي : إني لأنظر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يومئذ جالساً متربعاً وإن عباد بن بشر ، وسلمة بن أسلم بن حريش ، مقنعان في الحديد قائمان على رأس رسول الله ، إذ رفع سهيل بن عمرو صوته فقالا له : إخفض من صوتك عند رسول الله ، وسهيل بارك على ركبتيه كأني أنظر إلى علم في شفته ، إذ وثب الثاني إلى رسول الله فقال : يا رسول الله ألسنا بالمسلمين ؟ فقال رسول الله : أنا عبد الله ورسوله لا أخالف أمره ولن يضيعني ! فقال له : أعذرك الله ؟ وجعل يردد الكلام على النبي فقال له أبو عبيدة بن الجراح : ألا تسمع يا ابن الخطاب رسول الله يقول ما يقول ! تعوَّذ بالله من الشيطان الرجيم واتهم رأيك !
وقال ابن عباس : قال لي في خلافته وذكر القضية : إرتبت ارتياباً لم أرتبه منذ أسلمت إلى يومئذ ، ولو وجدت شيعة أخرج معهم رغبة عن القضية لخرجت » !
وفى كتاب سُليم / 239 : « قال : أنعطى الدنية في ديننا ؟ ثم جعل يطوف في عسكر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يشككهم ويحضضهم ويقول : أنعطى الدنية في ديننا ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أفرجوا عنى أتريدون أن أغدر بذمتي ، ولاأفى لهم بما كتبت لهم ، خذ يا سهيل بيد أبى جندل ! فأخذه فشده وثاقاً في الحديد ، ثم جعل الله عاقبة أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الخير والرشد والهدى والعزة والفضل » .
وفى رواية : « أخرجوه عني ! أتريد أن أخفر ذمتي ولا أفي لهم » . البحار : 30 / 314 .
وقال المحامي أحمد حسين يعقوب في كتابه : أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها / 273 :
« صلح الحديبية من أعظم الإنجازات الإسلامية على الإطلاق بل هو الثمرة المباركة لكافة المعارك التي خاضها رسول الله ، وقد وصف تعالى في كتاب العزيز هذا الصلح بالفتح المبين والنصر العزيز ، لأن هذا الصلح قد حسم الموقف نهائياً لصالح الإسلام دون إراقة قطرة دم واحدة ! ولو تغاضينا عن هذه النتائج الباهرة فإن كل ما فعله الرسول كان بأمر ربه . لقد أعلن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أن روح القدس قد نزل عليه وأمره بالبيعة ، وقد فهم الجميع أن الصلح قد تم بتوجيه إلهي فقد قال الرسول للجميع : إني رسول الله ولست أعصيه . وقال أبو بكر مخاطباً عمر : أيها الرجل إنه لرسول الله ، وليس يعصى ربه وهو ناصره !
وبالرغم من كل ذلك ، فإن عمر بن الخطاب اعتبر الصلح الذي رضى به الله ورسوله « دنية في الدين » وأن ما فعله الرسول كان خاطئاً وغير صحيح !
وحاول عمر أن يقنع الحاضرين بأن الصلح الذي ارتضاه الله ورسوله دنيةٌ
في الدين ، ليفرضوا على الرسول إلغاء الصلح والرجوع عنه ! ولما يئس من إقناعهم قال : لو وجدت أعواناً ما أعطيت الدنية في ديني !
والمثير أنهم رغم ذلك سجلوه شاهداً على صك صلح الحديبية ! وكما تعلم فإن سنة الرسول تعني : قول الرسول وفعله وتقريره » .
وقال المحامي يعقوب في كتاب المواجهة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) / 369 : « لقد اعتبر عمر هذه المعاهدة « دنية » وقال للرسول أمام المسلمين : فعلامَ نعطى الدنية في ديننا ! وظهر الرجل بمظهر من يزاود على الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بالدين ، الذي علمه الرسول إياه ! وقبل يوم واحد فقط طلب رسول الله من عمر أن يذهب إلى بطون قريش ليقول لها : بأن رسول الله لم يأت لقتال أحد إنما جئنا زواراً لهذا البيت معظمين لحرمته ، معنا الهدى ننحره وننصرف ، فرفض وقال : يا رسول الله إني أخاف قريش على نفسي وليس بها من بنى عدى من يمنعني ! « راجع المغازي للواقدي : 2 / 600 . »
وهو نفس عمر الذي اشترك في معركة بدر ! والذي لم يثبت أنه قتل مشركاً أو جرحه ! وهو نفسه الذي هرب من المعركة يوم أحد ! وقد ذكَّره الرسول بذلك يوم أقبل عليه فقال له : أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم ! « راجع المغازي للواقدي : 2 / 609 » وهو نفس الرجل الذي لم يكن له أي دورمميز في أي معركة من معارك الإسلام التي سبقت صلح الحديبية ! ومع ذلك يزاود على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويصف المعاهدة التي وقعها النبي ورضى عنها بأنها دنية في ديننا ! وأعلن عمر أنه لو وجد أعواناً ما أعطى الدنية » !
15 - بقي عمر غاضباً ولم يبايع بيعة الرضوان
روى الجميع أن عمر لم يقتنع بجواب النبي ( صلى الله عليه وآله ) بل واصل شكه في نبوته ! وبقى يتكلم ويعمل لعله يجد أنصاراً لينقض المعاهدة بالقوة !
قال ابن عباس كما في مغازى الواقدي : 2 / 607 : « قال لي عمر في خلافته : ارتبت ارتياباً ما ارتبته منذ أسلمت إلا يومئذ ، ولو وجدت ذلك اليوم شيعة تخرج عنهم رغبة من القضية ، لخرجت . وعن أبي سعيد الخدري : قال عمر : والله لقد دخلني يومئذ من الشك حتى قلت في نفسي : لو كنا مائة رجلٍ على مثل رأيي ما دخلنا فيه أبداً » ! واعتزل عمرتحت شجرة وواصل عملياته ، فأرسل ابنه ليأتيه بفرس كانت له عند أحد الأنصار ليقاتل عليها ! ومع ذلك زعموا أنه سمع بخبر بيعة الرضوان ، فذهب ابنه عبد الله وبايع وجعلوه إلى جنب النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
قال البخاري : 5 / 69 : « عن نافع قال إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر ، وليس كذلك ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار يأتي به ليقاتل عليه ، ورسول الله يبايع عند الشجرة وعمر لا يدرى بذلك ، فبايعه عبد الله ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر وعمر يستلئم للقتال ، فأخبره أن رسول الله يبايع تحت الشجرة ، قال فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله » .
أقول : لا نقبل قولهم إنه بايع لأنه اعترف بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقي غاضباً عليه لا يكلمه ولا يجيبه على كلامه ، حتى رجعوا ووصلوا بعد يومين إلى كراع الغميم فنزلت سورة الفتح فأرسل عليه وقرأ له السورة ! ومعناه أنه كان مغاضباً له لا يكلمه ، وأراد أن يتم عليه الحجة فأرسل اليه ليسمع السورة مع المسلمين فتساءل عمر : هل هذا فتح ، وفى رواية أنه قال : والله ما هذا بفتح ؟ !
قال البخاري : 5 / 66 ، عن ابن عمر : « فسأله عمر بن الخطاب عن شئ فلم يجبه رسول الله ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ! وقال عمر بن الخطاب : ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك ! قال عمر : فحركت بعيري ثم تقدمت أمام المسلمين وخشيت أن ينزل في قرآن فما نشبت أن سمعت صارخاً يصرخ بي . قال فقلت : لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن ، وجئت رسول الله فسلمت فقال لقد أنزلت على الليلة سورة لهى أحب إلى مما طلعت عليه الشمس ، ثم قرأ : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً » . راجع : النص والاجتهاد / 171 .
16 - عقدة عمر من شجرة بيعة الرضوان !
قال السيد شرف الدين في النص والاجتهاد / 368 « المورد : 65 : شجرة الحديبية هذه بويع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بيعة الرضوان تحتها ، فكان من عواقب تلك البيعة أن فتح الله لعبده ورسوله فتحا مبيناً ونصره نصراً عزيزاً ، وكان بعض المسلمين يصلون تحتها تبركاً بها وشكراً لله تعالى على ما بلَّغهم من أمانيهم في تلك البيعة المباركة . فبلغ عمر ما كان من صلاتهم تحتها ، فأمر بقطعها وقال : ألا لا أوتى منذ اليوم بأحد عاد إلى الصلاة عندها إلا قتلته بالسيف كما يقتل المرتد !
« سبحان الله وبحمده والله أكبر ! يأمره بالأمس رسول الله بقتل ذي الخويصرة وهو رأس المارقة فيمتنع عن قتله احتراماً لصلاته ، ثم يستل اليوم سيفه لقتل من يصلى من أهل الإيمان تحت الشجرة شجرة الرضوان ؟ !
وي ، وى ما الذي أرخص له دماء المصلين من المخلصين لله تعالى في صلاتهم ؟ إن هذه لبذرة أجذرت وآتت أكلها في نجد حيث يطلع قرن الشيطان ! وكم لفاروق الأمة من أمثال هذه البذرة كقوله للحجر الأسود : إنك لحجر لا تنفع ولا تضر ، ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك . ولقد كانت هذه الكلمة منه كأصل من الأصول العملية بنى عليها بعض الجاهلين تحريم التقبيل للقرآن الحكيم ، والتعظيم لضريح النبي الكريم ولسائر الضرائح المقدسة ، ففاتهم العمل بكثير من مصاديق قوله تعالي : ذَلِكَ وَمَنْ يعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَخَيرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ . . وَمَنْ يعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ » .
وفى الدر المنثور : 6 / 73 : « أخرج البخاري وابن مردويه عن طارق بن عبد الرحمن قال : انطلقت حاجاً فمررت بقوم يصلون فقلت : ما هذا المسجد ؟ قالوا : هذه الشجرة حيث بايع رسول الله بيعة الرضوان . وأخرج ابن أبي شيبة عن نافع قال : بلغ عمر بن الخطاب أن ناساً يأتون الشجرة التي بويع تحتها فأمر بها فقطعت » .
أقول : هذه واحدة من محاولات عمر انتقاص مقام النبي ( صلى الله عليه وآله ) وإزالة آثاره ، وهى تدل على عقدة في نفسه وذكرى سيئة لشجرة الرضوان وبيعة الرضوان !
كما تكونت عند عمر عقدة من التيمم ، لأنه تيمم مرة فتمرغ بالتراب ! فتبسم النبي ( صلى الله عليه وآله ) فحرم التيمم وأسقط آيته ، وأفتى للمسلمين بدله بترك الصلاة !
17 - رؤيا النبي « صلى الله عليه وآله » كانت في الحديبية وليس في المدينة
قال المفسرون إن رؤيا النبي ( صلى الله عليه وآله ) بدخول المسجد الحرام كانت في المدينة قبل الحديبية ، ونقلوا عليه الإجماع ، وغرضهم من ذلك التخفيف من اعتراض عمر وأنه كان على حق نوعاً ما لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعدهم بدخول المسجد !
قال ابن الجوزي في زاد المسير : 7 / 172 : « قال المفسرون : سبب نزولها أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان أرى في المنام قبل خروجه إلى الحديبية قائلاً يقول له : لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاتَخَافُونَ . ورأى كأنه هو وأصحابه يدخلون مكة وقد حلقوا وقصروا ، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا ، فلما خرجوا إلى الحديبية حسبوا أنهم يدخلون مكة في عامهم ذلك ، فلما رجعوا ولم يدخلوا قال المنافقون : أين رؤياه التي رأي ؟ فنزلت هذه الآية » .
لكن المرجح أنه ( صلى الله عليه وآله ) رآها في الحديبية بعد اعتراض عمر عليه ، وعدم اقتناعه بكلامه .
ففي الكافي : 6 / 486 : « عن أبي بصير قال : قلت لأبى عبد الله ( عليه السلام ) : الفَرْقُ من السنة تطويل الشعر وفرقه ؟ قال : لا ، قلت : فهل فرق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : نعم . قلت : كيف فرق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وليس من السنة ؟ قال : من أصابه ما أصاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يفرق كما فرق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقد أصاب سنة رسول الله وإلا فلا . قلت له : كيف ذلك ؟ قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين صُدَّ عن البيت وقد كان ساق الهدى وأحرم أراه الله الرؤيا التي أخبره الله بها في كتابه إذ يقول : لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاتَخَافُونَ . . فعلم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن الله سيفي له بما أراه فمن ثَمَّ وفَّرَ ذلك الشعر الذي كان على رأسه حين أحرم انتظاراً لحلقه في الحرم حيث وعده الله عز وجل ، فلما حلقه لم يعد في توفير الشعر ولا كان ذلك من قبله » .
وفى تفسير الطبري : 26 / 138 عن مجاهد ، قال : « أرى بالحديبية أنه يدخل مكة وأصحابه محلقين ، فقال أصحابه حين نحر بالحديبية : أين رؤيا محمد » ؟ !
18 - أمر النبي « صلى الله عليه وآله » بالإحلال من الإحرام ونحر الضحايا
قال الصدوق في من لا يحضره الفقيه : 2 / 450 : « اعتمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثلاث عُمَر متفرقات كلها في ذي القعدة . عمرة أهلَّ فيها من عسفان وهى عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء أحرم فيها من الجحفة ، وعمرة أهل فيها من الجعرانة وهى بعد أن رجع من الطائف من غزوة حنين » .
وفى الفقيه : 2 / 239 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « الذي كان على بدن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ناجية بن الخزاعي الأسلمي ، والذي حلق رأسه ( صلى الله عليه وآله ) يوم الحديبية خراش بن أمية الخزاعي والذي حلق رأسه في حجته معمر بن عبد الله بن حارث بن نصر بن عوف بن عويج بن عدي بن كعب ، فقيل له وهو يحلقه : يا معمر أذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في يدك ! قال : والله إني لأعده فضلاً على من الله عظيماً . وكان معمر بن عبد الله يرجل شعره ( صلى الله عليه وآله ) وكان ثوبا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) اللذان أحرم فيهما يمانيين عبرى وظفاري . وقطع التلبية حين زاغت الشمس يوم عرفة » .
لكن في الكافي : 4 / 368 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين صد بالحديبية قصروأحل ونحر ، ثم انصرف منها ، ولم يجب عليه الحلق حتى يقضى النسك ، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير » .
19 - نزلت سورة الفتح في عودة النبي « صلى الله عليه وآله » من الحديبية
في النص والاجتهاد / 181 : « كانت إقامته في الحديبية تسعة عشر يوماً ، قفل بعدها إلى المدينة ، فلما كان بكراع الغميم موضع بين الحرمين نزلت عليه سورة الفتح ، وعمر لا يزال حينئذ آسفاً من صد المشركين إياهم عن مكة ، ورجوعهم وهم على خلاف ما كانوا يأملون من الفتح » ! وكان نزولها في مكان يدعى كراع الغميم ، بعد يومين من مسير النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الحديبية في عودته إلى المدينة ، فدعا النبي ( صلى الله عليه وآله ) المسلمين إلى الاجتماع ليتلوها عليهم ، ودعا عمر خاصة لعله يخرج من شكه وارتيابه وعمله لنقض المعاهدة ! ولكن عمر بقي مصراً وقال : « والله ما هذا بفتح أو والله ما هذا بفتح ! لقد صددنا عن البيت وصد هدينا . ورُدَّ رجلان من المؤمنين كانا خرجا إلينا ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : بئس الكلام هذا ، بل هو أعظم الفتح ، قد رضى المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم ويسألوكم القضية ويرغبوا إليكم في الأمان ، وقد رأوا منكم ما كرهوا ، وأظفركم الله عليهم وردكم سالمين مأجورين ، فهو أعظم الفتوح ! أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم ؟ أنسيتم يوم الأحزاب : إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا » . النص والاجتهاد / 182 .
وفى سيرة ابن هشام : 3 / 786 : « فما فتح في الإسلام فتحٌ قبله كان أعظم منه ، إنما كان القتال حيث التقى الناس ، فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس بعضهم بعضاً والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة ، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً إلا دخل فيه ، ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر . قال ابن هشام : والدليل على قول الزهري أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج إلى الحديبية في ألف وأربع مئة ، في قول جابر بن عبد الله ، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف » .
20 - أهم موضوعات سورة الفتح
الآيات الثلاث الأولي : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا 1 لِيغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيكَ وَيهْدِيكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا 2 وَينْصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا 3 .
بشارة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بأن معاهدة الحديبية كانت إنجازاً مهماً وفتحاً مبيناً ، وأن ليونته مع قريش وتنازله لهم ، قد طامن من بغضهم له وحقدهم عليه ، وغفر ذنبه بنظرهم ، بل أعطاه الحجة إذا عاملهم بحزم وشدة فيما بعد .
والآيات من : 4 - 7 ، بينت أن الله تعالى ثبَّت المؤمنين على طاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لإنجاز الفتح الذي تم ، فقد أنزل الله عليهم السكينة فازدادوا إيماناً ، ورضوا بعمل النبي ( صلى الله عليه وآله ) . وأن المنافقين الظانين بالله ظن السوء ، سوف يعاقبهم ويعذبهم .
هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَللهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأرض وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا 4 لِيدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزًا عَظِيمًا 5 وَيعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَّدَ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا 6 وَللهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأرض وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا 7 .
والآيتان 8 و 9 ، بينت مهمات الرسول ( صلى الله عليه وآله ) التي وضعها الله له : شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ، وبينت واجب المؤمنين في الإيمان به وطاعته وتجليله .
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا 8 لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ
بُكْرَةً وَأَصِيلاً 9 .
ثم أكد عز وجل في الآية 10 ، مسؤولية المبايعين للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وحذرهم بالعقوبة إن نكثوا بيعتهم ، ووعدهم بالأجر العظيم إن وفوا بها . إِنَّ الَّذِينَ يبَايعُونَكَ إِنَّمَا يبَايعُونَ اللهَ يدُ اللهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا ينْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيهُ اللهَ فَسَيؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا 10 .
وفى الآيات 11 - 17 ، عالج قضية المتخلفين عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) من أهل المدينة وقبائل العرب ، الذين دعاهم إلى السفر معه إلى الحديبية ، فرفضوا .
سَيقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيسَ فِى قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا 11 بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ ينْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُينَ ذَلِكَ فِى قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا 12 وَمَنْ لَمْ يؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا 13 وَللهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرض يغْفِرُ لِمَنْ يشَاءُ وَيعَذِّبُ مَنْ يشَاءُ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا 14 سَيقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يرِيدُونَ أَنْ يبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يفْقَهُونَ إِلا قَلِيلاً 15 قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِى بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يؤْتِكُمُ اللهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيتُمْ مِنْ قَبْلُ يعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا 16 لَيسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاعَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَنْ يتَوَلَّ يعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا 17 .
والآيات من 18 - 21 ، بدأت برضا الله تعالى عن الصحابة المؤمنين الذين بايعوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) تحت شجرة الحديبية ، وأكد أن ما تم لهم كان فتحاً قريباً ، ووعدهم الله بمغانم كثيرة مادية وسياسية ، لم تكن لتتحقق لولا صلح الحديبية .
لَقَدْ رَضِى اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يبَايعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا 18 وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا 19 وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيدِى النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيهْدِيكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا 20 وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيهَا قَدْ أَحَاطَ اللهُ بِهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَئٍْ قَدِيرًا 21 .
والآيات 22 - 26 ، وصفت مشركي قريش بأنهم كفروا وصدوا عن المسجد الحرام ، وأنهم لو قاتلوا المسلمين في غزوة الحديبية لانهزموا ، لكن الله تعالى كف أيدي الطرفين عن بعضهم لمصالح يعلمها ، منها وجود مؤمنين في مكة في أصلاب هؤلاء المشركين ، ولو قتلهم يومئذ لظلم لهؤلاء الأولاد في أصلابهم : لَوْ تَزَيلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ » .
وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يجِدُونَ وَلِيا وَلا نَصِيرًا 22 سُنَّةَ اللهِ الَّتِى قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً 23 وَهُو الَّذِى كَفَّ أَيدِيهُمْ عَنْكُمْ وَأَيدِيكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا 24 هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْى مَعْكُوفًا أَنْ يبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيرِ عِلْمٍ لِيدْخِلَ اللهُ فِى رَحْمَتِهِ مَنْ يشَاءُ لَوْ تَزَيلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا 25 إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى قُلُوبِهِمُ الْحَمِيةَ حَمِيةَ الْجَاهِلِيةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمًا 26 .
والآية 27 ، في رؤيا النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه سيدخل المسجد الحرام مع المسلمين ، وأنها حق وسوف تتحقق في وقتها ، وأن الله تعالى بعلمه جعل قبلها فتحاً قريباً .
لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا 27 .
والآية 28 و 29 ، تأكيد للوعد الرباني الحتمي بأن سيظهر دينه على الدين كله في العالم ، وأن هذا هو الهدف من إرسال رسوله محمد ( صلى الله عليه وآله ) والذين معه من عترته ، وأنهم غصون شجرته الموعودين في التوراة والإنجيل : كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ . فالنبي ( صلى الله عليه وآله ) هو الشجرة والكلمة الطيبة ، والشطأ هو أولاد الشجرة . وأعداؤهم الكلمة الخبيثة والشجرة الملعونة في القرآن . ولا يصح تفسير الشطأ بالصحابة لأنه بإجماع اللغويين أولاد الشجرة والزرع .
هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا . 28 مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى الآنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا 29 .
21 - الصحابة في سورة الفتح وبيعة الرضوان
رفعت السلطة القرشية آية : لَقَدْ رَضِى اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يبَايعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ . شعاراً في مدح الصحابة مقابل أهل البيت « عليهم السلام » ، ورووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لأهل الحديبية : أنتم خير أهل الأرض . قال في فتح الباري : 7 / 341 : « هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة . وعند مسلم من حديث جابر مرفوعاً :
لا يدخل النار من شهد بدراً والحديبية . وروى مسلم أيضاً من حديث أم مبشر أنها سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة » .
وهو قولٌ لا يصح ، لأنهم بايعوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الحديبية على عدم الفرار في الحرب ثم نكثوا بيعتهم بعد شهر في خيبر وفروا ، ثم نكثوها بعد سنة في حنين وفروا . ولا يصح ، لأن من أهل بيعة الرضوان أبا الغادية قاتل عمار بن ياسر « رحمه الله » ، الذي شهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه من أهل النار . ومنهم عبد الرحمن بن عديس البلوى الذي قاد حصار عثمان وقتله ، وقالوا إنه من أهل النار ! ولأن رئيس المنافقين المدنيين ابن سلول كان معهم وبايع !
قال في النص والاجتهاد / 168 : « إن قريشاً بعثت إلى ابن سلول وهو مع رسول الله في الحديبية : إن أحببت أن تدخل مكة تطوف بالبيت فافعل . فقال له ابنه عبد الله : يا أبت أذكرك الله أن لا تفضحنا في كل موطن فتطوف ولم يطف رسول الله ؟ ! فأبى الرجل حينئذ وقال : لا أطوف حتى يطوف رسول الله » .
ولا يصح ثالثاً ، لأن الرضا عن المبايعين في الآية محدود بظرف ، ومشروط بالإيمان ، فقد قال عز وجل : لَقَدْ رَضِى اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يبَايعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ . . أي رضى عن المؤمنين منهم في ظرف البيعة ، ولو كان الرضا أوسع من ظرف البيعة لما استعمل « إذ » ، ولو شملهم جميعاً لجعله عنهم وليس عن المؤمنين منهم !
ولا يصح رابعاً ، لأنه بايعهم على أن لا ينزعوا الأمر أهله ، وقد نازعوهم وعزلوهم واضطهدوهم وقتلوهم !
لكن مع قوة هذه الإشكالات ، ما زال أتباع السلطة يتمسكون بها لمدح أبى بكر وعمر ويقولون إن عمر بايع وإنه مشمول بالسكينة التي أنزلها الله على أهل
بيعة الرضوان !
22 - ما جرى لأبى جندل وأبى بصير والمستضعفين بمكة
قال السيد شرف الدين في النص والاجتهاد / 176 : « فبينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هو وسهيل بن عمرو يكتبان الكتاب بالشروط المذكورة ، إذ جاء أبو جندل واسمه العاص بن سهيل بن عمرو إلى المسلمين يرسف في قيوده ، وكان أسلم بمكة قبل ذلك فمنعه أبوه من الهجرة وحبسه موثوقاً ! وحين سمع أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه في الحديبية احتال حتى خرج من السجن ، وتنكب الطريق في الجبال حتى هبط على المسلمين ففرحوا به وتلقوه ، لكن أخذه أبوه بتلابيبه يضرب وجهه ضرباً شديداً وهو يقول : يا محمد هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي !
قال ( صلى الله عليه وآله ) لأبى جندل : إصبر واحتسب ، فقد تم الصلح قبل أن تأتي ، ونحن لا نغدر وقد تلطفنا بأبيك فأبي ، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً . وهنا وثب عمر بن الخطاب إلى أبى جندل يغريه بقتل أبيه ، ويدنى إليه السيف ! قال عمر كما في السيرة الدحلانية وغيرها : رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه ، وجعل يقول له : إن الرجل يقتل أباه والله لو أدركنا آباءنا لقتلناهم ! لكن أبا جندل لم يجبه إلى قتل أبيه خشية الفتنة وعمل بما أمره به رسول الله من الصبر والاحتساب ، وقال لعمر : مالك لا تقتل أنت أباك ؟ قال عمر : نهانا رسول الله . فقال أبو جندل : ما أنت أحق بطاعة رسول الله مني !
ورجع مع أبيه إلى مكة في جوار مكرز وحويطب ، فأدخلاه مكاناً وكفا عنه أباه وغيره وفاء بالجوار . وجعل الله بعد ذلك له ولسائر المستضعفين من المؤمنين فرجاً ومخرجاً . . . وكان في المستضعفين المعذبين في مكة رجل من أبطال المسلمين يدعى أبا بصير ، احتال حتى خرج من السجن ففر هارباً إلى رسول الله وهو في المدينة بعد رجوعه من الحديبية ، فكتبت قريش في رده كتاباً بعثت به رجلاً من بنى عامر يقال له خنيس ومعه مولى يهديه الطريق ، فقدما على رسول الله بالكتاب فإذا فيه : قد عرفت ما شارطناك عليه من رد من قدم عليك من أبنائنا فابعث إلينا أبا بصير . فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ، ولا يصح الغدر منا ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، فانطلق راشداً . قال : يا رسول الله إنهم يفتنونى عن ديني .
قال ( صلى الله عليه وآله ) : يا أبا بصير انطلق فإن الله سيجعل لك ولمن حولك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ! فودع الرجل رسول الله وانطلق معهما ، حتى إذا كانوا بذى الحليفة جلس إلى جدار ومعه صاحباه ، فقال لأحدهما : أصارم سيفك هذا يا أخا بنى عامر ؟ قال : نعم . قال أبو بصير : أرنيه ، فناوله إياه فاستله أبو بصير ثم علاه فإذا هو يتشحط بدمه ، ثم هم بالثاني فهرب منه ، حتى أتى رسول الله ، فلما رآه النبي ( صلى الله عليه وآله ) والحصى يطير من تحت قدميه من شدة عدوه ، وأبو بصير في أثره . قال ( صلى الله عليه وآله ) : قد رأى هذا ذعراً ، فلما انتهى إلى النبي قال له ( صلى الله عليه وآله ) : ويحك مالك ؟ قال : إن صاحبك قتل صاحبي وأفلت منه ولم أكد ، وإني لمقتول فأغثني يا محمد فأمَّنه رسول الله ، وإذا بأبى بصير يدخل متوشحاً سيفه يقول : بأبى أنت وأمي يا رسول الله وفيت ذمتك أسلمتنى بيد القوم وقد امتنعت منهم بديني أن أفتن فيه أو يفتن بي . فقال له : إذهب حيث شئت ، فقال : يا رسول الله هذا سلب العامري الذي قتلته ، رحله وسيفه فخمسه . فقال له ( صلى الله عليه وآله ) : إذا خمسته رأوني لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه ، ولكن شأنك بسلب صاحبك .
وعند ذلك هب أبو بصير إلى محل من طريق تمر به عيرات قريش ، واجتمع إليه جمع من المسلمين المستضعفين الذين كانوا قد احتبسوا بمكة إذ بلغهم خبره وأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال في حقه : إنه مسعر حرب لو كان معه رجال ، فتسللوا حينئذ إليه ، وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو ، وخرج من مكة في سبعين فارساً أسلموا فلحقوا بأبى بصير ، وكرهوا أن يقدموا على رسول الله في تلك المدة مدة المهادنة ، وانضم إليهم ناس من غفار وجهينة وأسلم وطوائف أخر من العرب حتى بلغوا ثلاث مائة مقاتل ، فقطعوا مارة قريش لا يظفرون بأحد منها إلا قتلوه ، ولا مر بهم عير إلا أخذوها ، ومنعوا الدخول إلى مكة والخروج منها ! فاضطرت قريش أن تكتب لرسول الله تسأله بالأرحام التي بينه وبينها إلا آواهم وأرسلت أبا سفيان بن حرب في ذلك ، فأبلغه أبو سفيان : إنا أسقطنا هذا الشرط من شروط الهدنة ، فمن جاءك منهم فأمسكه من غير حرج !
وحينئذ كتب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى أبى جندل وأبى بصير أن يقدما عليه ، وأن يلحق من معهما من المسلمين بأهليهم ، ولا يتعرضوا لأحد مر بهم من قريش ولا لعيراتهم ، فقدم كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليهما وأبو بصير يموت ، فمات والكتاب في يده ، فدفنه أبو جندل مكانه ، وجعل عند قبره مسجداً . وقدم أبو جندل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مع ناس من أصحابه ، ورجع باقيهم إلى أهليهم ، وأمنت قريش على عيراتهم ! وحينئذ عرف الصحابة الذين عظم عليهم رد أبى جندل إلى قريش مع أبيه أن طاعة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خير مما أحبوه ، وعلموا أن الحكمة كانت في الحديبية توجب الصلح فرضاً على التعيين ، وأنه ( صلى الله عليه وآله ) لا ينطق عن الهوي ، وندموا كل الندم على ما بدر منهم من هناة معترفين بالخطأ ، وقدرت قريش موقفه يومئذ معها في حقن دمائها » .
راجع : الكافي : 8 / 326 ومناقب آل أبي طالب : 1 / 175 .
23 - النتائج الكبرى لمعاهدة الحديبية
يكفى في وصف نتائجها قوله تعالي : إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا . وأول الفتح اعتراف قريش بدولة الإسلام ، وقد فتح ذلك أبواب الجزيرة العربية وصار بإمكان أي قبيلة أن تعلن إسلامها أو تحالفها مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) دون حرج أو خوف ، بل فتحت أبواب مكة للإسلام وصار القرشي يعلن إسلامه ويؤدى شعائره دون خوف من ظلم قريش وطغيانها .
في الإحتجاج : 2 / 222 ، من حديث الإمام الرضا ( عليه السلام ) مع المأمون في تفسير قوله تعالي : « قال الرضا ( عليه السلام ) : لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنباً من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاث مائة وستين صنماً ، فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم ، وقالوا : أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَئٌ عُجَابٌ . وَانْطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَئٌ يرَادُ . مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِى الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ . فلما فتح الله عز وجل على نبيه مكة قال له : يا محمد : إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا . لِيغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ . عند مشركي أهل مكة بدعائك إياهم إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر ، لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ، ومن بقي منهم لا يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه ، فصار ذنبه عندهم مغفوراً بظهوره عليهم . فقال المأمون : لله درك يا أبا الحسن » ! فذنبه ( صلى الله عليه وآله ) سياسي لا حقيقي كما تخيلوا ! راجع تنزيه الأنبياء « عليهم السلام » للشريف المرتضي / 164 والانتصار للمؤلف : 4 / 39 .
24 - لم تشارك قبائل العرب في غزوة الحديبية
استعظمت قبائل العرب حركة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى مكة ، واعتبرها بعضهم مغامرة لأنهم لم يدركوا وضع قريش والتحولات التي حصلت في ميزان القوة .
في تفسير القمي : 2 / 310 : « وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يستنفر بالأعراب في طريقه ، فلم يتبعه أحد ويقولون : أيطمع محمد وأصحابه أن يدخلوا الحرم ، وقد غزتهم قريش في عقر ديارهم فقتلوهم ! إنه لا يرجع محمد وأصحابه إلى المدينة أبداً » !
وقد وصف الله مواقف بعض القبائل فقال : فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللهِ لاتُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يكُفَّ بَاسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَاسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً .
وفي تفسير القمي : 1 / 145 : « فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يهَاجِرُوا فِى سَبِيلِ اللهِ . فإنها نزلت في أشجع وبنى ضمرة وهما قبيلتان ، وكان من خبرهما أنه لما خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى غزاة الحديبية مر قريباً من بلادهم وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هادن بنى ضمرة ووادعهم قبل ذلك فقال أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا رسول الله هذه بنو ضمرة قريباً منا ونخاف أن يخالفونا إلى المدينة أو يعينوا علينا قريشاً ، فلو بدأنا بهم ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كلا إنهم أبرُّ العرب بالوالدين وأوصلهم للرحم وأوفاهم بالعهد . . الخ . » .
وفى الكافي : 8 / 227 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ . قال : نزلت في بنى مدلج لأنهم جاؤوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا : إنا قد حصرت صدورنا أن نشهد إنك رسول الله ، فلسنا معك ولا مع قومنا عليك ، قال : قلت : كيف صنع بهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : واعدهم إلى أن يفرغ من العرب ، ثم يدعوهم فإن أجابوا وإلا قاتلهم » .