التسمم النانوي Nanotoxicity
المؤلف:
منير نايفة
المصدر:
النانوتكنولوجي- عالم صغير ومستقبل كبير- صفات سلامة
الجزء والصفحة:
ص190
2025-10-25
43
وتعتبر التأثيرات البيئية للنانو تكنولوجي وآثارها على العاملين في صناعاتها من أبرز المخاوف حيث يعد التلوث بالمواد النانوية، نوعاً جديداً من الملوثات التي تضاف لقوائم التلوث الموجودة حالياً، إذ يتخوف العلماء من انتقال الجسيمات والمواد النانوية المتناهية الصغر إلى الجسم البشري، وكذلك إختراقها لخلايا النبات والحيوان، مؤدية إلى تأثيرات ضارة على الخلايا، وتكمن خطورة الجزيئات النانوية في صغر حجمها وانتشارها السريع والنهائي، فإذا حدث إمتصاص للجزيئات النانوية وإندماجها في جذور النباتات والأشجار أو عبر الهواء، فإنها ستصل إلى جسم الإنسان والحيوان عن طريق الغذاء، وهنا تكمن الخطورة خاصة إذا احتوت هذه الجزيئات على مواد سامة, رسخت فيها أثناء مرحلة التصنيع، أو إذا ما نقلت معها مواداً خطيرة أثناء عمليات التنظيف.
ويعتقد العلماء أن الخطر المحتمل من النانو تكنولوجي أمر قادم أكثر كونه إثارة علمية متخيلة فقد أظهرت بعض الدراسات أن من بعض نانو جزيئات الكربون carbon nanoparticles الواعدة ومن بينها أنابيب الكربون النانوية nanotubes الطويلة المجوفة، والكروية الشكل buckyballs يمكن أن تكون مادة سامة للخلايا الحيوانية، وهناك مخاوف بأن يسبب التعرض لها مشاكل في التنفس على غرار ما تسببه بعض الجزيئات الأخرى الدقيقة للغاية، كما يخشى أن تكون النانو جزيئات قابلة للإستنشاق عن طريق الأنف وتلحق دماراً غير معروف نتيجته على خلايا الدماغ، أو أن تدمر أنابيب النانو nanotubes الحمض النووي (DNA) إذا وضعت على الجلد .
ومن أشهر حالات التسمم بالنانو، ما حدث في آذار/مارس عام 2006، حيث تعرض 97 مواطن ألماني لمشاكل في التنفس، بعد استعمالهم المادة لتنظيف الحمامات تسمي "النانو" السحري" Magic Nano، وبعد 3 أيام فقط من عرضها في السوق ونتيجة هذا فقد تم سحب ومنع ترويج هذه المادة.
ولهذا فقد اهتمت الحكومات ومراكز البحوث العلمية في الدول المتقدمة وبخاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا، بإجراء البحوث والدراسات حول المخاطر البيئية وارشادات السلامة البيئية المرتبطة بالنانو تكنولوجي. ففي عام 2002 دعت الوكالة الأميركية لحماية البيئة" الباحثين في "مركز النانو تكنولوجيا البيولوجية والبيئية" بجامعة رايس الأميركية، إلى اجتماع لتقديم مخاوفهم من النانوتكنولوجي، وولد الاجتماع اهتماماً من جانب المنظمين، وأدّى إلى إصدار دعوات من جانب مجموعة بيئسية في "وينيبيغ" Winnipeg بأوتاوا في كندا تدرس أثر النانوتكنولوجي على الأفراد والبيئة، وتعرف بـ "إي تي سي" (ETC) The Action Group on Erosion, Technology and Concentration وتتبنى هذه المجموعة الدعوة لتعليق نشاط أبحاث النانوتكنولوجي لحين التأكد العملي بالاختبارات الموثوق بها من أنها لا تحمل أي تهديد للسلامة والصحة والبيئة، فقد دعت المجموعة إلى حظر تصنيع الأنابيب النانوية حتى تتضح المخاطر الصحية والبيئية. وقد أصدرت مجموعة (ETC) البيئية وثيقة تحذيرية من 80 صفحة حول مخاطر النانوتكنولوجي، تحت عنوان "الانتكاس الكبير" The Big Down وتعرض هذه الوثيقة على موقع هذه المجموعة البيئية على الإنترنت وتعد هذه الوثيقة أهم محاولاتها لنشر التحذيرات بين صفوف المجموعات الاجتماعية والعمالية والبيئية العالمية، حيث تحذر من : مخاطر ناتجة عن السماح للشركات الكبرى بمتابعة وتشجيع التكنولوجيات التي لم يدرس أثرها الصحي أو البيئي بشكل كامل بعد. يقول "بات" "موني Pat Mooney المدير التنفيذي لمجموعة (ETC) الكندية، أنه لا يفترض أن النانو تكنولوجي شريرة أو مخيفة، بل يمكن الانتفاع منها بشكل كبير، ولكن الخطر يكمن في أن الحكومات ومجموعات المصلحة العامة لا تملك سيطرة كافية على تقييم المخاطر وتحديد الأولويات، كما أن مخاوف "موني" تنبع من أن هذه التكنولوجيا الجديدة قد تخرج عن نطاق السيطرة، حيث يمكن بالإعتماد على النانو تكنولوجي من إنتاج جسيمات حية ميكروبية متناهية في الصغر جداً تسمى بـ "اللزيج الأخضر" Green Goo، لكي تقوم بوظائف الآلات ولكنها قد تتكاثر بشكل لا يمكن السيطرة الأضرار البيئية والأمراض التي عليها، كما يعبر "موني" عن القلق من تنتج كاستجابة فجائية من قبل الإنسان والمخلوقات الحية الأخرى نتيجة لتكاثر جسيمات صناعية في أجسامنا.
وتطالب مجموعة "موني" أن تسحب من الأسواق السلع التي تدخل في صناعتها النانو تكنولوجي والتي يمتصها الجسم مباشرة، مثل دهانات الوقاية من أشعة الشمس إلى حين إجراء مزيد من الدراسات، ويقول "موني" بصراحة لا أظن أن كريمات البشرة، والسراويل المقاومة للتبقع، أو الإضافات الغذائية هي أسباب تبرر تضحية الفرد بصحته وتشير الدراسة التي قدمها الباحثان تشايونج لام Chi-wing Lam وروبرت هانتر Robert Hunter في اجتماع الجمعية الكيميائية الأميركية American Chemical Society عام ،2003 ، إلى وجود سبب وجيه لاتخاذ الحذر من الجسيمات النانوية المصنعة.
ففي هذا الاجتماع قدم كلاً من الباحثان "تشايونغ لام" الذي يدرس سمية الأنابيب النانوية في مختبرات وايلWyle التابعة لمركز جونسون الفضائي في هيوستن والخاصة بوكالة الفضاء (ناسا)، و"روبرت هانتر " المتخصص في السموم في مركز علم الصحة بجامعة تكساس هيوستن الأميركية، قدما نتائج دراستهما التي ركزت على ما إذا كانت الأنابيب النانوية قادرة على تدمير النسيج الرئوي، فقد عملا محلولاً من الأنابيب النانوية، ووضعا بضع قطرات تعادل 1.0 ملليغرام، و5.0 ملليغرام من الأنابيب النانوية بشكل مباشر في رئتي الفئران، وأتاح هذا للباحثين التحكم بعناية بنوعية الأنابيب النانوية التي دخلت في رئتي الفئران ومشاهدة ما الذي يمكن أن يحدث لو أن الفأر استنشق بخة من الأنابيب النانوية. وأظهرت النتائج أنه بالنظر للنسيج الرئوي للفئران حول المواقع التي استقرت فيها الأنابيب النانوية بعد أسبوع، ثم بعد 90 يوماً، وجدوا أن الأنابيب النانوية تميل مع مرور الوقت للتجمع معاً، مكونة حزماً محاطة بخلايا مناعية تم تجنيدها لطرد المادة النانوية من الجسم، من خلال عملية تسمّى "الاستجابة للجسم الغريب" Foreign Body Response، وهذه العملية تترك نسيج يعمل على تدمير النسيج الرئوي الأصلي. وعندما كرر الباحثان الاختبارات باستخدام أنابيب نانوية صنعت بأساليب مختلفة، وجدوا أن كل واحداً منها قد أنتج ردة فعل مغايرة قليلاً. ويقول العالم "هانز" تعقيباً على نتائج هذه الدراسة، أنها تقدم رسالة واضحة تماماً، وهي أنه يتعين على جميع الأفراد لاتخاذ الإحتاطات اللازمة، فالأنابيب النانوية يمكن أن تكون عالية السمية، وهناك فرق بين مختلف أنواع الأنابيب النانوية، ولا يعرف عنه سوى القليل جداً.
كما أن فريق بحثي بقيادة العالم "كيفين أوسمان" Kevin Ausman مدير مركز النانوتكنولوجيا البيولوجية والبيئية The Center for Biological and Environmental Nanotechnology في جامعة رايس الأميركية في تكساس، قد قدموا بحثاً خلال اجتماع الجمعية الفيزياء الأميركية في أوستن، تكساس عام 2003، أكدوا فيه على أن النانوتكنولوجي توفر فرص جديدة لتطوير طرق عملية كفيلة بحماية البيئة، لكنهم يعملون على معرفة ما إذا كان انتشار مثل هذه الجزيئات الدقيقة سيزيد من سمية وحركة ملوثات أخرى في البيئة .
كما أن مجلة "نيوساينتست" New Scientist العلمية البريطانية الأسبوعية الشهيرة، أوردت في عدد 29 آذار/ مارس عام 2004، أن الباحثة "إيفا أو بير دورستر Eva Oberdorster المتخصصة في السموم البيئية من جامعة سائرن میشودیست Southern Methodist الأميركية في دالاس، قد حذرت من سوء استخدام الأنابيب الكربونية النانوية المتناهية في الصغر، بعد أن اكتشفت أنها تصيب الأحياء المائية بتلف في المخ، حيث استخدمت الباحثة نوعاً من الأنابيب النانوية الكربونية يسمى" باكي بولز" buckyballs التي يسهل إذابتها في الماء ووضعت نسبة ضئيلة للغاية منها إلى الماء، إذ وضعت نصف جزء منها مقابل مليون جزء من الماء في حوض للأحياء المائية، واكتشفت وبعد مرور 48 ساعة، ظهور تلف كبير في أنسجة مخ الأسماك المعرضة لهذه الأنابيب النانوية، حيث كان التلف في مخ السمك أكبر بـ "17" مرة،
مقارنة بأنسجة الأحياء التي لم تتعرض لهذه الأنابيب النانوية . كما أن العالم "كين" دونالدسن" Ken Donaldson المتخصص في التسمم الرئوي Lung Toxicologist في جامعة أدنبره University of Edinburgh البريطانية قد أثبت في بحث نشره عام 2004، أن استنشاق جزيئات الكربون في مستوى النانو لديها القدرة على الوصول للمخ والبقاء فيه، ومحدثة خطراً على الصحة.
كما أن الدراسة التي قام بها فريق بحثي برئاسة الباحثة" اليسون إبلدر" Alison Elder في المركز الطبي بجامعة وشستر في نيويورك University of Rochester Medical Center، ونشرت في عدد آب/أغسطس 2006 من مجلة Environmental Health perspectives قد توصلت إلى أنه عندما تتنفس الفئران مواد في حجم النانو nano-sized materials (ultrafine manganese oxide particles) فإنها تسير بطريقة مباشرة من الأنف إلى مناطق في المخ .
كما أن بحث شركة "دوبونت "DuPont الأميركية المتخصصة في صناعة "أنابيب الكربون النانوية"، يعتبر من بين أكثر الأبحاث تطوراً من حيث دراسة الأخطار المحتملة للمواد على القياس النانوي Nanoscale Materials ، ففي عام 2002 أجرى باحثون في شركة "دوبونت"، اختبارات على أنابيب الكربون النانوية، حيث قاموا بحقن أنابيب نانوية في رئة الفئران وظهرت النتائج على عكس المتوقع، حيث بدأت الفئران تلهث بسبب حاجتها للهواء وشعورها بالاختناق، ونفق منها 15 بالمئة في مدة وجيزة. ويقول الباحث "ديفيد ورهايت" David Warheit المشرف على الفريق البحثي، أنها أعلى نسبة نفوق رأيناها، وذلك لأن خاصية الأنابيب النانوية، وهي "التجمع السريع" قد أدت إلى اختناق الفئران التي تعرضت الجرعة هائلة منها، كما أن هذه الخاصية منعت أيضاً وصول معظم هذه الأنابيب إلى عمق الرئة، الأمر الذي كان سيؤدي إلى أضرار بعيدة المدى فيما لو حدث، والى عدم إمكانية التخلص من هذه الأنابيب عن طريق السعال.
وعن تأثير الجزيئات النانوية على حياة النباتات، قام معهد التكنولوجيا في نيوجرسي New Jersey Institute of Technology بدراسة نشرت عام 2005 ضمن دورية "نشرات علم السموم" Toxicology Letters، وبينت أن الجزيئات النانوية من مادة الألومينا (أوكسيد الألمنيوم) (Nanoparticles of Alumina (Aluminum oxide تبطئ من نمو جذور النباتات. يقول العالم دانيال واتس" Daniel Watts المشارك الرئيس لهذه الدراسة ومدير معمل خصائص المواد في معهد التكنولوجيا بنيوجرسي Material Characterization Laboratory at NIT أن الجزيئات النانوية من مادة الألومينا تبطئ نمو 5 أنواع من النباتات وهي الذرة، والخيار، والكرنب، والجذر، وفول الصويا"soybean
وفي مؤتمر في برن بسويسرا عام 2006 نظمته أكاديمية علوم المادة وتقنياتها Technology & Empa-Materials Science التابعة لمجلس العلوم السويسري، دعت فيه جميع المتخصصين لطرح الطموحات والمخاوف من النانوتكنولوجي، رأى بعض العلماء أنه لابد أن يتضح أولاً تأثير المواد المصنوعة بتقنية النانو على الإنسان والبيئة، كما حذر السبعض الآخر من التهاون بتقدير الآثار السلبية والمخاطر التي يمكن أن تنجم عن عدم توضيح حدود تطبيق تلك التقنية الحديثة. فقد حذر البروفسور "هارالد كو Harala Krugs، اختصاصي التسمم البيئي من مركز أبحاث جامعة كارلسروه الألمانية، من الآثار الجانبية التي يمكن أن تسببها الجزيئات المتناهية الصغر، مثل ثاني أوكسيد التيتانيوم، حيث تستغلغل بجسم الإنسان عن طريق الجهاز التنفسي، ولا يعرف العلماء حتى الآن ما يمكن أن تسببه من تحولات في الدم. ولهذا يجب الحذر نظراً لعدم توفر معلومات كافية عن آلية تفاعل الخلايا مع تلك الجزيئات المتناهية الصغر، كما أن البروفسور أورتفين رين" Ortwin Run المتخصص في علم الاجتماع من جامعة "شتوتغارت" الألمانية، يرى أن تطبيقات النانو تكنولوجي غير عادية، ويجب التعامل معها بحذر شديد، ووضع الإطار الأخلاقي لاستخدامها قبل فوات الأوان.
وخلال الندوة الصحافية التي نظمت على هامش "المؤتمر السنوي للمرصد الفرنسي للنانوتكنولوجي والمايكرو" OMNT-Observatoire des Micro et Nano Technologies الذي عقد في باريس في 7 شباط/ فبراير 2008، وعرض فيه 250 خبيراً أهم التطورات في النانو تكنولوجي التي سيشهدها عالمنا خلال السنوات المقبلة، حذر "دانييل بلوش" Daniel Bloch طبيب الشغل بمفوضية الطاقة النووية بفرنسا من مخاطر انتشار جزيئات النانو وتأثيراتها على البيئة والصحة، حيث قال "بلوش" إنه كلما تم تقسيم المادة إلى أجزاء صغيرة، كلما كانت أكثر إشعاعاً وبالتالي تشكل خطراً، ويمكن للمساحيق الجزيئية وبفعل دقتها، أن تنتشر في كل مساحات الجسم، وفي الحويصلات الرئوية والدم وحتى في الحاجز الدموي الدماغي (Blood-brain barrier (BBB الذي يحمي الدماغ ، وقد أكد ذلك عالم السموم Toxicologist البريطاني "فيفيان هوارد" Vyvyan Howard من . جامعة Ulster البريطانية، أن الجزيئات السنانوية من الذهب يمكنها أن تتخطى الحاجز المشيمي وبالتالي تنقل بعض المركبات من الأم إلى الجنين.. وهكذا نجد أن أنابيب الكربون النانوية، يمكن أن تنغرز في الحويصلات الرئوية وتتسبب بحالات سرطانية. وما يعقد توصيف التأثيرات الصحية المحتملة هو أن المنتجات الجزيئية التي تُصنع ما تزال مجهولة إلى حد ما.
وفي دراسة قام بها باحثون من معهد كارولينسكا" Karolinska Institutet في السويد، ونشرت بعدد أيلول/سبتمبر 2008 من دورية "أبحاث كيميائية في علم السموم Chemical Research in Toxicology توصلوا فيها إلى أن الجزيئات النانوية لأوكسيد التيتانيوم وأوكسيد الزنكZinc Oxide and Titanum Dioxide Nanoparticles الموجودة في المراهم الواقية للشمس وأدوات التجميل sunscreens and cosmetics تتسبب في قتل الخلايا أو تلف في الحمض النووي DNA، وأن المواد النانوية للنحاس Copper Nanomaterials كانت أكثر سمية وتلفاً. DNA-J يقول "زاك غولد سمیت Zac Goldsmith مدير تحرير مجلة "إيكولوجيست Ecologist البريطانية، إن مجتمع تقنية النانو لا أقوى يستحدث عن المخاطر المتوقعة لا أحد ينكر أن تقنية النانو هي أدوات عرفتها البشرية، ولكن من الجنون المهاجمة بغير نقاش، فالناس متخوفون ولهم عذرهم، والعلماء ارتكبوا أخطاء كثيرة قاتلة مثل "دي دي تي" DDT والثاليدومسيد Thalidomide والخطأ مع تقنية النانو سيكون أخطر بكثير مما سبق تقول "باني فالدمير" Patti Waldmeir في مقالة لها بعنوان "مخاطر جديدة شجاعة للنانوتكنولوجي "Brave new risks of nanotechnology في صحيفة "فاينانشيال تايمز" Financial Times البريطانية بتاريخ 18 أيلول/سبتمبر 2007 ، بأن علم النانو لا يزال في مهده، ولكن جزئيات السنانو تستخدم حالياً أو يتم تطويرها للاستخدام في المنتجات الاستهلاكية المتنوعة من المواد المستخدمة للوقاية من الشمس إلى ربطات العنق المقاومة للبقع، الثلاجات الخالية من الروائح الكريهة والعدسات اللاصقة التي تغير اللون وفقاً لمستويات السكر في الدم (مما ينسيح لمرضى السكري أن يفحصوا دمهم فقط بمجرد النظر إلى المرآة). ولا أحد يعلم حقاً ما إذا كان أي. من مئات منتجات النانو التي تباع حالسياً في الأسواق آمنة، ولا أحد ينظمها. ويبدو أن الاستراتيجية هي البيع أولاً، والسلامة لاحقاً. ووفقاً لمشروع "تقنيات النانو الناشئة" Project on Emerging Nanotechnologies لمركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين Woodrow Wilson International Center for Scholars الذي أجرى مسحاً حول توجهات المستهلك نحو تقنية النانو، فإن معظم الأميركيين لا يعرفون شيئاً أو يعرفون القليل جداً عن جزيئات النانو (وسوف يصدمون بلا شك عندما يعلمون بأن مثل هذه الأمور يمكن أن تكون بالفعل في المواد الواقية من الشمس التي يستخدمونها). فحجم جزيئات النانو في المواد الواقية من الشمس يجعلها تحجب المزيد من الأشعة فوق البنفسجية. ولكن غالبية "بطاقات" labels المواد الواقية من الشمس لا تحتوي على أي تلميح لاحتوائها على النانو وتشير بعض الأبحاث إلى أن مكونات النانو المستخدمة بشكل واسع في المواد الواقية من الشمس يمكن أن تضر بالحمض النووي للخلايا، أو رئات الحيوانات عندما : استنشاقها، ولا أحد يعلم ما إذا كان ذلك يترجم إلى ضرر على البشر، ولكن ذلك بالضبط هو المغزى، فلا أحد يعلم ما إذا كنت أتسبب بضرر أكبر لأطفالي عندما أرش عليهم مادة واقية من الشمس تحتوي على جزيئات النانو، من الضرر الذي يسببه لهم الاحتراق من الشمس. تقول التقارير الاستهلاكية إن تقنية النانو ستغير حياة الأميركيين بقدر ما غيرتها الكهرباء أو محرك الإحتراق الداخلي. ويقول العالم "ديفيد ريجيسكي David، Rejeski ، مدير مشروع النانو في معهد وودرو ويلسون، لكن" إن كانت هذه بالفعل هي الثورة الصناعية التالية، فلماذا لا نتحدث عنها؟ ويقول إن ردة الفعل العامة هدمت مستقبل الأغذية المعدلة وراثياً، لأن قطاع الأعمال والحكومة أساءا التعامل مع مخاوف المستهلك. ويضيف "إن للحكومة دوراً ضخماً جداً في زيادة ثقة الشعب حول هذه التقنيات الناشئة".
ويقول "ريجيسكي" إن الشركات وخصوصاً الصغيرة منها والتي لا تمتلك موارد كافية يمكن أن تخصصها للاختبار بحاجة إلى قواعد للتعامل مع مسألة النانو. ويقول أيضاً بأن "هناك إمكانية عالية جداً الحدوث رد فعل شعبي. ويضيف كيف سيعرف الناس عن النانو، وممن، وما هي الرسالة التي ستكون حاسمة".
يجب أن يكون هناك طريق وسط فالسوق جيدة في الاستجابة لذعر المستهلك بعد الحقيقة، ولكنها ليست جيدة في توقع الكارثة. ويقول "ريجيسكي" إن قطاع الأعمال الحكومة والشعب بحاجة إلى الوصول إلى "عقد اجتماعي" جديد حول تقنية النانو، أو أن أصحاب رأس المال المضارب لن يجازفوا بمواردهم في تقنية يمكن أن تغرق إلى ما دون الإزدراء العام، فالحكومة بحاجة إلى وضع بعض القواعد لتطوير النانو بمسؤولية والحكومة والأسواق بحاجة إلى العمل يداً بيد في هذا الموضوع.
في العام 2006 نشرت مجلة "نيتشر" "الطبيعة"، خمسة أبحاث تتناول التحديات الكبرى المرتبطة بالتنمية الآمنة للتكنولوجيا متناهية الصغروهي:
- التوصل إلى السبل اللازمة لقياس كمية المواد متناهية الصغر في الهواء والماء؛
- تعلم كيفية تقييم مدى الضرر الناجم عن المواد متناهية الصغر؛
- تنمية السبل اللازمة للتنبؤ بالأضرار الناجمة عن المواد متناهية الصغر الجديدة - ومنعها؛
- امتلاك المهارات اللازمة لتقييم التأثيرات المحتملة للمنتجات متناهية الصغر على كافة المستويات؛
- إنشاء الاستراتيجيات وإيجاد التمويل اللازم لدعم الأبحاث المطلوبة المواجهة هذه التحديات.
وقد بدأت بعض الدول والمناطق في وضع الأجندات البحثية التي تستجيب لهذه التحديات الخمسة. فعلى سبيل المثال، أعلن الاتحاد الأوروبي مؤخراً عن إنشاء برنامج للأبحاث في محال التكنولوجيا متناهية الصغر، يتكلف 3.6 مليار يورو، ويتضمن الأهداف البيئية، والصحية، وأهداف السلامة التي تتعلق بهذه التحديات وأيضاً، في شهر آذار / مارس 2007، وجهت الهيئة الاستشارية العليا لدى الحكومة البريطانية تحذيراً مفاده أن ريادة الدولة في مجال التكنولوجيا متناهية الصغر أصبحت في انحسار، وذلك لأن الحكومة لم تستثمر القدر الكافي من الأموال في الأبحاث اللازمة لفهم وإدارة
التأثيرات الصحية والبيئية المحتملة نتيجة لاستخدام هذه التكنولوجيا. كما يعكف "المعهد الأميركي الوطني للسلامة المهنية والصحة" The National Institute for Occupational Safety and Health على تطوير إرشادات للتعامل مع مواد النانو، قائلاً ان تلك الجزيئات الصغيرة قد تشكل خطراً غير معروف على الأفراد الذين يتعاملون معها، وهناك أمر مجهول آخر وهو الخطر بالنسبة إلى المستهلكين والبيئة.
وقامت الحكومة البريطانية بخطوة حاسمة تجاه الأخطار التي يمكن أن تنجم عن النانوتكنولوجي، فقد أصدرت في تموز/يوليو عام 2004، تقريراً جاء فيه أن المواد المصنوعة عن طريق النانوتكنولوجي ينبغي اعتبارها من المواد الكيماوية الجديدة، وبالتالي إخضاعها للمزيد من الفحوصات الخاصة بالسلامة قبل طرحها في الأسواق، للتأكد لا تشكل أي خطر على الصحة البشرية. وقد تميز هذا التقرير بتناوله الفرص الكبيرة والمخاطر أيضاً التي قد تنجم عن هذه التقنية الحديثة التي ستستغل الأشياء الدقيقة الموجودة في الكون، وقد صدر هذا التقرير بعد تشكيل لجنة عليا من العلماء والمهندسين والحريصين على الأخلاقيات العامة والخبراء الآخرين التابعين للجمعية الملكية البريطانية والأكاديمية الملكية البريطانية للعلماء ، وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة البريطانية قد قامت في آب/أغسطس عام 2007 بإنشاء "موقع إلكتروني" على "شبكة الإنترنت" يختص بالنانو تكنولوجي الآمنة.
كما أن الحكومة الأميركية عقدت في 4 كانون الثاني/ يناير من عام 2007، أول اجتماع حول الآثار المترتبة على استخدام النانوتكنولوجي على البيئة والصحة ومراعاة معايير السلامة. وقد ركز الاجتماع على محال المواد المصنعة عمداً أو عفواً باستخدام النانوتكنولوجي، أي المواد التي تصنع خصيصاً بهذا الأسلوب، وليست المواد المتناهية الصغر التي توجد في الطبيعة على تلك الصورة أو التي تنتج بالصدفة عن عمليات تصنيع مواد أخرى يقوم بها البشر. وجاء في الاجتماع أن الإدراك العلمي لكيفية تفاعل المواد المنتجة أو المصنعة باستخدام النانوتكنولوجي مع النظم البيولوجية لم يكتمل بعد، وتوجد قائمة بالتساؤلات المثارة التي لم تتم الإجابة عنها بعد حول المواد المصنعة باستخدام النانوتكنولوجي، بما في ذلك التساؤلات المتعلقة بما إذا كانت الأساليب المستخدمة حالياً لاختبار مدى سمية المواد تعتبر أساليب ملائمة لقياس وتقييم مدى سمية أو خطورة المواد المنستجة بالنانوتكنولوجي والآثار البيولوجية المحتمل أن تترتب عليها. وفي هذا الاجتماع صرح بول زيغلر Paul Ziegler مندوب لجنة النانوتكنولوجي في مجلس الكيمياء الأميركي (منظمة للصناعات الكيماوية) American Chemistry Council، بأن تمويل الأبحاث الخاصة بالآثار الصحية والبيئية المترتبة على النانوتكنولوجي يجب أن يتناسب مع تمويل الأبحاث الخاصة بتطوير تلك التكنولوجيا، وقد قال بذلك معظم المتحدثين في الاجتماع. ويذكر أن الإنفاق على الأبحاث الخاصة بآثار النانوتكنولوجي على الصحة والبيئة ومراعاة السلامة عام 2006، بلغ 38 مليون دولار، وفي طلب الميزانية الذي قدمه الرئيس الأميركي للعام 2007 طالب بـ 44 مليون دولار لهذه الأبحاث. وقال الحاضرين في الاجتماع إن الأولوية القصوى في هذه الأبحاث، يجب أن تهتم بمواجهة الشكوك المتعلقة بالمواد المنتجة بالنانوتكنولوجي، كما دعوا إلى وجـــود مــصدر مركزي أو قاعدة بيانات مركزية للمعلومات التقنية المتعلقة بما يترتب على النانوتكنولوجي من آثار على الصحة وحماية البيئة. وقال" أندرو ماينارد Andrew Maynard، كبير المستشارين العلميين في مشروع النانوتكنولوجي الناشئة Project on Emerging Nanotechnology بمركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين في العاصمة واشنطن، إن النانوتكنولوجي لم تعد مجرد فضول علمي، فقد أصبحت موجودة في أماكن العمل والبيئة والمنازل، وأضاف، لو أن هناك إدراكاً سليماً لمزايا النانوتكنولوجي في مجالات الطب والعلاج والاتصالات وإنتاج الطاقة، لكان لزاماً على الحكومة الفيدرالية أن تضع خطة رئيسية شاملة لتحديد الأخطار المحتملة والتقليل منها نها.
وفي عام 2008 أعدت "مبادرة النانوتكنولوجي القومية" الأميركية، استراتيجية خاصة للنانوتكنولوجي متعلقة بالبحوث المرتبطة بالبيئة والصحة والأمان. ويطالب "كيفين "أوسمان" مدير مركز النانوتكنولوجيا البيولوجية والبيئية في جامعة رايس الأميركية، بتخصيص مزيد من الجهود والتمويل للأبحاث لدراسة الآثار الصحية والبيئية للنانوتكنولوجي، ويقول عند ذلك لن يكون هناك جواب بسيط للسؤال: هل النانوتكنولوجي خطرة؟ ويؤكد "أوسمان" على أن السيناريوهات النانوتكنولوجي والتي تنتمي لأعمال الخيال العلمي، لا تعني بأي حال الرضى والتساهل مع المخاطر المحتملة، فلابد من التعاون بين العلماء والمهندسين العاملين على تطوير تقنية النانو والناشطين الحماية البيئة وأصحاب القرار لإشاعة مناخ من الثقة ولتجنب التعرض للعديد المخيفة من المشكلات.
يقول "أندرو ماينارد ، كبير المستشارين العلميين لمشروع النانوتكنولوجي الناشئة، إذا ما كنا راغبين في بناء تكنولوجيا متناهية الصغر استناداً إلى العلوم السليمة، فلابد من دعم الاستراتيجيات البحثية العالمية اعتماداً على السياسات الإبداعية وتوفير التمويل الكافي للقيام بهذه المهمة. ففي الولايات المتحدة فقط تتراوح التقديرات الخاصة بمستويات التمويل اللازمة للأبحاث التي تدرس المخاطر المرتبطة باستخدام التكنولوجيا متناهية الصغر ما بين خمسين إلى مئة مليون دولار أميركي سنوياً - أي حوالي خمسة إلى عشرة أمثال إجمالي الاستثمار في هذا المجال في العام 2005.
لا ينبغي لنا أن ننطلق نحو مستقبل التكنولوجيا متناهية الصغر ونحن مغمضي الأعين. وعلى الرغم من البداية الطيبة إلا أن العديد من الدول تبادر إلى تنمية تقنيات القرن الواحد والعشرين هذه في إطار توجهات عقلية عتيقة وتفتقر إلى البصيرة الواضحة. وإذا لم نتمكن من إيجاد السبل اللازمة لرصد المخاطر الجديدة المحتملة والتعامل معها بكفاءة، فلن يكون بوسعنا أن نتوقع مستقبلاً آمنا في ظل هذه التكنولوجيات الجديدة. ولابد أن ندرك الحاجة إلى تأسيس تطبيقات هذه التكنولوجيا في المستقبل على الفهم السليم للتأثيرات المحتملة. إن الفائزين في السباق العالمي لاحتلال مركز الريادة في عالم التكنولوجيا متناهية الصغر هم هؤلاء الذين سوف يدركون المخاطر ويدعمون الأبحاث اللازمة لتقليصها إلى أدنى حد ممكن.
الاكثر قراءة في الفيزياء الجزيئية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة