النانوتكنولوجي مخاطر ومخاوف
المؤلف:
منير نايفة
المصدر:
النانوتكنولوجي- عالم صغير ومستقبل كبير- صفات سلامة
الجزء والصفحة:
ص125
2025-10-25
44
رغم الفوائد العلمية الجمة للنانوتكنولوجي، إلا أن معارضيها يخشون من تحولها لسلاح مدمر، فبينما تتنافس العديد من الدول الإستغلال النانوتكنولوجي في العديد من مجالات الحياة، يتخوف بعض العلماء والخبراء وواضعي | السياسات العلمية، من أن التعمق كثيراً في النانوتكنولوجي قد يعرض مستقبل الحضارة البشرية للخطر، وبخاصة مع سيطرة الآلات الدقيقة على مقدرات الكون، كما يرى بعض العلماء أن التأكد من مخاطر أو سلامة النانوتكنولوجي البيئية والصحية قد يستغرق عدة سنوات. ولقد بدأت الحكومات ومؤسسات الأعمال تضخ مليارات الدولارات في الأبحاث الهادفة لتحديد الآثار الصحية والبيئية المحتملة للنانوتكنولوجي، ولكن يقول العلماء أن ما يتم إنفاقه لا يكفي للتأكد مما إذا كانت مواد النانو تشكل خطراً على البيئة وصحة البشر .
وتعد رواية "الفريسة" Prey لكاتب الخيال العلمي الأميركي "مايكل كرايتون Michael Crishton، والصادرة عام 2002، خير مثال للحديث عن المخاوف والأخطار التي يمكن أن تنجم عن سوء استغلال النانو تكنولوجي، حيث ترسم الرواية سيناريو يوم حشر doomsday scenario، تستحدث فيه عن حشود خطرة من روبوتات نانوية متناهية الصغر swarm of nanomachines ذاتية الاستنساخ، تستمكن من الإفلات من المختبرات وتهدد البشرية، وتحول كل شئ في طريقها إلى مادة لزجة تسمى جوو" الرمادي" Grey Goo.
كما أن عالم الفيزياء الأميركي ومؤسس علم النانوتكنولوجي "إريك دريكسلر"، قد تحدث في كتابه "محركات الخلق أو التكوين" عام 1986، عن هذا الجو الرمادي"، حيث ذكر أنه عبارة عن آلة متقدمة تكنولوجياً دقيقة الحجم، تستطيع استنساخ نفسها كما تفعل الكائنات الحية الدقيقة، كما تصور أن هذه الآلات الدقيقة ستتحول إلى جحافل من التجمعات الآلية الصغيرة تقتلع أي شئ في طريقها وتبيد كل أشكال الحياة على وجه الأرض.
ويذكر أيضاً أن العالم الأميركي "بيل جوي Bill Joy خبير البرمجيات وواضع برنامج جافا للبرمجة، وأحد مؤسسي شركة صن مايكروسيستمز الصناعة البرمجيات، وأحد مديري لجنة دراسات مستقبل التكنولوجيا في أميركا، قد حذر في مقالته الرائدة بعنوان "لماذا لا يحتاج إلينا المستقبل؟"?Why the future doesn't need us في مجلة "وايرد" Wired الأميركية الشهيرة عام 2000 من مخاطر النانوتكنولوجي، حيث قال بأن الأجهزة الميكانيكية متناهية الصغر التي لا تتعدى أحجامها الذرة الواحدة والتي سيمكن صنعها بفضل النانوتكنولوجي، قد تتحول إلى آفات ميكانيكية مدمرة تستنسخ نفسها بنفسها ولا يمكن إيقافها، كما أن "جوي" يبدي قلقه بشأن إمكانية استخدام الإرهابيين لأعداد كبيرة من الكائنات المجهرية غير الخاضعة للسيطرة وذاتية الاستنساخ، لقتل الأفراد بشكل انتقائي تميزة صفات وراثية أو منطقة جغرافية معينة. ويخشى المعارضين للنانوتكنولوجي وخصوصاً الأمير "تشارلز" أمير ويلز Prince Charles أن تؤدي هذه التكنولوجيا الحديثة إلى تطوير أسلحة دمار شامل أو تطوير روبوتات نانوية متناهية الصغر لديها القدرة على استنساخ نفسها، أو تصنيع كائنات شديدة الدقة لديها القدرة على استساخ نفسها، والتي قد تخرج عن نطاق السيطرة البشرية مسؤدية إلى عواقب وخيمة فقد تدمر العالم وتحيله إلى "مادة لزجة) حيث يقول العلماء إن أجهزة التناسخ الذاتي قد تكون أكثر قوة وفاعلية من القنابل الذرية، فاجتياح الأرض بالقنابل يتطلب كماً هائلاً مسن المعدات والمزيد من النظائر الإشعاعية النادرة Rare Isotopes ، بينما يمكن تدمير الحياة على الأرض بواسطة أجهزة التناسخ الذاتي باستخدام الفلسيل من مكونات اعتيادية. يقول عالم الفلك البريطاني السير "مارتن ريس" Martin Rees في كتابه "ساعتنا الأخيرة "Our Final Hour عام 2003، إن العلم يتقدم بدرجة لا يمكن التنبؤ بها وفي نطاق أخطر من أي وقت مضى، ويعدد الأخطار الكبرى التي تمدد الجنس البشري.. إرهاب نووي، وفيروسات معدلة وراثياً، وانفلات أجهزة من صنع الإنسان، وهندسة وراثية تغير طبيعة البشر، كما أن آلات متناهية الصغر مصنوعة بتقنية النانوتكنولوجي يمكن أن تعيث فساداً وتقضي على قارة بأكملها في غضون بضعة أيام، وكل هذا قد ينجم عن خطاً أو بتدبير من أشرار.
في تقرير مكون من 200 صفحة باسم "قضية الحجم" A Matter of Size، نشره مجلس البحوث القومي الأميركي" The National Research Council في أيلول / سبتمبر 2006، جاء فيه أن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن "جسيمات النانو المعالجة هندسياً" engineered nanoparticles، والستي هي أصغر بكثير عما هي عليه في الوضع العادي، لها تأثيرات على صحة الحيوانات المختبرية، كما أنها قابلة للدخول إلى الخلايا البشرية وتثير ردود فعل كيميائية في التربة وتتدخل في العمليات البيولوجية والبيئية ومن باب الإحتراس تبني بعض الإجراءات الإحترازية لحماية سلامة وصحة العاملين والجمهور والبيئة.
وجاء في التقرير أيضاً أن الولايات المتحدة لا تعطي ! اهتماماً كافياً للمخاطر البيئية والصحية وسلامة الحياة التي بدأت تفرزها المنتجات ذات الأحجام الصغيرة، وعبر التقرير عن قلقه حول غياب التركيز على مستوى فيدرالي على الصحة والسلامة فيما يتعلق بالنانوتكنولوجي. ، وحذر التقرير من أنه إذا لم يتم ملء الفراغات ضمن المعرفة المتعلقة بالنانوتكنولوجي، فإن كل هذا المجال يمكنه أن يتبخر نتيجة عدم ثقة الجمهور به .
يقول "آندرو ماينارد Andrew Maynard كبير المستشارين العلميين لمشروع النانوتكنولوجي الناشئة Project on Emerging Nanotechnology التابع لمركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين، أن التكنولوجيا متناهية الصغر تعمل أيضاً على زعزعة إدراكنا لما قد يشكل ضرراً بالنسبة إلينا. فعلى مقياس متناهي الصغر (حوالى واحد من خمسين ألف من سمك شعرة الإنسان تتصرف المادة بأساليب غير عادية: فتصبح المواد الضعيفة قوية، وتنشط المواد الخاملة، وتتحول المواد غير الخطيرة إلى مواد خطيرة. وبنفس الطريقة التي يمكن بما تحويل الحديد إلى منتجات متنوعة كمقلاة طعام أو سيف مثلاً، فإن مدى نفع أو ضرر التكنولوجيا متناهية الصغر يتوقف على الكيفية التي يتم بها تحويلها إلى صناعة على مقياس متناهي الصغر. ونتيجة لهذا فلم يعد بوسعنا أن نعتمد على الأساليب التقليدية في إدارة المخاطر اعتماداً . على تقديرنا للمواد الخام فحسب، ومع استمرار أعداد المنتجات التي تستخدم التكنولوجيا متناهية الصغر في النمو، أصبحنا بحاجة إلى بيانات علمية جديدة حول المخاطر التي قد تترتب على استخدام هذه المنتجات.
ويتفق الخبراء في الحكومات والصناعات المختلفة والجهات العلمية الأكاديمية وغيرها على ضرورة تناول قائمة التساؤلات الطويلة بالبحث وتقديم الإجابات الوافية إذا ما كان لنا أن ننمي ونطور التكنولوجيا متناهية الصغر بأكبر قدر ممكن من الأمان. إن التحدي الذي نواجهه يستلخص في إيجاد الإجابات التي من شأنها أن تمكن المنتجين والمسئولين التنظيميين من اتخاذ قرارات سليمة قائمة على العلم، وإنشاء نظام إشرافي قادر على بث الطمأنينة والثقة في نفوس المستهلكين. للأسف أن الاستجابة العالمية لهذه التحديات لم تكن على المستوى المطلوب. ففي العام 2005 قام مشروع النانوتكنولوجي التابع لمركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين بدراسة الأبحاث ذات التمويل الحكومي والتي تتعامل مع التأثيرات البيئية والصحية الناجمة عن استخدام التكنولوجيا متناهية الصغر، فضلاً عن تأثيرها على سلامة الإنسان. وتوصلت الدراسة إلى أن الاستثمار في السبحوث وثيقة الصلة بهذه التأثيرات كانت ضئيلة للغاية ففي الولايات المتحدة لم تتجاوز 1 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الفيدرالية المخصصة للبحوث في مجال التكنولوجيا متناهية الصغر وتنميتها، والتي بلغت 1.1 مليار دولار أميركي.
والأمر الذي يثير القدر الأعظم من الانزعاج هو الغياب الواضح لأي استراتيجية ثابتة خلف الأبحاث التي يتم تمويلها. حتى إن العدد القليل من الدراسات وثيقة الصلة والتي استكشفت المجازفات المحتملة، افتقرت إلى أي قدر من التوجيه على النحو الذي يشير إلى أن المعلومات التي توصلت إليها هذه الدراسات قد تساعد صانعي القرار في ضمان تنمية التكنولوجيا متناهية الصغر بشكل آمن على الأمد البعيد.
لقد أحرزت الولايات المتحدة نجاحاً هائلاً في إنشاء الاستراتيجيات البحثية الداعمة لاستخدامات التكنولوجيا متناهية الصغر، وخدمت بالضوء ارتفعت قابليتها لتوصيل الكهرباء بنسبة 13 بالمئة، كما تضاعفت صلابة الأنابيب 6 مرات بفضل الكهرباء.
كما يقوم باحثون أميركيون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأميركي الشهير (MIT)، ببرنامج علمي يستخدم النانوتكنولوجي لتطوير معدات حديثة عالية التكنولوجيا، تجعل الجنود غير مرئيين جزئيا، ويقفزون فوق الجدران لستة أمتار، ويعالجون جروحهم في ميادين القتال. فقد فاز المعهد بعقد مدته خمس سنوات وبقيمة 50 مليون دولار مع الجيش الأميركي لتطوير جندي المستقبل، من خلال إنشاء مركز لتطوير معدات قتال باستخدام مواد بحجم الذرة، يسمى "معهد النانوتكنولوجي للجنود" (MIT's Institute for Soldier Nanotechnology (ISN، والذي تم تأسيسة عام 2002. يقول المسئولون بالمعهد أنهم يأملون في تصميم زي عسكري فريد من نوعه فمن الأفكار المطروحة تطوير زي خفيف تتغير ألوانه للتموية camouflage مثل الحرباء، حيث تقوم أجهزة لاقطة بإصدار تعليمات إلى الأنسجة بتوليد التمويه المثالي عبر تغيير لونها لتتلاءم والبيئة التي ترصدها من حولها، وتطوير زي يشبه الدرع، يصبح صلباً في أماكن إصابات العظم، كما يستشعر المواد البيولوجية أو الكيماوية القاتلة وتمكين الجنود من مواجهة جميع التهديدات المحتملة في المعارك المستقبلية سواء أكانت طلقات رصاص عادية أو أسلحة بيولوجية أو كيماوية switchable nanopores، وذلك عن طريق العمل على إنتاج عضلات خارجية مزروعة داخل الزي العسكري لتعطي الجندي قوة خارقة، ومن شأن هذه العضلات أن تعمل بتناسق كلي مع العضلات الطبيعية للجندي لتعزيز قوته البدنية وقوة إحتماله، فمن خلال النانوتكنولوجي سيتم تحويل بدلات المستقبل العسكرية إلى سترة واقية من الرصاص energy-absorbing material، أو تحويل السروال كنموذج متبع في كافة أنحاء العالم. إلا أن الاستراتيجيات التي تعمل على تنمية وإنتاج تطبيقات التكنولوجيا متناهية الصغر لن تساعدنا في الإجابة على القائمة المتنامية من ! الأسئلة التي تطرحها الحكومات والجهات الصناعية بشأن تأثيراتها المحتملة اليوم.
الحقيقة أن التساؤلات الملحة المتعلقة بالمجازفة تتطلب قدراً عظيماً من العمل المتأني على الصعيد الدولي ولن يتسنى لنا الإجابة على هذه التساؤلات إلا بالإرتقاء بالجهود البحثية والتمويل إلى المستوى المطلوب لتوجيه الصناعة بالكامل إلى مستقبل آمن فيما يتصل باستخدام تطبيقات التكنولوجيا متناهية الصغر.
ويخشى بعض العلماء من الآثار المترتبة على استخدام النانوتكنولوجي على الصحة والبيئة، ففي دراسة نشرت في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2007 عجلة Nature Nanotechnology، تم فيها استطلاع رأي بعضاً من عامة الجمهور، بالإضافة إلى 363 عالماً ومهندساً يعملون في محال النانوتكنولوجي، حول المخاطر المحتملة للنانوتكنولوجي، أظهرت نتائجها أن 30 بالمئة من علماء النانوتكنولوجي يتخوفون أن تؤدي النانوتكنولوجي إلى ظهور مشاكل صحية على البشر، مقابل 20 عامة الجمهور، كما أن 20 بالمئة من العلماء يتخوفون من أن تؤدي النانو تكنولوجي إلى نشوء أنواع جديدة من التلوث، مقابل 15 بالمئة من عامة الجمهور.
الاكثر قراءة في الفيزياء الجزيئية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة