 
					
					
						إبطال التفويض					
				 
				
					
						 المؤلف:  
						آية الله السيد محسن الخرّازي
						 المؤلف:  
						آية الله السيد محسن الخرّازي					
					
						 المصدر:  
						بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
						 المصدر:  
						بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية					
					
						 الجزء والصفحة:  
						ج1 ، ص 160 - 165
						 الجزء والصفحة:  
						ج1 ، ص 160 - 165					
					
					
						 2025-06-15
						2025-06-15
					
					
						 500
						500					
				 
				
				
				
				
				
				
				
				
				
			 
			
			
				
				ذهب قوم آخرون وهم " المفوضة " إلى أنه تعالى فوض الأفعال إلى المخلوقين ورفع قدرته وقضاءه وتقديره عنها، باعتبار أن نسبة الافعال إليه تعالى تستلزم نسبة النقص إليه وإن للموجودات أسبابها الخاصة وان انتهت كلها إلى مسبب الأسباب والسبب الأول وهو الله تعالى.
ومن يقول بهذه المقالة فقد اخرج الله تعالى من سلطانه وأشرك غيره معه في الخلق (أ).
______________
(أ) ومن المفوضة أكثر المعتزلة وهم ذهبوا إلى أن الفعل مفوض إلينا، ولا مدخلية فيه لإرادته وإذنه تعالى، والذي أوجب هذه المزعمة الفاسدة هو الاحتراز عن نسبة المعاصي والكفر والقبائح إليه تعالى، حيث زعموا أنه لو لم نقل بالتفويض، لزم استناد القبائح إليه تعالى، وهو لا يناسب مع جلاله. هذا مضافا إلى أنه لو لم يكن العبد مستقلا في فعله لما صح مدحه وذمه، على أن المستفاد من الآيات الكثيرة هو استناد أفعال العباد إليهم دونه كقوله تعالى: " فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم " (1)، وقوله تعالى: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (2)، وقوله تعالى: " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله " (3) إلى غير ذلك من الآيات.
وفيه أولا: أن لازم ما ذكر أن الانسان لا يحتاج في مقام الفاعلية إليه تعالى، بل هو مستقل في ذلك، وهو ينافي التوحيد الأفعالي وانحصار المؤثرية الاستقلالية فيه تعالى.
وثانيا: أن الفعل والفاعل وكل شأن من شؤونه من الممكنات، والممكن ما لم يجب لم يوجد، فإن استند الفعل إلى الواجب المتعال ولو بوساطة المختارين في الأفعال، صار واجبا بالغير ووجد، وإلا فلا يمكن وجوده وإن استند إلى جميع الممكنات. فكما أن الفاعل يستند إلى مسبب الأسباب بالآخرة كذلك فعله مع الاختيار، فلا وجه للتفكيك بينهما مع أنهما كليهما من الممكنات.
وثالثا: أن قبح استناد القبايح إليه تعالى، فيما إذا لم يكن واسطة في البين، وأما مع وساطة المختارين والقادرين، فلا مانع منه ولا قبح فيه، لأن معناه حينئذ هو أن الله تعالى خلق العباد قادرين ومختارين لأن يختاروا ما يشاؤون ويصلوا إلى الكمال الاختياري، والخلق المذكور عين لطف وحكمة، لأن التكامل الاختياري الذي هو من أفضل أنواع الكمالات، لا يحصل بدون اختيار العباد فيما يشاؤون. فما هو القبيح من الاستناد بدون وساطة المختارين لا وقوع له، وما وقع لا قبح فيه، وعليه يحمل ما ورد عن أبي الحسن الثالث - عليه السلام - من أنه سئل عن أفعال العباد أهي مخلوقة لله تعالى، فقال: " لو كان خالقا لها - أي بدون وساطة المختارين والقادرين - لما تبرأ منها، وقد قال سبحانه: " إن الله برئ من المشركين " ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم " (4).
ورابعا: أن المدح والذم يصحان فيما إذا كان الفعل صادرا بالقدرة والاختيار، للتمكن من الخلاف، ولا يشترط فيهما الاستقلال، إذ ملاك المدح والذم هو القدرة والاختيار في الفعل والترك، وهو موجود في أفعالنا، ولذا يكتفى في المحاكم القضائية عند العقلاء بذلك للمجازاة والمثوبات.
وخامسا: أن التفويض لا تساعده الآيات الدالة على أنه ما من شئ إلا ويكون بإرادته وإذنه وقدرته، كقوله تعالى: " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين " (5)، وقوله عز وجل: " والله خلقكم وما تعملون " (6)، وقوله تعالى: " وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله " (7).
وهذه الآيات ونحوها صريحة في أن التفويض لا واقع له، بل كل الافعال سواء كانت قلبية أو خارجية، غير خارجة عن دائرة قدرته ومشيئته وارادته وإذنه، ومقتضى الجمع بين هذه الآيات وما تمسك به المفوضة من الآيات، هو أن المراد من استناد الأفعال إلى العباد ليس هو التفويض، بل يكفي في الاستناد كون مباشرة الأفعال باختيارهم وقدرتهم وتمكنهم من الخلاف، وإن كان قدرتهم تحت قدرته وإذنه ومشيئته تعالى، فالمباشرة منهم بالاختيار لا يستلزم التفويض فلا تغفل، هذا.
مضافا إلى نفي التفويض في الأخبار الكثيرة.
منها: ما روي عن الصادق - عليه السلام - قال: " الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل زعم أن الله عز وجل أجبر الناس على المعاصي، فهذا قد ظلم الله عز وجل في حكمه وهو كافر، ورجل يزعم أن الأمر مفوض إليهم، فهذا وهن الله في سلطانه فهو كافر، ورجل يقول إن الله عز وجل كلف العباد ما يطيقون، ولم يكلفهم ما لا يطيقون، فإذا أحسن حمد الله وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ " (8).
ومنها: ما روي عن الوشاء عن أبي الحسن الرضا - عليه السلام - قال:
" سألته فقلت: الله فوض الأمر إلى العباد؟ قال: الله أعز من ذلك، قلت:
فأجبرهم على المعاصي؟ فقال: الله أعدل وأحكم من ذلك " (9).
لا يقال: إن القبائح لو كانت مستندة إليه تعالى لما حكم سبحانه بحسن جميع ما خلق، مع أنه قال عز وجل: " الذي أحسن كل شئ خلقه " (10)، لأنا نقول: نعم، هذا لو كان الاستناد من دون وساطة الاختيار للعباد وأما مع الوساطة المذكورة فلا قبح فيه، بل هو حسن، لأن مرجعه إلى خلقة العباد مختارين وقادرين وغير مجبورين في الأفعال، بحيث يتمكنون من الإطاعة والعصيان، حتى يمكن لهم أن يصلوا إلى اختيار الكمال مع وجود المزاحمات، وهو أفضل أنواع الكمالات، فخلقة الاختيار في الإنسان - ولو اختار بعض الناس الكفر والعصيان بسوء اختيارهم - خلقة حسنة، بملاحظة أن الكمال الاختياري، المتقوم بالمزاحمات الداخلية والخارجية لا يمكن وجوده إلا بخلقة الاختيار في العباد، والمفروض أن الكمال المذكور من أحسن الأمور في النظام، فمراعاته حسنة والاخلال به لا يساعده الحكمة واللطف كما لا يخفى.
 
ثم إن الظاهر من عبارة الشيخ المفيد - قدس سره - أن التفويض هو القول برفع الحظر عن الخلق في الأفعال، والإباحة لهم ما شاؤوا من الأعمال ونسبه إلى بعض الزنادقة وأصحاب الإباحات (11).
وأنت خبير بأن المعروف من التفويض، هو ما نسب إلى أكثر المعتزلة، وهو المبحوث عنه في المقام، لأنه ينافي التوحيد الأفعالي، وأما ما نسبه إلى بعض الزنادقة، فهو لا يناسب المقام، بل ينافي لزوم التكليف وعدم جواز إهمال الناس، وقد مر في البحث عن التكليف أنا نعتقد أنه تعالى لا بد أن يكلف عباده ويسن لهم الشرايع وما فيه صلاحهم وخيرهم فراجع.
ثم ينقدح مما ذكرنا في نفي الجبر والتفويض، واستناد الأفعال إليه تعالى بوساطة المباشرين، ما في عبارة شيخنا الصدوق - رحمه الله - حيث قال على المحكي: " أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين، ومعنى ذلك أنه لم يزل عالما بمقاديرها. انتهى " (12).
وذلك لأن لازم كلامه أن الأفعال بحسب التكوين مفوضة إلى العباد، وليس هذا إلا قول المفوضة. هذا مضافا إلى ما أورد عليه الشيخ المفيد - قدس سرهما - من أنه ليس يعرف في لغة العرب أن العلم بالشئ هو خلق له، فخلق تقدير لا معنى له (13).
ثم لا يخفى عليك ما في يتراءى من التجريد وشرحه، حيث قال في التجريد: " والقضاء والقدر إن أريد بهما خلق الفعل، لزم المحال "، وقال العلامة - قدس سره - في شرحه: " فنقول للأشعري: ما تعني بقولك أنه تعالى قضى أعمال العباد وقدرها؟ إن أردت به الخلق والايجاد فقد بينا بطلانه، وأن الافعال مستندة إلينا " (14).
لما عرفت من أن انتهاء خلق الأفعال إليه تعالى بواسطة خلق القدرة واختيار العباد لا مانع منه، بل هو مقتضى التوحيد الأفعالي، ويمكن ارادتهما نفي الخلق بدون وساطة القدرة والاختيار، كما يقتضيه خطاب الشارح للأشعري، وبالجملة:  إن النظام السببي والمسببي في العالم مستند إليه تعالى، ومن جملته الأفعال المسببة عن العباد باختيارهم، فكما لا معنى للتفويض في سائر الأسباب لحاجتها إليه تعالى في الوجود والبقاء والتأثير، كذلك لا معنى له في سببية الإنسان للأعمال مع كونه ممكنا من الممكنات. هذا تمام الكلام في التفويض.
_____________
(1) البقرة: 78.
(2) الرعد: 11.
(3) التوبة: 105.
(4) بحار الأنوار: ج 5 ص 20.
(5) التكوير: 29.
(6) الصافات: 96.
(7) يونس: 100.
(8) بحار الأنوار: ج 5 ص 10.
(9) بحار الأنوار: ج 5 ص 16.
(10) السجدة: 7.
(11) تصحيح الاعتقاد: ص 14.
(12) تصحيح الاعتقاد: ص 11.
(13) تصحيح الاعتقاد: ص 12.
(14) شرح تجريد الاعتقاد: ص 315 - 316، الطبعة الحديثة في قم المشرفة.
 
 
 
				
				
					
					 الاكثر قراءة في  الجبر و التفويض
					 الاكثر قراءة في  الجبر و التفويض					
					
				 
				
				
					
					 اخر الاخبار
						اخر الاخبار
					
					
						
							  اخبار العتبة العباسية المقدسة