الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الآباء المطمئنون ينشئون أطفالاً سعداء
المؤلف: د. لورا ماركهام
المصدر: آباء مطمئنون أبناء سعداء
الجزء والصفحة: ص31ــ33
2024-12-24
143
ثمة حكمة قديمة تقول: ((تنشئة الأطفال هي أصعب مهمة في الوجود)). لكن لماذا هي صعبة إلى هذا الحد؟ عندما أطرح هذا السؤال على الناس، غالبًا ما يذكر الآباء سببين أولهما، أن المخاطر كبيرة جدا. وثانيهما، أنه ما من إجابات شافية عن كيفية تأديتها بطريقة صحيحة.
إحدى الإجابتين صائبة، والأخرى جانبها الصواب قليلا. فالمخاطر كبيرة بكل تأكيد. لكننا نعلم في الواقع كثيرًا عن كيفية تربية طفل سعيد ومسؤول ومُراعٍ وسليم عاطفيًا ومنضبط ذاتيا. توجد بحوث كثيرة قيمة حول هذا الموضوع المهم، وسوف يسعد الآباء بمعرفة كم تحمل هذه البحوث من منطق. تثبت الدراسات مرارًا أن الآباء الذين يستجيبون بتناغم دافئ ومحترم للاحتياجات التي ينفرد بها الطفل، ويضعون حدودا داعمة، ويوجهون عواطف الطفل بشكل بناء، ينشئون أطفالا مذهلين. وذلك على الرغم من كونه منطقياً فهو صعب. والجزء الصعب، كما يعلم كل أب وأم، إنما هو التحكم في مثيراتنا العاطفية بحيث يتسنى لنا تحقيق ذلك ولو لبعض الوقت.
بصرف النظر عن التحديات التي ينفرد بها طفلك، فإن أردت أن تحسن تربيته، عليك بالعمل على نفسك أنت أيضًا. ما يوقعنا في صراعات السلطة ليس الطفل، بل مخاوفنا وشكوكنا الخاصة. إن تجارب طفولتنا وصدماتنا النفسية الأولى - الكبيرة منها والصغيرة - هي جزء لا يتجزأ منا. والأدهى أنها الجزء الذي يهيمن علينا متى ما انزعجنا لذلك، ثق بأنك كلما غضبت أو خفت، فإن ما يسوق ردود أفعالك في الغالب هو تجربة سيئة خضتها أنت في وقت مبكر. للأطفال طريقتهم في استحضار تلك المشاعر التعسة من طفولتنا، ومن ثم فإن السبيل الوحيد لأن نصير آباء مطمئنين هو أن نمنع بشكل واعٍ مشاعرنا القديمة من التسبب في مشكلات جديدة.
الواقع أن أكثر ما نتمناه لأطفالنا يعتمد على عملنا على أنفسنا. كلنا يتمنى أن يربي أطفالا سعداء ومحبوبين ومحظوظين في علاقاتهم العاطفية. إذا استطعنا التفكر في علاقات طفولتنا المبكرة وتعلم الاعتناء بأنفسنا، يمكننا أن نمنح طفلتنا - يمكنك أن تمنح طفلتك - الصلة المتينة التي سترتكز عليها علاقاتها المفعمة بالحب لبقية حياتها. لا يسعنا التحكم في مجريات حياتها. لكن يسعنا أن نزيد فرصة أن تحيط نفسها بأشخاص يحسنون معاملتها ويساعدونها على إيجاد معنى عميق لحياتها.
ونتمنى أيضًا أن ننشئ أطفالا يستطيعون التحكم في سلوكهم، لأن ذلك يجعل حياتنا معهم أيسر، ولأن تلك هي مهمتنا بوصفنا آباء. ونحن نعلم كيف ننشئ أولئك الأطفال أيضًا. عندما ننظم عواطفنا يتعلم أطفالنا تنظيم عواطفهم. وذلك يسمح لهم بضبط سلوكهم، شريطة أن يكونوا متصلين بنا كفاية ليرغبوا في فعل ذلك.
وأخيرًا، نحن نتمنى لأطفالنا أن يكونوا ناجحين. ليس بالضرورة بمعنى كسب المكافآت التي يمنحها مجتمعنا مقابل الإنجاز، بل بمعنى اكتشاف مواهبهم الفريدة وصقلها ومشاركتها طوال حياتهم. ونحن نعلم كيف نساعد أطفالنا على تحقيق ذلك أيضًا. إن جزءا كبيرًا من ذلك مرتبط بإحكام سيطرتنا على مخاوفنا الخاصة، مما يترك الطفل حرا في الاكتشاف بالأصالة عن نفسه وبناء الثقة والمرونة.
يولد بعض الأطفال بطباع أصعب مراسًا، وهنا يصير عملنا الداخلي نحن الآباء أهم. لكن بصرف النظر عما تجلبه طفلتك للعالم، فإن الطريقة التي تستجيبين لها بها ستشكل قدرتها على نيل أقصى استفادة من حياتها. سيبهجك طفلك ويثير سخطك، سيغمرك بالسعادة ويزعجك. وسوف يطلب منك عن غير قصد منه حقًا أن تنمي أنتِ أيضًا. إذا استطعت رصد الوقت الذي يُسحب فيه زنادك وإعادة نفسك إلى حالة التوازن قبل الإتيان بأي تصرف، وإذا استطعت تهدئة قلقك، وإذا استطعت التفكر في تجربتك الخاصة والتصالح معها، يمكنك تنشئة أطفال سعداء أصحاء عاطفيّاً وناجحين بكل المقاييس. يمكنك أن تصيري إحدى هؤلاء الآباء المطمئنين، الذين ينشئون أطفالا سعداء.