x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الإمام علي (عليه السلام) والمجتمع
المؤلف: الشيخ خليل رزق
المصدر: نظام العلاقات الاجتماعية في نهج البلاغة
الجزء والصفحة: ص23ــ30
2024-11-16
223
يتكوّن المجتمع البشري من مجموعة أفراد تربطهم أنظمة وتقاليد وآداب وقوانين معينة(1).
ويشكّل هؤلاء الأفراد سلسلة مترابطة الأجزاء لا تستغني فيها حلقة عن أخرى، وتسود بينهم مجموعة من الأفكار والمعتقدات والأخلاق والطبائع توحدهم وتجمعهم على أساس قوانين وحقوق وواجبات، ولا تفرقهم الفتن والأهواء.
هذه الأنظمة والقوانين تتكوّن من خلال الاحتياجات الاجتماعية المشتركة والعلاقات الإنسانية التي تربط بين أفراد المجتمع وتجعل حياتهم مشتركة إلى حد كبير بحيث يمكن وصف هؤلاء الأفراد بالمسافرين الذين يمتطون واسطة نقل واحدة ويتجهون نحو هدف واحد ويشتركون معاً في بلوغ الهدف المنشود كما يشتركون في الفشل الذي قد يصيبهم في طريق تحديد ذلك الهدف.
ويرى الإمام علي (عليه السلام) أن من أقدس أهداف الإسلام وأسماها إيجاد هذه الروابط والعلاقات الاجتماعية، وبناء المجتمع البشري الصالح الذي يتحلّى فيه الأفراد بروح الجماعة، والتخلي عن الذات وذوبانها في المجتمع.
ورؤية الإمام علي (عليه السلام) تتجلّى بوضوح في حديثه عن أسباب بعثة النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) وغايتها الاجتماعية حيث يقول:
((بعثه والناس ضلال في حيرة، وحاطبون في فتنة، قد استهوتهم الأهواء، واستزلتهم الكبرياء، واستخفتهم الجاهلية الجهلاء، حيارى في زلزال من الأمر وبلاء من الجهل، فبالغ (صلى الله عليه وآله) في النصيحة، ومضى على الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة))(2).
وفي وصفه لحالة العرب الجاهلية وبعثة النبي (صلى الله عليه وآله) يقول:
((إن الله بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) نذيراً للعالمين، وأميناً على التنزيل، وأنتم معشر العرب على شرّ دين، وفي شر دار، مُنيخون بين حجارة خشن، وحياتٍ صُمّ، تشربون الكدر، وتأكلون الجَشِبَ، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة...))(3).
وهكذا استطاعت هذه البعثة النبوية والرسالة السماوية أن تغير مجرى التاريخ، وتُحدث التحولات الجذرية في كيان بشري ممزق ومفرق الأهواء، مضطرب الأحوال، تتحكم فيه أقسى وأصعب الأحكام كما يصفه الإمام علي (عليه السلام):
((فالأحوال مضطربة، والأيدي مختلفة والكثرة متفرقة، في بلاءٍ أزلٍ وأطباق جهلٍ، من بنات مؤودة، وأصنام معبودة، وأرحام مقطوعة، وغارات مشنونة..))(4).
وتحوّل هذا المجتمع إلى أسمى وأرقى مجتمع تتوفر فيه عناصر التقوى والإيمان بالله تعالى وتنتشر فيه كلمة التوحيد المشرقة التي أضاءت سماء الكون ليهتدي بها الحائر، ويسترشد بها الضال، وتملأ قلوب العارفين إيماناً ويقيناً.
النظام الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام):
إن الدراسة الواعية والدقيقة لكل تفاصيل الحياة التي عاشها الإمام علي (عليه السلام)، ولكل ما ورد من كلامه وخطبه في نهج البلاغة، تظهر لنا كيف حدد الإمام (عليه السلام) معالم النظام الاجتماعي الإسلامي بأدق معانيه وتفاصيله والذي على أساسه تتحدد الروابط والعلاقات التي يجب أن تحكم علاقات البشر مع بعضهم البعض، حيث كانت أعماله وأقواله مثالاً رائعاً يُحتذى به في جميع الجوانب، وبالأخص من جهة المواصفات التي تميز بها الإمام في بَثَّ روح الإخاء والمحبة بين المسلمين وحرصه على وحدة الصف والكلمة، ويكفي الإمام فخراً أن القرآن مدحه بهذه الصفة حيث يقول الله تبارك وتعالى كتابه الكريم :
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7](5).
وقوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96](6).
وامتاز الإمام علي (عليه السلام) بالحلم والصفح، بل كان كما قيل فيه: أحلم الناس عن ذنب، وأصفحهم عن مسيء، وقد ظهر هذا يوم الجمل؛ حيث ظفر بمروان بن الحكم ـ وكان أعدى الناس له، وأشدهم بغضاً ـ فصفح عنه.
وكان عبدالله بن الزبير يشتمه على رؤوس الأشهاد حيث خطب يوم البصرة فقال: قد أتاكم الوعد اللئيم علي بن أبي طالب، وكان علي (عليه السلام) يقول: ما زال الزبير رجلاً منا أهل البيت حتى شب عبدالله، فظفر به يوم الجمل، فأخذه أسيراً، فصفح عنه، وقال: إذهب فلا أرَينّك، ولم يزده على ذلك. وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكة - وكان له عدواً ـ فأعرض عنه ولم يقل له شيئاً.
وكذلك عندما ظفر بعائشة أكرمها، وبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس.
وحاربه أهل البصرة، وضَرَبُوا وجهه ووجوه أولاده بالسيوف، وشتموه ولعنوه، فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم، ونادى مناديه في أقطار العسكر: ألا لا يُتبع مول، ولا يُجهز على جريح، ولا يُقتل مستأسر، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن تحيز إلى عسكر الإمام فهو آمن.
ولم يأخذ أثقالهم، ولا سبى ذراريهم، ولا غَنِم شيئاً من أموالهم، ولو شاء أن يفعل كل ذلك لفعل، ولكنه أبى إلا الصفح والعفو حيث تقيد بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكة، فإنه عفا والأخطاء لم تبرر، والإساءة لم تُنسَ.
نعم هكذا كان الإمام وكما وصفه صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه.
((كان فينا كأحدنا، لِين جانب، وشدة تواضع، وسهولة قياد، وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه))(7).
هذه الوقائع والأحداث وغيرها من الوقائع تبين لنا كيف أراد الإمام علي (عليه السلام) أن يبين للناس معنى الإسلام، وأنه دين الصفح والحلم ودين الأخلاق، ودين الذين لا يفكروا بالانتقام ممن ظلمهم بل هو الدين الذي يُظهِرُ الإنسان فيه مدى حبه للناس ويسعى فيه ليرتبط مع الآخرين بروابط الإنسانية القائمة على أسس الخير والمحبة.
ودعا الناس إلى نبذ التعاليم الجاهلية والإلتجاء إلى التعاليم الإسلامية التي أنقذت الإنسان من الظلم والجهل والضلال.
ففي كلام له (عليه السلام) يقول:
((ولا تكونوا كجفاةِ الجاهلية، لا في الدين يتفقهون، ولا عن الله يعقلون، كقيض بيض في أداح(8)، يكون كَسْرُهَا وِزراً، ويُخْرِجُ حضانها شرا))(9).
وقال (عليه السلام):
((إن الله بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً، ولا يدعي نبوة، فساق، الناس حتى بوّأهم محلتهم، وبلغهم منجاتهم، فاستقامت قناتُهُمْ، واطمأنت صفاتهم))(10).
وكان للإمام علي (عليه السلام) الدور الكبير في وضع المناهج الربوية الحية لتنظيم سلوك الإنسان وتطوير حياته، وبناء حضارته، على أسس تتوفر فيها جميع عوامل الإستقرار النفسي.
ونظر الإمام (عليه السلام) بدقة وبعمق وشمول للإنسان، ودرس جميع أبعاد حياته وعلاقاته مع خالقه، ونفسه، وأسرته، ومجتمعه، وحكومته وغير ذلك، فوضع له نظاماً خاصاً لهذه الحقوق والواجبات، وجعله مسؤولاً عن رعايتها وصيانتها ليتم بذلك إنشاء مجتمع إسلامي تسوده العدالة الاجتماعية، والعلاقات الوثيقة بين أبنائه والتي تقوم على أساس الثقة والمحبة، وغيرها من وسائل التقدم في الميدان الاجتماعي وتنظيم علاقات الناس في كل المجالات.
ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن النظام الذي وضعه الإمام علي (عليه السلام) يشكل الأساس السليم لكل العلاقات في المجتمع الإسلامي والذي يدور ضمن هذه المحاور التالية وهي:
أولاً: علاقة الإنسان بالله تعالى.
ثانياً: علاقة الإنسان مع نفسه.
ثالثاً: العلاقات الاجتماعية الخاصة.
رابعاً: العلاقات الاجتماعية العامة.
خامساً: العلاقات الاجتماعية مع الجيران واليتــامـي والمساكين .
_______________________________
(1) المجتمع والتاريخ: الفيلسوف الإسلامي الشهيد مطهري ص 12.
(2) نهج البلاغة: الخطبة 93.
(3) نهج البلاغة: الخطبة 26.
(4) نهج البلاغة: الخطبة 190.
(5) راجع تفسير الطبري ج 3 ص 171 - والدر المنثور للسيوطي والصواعق المحرقة ص 96.
(6) راجع الكشاف للزمخشري والسيوطي في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا ...} وابن حجر في صواعقه ص 102.
(7) راجع شرح النهج ابن أبي الحديد ج ص 1 22 - 25 .
(8) القيض: القشرة اليابسة للبيضة، والأداح: جمع أُدعي، وهو المكان الذي تدحوه النعُّمة برجلها لتبيض فيه، وبيض النعام، إذا مرَّ به شخص ظنه بيض القطا أو غيره، فلا يكسره، فإذا فقس أنتج نتاجاً كله شر.
(9) نهج البلاغة : الخطبة 164 .
(10) نهج البلاغة : الخطبة 102 .