x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية والجنسية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
لقد خلقنا لجهاد دائم مع شهواتنا
المؤلف: الشيخ علي رضا بناهيان
المصدر: النظام التربوي الديني
الجزء والصفحة: ص 65 ــ 76
2024-09-02
249
إن الحسن والصلاح إنما هو جهد وسعي دائم لذبح تنين النفس، لا أن تبلغ مكانة أو مقاما وحسب. فان كنت بخيلا وقطعت رأس البخل من نفسك، لا تقف إذ ما إن قطعت رأسا يخرج رأس آخر. فاذهب في عملك وواصل جهادك.
يتجسد الحسن والصلاح في الجهاد الدائم لا في قتل رجل أو رجلين. إنه جهاد مستمر دائم مع رغبات الانسان وشهواته التي تتجدد وتستحدث ولا تنتهي. فليس معنى الامتحانات الالهية غير أنه يستخرج كل آن إحدى رغبات نفسك ويجعلها أمامك لتحز رأسها. وأحيانا تجد هذه المشتهيات جيدة، وأحيانا تجدها من حقك، وتارة تجدها رغائب ضرورية ليست بكمالية.
لقد خلقنا لجهاد مستمر مع رغباتنا، سواء أكان طريق الجهاد عبر التكاليف الإلهية التي لابد من إطاعتها، أم كان عبر التقديرات الإلهية التي لابد أن نرضى بها. فليس لنا تجاه أحداث العالم كله سوى تكليف واحد، وهو ذبح نفسنا الامّارة.
فعلى سبيل المثال قد يأتي أحد ويشتمنا ويسبّنا كذبا وعدوانا، فتكليفنا الاول هو أن نذبح نفسنا أولا، ثم نرى هل لنا تكليف آخر تجاهه. فهل ينبغي أن نرد عليه أو يجب أن نؤدبه، ولا بأس أن نؤدبه أن استدعى التكليف. ينقل عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أنه توضأ مع الناس في ميضاة المسجد فزحمه رجل فرمى به فأخذ الدرة فضربه ثم قال له ليس هذا لما صنعت بي ولكن يجيء من هو أضعف بني فتفعل به مثل هذا فتضمن) [الاختصاص / ص 159]
فانظر ما هو تكليفك؟ إن تكليفك هو أن تذبح نفسك وتقطع رأسها. ويمكن مشاهدة مدى أهمية جهاد النفس من خلال بعض الروايات. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (في خلاف النفس رشدها) (تحف العقول / ص91) وقال كذلك: (الرشد في خلاف الشهوة) (تحف العقول / 214).
وكذلك روي عن الإمام الجواد (عليه السلام) أنه قال: (لن يستكمل العبد حقيقة الإيمان حثى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه) (كشف الغمة / ج 2 / 348). فنحن نتصور أن محل استكمال الإيمان في استماع الدروس العقائدية، ولكنه تصور خاطئ. إن أصل الموضوع ومنطلق ازدياد الإيمان ونقصانه هو شهوة الإنسان. ولهذا ترى بعض الناس يكرهون الدين، لأن مقتضى العمل بالدين هو مخالفة الهوى.
اتباع الهوى هي النقطة المقابلة لعبادة الله
واستمعوا إلى هذه الرواية يا عباد الله، الذين تعبدون الله ولا تعبدون شيئا سواه. روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه آله): (ما تحت ظل السماء من إله يعبد من دون الله أعظم عند الله من هوى متبع) [الدر المنثور / 6 / 261]. فاتباع الهوى وعبادة الهوى هو النقطة المقابلة لعبادة الله. وهي ضرب من أنواع العبادة؛ {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23].
العامل الوحيد الذي يعيننا على مخالفة الأهواء هو الخوف
يقول الله سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41].
هل رأيتم أن كثيرا من الناس يجهلون أهمية الخوف من الله وضرورته؟ فهناك الكثير يقولون لماذا يجب أن نهاب الله، ولماذا تؤكد على أن نخافه، ولماذا تأتي بجهنم دائما أمام أعيننا.
إن كثيراً من الناس بل حتى المؤمنين لا يدركون أمرين. فلا يدركون السبب من كثرة ذكر جهنم في القرآن؟ ولا يعرفون لماذا يجب أن يخافون الله سبحانه؟ إنهم يدركون ضرورة إصلاح نفسهم ولكن لا يفهمون السبب من هذا التخويف. وهذا سؤال متبادر لدى كثير من الناس.
أتعرفون لماذا يتبادر هذا السؤال لدى أكثر الناس؟ لأنهم لا يعرفون موضوع حياتهم الرئيس. إن موضوع حياتك أخي العزيز هو مخالفة الهوى والرغبات، وليس شيء يعين الإنسان على مخالفة الهوى كالخوف. فاكتبوا هذه العبارة مئة مرة؛ إن العامل الوحيد الذي يعين الإنسان على مخالفة أهوائه الممتعة واللذيذة والمشهية هو الخوف. فخذ الخوف عسى إن شاء الله أن تصل إلى مرحلة العشق، وعند ذلك يشتد خوفك. ومن أجمل أنواع الخوف هو مهابة المقام الربوبي: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40]، ولكن كثيرا من الناس لا يعرفون تكليفهم الرئيس، ولا يدرون لماذا جاءوا إلى هذه الدنيا، ولا يعرفون أن شغلهم الأصلي هو مخالفة الشهوات. فزعموا أنهم يقدرون على إصلاح نفسهم مع حفظ ما طاب ولذ لهم. فلا يدرون أصل المشكلة والعلة.
لقد جاء في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): (المومن بين مخافتين ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك فهو لا يصبح إلا خائفا او لا يصلحه إلا الخوف) [الكافي / ج 2/ ص 71] ثم يأتي من يدعي الفهم في القضايا الدينية والتربية والأخلاق والعرفان، ويعطيك صورة عن الدين وإذا به قد حذف نصف القرآن! فلا يتحدث عن نار جهنم وعن العذاب وعن ضرورة خوف الله. فإن سألته عن السبب يقول: (أليس المهم أن يصلح الإنسان ويحسن، فها أنا قد انتهجت طريق الصلاح فما الداعي للخوف إذن. ثم إن عثرت على ما راق لي من الحسن والصلاح أسعى لاكتسابه وإضافته إلى سائر أعمالي وصفاتي الصالحة).
فإنه قد أخطأ الطريق ويتصور أن الصلاح هو أن يضيف إلى صالحاته ما استحسنه من الصالحات، وإنه في الواقع لم يخالف هواه شيئا. وسوف ترون يوم القيامة كم من أمثال هؤلاء الصالحين سوف يكبه الله على وجهه في جهنم؛ هؤلاء الصالحين الذين انتحلوا القداسة والصلاح عبر انتقاء ما طاب لهم ونبذ ما لم ينسجم مع هواهم.
ما هو الطريق الذي تريد أن تسلكه؟ إنه هو الطريق الذي يتحدث عنه قوله: (ونهى النفس عن الهوى)، ولا يتحقق هذا السلوك إلا بـ (وأما من خاف مقام ربه)
إن بعض المؤمنين يتكبرون على بعض آيات القرآن
اسمعوها مني أيها الإخوة! يشهد الله أن بعض المؤمنين يتكبرون على آيات العذاب في القرآن، فعندما يمرون من إحداها يمرون منها وكأنها لا تعنيهم وكأنهم أرقى مستوى من الوقوف عندها! فلا أدري لعلهم يريدون التمتع والتلذذ بالآيات العرفانية التي تتحدث عن جمال الله! أو يريدون أن يعيشوا أجواء العشق ومناجاة الله بلا أن يقفوا عند قوله: (وأما من خاف مقام ربه)! اقرأوا هذه الآية القرآنية حيث يقول الله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71]، فهل ينبغي أن يستهين الإنسان بأمثال هذه الآية؟!
إخوتي الأعزة! أينما وجدتم في أنحاء طهران جلسة تجمع نفرا من المؤمنين وكانوا يبكون ويضجون خوفاً من نار جهنم فاقصدوها وتمسحوا بجدرانها وأبوابها، تزدهر قلوبكم نورا. وإن استطعتم أن تبكوا مثلهم فلا تنسونا من الدعاء.
هل قرأتم دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة؟ إذ بعد دعاء وبكاء طويل وفي أوج الدعاء رفع الإمام الحسين (عليه السلام) رأسه وبصره نحو السماء ودموعه تجري كالقِرَب فقال بصوت عالٍ: (يا أسمع السامعين ويا أبصر الناظرين... وأسألك اللهم حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني أسألك فكاك رقبتي من النار) (زاد المعاد / ص 182). فهل كان مستوى الإمام الحسين (عليه السلام) نازلا ومستواك عال؟! وكذا الحال في دعاء جوشن الكبير إذ تنادي ربك ألف مرة وبعد كل مقطع تقول: (سبحانك يا لا إله إلا أنت الغوث الغوث خلصنا من النار يا رب). فان هذا الخوف من نار جهنم هو الذي يشحن الإنسان بطاقة يتقوى بها على حرق هوى نفسه.
أسأل الله أن يفهمنا معنى الهوى
اللهم وفقنا لمعرفة هوى النفس. فقد يكابد الانسان عمرا طويلا بلا أن يعرف هوى نفسه. فتراه يتحدث عن الهوى تلبية لهواه، ويجاهد نفسه بدافع هوى نفسه، فهو متنقل من سيئ إلى أسوأ. أذ ليست معرفة الهوى بأمر بسيط؟ إنه سرطان خفي لا يمكن كشفه في أي مختبر، ولا علاج له سوى نار جهنم. فلا سبيل لك سوى أن تخاف نار جهنم، فعند هذا الخوف تتفتح عليك أبواب المناجاة.
كل من يعاني من مرض في دينه ونفسه، فالسبب هو أنه لم يدرك نار جهنم جيدا، فإن عرفها لن تبقى له مشكلة بعد. أنا لا أعرف ما هذا الخوف الذي جعل الحسين (عليه السلام) يستغيث بربه في آخر ساعة من حياته في حفرة المذبح وينادي: (يا غياث المستغيثين)! وليت شعري ما هذه الخشية التي كانت تعتري أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى يغشى عليه ويصير كالخشبة الملقاة؟! (راجع أمالي الصدوق / ص 79)، نحن لم نخف نار جهنم بعد، فأصبحت نصف آيات القرآن لنا بلا أثر، وتتلوها بلا تأمل ووعي. فلا نخاف الله ولا نخاف نار جهنم.
إذا دخل هذا الحزن في قلوبكم وأصبحتم بحاجة إلى هذا الخوف، فاسمحوا لي أن آخذ بأيديكم إلى باب من أبواب الحوائج. فإن هذا الباب قد أعطى حوائج الكثير من الناس مع صغره. فتعالوا هذه الليلة ندق هذا الباب ونسأل هذه الحاجة المعنوية.
إن للحسين (عليه السلام) بنتا صغيرة قد أودعها في خربة الشام. تلك البلاد التي كانت أموية في ذاك الزمان وإذا بها انقلبت على يد هذه البنت الصغيرة، فإن تذهب الآن إلى الشام وتسأل عن دين الناس، سيجيبك الكثير أننا علويون. وكان مبدأ تحول الشام من ذاك اليوم الذي دفنت فيها هذه البنت الصغيرة.
بأبي الطفلة المضروبة المهضومة! فإن لم تضرب هذه البنت لما ضرب طفل في التاريخ. فلا أدري بأي ذنب ضربوها؟! هل كان ذنبها هو أن قتلوا أباها ورفعوا رأسه فوق الرماح؟! فهل حقها هو أن تضرب بالسياط بهذا الذنب؟! ما كان ذنب هذه الطفلة وما كانت جريمتها؟! كفاها ذنبا أن تكون بنت الحسين (عليه السلام)! ويكفيها جريمة أن كانت تنادي أباها الحسين (عليه السلام) شوقا ولهفة إليه!
ألا لعنة الله على القوم الظالمين.