x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
حملة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد استشهاد عمّار (رض).
المؤلف: الشيخ محمّد جواد آل الفقيه.
المصدر: عمّار بن ياسر.
الجزء والصفحة: ص 228 ـ 235.
2023-11-10
1325
حملة عليّ (عليه السلام) (1):
إنّ علياً (عليه السلام) أمر الناس أن يحملوا على أهل الشام وذلك بعد استشهاد عمّار بن ياسر (رضي الله عنه وأرضاه)، فحملوا عليهم فنقضوا صفوفهم، ومرّ على جماعةٍ من أهل الشام بصفّين، منهم الوليد بن عقبة وهم يشتمونه ويقصبونه (يسبّونه) فأخبر بذلك، فوقف على ناس من أصحابه وقال: انهدوا إليهم وعليكم السكينة والوقار وسيماء الصالحين أقرِبْ بقوم من الجهل قائدهم ومؤدّبهم معاوية وابن النابغة وأبو الأعور السلميّ وابن أبي معيط شارب الحرام والمحدود في الإِسلام، وهم أولاء يقصبونني ويشتمونني وقبل اليوم ما قاتلوني وشتموني وأنا إذ ذاك أدعوهم إلى الإِسلام، وهم إذ ذاك يدعونني إلى عبادة الأصنام، فالحمد لله ولا إله إلا الله لقديماً ما عاداني الفاسقون، إنّ هذا لهو الخطب الجلل، إنّ فسّاقاً كانوا عندنا غير مرضيّين وعلى الإِسلام وأهله متخوّفين، أصبحوا وقد خدعوا شطر هذه الأمة واشربوا قلوبهم حب الفتنة، واستمالوا أهوائهم بالإفك والبهتان ونصبوا لنا الحرب وجدّوا في إطفاء نور الله، والله مُتمُّ نوره ولو كره الكافرون، اللهمّ فإنّهم قد ردّوا الحق، فافضض جمعهم، وشتّت كلمتهم، وأبلسهم بخطاياهم، فانّه لا يذل من واليت، ولا يعزّ من عاديت .قال نصر: وكان عليٌّ إذا أراد الحملة هلّلّ وكبّرَ ثم قال:
من أيّ يوميَّ من الموت أفر *** يوم لا يُقدر أم يوم قُدر
وكان معاوية قد جعل لواءه الأعظم مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فأمر علي (عليه السلام) جارية بن قدامة السعدي أن يلقاه بأصحابه وأقبل عمرو بن العاص بعده في خيلٍ ومعه لواءٌ ثانٍ، فتقدّم حتى خالط صفوف العراق، فقال علي (عليه السلام) لابنه محمد: امشِ نحو هذا اللواء رويداً، حتى إذا أشرعت الرماح في صدورهم فأمسك يدك حتى يأتيك أمري، ففعل، وقد كان أعد علي (عليه السلام) مثلهم مع الأشتر، فلمّا أشرع محمد الرماح في صدور القوم، أمر علي (عليه السلام) الأشتر أن يحمل، فحمل فأزالهم عن مواقفهم، وأصاب منهم رجالاً، واقتتل الناس قتالاً شديداً فما صلّى من أراد الصلاة إلا إيماءً .
ثم إنّ علياً (عليه السلام) أرسل إلى جميع العسكر أن احملوا، فحمل الناس كلهم على راياتهم كل منهم يحمل على من بإزائه، فتجالدوا بالسيوف وعمد الحديد لا يسمع إلا صوت ضرب الهامات كوقع المطارق على السنادين، ومرّت الصلاة كلها فلم يصل أحد إلا تكبيراً عند مواقيت الصلاة حتى تفانوا ورَقَّ الناس .واختلط أمر الناس تلك الليلة، وزال أهل الرايات عن مراكزهم، وتفرّق أصحاب علي (عليه السلام)، فأتى ربيعة ليلاً فكان فيهم، وتعاظم الأمر جداً، وأقبل عدي بن حاتم يطلب علياً في موضعه الذي تركه فيه فلم يجده، فطاف يطلبه فأصابه بين رماح ربيعة، فقال: يا أمير المؤمنين، أمّا إذا كنتَ حيّاً فالأمر أمم، ما مشيت إليك إلا على قتيل، وما أبقت هذه الوقعة لهم عميدا، فقاتل حتى يفتح اللهُ عليك، فإنّ في الناس بقيةٌ بعد، وأقبل الأشعث يلهث جزعاً، فلمّا رأى علياً (عليه السلام) هلّل وكبّر وقال: يا أمير المؤمنين، خيل كخيل، ورجال كرجال، ولنا الفضل عليهم إلى ساعتنا هذه، فعُد إلى مكانك الذي كنت فيه فإنّ الناس إنّما يظنّونك حيث تركوك .وأرسل سعيد بن قيس الهمداني إلى علي (عليه السلام): إنّا مشتغلون بأمرنا مع القوم وفينا فضل، فإن أردت أن نمدّ أحداً أمددناه، فأقبل علي (عليه السلام) على ربيعة فقال: أنتم درعي ورمحي (2) فقال عدي بن حاتم: يا أمير المؤمنين، إنّ قوماً أنست بهم وكنت في هذه الجولة فيهم لعظيم حقهم، والله إنّهم لصُبرٌ عند الموت، أشداء عند القتال .فدعا علي (عليه السلام) بفرس رسول الله ـ المرتجز ـ فركب، ثم تقدّم أمام الصفوف، ثم قال: بل البَغلةَ، بل البَغلة، فقدّمت له بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكانت شهباء فركبها، ثم تعصّب بعمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكانت سوداء، ثم نادى: أيّها الناس، من يشر نفسه لله يربح، إنّ هذا اليوم له ما بعده، إنّ عدوكم قد مسّه القرح كما مسّكم، فانتدبوا لنصرة دين الله .فانتدب له ما بين عشرة آلاف إلى اثني عشر ألفاً قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فشد بهم على أهل الشام وهو يقول:
دُبّوا دبيبَ النمل لا تفوتوا
وأصبحوا في حربكم وبيتوا
حتى تنالوا الثأرَ أو تموتوا
أو لا فانّي طالما عُصيتُ
قد قلتم لو جئتنا فجيتُ
ليس لكم ما شئتم وشيتُ
بل ما يريد المحيي المميتُ
وتبعه عديّ بن حاتم بلوائه وهو يقول:
أبعد عمّار وبعد هاشم
وابن بديل فارس الملاحم
نرجوا البقاء ظل حلم الحالم
لقد عضضنا أمس بالأباهم
فاليوم لا نقرع سِنَّ نادم
ليس امرؤ من حتفه بسالم
وحمل، وحمل الأشتر بعدهما في أهل العراق كافة، فلم يبَق لأهل الشام صفٌّ إلا انتقض، وأهمد أهل العراق ما أتوا عليه حتى أفضى الأمر إلى مضرب معاوية، وعلي (عليه السلام) يضرب الناس بسيفه قدماً قدماً، ولا يمر بفارسٍ إلا قدَّه وهو يقول:
اضربهم ولا أرى معاوية
الأخزر العين العظيم الحاوية
هوَتْ به في النار أمَّ هاوية
فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه، فلمّا وضع رجله في الركاب (3) توقف وتلوّم قليلاً ثم أنشد قول عمرو بن الإطنابة:
أبتْ لي عفتي وأبى بلائي
واخذي الحمد بالثمن الربيحِ
وأقدامي على المكروه نفسي
وضربي هامة البطل المشيحِ
وقولي كلما جَشأتْ وجاشَتْ
مكانك تحمُدي أو تستريحي
لأدفع عن مآثر صالحاتٍ
وأحمي بعدُ من عرَضٍ صحيح
ثم قال: يا عمرو بن العاص، اليوم صبرٌ وغداً فخر، قال: صدقت، إنّك وما أنت فيه كقول القائل:
ما علتي وأنا جلد نابل
والقوس فيها وَترٌ عَنابل
نزِلُّ عن صفحتها المعابل
الموت حق والحياة باطل
فثنى معاوية رجله من الركاب، ونزل فاستصرخ بعكٍّ والأشعريّين، فوقفوا دونه وجالدوا عنه حتى كره كل من الفريقين صاحبه وتحاجز الناس (4).
وقام الأعور الشني إلى علي (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، زاد الله في سرورك وهداك، نظرت بنور الله فقدمت رجالاً وأخرت رجالاً؛ عليك أن تقول وعلينا أن نفعل، أنت الإِمام، فإن هلكت فهذان من بعدك ـ يعني حسناً وحسيناً عليهما السلام ـ وقد قلتُ شيئاً فاسمعه، قال: هاتِ. فأنشد:
أبا حسن أنت شمسُ النهار
وهذان في الحادثات القمرْ
وأنت وهذان حتى الممات
بمنزلةِ السمع بعد البَصَرْ
وأنتم أناس لكم سورةٌ
تقصر عنها أكف البشرْ
يخبرنا الناس عن فضلكم
وفضلكم اليوم فوق الخَبرْ
عقدت لقوم أولي نجدةٍ
من أهل الحياء وأهل الخَطرْ
مساميحُ بالموت عند اللقاءِ
منّا واخواننا من مُضرْ
ومن حيّ ذي يمنٍ جلّةً
يقيمون في النائبات الصعرْ
فكل يسرك في قومه
ومن قال لا فبفيه الحجرْ
ونحن الفوارس يوم الزبير
وطلحة إذ قيل أودى غدرْ
ضربناهم قبل نصف النهار
إلى الليل حتى قضينا الوطرْ
ولم يأخذ الضرب إلا الرؤوس
ولم يأخذ الطعن إلا الثغرْ
فنحن أولئك في أمسنا
ونحن كذلك فيما غبرْ (5)
فلم يبقَ أحد من الرؤساء إلا وأهدى إلى الشني وأتحفه.
وأرسل علي (عليه السلام) إلى معاوية، أن أبرز إليّ واعفُ الفريقين من القتال، فأيّنا قتل صاحبه كان الأمر له. فقال عمرو: لقد أنصفك الرجل! فقال معاوية: أنا أبارز الشجاع الأخرق؟! أظنّك يا عمرو طمعتَ فيها! فلمّا لم يجب، قال علي (عليه السلام):
وا نفساه، أيطاع معاوية وأعصى!؟ ما قاتلت أمّةٌ قط أهل بيت نبيها وهي مِقرّةٌ بنبيّها غير هذه الأمة! (6) .
وهدأت المعركة ليستريح المحاربون، غير أنّ أمير المؤمنين علياً أبى أن يستريح، فأخذ يجول متفقداً من استشهد حوله، حتى وقف على أبي اليقظان عمّار بن ياسر، فبكى بكاءً شديداً، ثم قال مسمعاً من حوله :إن أمرؤ من المسلمين لم يعظُمْ عليه قتلُ ابن ياسر وتدخل به عليه المصيبةُ الموجعةُ لغيرُ رشيد ! رحم الله عمّاراً يوم أسلم، ورحم الله عمّاراً يوم قُتل، ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً. ثم قال: لقد رأيت عماراً وما يُذكر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعةٌ إلا كان رابعاً، ولا خمسةٌ إلا كان خامساً، وما كان أحد من قدماءِ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشكُّ أنّ عماراً قد وجبت له الجنّة في غير موطن ولا إثنين، فهنيئاً لعمار بالجنّة، ولقد قيل: إنّ عماراً مع الحق، والحق معه، يدور عمّارٌ مع الحق أينما دار، وقاتلُ عمّار في النار (7).
وكان عمّار أوصى بقوله: "لا تغسلوا عنّي دماً ولا تحثو عليّ تراباً، ادفنوني في ثيابي فإنّي مخاصِم!" فصلَّى عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يُغسّله.
وكان خزيمةُ بن ثابت الملقب بذو الشهادتين قد حضر صفين ولم يقاتل، فلمّا قُتل عمار بن ياسر قال: قد بانت لي الضلالة. ثم دخل فسطاطه وطرح عليه سلاحه وشن عليه من الماء فاغتسل ثم قاتل حتى قتل (رحمه الله).
قال الحجّاج بن عزية الأنصاري يرثي أبا اليقظان عمار بن ياسر:
يا للرجال لعينٍ دمعها جاري
قد هاج حزني أبو اليقظان عمارُ
أهوى إليه أبو حوّى فوارسه
يدعو السكون وللجيشين إعصارُ
فاختل صدر أبي اليقظان معترضاً
للرمح قد وجبْتَ فينا له النارُ
قال النبي له تقتلك شرذمة
سيطت لحومهم بالبغي، فجّار
فاليوم يعرفُ أهل الشام أنّهم
أصحابُ تلك وفيها النارُ والعارُ (8)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال معاوية يوماً بعد استقرار الخلافة له لعمرو بن العاص: يا أبا عبد الله لا أراك إلا ويغلبني الضحك، قال: بماذا؟ قال: أذكر يوم حمل عليك أبو تراب في صفين فأزريت نفسك فرقاً من شبا سنانه، وكشفت سوأتك له. فقال عمرو: أنا أشد منك ضحكاً، إني لا أذكر يوم دعاك إلى البراز فانتفخ سحرك وربا لسانك في فمك، وغصصت بريقك، وارتعدت فرائصك، وبدا منك ما أكره ذكره. فقال معاوية: لم يكن هذا وكيف يكون ودوني عِكٌّ والأشعريّون! قال: إنك تعلم أن الذي وصفتُ دون ما أصابك، وقد نزل ذلك بك ودونك عِكٌّ والأشعريون، فكيف كانت حالك لو جمعكما مأقطّ الحرب؟! فقال: يا أبا عبد الله، خض بنا الهزل إلى الجد، إنّ الجبن والفرار من عليٍّ لا عار على أحد فيهما.
وذكر أبو عمر في الاستيعاب:
انّ بسراً كان من الأبطال الطغاة، وكان مع معاوية بصفين، فأمره أن يلقى علياً (عليه السلام) في القتال، وقال له: إنّي سمعتك تتمنّى لقاءه، فلو أظفرك الله به وصرعته حصلت على الدنيا والآخرة، ولم يزل يُشجعه ويمنّيه حتى رأى علياً في الحرب، فقصده والتقيا، فصرعه علي (عليه السلام) وعرض له معه مثلما عرض له مع عمرو بن العاص في كشف السوأة .قال أبو عمرو: إنّ بسر بن أرطاة بارز علياً يوم صفين، فطعنه علي فصرعه، فانكشف له فكفَّ عنه كما عرض له مثل ذلك مع عمرو بن العاص وقد أكثر الشعراء في ذلك، ومنهم الحارث بن النضر الخثعمي حيث يقول:
أفي كل يوم فارسٌ لك ينتهي
وعورته وسط العجاجة بادية
يكف لها عنه علي سنانه
ويضحك منها في الخلاء معاوية
بدت أمس من عمرو فقنع رأسه
وعورة بسرٍ مثلها حذو حاذية
فقولا لعمروٍ ثم بسرٍ ألا أنظرا
لنفسكما لا تلقيا الليث ثانية
ولا تحملا إلا الحيا وخِصاكما
هما كانتا والله للنفس واقية
ولولاهما لم تنجيا من سنانه
وتلك بما فيها إلى العود ناهية
متى تلقيا الخيل المغيرة صبحةً
وفيها علي فاتركا الخيل ناجية
وكونا بعيداً حيث لا يبلغ القنا
نحوركما إن التجارب كافية
(2) قال: فربيعة تفخر بهذا الكلام إلى اليوم.
(3) وقيل أنّه بعد خلوص الأمر لمعاوية، جاء رجل وقال له: يا أمير المؤمنين إنّ لي عليك حقاً، قال: وما هو؟ قال: حق عظيم، قال: ويحك ما هو؟ قال: أتذكر يوماً قدمت فرسك لتفر وقد غشيك أبو تراب والأشتر، فلما أردت أن تستوثبه وأنت على ظهره أمسكت بعنانك وقلت لك: أين تذهب؟ إنّه للؤم بك أن تسمح العرب بنفوسها لك مقهورين، ولا تسمح لها بنفسك ساعة وأنت ابن ستين؟! وكم عسى أن تعيش في الدنيا بعد هذه السن إذا نجوت! فتلومت في نفسك ساعة ثم أنشدت شعراً لا أحفظه ثم نزلت، فقلت شعراً لا أحفظه .فقال: ويحك، فإنّك لأنت هو ! والله ما أحلني هذا المحل إلا أنت. وأمر له بثلاثين ألف درهم.
(4) شرح النهج 8 / 60 .
(5) شرح النهج 8 / 68 .
(6) صفين 387 .
(7) الطبقات الكبرى 3 / 362 وما بعدها.
(8) مروج الذهب 2 / 382 .