x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الإسلام مبدأ الفعالية الدائبة والمنع من الفساد
المؤلف: جماعة من العُلماء
المصدر: نحو حياة أفضل
الجزء والصفحة: ص 23 ــ 30
2023-11-09
1080
جنبا إلى جنب الصراع بين المادية والاتجاه المعنوي والديني حيث نجد أن الماديين يصرون على اعلان الدين كعامل مخدر ومحرض على الركود ومانع من التقدم العلمي والصناعي للشعوب.
ولكن الملاحظ من خلال الظروف الإجتماعية والسياسية التي واكبت التقدم العلمي، ومشاهدة تاريخ القرون الوسطى هو ان السبب الأساسي لهذه التهمة ما هو إلا محاولة رد الصاع صاعين للمسيحية وجنايات الكنيسة وذلك لان الماديين كانوا قد رأوا أو سمعوا بأن الآلاف من العلماء والمثقفين قتلوا أو احرقوا وهم أحياء؛ يكتب (مارم كارشن): (في هذه الفترة قتل خمسة ملايين شخص بأمر من الكنيسة، ومن سنة 1481 إلى 1499م أحرق، 10220 شخصاً وهم احياء وقطع 6860 شخصاً إلى نصفين وعذب 97023 شخصاً حتى لاقوا حتفهم) (1).
انهم كانوا يرون ان الكنيسة ما زالت تعتبر نفسها المحامي عن منافع الإمبريالية والمستعمرين وأن أي مكان وطأته قدما قسيس فانه ستنجر إليه أقدام المستعمرين المشؤومة لأجل الغارة وسلب الذخائر والثروات الوطنية وتسميم الأفكار بسموم الكفر الجائر حتى انهم يقولون (ان الآباء يهدون الإنجيل بإحدى ايديهم ويهدون الاستعمار الغربي باليد الأخرى).
وكنتيجة لذلك كان رد الفعل من قبل الأحرار والمفكرين تجاه هذه الأعمال أن أعلنوا إن الدين مانع من التقدم وعامل على الكسل والركود ومدافع عن منافع الامبرياليين.
وكانت طموحاتهم الثورية قد أججت ناراً حرقت اليابس والأخضر والباطل والحق وراحت كسيل محطم تحطم الأشياء الحسنة والقبيحة في آن واحد.
ومن الواضح ان الدين الإسلامي، دين الحياة والفعالية والثورة على الظلم، لم يسلم من هذه التهمة الرخيصة إذ تصور أولئك الجاهلون بواقعه وتعليماته القيمة أنه كالمسيحية يدعو الإنسانية للصمت والانغلاق والتسليم مقابل الظلم والتعدي الذي يقوم به الاستعمار وأذنابه!!
إنهم في الحقيقة لم يدركوا ابعاد الروح الإسلامية، وإلا فإنه يكفي أن يلاحظ الإنسان بشيء من الدقة تعليمات الإسلام وأوامره ويطلع على متونه وأصوله ليعرف أن الإسلام بتشريعه لقانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرقابة الإجتماعية، ووضعه المسؤوليات على عاتق الفرد والمجتمع، والتي تتعلق بخلق الفعالية القصوى قد وضع مخططاً دقيقاً وهيّأ لقلع جذور الفساد والركود والإضطراب.
يقول نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله): (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) (2).
وقد جعل الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات والقبائح والجهاد من الأمور الواجبة تماماً كالصلاة والصوم، إذ يقول القرآن الكريم بكل صراحة: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9].
ان هذا نموذج من عشرات الآيات والروايات التي تدعو المسلمين لمجاهدة الكفر والفساد والظلم وأمثال ذلك.
نعم هذا هو منطق الإسلام وتعاليمه التي هي أروع عامل للفعاليات الحيوية، والإيمان في الحقيقة هو أفضل عامل للتحرك الإنساني إلى الأهداف الإنسانية العالية.
وشاهدنا الحي على ذلك حياة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وخلفائه الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) فلقد قارع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لوحده وبلا عدة عدا الإيمان قارع الظلم والشرك والإستثمار والرّبا وكل المفاسد التي كانت منتشرة في مجتمع مكة وباقي أنحاء العالم وقد تحمل في ذلك ألوان العذاب والضغط وحتى التهديد بالقتل.
وقد بقي محصوراً في شعب أبي طالب بعد ان فرض عليه الحصار الاقتصادي كما ان المسلمين اضطروا على أثر الأذى والظلم المتوجه إليهم من قريش ان يهاجروا إلى الحبشة. كما ان بيت النبي (صلى الله عليه وآله) قد تعرض لهجوم وتآمر حقود من قبل أذناب أشراف قريش الذين رأوا أن منافعهم ومصالحهم أصبحت في خطر ولكن كل هذه العقبات لم تثنه (صلى الله عليه وآله) عن هدفه المقدس وجهاده المرير ولم تأخذه منها ملامة ولم تضعف من عزيمته في سبيل تحقيق واجبه الإلهي المقدس لأجل إنقاذ الجماهير المحرومة من قيد الأسر والإستثمار وتحرير الأفكار من قيود الوهم والخرافة ودفع الإنسانية بالتالي إلى طريق تكاملها الصحيح على ضوء منهج الله.
وان التاريخ ليحدثنا بان أشراف قريش ومترفيهم بعد ان تعبوا من معارضته ويئسوا من لينه جاؤوه عن طريق التطميع والترغيب ليحاولوا تحطيم إرادته الحديدية وإيمانه الراسخ ولذا فقد عرضوا عليه ثروة طائلة وزواجاً بأجمل بنات قريش والرئاسة والحكم (أي عرضوا عليه أشد العوامل والأمور التي يركع أمامها أكثر المدعين والقادة المصلحيين) ولكنهم عادوا خائبين بعد ان واجههم بقوله الخالد: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته) (3).
ولكن هل يمكن ان يكون مثل هذا الصمود الخارق والمقاومة الفريدة بدون توفر قوة الإيمان الراسخ؟ ثم انه هل كان النبي (صلى الله عليه وآله) يمتلك سنداً قوياً غير القوة الإلهية؟ وأي عامل غير الإيمان يمكنه من تحمل كل ذلك الضغط والعذاب؟
وفي معركة أحد حيث فر المسلمون ولم يثبت سوى النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وقليل من المجاهدين حيث صمد هؤلاء حتى آخر لحظة، في مثل هذا الموقف فماذا كان الدافع الأصيل لذلك الصمود؟ وهل كان شيئاً غير العقيدة بالله والإيمان بالرسالة الإلهية؟ ولماذا بقي الإمام الحسين (عليه السلام) صامداً ومقاتلاً أعداءه إلى آخر قطرة من دمائه ودماء أعزائه، غير آبه بالوعود وغير مسلم للظلم والجناية والفساد والتي تجمعت كلها في شخص يزيد بن معاوية؟
وهل يا ترى فكرنا في أئمتنا الطاهرين ولماذا قضوا أكثر عمرهم في سجون ومطامير الحكام الظالمين وكانت نهاية حياتهم اما بالسم الحاقد أو بالسيف الظالم ترى أليست كل هذه الحقائق التاريخية دالة على التنافر الشديد بين الإسلام والتشيع وبين الظلم والاستثمار والاستغلال؟
وإلى أية قدرة وقوة كانت تستند مثل تلك التضحيات الكبرى التي امتلأت بها صفحات التاريخ الإسلامي؟ وهل كانت تحميها قوى خارجية أو داخلية معينة.؟ أو لم يكن لأولئك المضحين شوق عاطفي إلى الحياة والنساء والأولاد والمال؟ فلماذا إذن كل هذه التضحيات في سبيل أهدافهم ودينهم وكل هذا الصراع مع ظلم الطواغيت واستغلالهم؟!
ان هؤلاء بذلوا أرواحهم إيماناً منهم بالله واعتقاداً بالرسالة الإلهية واستناداً إلى القدرة اللانهائية لله تعالى، انهم أولياء الله {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]، لأنهم إنما يخافون الله لا غير، ويستندون إليه ولا يخافون من أي شيء حتى الموت.
فهذا أمير المؤمنين الإمام الأول للمسلمين يقول في مقام الجهاد في سبيل الدين والهدف: (والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها) (4).
نعم هو منطق الإسلام في مقابل الظلم والظالمين والمستغلين.
إن المسلم الواقعي تبعاً لعهده الذي اعطاه الله ورسوله والمؤمنون يعتبر نفسه منتمياً فقط لحزب الله وانه إن عمل طبق تعليمات الإسلام فسينتصر لا محالة: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56].
ان الإسلام والإيمان يعنيان التدين بالإسلام واقعاً والإيمان بهدفه والعمل في سبيل تحقيقه ولهذا فقد كان المسلمون في الصدر الأول يقتحمون الموت والأخطار ويفتخرون بالشهادة في هذا المضمار ولا يرضون الرضوخ للظلم والتسليم للظالمين والقبول بالذلة وهم يحملون في ذلك شعار:
القتل أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار (5)
لماذا الصبر إذن؟!
ان الحوادث والظواهر على قسمين: قسم يقع تحت اختيارنا وآخر بخلاف ذلك فلا يقبل تأثيرنا فيه. وأكثر حوادث وعوامل القلق تصنف إلى القسم الاختياري فنحن الذين أوجدناها عن شعور وعلم أو لا علم فأوجبت بالتالي قلقنا واضطرابنا، ويمكننا بعد الاستهداء بالتعليمات النافعة ان نحولها لصالحنا ونضع الحياة اللائقة. فمثلاً جاء في الروايات الإسلامية انه لا يستجاب دعاء عدة من الأشخاص ومنهم:
1ـ من أعطاه الله مالاً ولكنه أنفقه بلا روية ولا قصد ثم يقول: اللهم ارزقني مالا وثروة.
2ـ من كانت له زوجة ظالمة لا تنسجم معه فهو يريد من الله ان يخلصه منها.
3ـ من لا يسعى خلف عمل وكسب ويفترش داره ثم يسأل الله تعالى الرزق (6).
وذلك لان عوامل رفع مثل هذه المشاكل هي باختيار هؤلاء فالرجل الغني يستطيع ان يعمل ببصيرته وعقله لئلا يصرف ماله في مصارف لا معنى لها، وكذلك ذلك الشخص الثاني فانه يستطيع ان يطلق زوجته وهكذا الشخص الكسول فان التقصير من نفسه، إذ أن آفاق التجارة والكسب مفتحة أمامه يستطيع أن يلِجها ويستفيد من القوى التي منحه الله إياها في سبيل تحصيل معاشه.
هذا ولكن هناك بعض الحوادث التي لا نملك أمامها إلا التسليم وقبولها على ما هي عليه والتلاؤم معها رغم آثارها السيئة، وذلك مثل أكثر المصائب كفقدان عزيز نتيجة حادثة أو نقص عضو أو حلول مرض عضال فان مثل هذه على الأقل تحتاج إلى وقت حتى ترفع آثارها النفسية أو ترتفع هي كالأمراض.
ومقابل مثل هذه المصائب يجب أن نغير حالتنا ونحصل على التلاؤم بيننا وبينها مع أعمال طاقة التحمل.
فلقد كان اسماعيل ابن الإمام الصادق (عليه السلام) مريضاً مرضاً شديداً وقد كان كماله وفضائله وأخلاقه وجماله بحيث جعلت الأصدقاء والأعداء يحبونه ويقدرونه، ولذا فإن الجميع وخصوصاً والده العظيم قد تألموا كثيراً لمرضه وحتى ان البعض كان يتصور ان الإمام (عليه السلام) سيموت أثر موت ولده وذلك من كثرة الألم ولكنهم وجدوا بكل تعجب ان الإمام (عليه السلام) لا يجزع مطلقاً بعد وفاة ولده بل ان ما لديه من هم وغم كان قد ارتفع تدريجاً وعندما سئل (عليه السلام) عن علة هذه الحالة قال (عليه السلام): (إنّا أهل بيت إنما نجزع قبل المصيبة فإذا وقع أمر الله رضينا بقضائه وسلّمنا لأمره (7).
وهذا الإمام الرابع زين العابدين (عليه السلام) يقول في دعائه في أوقات السحر من شهر رمضان المبارك: (اللهم إني اسالك إيماناً تباشر به قلبي ويقيناً حتى اعلم انه لن يصيبني إلا ما كتبت لي ورضّني من العيش بما قسمت لي ...) (8).
ان الصبر والتحمل والتلاؤم في قبال الحوادث التي تصيب الإنسان بلا اختيار منه ضرورة لازمة لبقاء الإنسان في هذه الحياة.
ان الأعشاب والنباتات الأخرى تنحني أمام الحوادث وبهذه المرونة تدفع عنها غائلة العواصف والرياح القوية، ولو انها أرادت المقاومة انكسرت وانقلعت من جذورها، وهكذا نجد السنابل والنباتات الضعيفة تنحني تحت ضغط الثلج المتساقط والعواصف الثائرة وما ان ترتفع هذه الحوادث فيذوب الثلج وتعبر العاصفة فأنها ترفع رأسها شيئاً فشيئاً وتواصل مسيرتها الحياتية بكل شموخ.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (من لم ينجه الصبر أهلكه الجزع) (9).
ويوصي ولده محمد بن الحنيفة قائلا: (إلقِ عنك واردات الهموم بعزائم الصبر عود نفسك الصبر فنعم الخلق الصبر، واحملها على ما أصابك من أهوال الدنيا وهمومها) (10).
على أنا يجب ان لا نغفل حقيقة هامة هي انه يجب ألا نتصور ان الصبر يعني التسليم للظلم والخيانة والتحكم والرضا به، ولا يعني أن علينا ان ننسجم مع الأوضاع المنحرفة التي يوجدها المستعمرون والمستغلون وأمثالهم ونبقي على أمل الفرج في المستقبل!
ان مثل هذا التصور غير صحيح من وجهة النظر الإسلامية، إذ أن الإسلام يؤكد على ان المسلمين يجب عليهم السعي الحثيث لقلع جذور الفساد والقضاء على عوامله وانه لا يمكنهم ان يقبلوا الإنحراف ويسلموا به، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم) (11).
وذلك لأن مبدأ الظلم يتنافى مع مبدأ العدل الإلهي الذي أمر الإنسان أن يرفق بأخيه الإنسان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ تاريخ التحولات الاجتماعية، ج 2، ص 123، عن كتاب، العلم والدين.
2ـ تفسير الميزان، ج 8، ص 12.
3ـ سيرة ابن هشام، ج 1، ص 266.
4ـ نهج البلاغة، فهارس صبحي الصالح: ص 418.
5ـ بحار الأنوار، ج 45، ص 50.
6ـ وسائل الشيعة، ج 12، ص 15.
7ـ بحار الأنوار، ج 47، ص49.
8ـ المصدر السابق، ص 93.
9ـ وسائل الشيعة: ج 11، ص 209.
10ـ المصدر السابق، ص 208.
11ـ الكافي: ج 2، ص 333.