1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

علم الحديث

تعريف علم الحديث وتاريخه

أقسام الحديث

الجرح والتعديل

الأصول الأربعمائة

الجوامع الحديثيّة المتقدّمة

الجوامع الحديثيّة المتأخّرة

مقالات متفرقة في علم الحديث

أحاديث وروايات مختارة

علم الرجال

تعريف علم الرجال واصوله

الحاجة إلى علم الرجال

التوثيقات الخاصة

التوثيقات العامة

مقالات متفرقة في علم الرجال

أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)

اصحاب الائمة من التابعين

اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني

اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث

علماء القرن الرابع الهجري

علماء القرن الخامس الهجري

علماء القرن السادس الهجري

علماء القرن السابع الهجري

علماء القرن الثامن الهجري

علماء القرن التاسع الهجري

علماء القرن العاشر الهجري

علماء القرن الحادي عشر الهجري

علماء القرن الثاني عشر الهجري

علماء القرن الثالث عشر الهجري

علماء القرن الرابع عشر الهجري

علماء القرن الخامس عشر الهجري

الحديث والرجال والتراجم : علم الحديث : الجوامع الحديثيّة المتقدّمة :

من مرويّات الكلينيّ حول القرآن العظيم.

المؤلف:  السيّد هاشم معروف.

المصدر:  دراسات في الحديث والمحدّثين

الجزء والصفحة:  ص 333 ـ 343.

2023-09-02

1241

لقد خصّص الكليني فصلاً كبيراً من المجلد الثاني للمرويّات التي تشيد بفضل القرآن ومكانته وتلاوته واقتنائه وحفظه، والاعتصام به، ممّا يؤكّد حرص الائمة (عليه السلام) على تعظيمه وتقديسه والعمل به والاستفادة من حكمه وآدابه وتعاليمه، وليس بوسعنا ان نستقصي جميع ذلك، ولا جميع مرويات الكافي التي احاطت بجميع نواحي الخير والفضيلة والاخلاق، وعالجت جميع المشاكل ووضعت لها الحلول التي تتناسب مع جميع العصور. وقد رأيت ان اختم كتابي هذا ببعض المرويّات التي تشعر بتحريف القرآن، وعليها قد اعتمد من نسب القول بالتحريف إلى الشيعة وائمتهم واسقاط بعض الآيات منه. فمن ذلك ما رواه في باب النوادر عن الاصبغ بن نباتة انّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: نزل القرآن اثلاثا، ثلث فينا وفي عدونا، وثلث سنن وامثال، وثلث فرائض واحكام. وقد استنتج من نسب القول بالتحريف إلى الشيعة من هذه الرواية انّ الثلث الذي هو في اهل البيت واعدائهم، قد اسقط من القرآن، بنظر الشيعة لأنّ الموجود بين ايدي المسلمين لم يشتمل على هذا النوع من الثلث صراحة وقد فاتهم انّ الذي يعنيه الامام (عليه السلام) بهذه الرواية من الثلث الأول على صحتها هم ومن كان من سنخهم من المؤمنين والطيّبين الذين طبّقوا مبادئهم وعملوا بما جاء به الانبياء والمرسلون، ويعني بعدوّهم كلّ منحرف عن الحق لا يؤمن بيوم الحساب، ولا يعمل بما أمر الله ورسوله، فالآيات التي تعرّضت للطيّبين والمسارعين إلى الخيرات والأعمال الصالحات نزلت فيهم، لأنّ من كان بهذه الصفات فهو منهم بعمله وروحه وايمانه بمبادئهم التي دعا إليها الاسلام وجميع الاديان ونصّ عليها القران لا فرق في ذلك بين الابيض والاسود والعربي وغيره، ولذلك وحده كان سلمان من اهل البيت وتأكيدا لهذا المبدأ، قال الرسول (صلى الله عليه وآله): "سلمان من اهل البيت".

والآيات التي تعرّضت للأشرار والفجار والمنافقين في ايّ عصر كانوا، هي في عدوّهم، ولو سبقهم بعشرات القرون؛ لأنّهم لا يعادون الا في الله، ولا يحبّون الا في الله، ويؤيّد ذلك ما رواه محمد بن مسلم عن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) انّه قال: يا محمد إذا سمعت الله ذكر أحدٍ من هذه الامة بخير فنحن هم، وإذا سمعت الله ذكر قوما بسوء ممّن مضى فهو عدونا. وجاء عنه (عليه السلام) انّه قال: نزل القرآن اثلاثا ثلث فينا وفي محبّينا، وثلث في اعدائنا واعداء من كان قبلنا، وثلث سنن وامثال، ولو انّ الآية إذا نزلت في قوم ثم مات اولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء ولكنّ القرآن يجري أوّله على آخره ما دامت السماوات والارض، ولكلّ قوم آية يتلونها هم منها في خير أو شر (1).

هذا بالإضافة إلى انّ الرواية من حيث سندها ليست مستوفية للشروط المطلوبة؛ لأنّ الراوي لهذه الرواية عن الأصبغ بن نباتة كان من المعاصرين للإمام الصادق (عليه السلام) كما يظهر من كتب الرجال وبينه وبين الاصبغ أكثر من سبعين عاما، وقد رواه عنه بدون واسطة، وهذا من نوع التدليس في الرواية الموجب لضعفها، وفوق ذلك فهو من المتّهمين بالوضع عند المؤلّفين في الرجال.

وقد روى داوود بن فرقد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) بسند أقرب إلى الصحة من الحديث السابق، انّ القرآن نزل اربعة ارباع، ربع حلال، وربع حرام، وربع سنن واحكام، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم، وفصل ما بينكم.

وهذه تنافي الرواية السابقة التي قسمته أثلاثا، ونصّت على انّ الثلث الاول نزل في اهل البيت واعدائهم. وإذا كان الثلث الأول فيهم وفي اعدائهم بأسمائهم واشخاصهم كما يقتضيه الجمود على ظاهر الرواية، فلماذا لم يحتجّ عليهم امير المؤمنين (عليه السلام) في الأيّام الأولى بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) بذلك الثلث، مع انّه وقف معهم موقف الخصم المطالب بحقه، واحتجّ عليهم بمختلف الأساليب، ولم يحدّث التاريخ عنه أو عن اصحابه وبنيه انّهم احتجّوا بذلك، ولو صحّت الرواية وكان المراد منها المعنى الظاهر لكانت تلك الآيات من أقوى الحجج الدامغة لهم ولكلّ أفّاك أثيم.

ومهما كان الحال فالرواية على تقدير صدورها عن الإمام (عليه السلام) تشير إلى ما ذكرناه أولاً. وروى عن احمد بن محمد بن ابي نصر انّه قال: دفع اليّ ابو الحسن (عليه السلام) مصحفا وقال: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه: {لم يكن الذين كفروا} ووجدت فيها سبعين رجلا من قريش بأسمائهم واسماء آبائهم، فبعث اليّ أبو الحسن (عليه السلام): ابعث اليّ بالمصحف.

وروى عن عبد الرحمن بن ابي هاشم عن سالم بن ابي سلمة انّه قال: قرأ رجل على ابي عبد الله (عليه السلام) وانا استمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله: كفّ عن هذه القراءة، واقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام قرأ كتاب الله عزّ وجلّ على حدة، واخرج المصحف الذي كتبه علي (عليه السلام)، واضاف إلى ذلك: انّ عليا اخرجه إلى الناس حين فرغ من كتابته، فقال لهم: هذا كتاب الله عزّ وجلّ كما انزله الله على محمد (صلى الله عليه وآله) وقد جمعته من اللوحين، فقالوا: هوذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة فيه، فقال: اما والله ما ترونه بعد يومكم هذا ابدا، انّما عليّ ان اخبركم حين جمعته لتقرؤوه (2).

وروى في كتاب الحجة من المجلد الأول بعض المرويّات التي تشير إلى تحريفه، وقد عرضنا قسماً منها في الصفحات السابقة وابدينا حولها بعض الملاحظات التي لا مفرّ منها ونبّهنا على أنّ رواتها من الغلاة والمنحرفين عن مخطّط التشيّع الصحيح لأهل البيت (عليه السلام). ومن هذه المرويّات التي أوردها الكليني وغيره من المحدّثين في مجاميعهم تعرّض الشيعة وبخاصة الكليني لأعنف الهجمات من السنّة وبالغوا في التشنيع عليهم إلى حد الغلو والافراط الذي لا مبرّر له، وزعموا انّ للشيعة قرآنا غير القرآن الموجود بين أيدي المسلمين، ووصف الشيخ أبو زهرة الكليني بالنفاق والخروج عن الدين، ودعا إلى التشكيك بجميع مرويات الكافي؛ لأنّه دوّن فيه هذا النوع من الاحاديث، مع العلم بأنّ محدّثي السنّة دوّنوا في صحاحهم وغيرها احاديث من هذا النوع لا تقبل التأويل والتوجيه كما يبدو من المرويّات التالية التي دوّنها البخاري في صحيحه، فقد جاء في المجلد الثاني منه عن ابراهيم بن علقمة انّه قال: دخلت في نفر من اصحاب عبد الله الشام فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا وقال: أفيكم من يقرأ القرآن فقلنا نعم: فقال فأيّكم اقرأ فأشاروا اليّ، فقرأت: والليل إذا يغشى  والنهار إذا تجلّى والذكر والأنثى، قال: انت سمعتها من فيّ صاحبك قلت: نعم، قال: وانا سمعتها من فيّ النبي (صلى الله عليه وآله) وهؤلاء يأبون علينا...

وفي رواية ثانية انّ ابا الدرداء قال لعلقمة: كيف سمعته يقرأ والليل إذا يغشى، قال علقمة: والذكر والانثى، قال أبو الدرداء: اشهد أنّي سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدوني على ان اقرأ وما خلق الذكر والانثى، والله لا اتابعكم على ذلك. وروى في المجلد الثاني رواية بهذا المضمون ايضا (3).

وروى في المجلد الرابع عن عبد الله بن عباس انّه قال: قدمنا المدينة عقب ذي الحجة، فلمّا كان يوم الجمعة عجّلنا الرواح حين زاغت الشمس فوجدت سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبتيه، فلم أنشب ان خرج عمر بن الخطاب، فلمّا رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد ليقولنّ العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف، فأنكر عليّ وقال ما عسيت ان يقول ما لم يقله قبله، فجلس عمر بن الخطاب على المنبر، فلمّا سكت المؤذّنون قام فأثنى على الله بما هو اهله ثم قال: امّا بعد فإنّي قائل مقالة قد قدّر لي ان اقولها لا أدري لعلّها بين يديّ اجلي فمن عقلها ووعاها فليحدّث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا احل لأحد ان يكذب عليّ، انّ الله بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان ممّا انزل عليه آية الرجم فعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله ورجمنا بعده، واخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلّوا بترك فضيلة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة، أو كان الحبل، أو الاعتراف، وكنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: ان لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم ان ترغبوا عن آبائكم. وروى ايضا عن عكرمة، انّ عمر بن الخطاب قال: لولا أنّي أخشى ان يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي (4).

وجاء في النصوص التي تعرّضت لها: انّ زيد بن ثابت لم يدوّن اية الرجم في كتاب الله حينما اوكل إليه امر جمع القرآن؛ لأنّه كان لا يدوّن آية الا بشهادة عدلين، ولم يكتفِ بشهادة عمر وحده، في حين ان آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت، فقال أبو بكر اكتبوها: فقد جعل رسول الله شهادته بشهادة رجلين.

وروى في المجلد الثاني عن انس بن مالك انّ النبي (صلى الله عليه وآله) دعا على الذين قتلوا اصحاب بئر معونة ثلاثة غداة، على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله، واضاف إلى ذلك انس: انّ الله انزل في الذين قتلوا بئر معونة قرآنا قرأناه، ثم نسخ بعد: (بلّغوا قومنا ان قد لقينا ربّنا فرضي عنّا ورضينا عنه) (5).

وقد ذكرنا سابقا عن مصحف عائشة كما جاء في الاتقان، وأنّها تدّعي بأن الله انزل في القرآن: انّ الله وملائكته يصلّون على النبي، وعلى الذين يصلّون الصفوف الأولى. وجاء في بداية المجتهد لابن رشد وغيرها: انّ القرآن نزل بعشر رضعات معلومات يحرّمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفّي رسول الله وهنّ فيما يقرأ من القرآن، كما جاء في رواية عائشة، مع العلم بانّه ليس في القرآن ما يشير إلى ذلك من قريب أو بعيد. وجاء في الاتقان للسيوطي، عن المسور بن مخزمة انّ عمر بن الخطاب قال لعبد الرحمن بن عوف: لم نجد فيما انزل علينا ان جاهدوا كما جاهدتم اول مرة، فإنّا لا نجدها، قال: اسقطت فيما أسقط من القرآن.

وجاء في صحيح مسلم: انّ ابا موسى الاشعري بعث إلى قراء اهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار اهل البصرة وقرّاؤهم فاتلوه ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وانّا كنّا نقرأ سورة كنّا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير انّي قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى غيرهما واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن ادم الا التراب.

وكنّا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبّحات فأنسيتها غير انّي حفظت منها: يا أيّها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، فتكتب شهادة في اعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة(6).

إلى غير ذلك من المرويّات عند السنّة في صحاحهم وغيرها، ومع ذلك فقد تجاهلوا جميع هذه المرويّات ونسبوا القول بالتحريف إلى الشيعة وحدهم، مع العلم بأنّ علماء الشيعة تمشيا مع المخطّط الذي وضعه ائمتهم لا يزالون منذ أقدم العصور الاسلامية ينكرون هذه النسبة في كتبهم ومناظراتهم، ويجادلون اصحاب هذه المقالة بالحجج والبراهين، ويثبتون بالأدلة التي لا تقبل الريب أن القرآن الموجود بين المسلمين هو المنزل على محمد (صلى الله عليه وآله) من غير زيادة أو نقصان، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا ينكرون وجود بعض المرويّات في الكافي وغيره حول هذا الموضوع، ولكنّهم يرون انّ اكثر تلك المرويّات مكذوبة على الائمة (عليه السلام) لأنّ رواتها من الغلاة والباطنية كما اشرنا إلى ذلك في المباحث لسابقة والصحيح منها ليس صريحا في التحريف بمعنى النقصان لإمكان ان يكون المراد منه تحريف المعاني مع الاحتفاظ بالصيغة والألفاظ. ويؤيّد هذا المعنى ما جاء في رواية سعد الخير التي رواها في الكافي عنه، انّ ابا جعفر الباقر كتب إلى سعد الخير كتابا اوصاه فيه بتقوى الله، وجاء فيه، وكان من نبذهم الكتاب ان اقاموا حروفه وحرّفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، وهذه الرواية تفسّر التحريف الوارد في بعض مرويّات الكافي وغيره من كتب الحديث والتفسير، ومن خصوص الزيادة الموجودة في مصحف علي (عليه السلام) كما جاء في بعض المرويات، لو تغاضينا عن العيوب الموجودة في اسانيدها والتزمنا بصحتها من ناحية السند، فلا بد وان تكون الزيادات المزعومة من قبيل التفسير والتوضيح للمراد من تلك الآيات عن طريق الوحي أو النبي (صلى الله عليه وآله) كما نصّ على ذلك جماعة من علماء الامامية. ويدلّ على ذلك ما جاء في الكافي عن ابي بصير انّه قال: سألت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) عن قوله تعالى: {أطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم} فقال: نزلت في علي والحسن والحسين (عليهم السلام) قلت له: انّ الناس يقولون: فما له لم يسمّ عليا والحسن والحسين في كتاب الله؟ قال: قولوا لهم: انّ رسول الله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ لهم ثلاثا ولا أربعا حتى كان رسول الله هو الذي فسّر ذلك لهم.

هذا بالإضافة إلى انّ عليا والمتخلّفين معه عن بيعة ابي بكر لم يحتجّوا على أحد بورود هذه الأسماء في القرآن الكريم ولو كان له ولأبنائه ذكر صريح في كتاب الله، لكان احتجاجهم بذلك أجدى وانفع من جميع الحجج التي استدلّوا بها على استخلافه بعد النبي (صلى الله عليه وآله) كما ذكرنا سابقا.

ومهما كان الحال فروايات التحريف رواها بعض محدّثي الشيعة كالكليني وغيره، ورواها اهل السنّة في صحاحهم كالبخاري ومسلم وغيرهما وهي عند السنة أكثر منها عند الشيعة وبشكل أبشع واسوأ اثرا ممّا رواه محّدثو الشيعة، والذين آمنوا بها من السنة لا يقلّون عمّن آمن بها من الشيعة، وان كانوا لا يمثّلون رأي الجمهور في ذلك، لأنّ اكثرهم من المنكرين لها، كما هو الحال بالنسبة إلى الشيعة ايضا.

ولو أنّ الذين كتبوا من السنّة وقفوا عند عرض وجهة نظر الفريقين واقتصروا على تفنيد هذا الرأي أيّاً كان قائله، لكان ذلك أقرب إلى منطق الدين والعقل، وأبعد عن التحيّز والتعصّب الذي يثير الشحناء والبغضاء ولا يخدم الا العدو الذي يستغل هذه المهاترات لأغراضه ومصالحه، ولكنّهم بدلاً من ذلك  ومع وجود تلك المرويّات في صحاحهم ومجاميعهم وقفوا موقف المهاجم العنيد والخصم الحاقد على الشيعة ليقذفوا بمفترياتهم تلك الحصون المنيعة التي بنيت بتعاليم علي واهل بيته الطيّبين المستوحاة من الرسول الأعظم والكتاب الكريم ونسي هؤلاء ان حصونهم وبيوتهم من الزجاج الذي لا يصمد لهبّات النسيم فضلاً عن العواصف والأحجار.

لقد تعرّض لمسألة التحريف من المتأخّرين الشيخ أبو زهرة في كتابيه (الامام الصادق والامام زيد بن علي) ووصف فيهما الكليني بالنفاق والخروج عن مخطّط الاسلام، ودعا إلى التشكيك بجميع مروياته في الكافي وفي نفس الوقت تعرّض للسيوطي في الاتقان وغيره ممّن روى هذه المرويات وانتهى إلى النتيجة التالية: انّ ما نقله السيوطي واشباهه لا يجعل مساغا للتشكيك في دينهم، وان كنّا لا نوافق على سرد الأقوال ذلك السرد الذي سلكه السيوطي في كتابه من غير تمحيص لها (7).

وإذا كان السيوطي مع أنّه دوّن هذه الأحاديث في كتابه من غير تمحيص لها لا يصح التشكيك في دينه كما يدّعي أبو زهرة، فبماذا يعتذر حضرته عن البخاري الذي اختار جامعه من ستمائة الف حديث ولا بد وان يكون قد محّصها تمحيصا دقيقا حتى انتهى إلى العدد المختار في صحيحه الذي بلغ نحوا من سبعة آلاف وستمائة حديث تقريبا، ومع هذا التمحيص فقد روى احاديث النقص وما يشبهها غرابة واستهجانا كحديث سحر النبي، ووضع الرب رجله في جهنم، وحديث موسى مع الحجر ونحو ذلك من الاحاديث التي عرضنا قسما منها، وكتابه اصح كتب الحديث بل اصح كتاب بعد كتاب الله على حد تعبيرهم، وإذا اخذنا بمقاييس ابي زهرة يجب التشكيك بدينه والنقد الواعي لجميع مروياته أو طرحها، ولكنّه لم يطبّق هذا المبدأ الا على الكليني وحده.

فقد قال عندما تحدّث عن البخاري محاولاً تبرير موقفه من وجود مرويّات غير مرضية في صحيحه، قال: والبخاري ذاته هو اصح الكتب اسنادا قد اخذت عليه أحاديث: وما كان ذلك مسوغا لتكذيب البخاري ولا كان ذلك مسوغا لنقض الصحيح الذي رواه. ونحن لا ننكر عليه ان وجود بعض المرويات المكذوبة في اي كتاب كان لا يوجب الطعن والتفسيق لصاحب الكتاب، ولا سقوط جميع مروياته، والذي انكرناه انّه كان من المفروض عليه وهو يدّعي التجرّد والإخلاص للحق ان لا يفرق بين الكليني والبخاري، وان يحكم عليهما بحكم واحد، لأنّ كلّاً منهما قد روى أحاديث النقص والتحريف. واخذت عليه أحاديث لا يمكن الالتزام بها والاطمئنان إليها، فلماذا وهو الباحث المجرّد على حد زعمه، كانت تلك المرويّات المكذوبة في الكافي موجبة للطعن في دينه والتشكيك بجميع مرويّاته والمرويّات المكذوبة في البخاري لا توجب شيئا من ذلك. وانّني أعود فأكرّر ما ذكرته سابقا من انّي لم أتحيّز في هذه الدراسات إلى فريق معين، ولكنّها الحقيقة تفرض نفسها احيانا على الكاتب، فيضطر إلى ابرازها مهما كلّفه ذلك من ثمن، وانا واثق بأنّي سأتعرض بسبب هذه الدراسات إلى النقد والهجوم من مقلّدة الشيعة وحشويّة العامّة الذين احتضنوا كتب الحديث وغالوا في تقديسها على ما فيها من العلل والعيوب، من غير تفكير بالأخطار الناجمة عن وجود تلك المرويّات المنتشرة هنا وهناك بين السنّة المحمديّة والتي تمكّن اعداء الاسلام واعداء اهل ابيت (عليه السلام) من التشنيع عليها وتشويه معالمها النيّرة الساطعة.

وارجو ان تكون هذه الدراسات المختصرة تمهيدا لدراسات واسعة تشمل جميع كتب الحديث وتصفيتها من الموضوعات التي تسيئ إلى السنّة الكريمة ومنه سبحانه نستمد العون، والاخلاص في العمل والتوفيق لخدمة الدين والمذهب انّه قريب مجيب.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) والمراد من ذلك انّ الآية قد يكون موردها خاصا احيانا، ولكن حكمها يسري على من كان سنخ موردها ولو بعد نزولها بعشرات السنين.

(2) انظر ص 627 و628 و631 و623.

(3) انظر ص 215، ج 3، و307، ج 2.

(4) انظر ص 179 و265، ج 4.

(5) ص 140، ج 2 ولا بد من التنبيه على انّ النسخ انّما يكون بالنسبة إلى الاحكام واما الالفاظ والصيغ فلا نسخ فيها ولذا فانّ الآيات التي نسخ حكمها في القرآن لم تسقط من أصل القرآن ولم تخرج عن كونها قرآنا منزّلاً من الله سبحانه.

(6) البيان في التفسير للسيد الخوئي عن مسلم، ج 3، ص 100.

(7) انظر ص 326 من كتابه الإمام الصادق.