1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

علم الحديث

تعريف علم الحديث وتاريخه

أقسام الحديث

الجرح والتعديل

الأصول الأربعمائة

الجوامع الحديثيّة المتقدّمة

الجوامع الحديثيّة المتأخّرة

مقالات متفرقة في علم الحديث

أحاديث وروايات مختارة

علم الرجال

تعريف علم الرجال واصوله

الحاجة إلى علم الرجال

التوثيقات الخاصة

التوثيقات العامة

مقالات متفرقة في علم الرجال

أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)

اصحاب الائمة من التابعين

اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني

اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث

علماء القرن الرابع الهجري

علماء القرن الخامس الهجري

علماء القرن السادس الهجري

علماء القرن السابع الهجري

علماء القرن الثامن الهجري

علماء القرن التاسع الهجري

علماء القرن العاشر الهجري

علماء القرن الحادي عشر الهجري

علماء القرن الثاني عشر الهجري

علماء القرن الثالث عشر الهجري

علماء القرن الرابع عشر الهجري

علماء القرن الخامس عشر الهجري

الحديث والرجال والتراجم : علم الحديث : الجوامع الحديثيّة المتقدّمة :

مناقشة بعض الروايات في الكافي.

المؤلف:  السيّد هاشم معروف.

المصدر:  دراسات في الحديث والمحدّثين.

الجزء والصفحة:  ص 275 ـ 306.

2023-09-02

1494

سنتعرّض لبعض النماذج من مرويات الكافي حول الاصول والاخلاق والمعرفة ونحو ذلك بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقا من كتاب التوحيد والعلم والقدر.

فقد روى في كتاب العقل والجهل من المجلد الاول عن النوفلي انّ ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله: إذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا في حسن عقله، فانّما يجازى الانسان بعقله.

وروى عن هشام بن الحكم، انّ ابا الحسن موسى (عليه السلام) قال له: يا هشام ان الله اكمل للناس الحجج بالعقول ونصر النبيين بالبيان ودلهم على ربوبيته بالأدلة، فقال: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} واضاف إلى ذلك انّ العقل مع العلم، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} ومن هذه الآيات والمرويّات يتبيّن انّ الاسلام قد اعتمد على العقل والعلم في اصوله وفروعه واعتبر الايمان الحاصل بالوراثة والتقليد ناقصا إذا لم يتأكد بالدليل والبرهان. وقد ندّد بالذين لا يعقلون بقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} وقال: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}.

وجاء في الحديث عن هشام، انّ الامام (عليه السلام) قال له: يا هشام انّ لله على الناس حجتين، حجة ظاهرة وحجة باطنة فأمّا الظاهرة فالرسل والانبياء والائمة (عليه السلام)، وامّا الباطنة فالعقول، يا هشام كان امير المؤمنين (عليه السلام) يقول: ما عبد الله بشيء افضل من العقل، وما تمّ عقل امرئٍ حتى تكون فيه خصال شتّى، الكفر والشر منه مأمونان، والرشد والخير مأمولان، فضل قوله مكفوف ونصيبه من الدنيا القوت، لا يشبع من العلم دهره، الذل احب إليه مع الله من العزّ مع غيره، والتواضع احب إليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، ويستقل كثير المعروف من نفسه، ويرى الناس كلّهم خيرا منه، وانّه شرّهم في نفسه، في حديث طويل عرض فيه الامام (عليه السلام) الحالات التي تكشف عن عظمة العقل وخصائصه، وما ينتج عنه من الفوائد التي تسمو بالإنسان وترفع من شأنه، وتساهم في بناء المجتمع السليم الذي تسوده العدالة ويوفر السعادة والرفاهية لجميع بني الانسان (1).

وروى في باب الاضطرار إلى الحجة عن هشام بن الحكم عن ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) انّ رجلا سأله، من اين اثبت الانبياء والرسل؟ قال (عليه السلام): انا لمّا اثبتنا انّ لنا صانعا متعاليا عنّا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز ان يشاهده خلقه، ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه، ثبت انّ له سفراء في خلقه يعبّرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، والمعبّرون عنه جلّ وعزّ، وهم الانبياء صفوته من خلقه غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان ممّا اتت به الرسل والانبياء من الدلائل والبراهين لكيلا تخلو ارض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته (2).

وفى باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدّث روى عن الحسن بن العباس انّه كتب إلى الامام الرضا (عليه السلام) يسأله عن الفرق بين الرسول والنبي والامام (عليه السلام) فكتب في جوابه: انّ الرسول هو الذي ينزل عليه جبرائيل فيراه ويسمع كلامه، وينزل عليه الوحي، وربّما رأى في منامه نحو رؤيا ابراهيم (عليه السلام)، والنبي ربّما سمع الكلام، وربّما رأى الشخص ولم يسمع كلامه، والامام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص (3).

وروى عن ثعلبة بن ميمون انّ زرارة قال سألت ابا جعفر (عليه السلام) عن قول الله سبحانه: {وكان رسولا نبيّا} قال (عليه السلام): انّ النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، والرسول هو الذي يسمع ويرى في المنام ويعاين الملك، قلت والامام ما منزلته؟ قال: يسمع الصوت ولا يعاين الملك، ثم تلا هذه الآية: {وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}.

والآية الموجودة في القرآن الكريم، لم ترد فيها كلمة محدث والالتزام بصحة الرواية يلزمه القول بنقص القرآن، والامامية سوى من شذ منهم لا يلتزمون بذلك، ومن الجائز ان يكون الحاق الامام لكلمة ولا محدث بالآية من حيث مرادفتها لهما أو لأحدهما، لا من حيث انّها من القرآن. هذا بالإضافة إلى انّ الراوي لها احمد بن محمد، والظاهر انّه ابن خالد البرقي، وهو وان كان ثقة في نفسه كما يرى ذلك بعض المؤلفين في الرجال، الا انّه يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل، وقد اخرجه من قم محمد بن احمد بن عيسى، ونسب إليه الغلو في الائمة (عليه السلام) وأكثر المؤلفين في الرجال متفقون على تضعيف مرويّاته (4).

والذي يدعو إلى الشك في هذه الرواية أكثر من ايّ شيء آخر هو اضافة هذه الزيادة إلى الآية، امّا اعطاء الامام صفة المحدّث الذي يسمع ولا يرى، فقد ورد نظيره في صحيح البخاري عن الامم السابقة وانّ عمر ابن الخطاب من هذه الامة اهل لأنّ يكون محدّثا كما تؤكّد ذلك رواية ابي سلمة وابي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله(5).

وروى في باب معرفة الامام (عليه السلام) عن محمد بن الفضيل عن ابي حمزة، انّ ابا جعفر الباقر (عليه السلام) قال: انّما يعبد الله من يعرف الله، فأمّا من لا يعرفه، فانّما يعبده هكذا ضلالا (6) قلت جعلت فداك فما معرفة الله؟ قال: تصديق الله ورسوله وموالاة علي (عليه السلام) والائتمام به وبأئمة الهدى (عليه السلام) والبراءة إلى الله من عدوّهم، هكذا يعرف الله عزّ وجلّ.

انّ موالاة علي وابنائه الائمة الهداة التي تعنيها هذه الرواية لا يراد منها الا الرجوع إليهم والسير على طريقهم، والتمسك بسيرتهم التي تعكس وجه الاسلام الصحيح وتجسد روح القرآن ومبادئ النبي الكريم ذلك لان عليا لم ينحرف لحظة واحدة منذ صباه عن نهج محمد وسيرته، ولم يغالِ به النبي (صلى الله عليه وآله) كما يزعم حاسدوه حينما قال له في خيبر: لأعطينّ الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وحينما قال له: لا يبغضك الا منافق، ولا يحبك الا مؤمن، وانت مع الحق تدور معه كيفما دار، وحينما قال فيه: اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره إلى غير ذلك من المدائح التي كانت تحزّ الماً في قلوب حاسديه حنقا وغيضا، ولمّا جاء دور ابنائه اعادوه حيا وجسدوه في اعمالهم وسيرتهم، وجميع المراحل التي مروا بها، لم ينحرفوا لحظة واحدة عن مخطّطه ومبادئه، فموالاتهم ومتابعتهم متابعة للإسلام وللرسول وللقرآن، وأعداؤهم أعداء لله ولرسوله ولكتابه.

وروى عن ابي حمزة انّ ابا جعفر الباقر (عليه السلام) قال لجماعة من المسلمين يخرج احدكم فراسخ فيطلب لنفسه دليلا، وأنتم بطرق السماء أجهل منكم بطرق الارض فاطلبوا لأنفسكم دليلا (7).

وروى عن محمد بن زيد الطبراني انّه قال: كنت قائما على رأس الامام الرضا (عليه السلام) بخراسان وعنده عدة من بني هاشم وفيهم اسحاق بن موسى بن عيسى العباسي، فقال اسحاق: بلغني أنّك تقول: انّ الناس عبيد لنا، فقال (عليه السلام) لا وقرابتي من رسول الله ما قلت هذا قط، ولا سمعته من آبائي، ولا بلغني عن أحد من آبائي قاله. ولكنّي اقول: انّ الناس عبيد لنا في الطاعة موال لنا في الدين، فليبلغ الشاهد الغائب (8).

وروى في باب الائمة نور الله في الارض عن صفوان بن يحيى والحسن بن محبوب عن ابي خالد الكابلي، انه قال: سألت ابا جعفر الباقر (عليه السلام) عن قول الله: {فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي انزلنا} فقال: يا ابا خالد النور والله نور الائمة (عليه السلام) من آل محمد إلى يوم القيامة وهم والله نور الله في السموات والارض، والله يا ابا خالد لنور الامام في قلوب المؤمنين انور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم والله ينوّرون قلوب المؤمنين ويحجب الله نورهم عمّن يشاء فتظلم قلوبهم، والله يا ابا خالد لا يحبّنا عبد ويتولّانا حتّى يطهّر الله قلبه، ولا يطهّر الله قلب عبد حتى يسلم لنا، فإذا كان سلما لنا سلمه الله من شديد الحساب، وآمنه من فزع يوم القيامة (9).

وقد روى الكليني ... عن صالح ابن سهل الهمداني انّ ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) قال في تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} قال: ان المشكاة هي فاطمة (عليه السلام)، والمصباح هو الحسن بن علي (عليه السلام) (والمصباح في زجاجة) الحسين بن علي (الزجاجة كأنها كوكب دري)، فاطمة كوكب درى بين نساء اهل الدنيا، والشجرة المباركة هي ابراهيم، (زيتونة لا شرقية ولا غربية) اي لا يهودية ولا نصرانية، (يكاد زيتها يضئ) اي يكاد العلم يتفجر منها، «ولو لم تمسسه نار نور على نور» اي امام بعد امام، «يهدي الله لنوره من يشاء» اي إلى الائمة (عليه السلام) «وكظلمات في بحر لجي» الاول والثاني، «يغشاه موج» الثالث، «ظلمات بعضها فوق بعض» معاوية بن ابي سفيان وبني امية، «ومن لم يجعل الله له نورا» اي اماما من ولد فاطمة (عليه السلام) «فما له من نور» اي ما له امام يوم القيامة... انّ هذه الرواية قد رواها سهل بن زياد عن محمد بن الحسن ابن شمون، ورواها ابن شمون عن عبد الله بن عبد الرحمن الاصم، ورواها عبد الله هذا عن عبد الله بن القاسم، ورواها عبد الله بن القاسم عن صالح ابن سهل الهمداني، وهؤلاء كلهم من المتهمين بالكذب ودس الأحاديث بين روايات اهل البيت (عليه السلام) كما نص على ذلك المؤلفون في الرجال.

فقد جاء في اتقان المقال: انّ محمد بن الحسن بن شمون بصري من الغلاة، وقال عنه النجاشي انّه كان واقفيا، ثم غلا في التشيّع، وهو ضعيف جدا وفاسد المذهب على حد تعبير النجاشي.

وقال عنه التفريشي في كتابه نقد الرجال: انّه كان من الغلاة ضعيف متهافت لا يلتفت إليه ولا إلى مصنّفاته، وسائر ما ينسب إليه (10).

وجاء في الاتقان: انّ عبد الله بن عبد الرحمن الأصم من الغلاة ضعيف لا يلتفت إليه، وقال فيه التفريشي في نقد الرجال: انّ كتابه الزيارات يدلّ على خبث عظيم، ومذهبه متهافت، وكان من كذّابة اهل البصرة.

ونصّ على انّ عبد الله بن البطل الحارثي كذّاب غالٍ ضعيف متروك الحديث معدول عن ذكره، واكّد ذلك العلّامة في كتابه الخلاصة.

واضاف إلى ذلك في اتقان المقال: انّ عبد الله بن القاسم الحضرمي المعروف بالبطل كذّاب من الغلاة، يروي عن الغلاة لا خير فيه ولا يعتد بمروياته.

وجاء في كتب الرجال عن صالح بن سهل الهمداني الذي روى عن ابي عبد الله مباشرة، جاء عنه انّه قال: كنت اقول في الصادق بالربوبيّة، فدخلت عليه فلمّا نظر اليّ قال يا صالح: انّا والله عبيد مخلوقون لنا رب نعبده وان لم نعبده عذّبنا.

وقال التفريشي في نقد الرجال: انّ صالح بن سهل من المذمومين والغلاة الكذّابين وضّاع للحديث لا خير فيه ولا في سائر مروياته (11).

ويجد الباحث في مرويات الكافي التي من هذا النوع مجالا واسعا لرفضها وعدم الاعتداد بها، لا من حيث اشتمالها على ما يخالف ظاهر الكتاب فحسب بل من حيث انّ رواة هذا النوع من الاحاديث لم يثبتوا في وجه الطعون والانحرافات التي وجّهها إليهم الذين احصوا تاريخ الرجال واحوالهم، كما تبيّن ذلك من الامثلة السابقة وهذا لا يعني انّ كل ما يرويه احد من هؤلاء المتهمين والمشبوهين يتعين طرحه، لجواز ان يروي بعض الضعفاء والمذمومين عن اصل معتبر عند الطبقة الاولى من الرواة أو يأخذ الرواية ممّن يصح الاعتماد عليه والركون إليه، أو تكون الرواية مدعومة بالقرائن والشواهد، ونحو ذلك ممّا يوجب الوثوق بصدورها وان لم يكن الراوي لها من حيث ذاته موثوقا ومعتمدا عند المؤلفين في احوال الرواة.

ومن امثلة ذلك ما جاء عن احمد بن هلال، فقد قال عنه العلامة في الخلاصة انّ الشيخ ابا علي بن همام قال: انّه ملعون على لسان الحجة محمد بن الحسن (عليه السلام).

وجاء في الفهرست للشيخ الطوسي: انّه كان غاليا متهما في دينه.

وجاء في الكشي: انّه متصنّع فاجر، وقيل عنه ايضا انّه كان متشيّعا ورجع عن التشيع إلى النصب. وأكثر المؤلفون في الرجال من الطعن عليه، ومع ذلك، فقد اعتمد جماعة على مروياته فيما يرويه عن ابن محبوب من كتاب المشيخة، وعن محمد ابن ابي عمير من نوادره، من حيث انّ الكتابين المذكورين من الكتب المعروفة عند أكثر محدثي الشيعة، أو لانّه روى عنهما في حال استقامته وقبل خروجه عن التشيع الصحيح (12).

ومن الامثلة ايضا ما رواه الكليني بعنوان انّ الائمة اركان الارض عن احمد بن مهران، عن محمد بن علي، ومحمد بن يحيى، واحمد بن محمد عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، انّ ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: ما جاء به علي (عليه السلام) آخذ به، وما نهى عنه أنتهي عنه، جرى له الفضل مثلما جرى لمحمد (صلى الله عليه وآله)، ولمحمد الفضل على جميع من خلق الله عزّ وجلّ، المتعقب عليه في شيء من احكامه كالمتعقب على الله ورسوله والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله، كان امير المؤمنين باب الله الذي لا يؤتى الا منه، وسبيله الذي من سلك غيره هلك، واضاف إلى ذلك: انّه كان يقول: انا قسيم الله بين الجنّة والنار، وانا الفاروق الاكبر، وانا صاحب العصا والميسم (13) ولقد اقرّت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقرّوا به لمحمد (صلى الله عليه وآله) إلى غير ذلك من الصفات التي اشتملت عليها هذه الرواية ومع انّه يمكن تفسيرها تفسيرا مقبولا يتفق مع مقام علي (عليه السلام) ومكانته، وينسجم مع بعض الروايات الصحيحة التي جعلته فوق مستوى الناس اجمعين ما عدا النبيّين والمرسلين، مع ذلك فالرواة لها، من المتّهمين بالانحراف عن مخطّط التشيع الصحيح. فاحمد بن مهران الراوي الاول لها، قد وصفه العلامة الحلي في خلاصته بالضعف، واكد ذلك غيره من المؤلفين في احوال الرواة. ومحمد بن علي الراوي الثاني لها، فسواء كان ابن ابراهيم ابا جعفر القرشي، أو كان ابن ابراهيم الهمداني، أو ابن بلال ابا طاهر، أو محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن ابي العزافري، هؤلاء كلهم من المذمومين المتهمين بالكذب والمعروفين بانحرافهم عن التشيع الصحيح، ومحمد بن سنان أحد رواتها المعروف بابي جعفر الزاهري، لقد اطالوا الحديث عنه ووصفوه بالكذب.

وقال عنه الفضل بن شاذان: انّه من الكذّابين المشهورين، وبالتالي فانّ اكثرهم قد اتفقوا على تكذيبه وعدم جواز الاعتماد على مروياته.

امّا المفضل بن عمر الراوي للحديث عن الامام الصادق (عليه السلام) فقد روى عنه وعن ولده الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) وهو من المتهمين بالغلو والكذب واعتناق فكرة الخطابيّة.

وجاء عن حماد بن عثمان انّه قال: سمعت ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول للمفضل بن عمر: يا كافر يا مشرك مالك ولابني اسماعيل، وكان من المتصلين به هو وجماعة من الخطابيّة، ولعلّهم كانوا يحاولون اغراءه ببعض المقالات الفاسدة.

وقال عبد الله بن مسكان: انّ حجر بن زائدة وعامر بن جداعة دخلا على أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فقالا له: جعلنا الله فداك، انّ المفضل بن عمر يقول: انّكم تقدّرون ارزاق العباد، فقال: والله ما يقدّر ارزاقنا الا الله، ولقد احتجت إلى طعام لعيالي فضاق صدري وابلغت إلى الفكرة في ذلك حتى احرزت قوتهم، فعندها طابت نفسي، لعنه الله وبرئ منه، قالا: أفنلعنه ونبرأ منه؟ قال: نعم إلى غير ذلك ممّا نسب إليه من المقالات التي لا يقرّها الاسلام فضلا عن التشيّع (14).

على انّ هذا النوع من التفسير المعروف عند محدّثي الشيعة بتفسير الباطن موجود بين احاديث السنة عن الرسول (صلى الله عليه وآله) في مجاميع الحديث وغيرها، ومن الامثلة على ذلك ما جاء عن انس انّه قال: لمّا نزلت سورة التين على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرح فرحا شديدا حتى بان لنا شدة فرحه، فسألنا ابن عباس بعد ذلك عن تفسيرها، فقال: اما قول الله والتين فبلاد الشام، والزيتون بلاد فلسطين، وطور سينين طور سيناء الذي كلّم الله عليه موسى، وهذا البلد الامين، مكة المكرمة، ولقد خلقنا الانسان في احسن تقويم، محمد (صلى الله عليه وآله)، ثم رددناه اسفل سافلين عبّاد اللات والعزى، الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أبو بكر وعمر، فلهم اجر غير ممنون، عثمان بن عفان، فما يكذّبك بعد بالدين، علي بن ابي طالب، اليس الله بأحكم الحاكمين، بعثك فيهم وجمعكم على التقوى يا محمد (15).

ويجد المتتبّع الكثير من امثال هذه التفاسير في مجاميع الحديث السنية واحوال الرواة، ومجمل القول انّ هذه المرويات وامثالها لو نظرنا إليها من ناحية اسانيدها يتعين طرحها الا إذا تأيّدت من حيث مضامينها ببعض الشواهد والمرويات الصحيحة كما ذكرنا.

 وروى في باب من اصطفاه الله على عباده، عن حماد بن عيسى عن عبد المؤمن عن سالم انه قال: سألت ابا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} فقال: السابق بالخيرات هو الإمام، والمقتصد العارف للإمام، والظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام.

وفي باب انّ الائمة امامان، امام يدعو إلى الله، وامام يدعو إلى النار، روى عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن غالب عن جابر انّ ابا جعفر الباقر (عليه السلام) قال: لمّا نزلت {يوم ندعو كل اناس بأمامهم} قال المسلمون يا رسول الله: الست امام الناس اجمعين فقال: انا رسول الله إلى الناس اجمعين، ولكن سيكون من بعدي ائمة على الناس من اهل بيتي يقومون في الناس فيُكذَّبُونَ، ويظلمهم ائمةُ الكفر والضلال واشباههم، فمن والاهم واتبعهم وصدقهم فهو منّي ومعي وسيلقاني، الا ومن ظلمهم وكذّبهم فليس منّي ولا معي وانا منه بريء.

وروى عن محمد بن يحيى بن طلحة عن ابي عبد الله (عليه السلام) انّه قال: انّ الائمة في كتاب الله عزّ وجلّ امامان، قال تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} لا بأمر الناس، يقدمون امر الله قبل امرهم وحكم الله قبل حكمهم، ثم اشار إلى الفريق الثاني بقوله: {وجعلناهم أئمة يهدون إلى النار} يقدّمون امرهم قبل امر الله، وحكمهم قبل حكم الله، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله (16).

وقد حدّد الامام الصادق (عليه السلام) وظيفة الامام كما جاء في رواية الحسين ابن ابي العلاء بقوله: انّما الوقوف علينا في الحلال والحرام، فأمّا النبوة فلا (17).

وروى حول الصحيفة والجفر والجماعة ومصحف فاطمة (عليه السلام) عن احمد بن عمر الحلبي، عن ابي بصير انّه قال: دخلت على ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) فقال: يا ابا محمد لقد علّم رسول الله عليا (عليه السلام) الف باب من العلم يفتح له من كل باب الف باب، قلت هذا والله العلم، فنكث ساعة الارض ثم قال: انّه لعلم وما هو بذاك، يا ابا محمد انّ عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة، فقلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله (صلى الله عليه وآله) واملائه من فلق فيه وخطّ علي بيمينه، فيها كلّ حلال وحرام وكلّ شيء يحتاج إليه حتى أرش الخدش، ثم ضرب بيده اليّ وقال: تأخذني يا ابا محمد وغمزني بيده وقال: حتى ارش هذا، ثم سكت ساعة وقال: انّ عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر، قال: قلت: وما الجفر؟ قال وعاء من ادم فيه علم النبيّين والوصيّين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني اسرائيل، ثم سكت ساعة وقال: انّ عندنا مصحف فاطمة (عليه السلام) وما يدريهم ما مصحف فاطمة، قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد.

وروى عن علي بن الحكم عن الحسين بن ابي العلاء انّه قال: سمعت ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: انّ عندي الجفر الابيض قلت: فأيّ شيء فيه؟ قال: زبور داود وتوراة موسى وانجيل عيسى وصحف ابراهيم، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة ما ازعم انّ فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس الينا ولا نحتاج إلى احد حتى انّ فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وارش الخدش، وعندي الجفر الاحمر، قلت: وايّ شيء فيه؟ قال: السلاح، وذلك انّما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل، فقال له عبد الله بن يعفور: اصلحك الله أيعرف ذلك بنو الحسن؟ فقال: اي والله كما يعرفون الليل انّه ليل والنهار انّه نهار، ولكن يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجود والانكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيرا لهم (18).

ومن هذه المرويّات وغيرها ممّا جاء في مجاميع كتب الحديث حول الجامعة ومصحف فاطمة والجفر والصحيفة تبيّن انّ هذه المسمّيات بهذه الاسماء هي عبارة عن مجاميع في الحلال والحرام والاحكام وبعض الحوادث الكونيّة ونحو ذلك من العلوم التي ورثها اهل البيت عن جدهم الرسول (صلى الله عليه وآله)، هذه المجاميع بخط علي (عليه السلام) واملاء رسول الله كما نصّت على ذلك مرويّة ابي بصير، وقد أخبر علي (عليه السلام) عن بعض الحوادث قبل وقوعا بعشرات السنين، ووقعت كما أخبر عنها. اما الجفر الابيض والاحمر فأحدهما وعاء من جلد فيه التوراة والانجيل وزبور داود وصحف ابراهيم كما نزلت من عند الله، والثاني وهو الاحمر وعاء فيه سلاح رسول الله، كما نصت على ذلك رواية الحسين ابن ابي العلاء.

وامّا مصحف فاطمة، فقد جمعت فيه أكثر الاحكام واصول ما يحتاج إليه الناس كما وصلت إليها من ابيها وابن عمها امير المؤمنين (عليه السلام)، وليس هو من القرآن كما يدّعيه فريق من الناس.

ويدل على ذلك قول الامام الصادق (عليه السلام)، كما جاء في رواية لحسين بن ابي العلاء، ما ازعم انّ فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج إليه الناس ولا نحتاج إلى أحد، حتى ان فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة، وارش الخدش.

وقوله في رواية ابي بصير: والله انّ مصحف فاطمة مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد.

قوله (عليه السلام) في رواية فضيل بن سكرة: كنت انظر في كتاب فاطمة، ليس من يملك الارض الا وهو مكتوب فيه باسمه واسم ابيه، وما وجدت لولد الحسن فيه شيئا.

ومع انّ الروايات التي تعرضت للصحيفة والجامعة والجفر ومصحف فاطمة (عليه السلام) قد نصت على انها كتب تشتمل على الاحكام والحوادث واخبار الامم والملوك في مستقبل الزمان وحاضره، وانّ الجفر هو وعاء فيه كتب الانبياء السابقين وآثارهم وسلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع انّ الروايات التي تعرّضت لمحتويات تلك الكتب، فقد وجد بعض المحدثين والمؤلفين من السنة منفذا للتشويش والطعن على الشيعة، فقالوا: بانّ مصحف فاطمة (عليه السلام) هو قرآن غير القرآن الذى بين أيدي الناس، وانّ الجفر والجامعة كتابان لعلي (عليه السلام) ذكر فيهما الحوادث الكونيّة إلى انقراض العالم، وبناهما على حروف ورموز، واستقلا منه إلى اولاده فاخبروا عن الغيب اعتمادا عليهما، واستطاعوا إغراء فئة من الناس آمنت بانّهم يعلمون ما لا يعلمه احد من خلق الله.

وممّن وضع هذين الكتابين في هذا المستوى، ونسب إلى الائمة الاطهار انهم كانوا يخبرون عن بعض الحوادث معتمدين على ما فيهما من الرموز والحروف، الفيجي في المواقف والجرجاني في شرحه، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة وغيرهم. وجاء الشيخ أبو زهرة في كتابه الامام الصادق فنسج على منوال غيره، وادّعى بانّ الائمة يستخرجون علم الغيب من هذين الكتابين، مع انّ النصوص التي تعرضت لهذه الكتب صريحة في انّ محتوياتها لا تتعدى الحلال والحرام وبعض الحوادث الكونية التي وقع بعضها بعد زمانهم بعشرات السنين، ولا بد وان يتكشف المستقبل عن الباقي قبل ان يرث الله الارض ومن عليها.

امّا المرويّات التي تعرّضت لمصحف فاطمة فقد نصّت على انّه كتاب فيه الحلال والحرام، ومع ذلك فقد ألصقوا بالشيعة قرآنا غير القرآن المتداول بين الناس، واحتجّوا لذلك بمصحف فاطمة، مع العلم بانّ مروياتهم تنص على انّ لعائشة مصحفا يزيد عن القرآن المنزل، ومع ذلك فقد تجاهلوها وتعلّقوا بمصحف فاطمة تاركين المرويات التي تعرضت لمحتوياته.

فقد جاء في الاتقان المجلد الثاني انّ حميدة بنت ابي يونس قالت: قرأ ابي وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة: انّ الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وعلى الذين يصلون الصفوف الأولى هذا بالإضافة إلى بعض المرويات التي سنتعرض لها في حديثنا عن مرويات الكافي حول هذا الموضوع (19) فالرواية صريحة بانّ القرآن المنسوب لعائشة يزيد عن القرآن المتداول، والرواية التي تعرّضت لمصحف فاطمة تنص على انّه ليس من نوع القرآن.

وروى عن سدير انّه قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): انّ قوما يزعمون انّكم آلهة يتلون بذلك قرآنا: {وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله} فقال: يا سدير سمعي وبصري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء، وبرئ الله منهم، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي والله لا يجمعني الله واياهم يوم القيامة الا وهو ساخط عليهم، قال قلت: وعندنا قوم يزعمون انكم رسل يقرؤون علينا بذلك قرآنا: {يا ايّها الرسل كلوا من الطيّبات واعملوا صالحا انّي بما تعملون عليم} قال: يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء ما هؤلاء على دي ودين آبائي، قال قلت: فما انتم، قال نحن خزان علم الله ونحن تراجمة امر الله، نحن قوم معصومون امر الله تعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، نحن الحجة البالغة من دون السماء وفوق الارض.

وروى عن ابن اذينة عن يزيد بن معاوية انّه سأل ابا جعفر وولده الامام الصادق (عليه السلام) فقال لهما: ما منزلتكما ومن تشبّهون ممّن مضى؟ قالا: صاحب موسى وذا القرنين، كانا عالمين، ولم يكونا نبيّين (20).

وروى عن عمر بن خالد، انّ ابا جعفر الباقر (عليه السلام) قال يا معشر الشيعة: كونوا النمرقة الوسطى، يرجع اليكم الغالي، ويلحق بكم التالي، فقال له رجل من الانصار يقال له سعد: جعلت فداك ما الغالي، وما التالي؟ قال: الغلاة قوم يقولون فينا ما لم نقله في أنفسنا، فليس اولئك منا ولسنا منهم، والتالي هو من يريد الخير ويسعى في طلبه ليعمل به طمعا في مرضاة الله ورجاء في ثوابه (21).

واضاف الراوي إلى ذلك انّ الامام (عليه السلام) اقبل علينا وقال: والله ما معنا من الله براءة، ولا بيننا وبين الله قرابة، ولا لنا على الله حجة، ولا نتقرّب إلى الله الا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعا لله تنفعه ولايتنا، ويحكم لا تغتروا، ويحكم لا تغتروا.

وروى أبو الصباح الكناني انّه قال لابي عبد الله (عليه السلام) ما نلقى من الناس فيكم، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) وما الذي تلقى من الناس فينا؟ فقال: لا يزال يكون بيننا وبين الرجل الكلام، فيقول جعفري خبيث فقال الامام (عليه السلام): يعيّركم الناس بي، فقال له أبو الصباح نعم يا ابن رسول الله، فقال: ما اقل من يتبع جعفرا منكم، انّما اصحابي من اشتد ورعه، وعمل لخالقه ورجا ثوابه هؤلاء اصحابي (22).

ومن خلال دعواته وابتهالاته إلى الله سبحانه عندما يناجي ربّه، أو تعترضه الحوادث وتهزّه النكبات، من خلال تلك الدعوات يبدو الامام على عظمته ويقينه واتساع علمه وكأنّه من أضعف خلق الله يخاطب ربه خطاب عبد ذليل قد انقطع امله من كل شيء لا يستطيع ان يدفع عن نفسه ضرا ولا يجلب لها خيرا.

فقد روى في الكافي، انّ الامام الصادق (عليه السلام) كان يقول في دعائه: اللهمّ آمن خوفي وعافني فيما بقي من عمري، وثبت حجتي، واغفر خطاياي، واعصمني في ديني، وسهّل مطلبي، ووسّع عليّ في رزقي فانّي ضعيف، وهب لي يا الهي لحظة من لحظاتك تكشف بها عنّي جميع ما به ابتليتني، فقد ضعفت قوتي وقلّت حيلتي، وانقطع من خلقك رجائي، ولم يبقَ الا رجاؤك وتوكلي عليك، وقدرتك عليّ يا ربي ان ترحمني كقدرتك عليّ ان تعذّبي وتبتليني، الهي لم أخل من نعمك منذ خلقتني وانت ربي ومفزعي وملجئي، والحافظ لي والذابّ عنّي، فليكن يا سيدي ومولاي فيما قضيت وقدرت وحتمت تعجيل خلاصي ممّا انا فيه جميعه، فانّي لا اجد لدفع ذلك كله احدا غيرك، ولا اعتمد فيه الا عليك (23).

هذه الدعوات والابتهالات التي تنبض بالأيمان المطلق والعبودية الخالصة، والحاجة إليه في صغير الامور وكبيرها، بالإضافة إلى بعض المرويات التي حدد فيها الامام (عليه السلام) موقفه من الغلاة والمرجفين والدساسين، كل هذه وغيرها من مواقفهم (عليه السلام) لسد الطريق على كل من يحاول ان يجعل للأمام خصائص الخالق وميزة الانبياء المرسلين، وتحتم علينا تأويل بعض المرويات التي تنسب له علم الغيب والقدرة على كل شيء ونحو ذلك مما يعجز عنه الانسان بالغا ما بلغ.

لا بد من تأويل تلك المرويات حيث يكون التأويل ممكنا، أو طرحها لا سيما وان أكثر رواتها لم تتوفر فيهم الشروط المطلوبة في الراوي كما ذكرنا.

وقد روى الكليني في باب انّ الائمة يعلمون متى يموتون ولا يموتون الا باختيارهم، عن سلمة بن الخطاب عن سليمان بن سماعة وعبد الله بن محمد عن عبد الله بن القاسم البطل عن ابي بصير، انّ ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: اي امام لا يعلم ما يصيبه، والى ما يصير إليه، فليس ذلك بحجة لله على خلقه.

ومع انّ هذه الرواية ليس فيها ما يدعو إلى الاستغراب والاستهجان؛ لأنّ علم الامام الذي يتسع لهذه الحالات مستمد من النبي (صلى الله عليه وآله) ومن العلم الذي ورثوه عنه ومع ذلك فانّ رواتها من المتهمين بالانحراف كما نصّ على ذلك المؤلفون في احوال الرجال، وقد ذكرنا لمحة عنهم في الفصل الذي تعرضنا فيه لبعض رجال الكافي(24).

وفي باب جهات علم الائمة (عليه السلام) روى عن علي بن ابراهيم عمن حدثه عن المفضل بن عمر انه قال قلت: لأبي الحسن موسى بن جعفر، جاءنا عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال: ان علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع، فقال (عليه السلام) امّا الغابر فما تقدم من علمنا، واما المزبور فما يأتينا واما النكت في القلوب فإلهام، واما النقر في الأسماع فأمر الملك (25).

والامر في هذه الرواية سهل من حيث مضمونها، فانّ الالهام بمعنى الادراك الصحيح لواقع الاشياء، يحصل من صفاء النفس وحدة الذهن، ويحصل بالهداية من الله سبحانه إلى الواقع، والنقر في الاسماع مرجعه إلى انّ الله سبحانه يرشد الامام (عليه السلام) إلى احكام الحوادث وبعض ما يجري في مستقبل الزمان، والايحاء بهذا المعنى ليس من مختصات الانبياء فقد ورد في القرآن في مختلف المناسبات ومن ذلك قوله سبحانه: {واوحى ربك إلى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر وممّا يعرشون} وهل معنى ذلك انّ الامين جبرائيل كان ينزل على النحل ليوحي إليها بذلك، لا اظن ان احدا يلتزم بهذا الامر. امّا من حيث سندها فهي من قسم الضعيف؛ لأنّها جاءت عن طريق المفضل بن عمر، المعروف بالغلو والكذب، وقد وصفه الامام الصادق بالكفر والشرك، ونهى عن الاخذ بمروياته.

وروى في باب التفويض إلى رسول الله والى الائمة في امر الدين، عن احمد ابن ابي زاهر بسنده إلى ابي اسحاق النحوي انّه قال: دخلت على ابي عبد الله (عليه السلام) فسمعته يقول: انّ الله عزوجل ادّب نبيه على محبته فقال: {وانك لعلى خلق عظيم}، ثم فوّض إليه فقال عزّ وجلّ: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وقال: {ومن يطع الرسول فقد اطاع الله} وانّ نبي الله فوض إلى علي (عليه السلام) والائمة فسلمتم وجحد الناس فوالله لنحبكم ان تقولوا إذا قلنا وان تصمتوا إذا صمتنا، ونحن فيما بينكم وبين الله عزّ وجلّ، وما جعل الله لاحد خيرا في خلاف امرنا.

وقد اورد عشر روايات تحت عنوان التفويض إلى رسول الله والى الائمة، وكلها تلتقي تقريبا مع هذه الرواية من حيث المضمون.

والذي تعنيه هذه المرويات، انّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان المسؤول عن تبليغ الاحكام وبيان الحلال والحرام وبعد وفاته أصبح المسؤول عن ذلك الامام (عليه السلام) الذي اختاره النبي بأمر من الله سبحانه، بعد ان زوده بكل ما تحتاج إليه الامة من امور دينها، فيكون المراد من التفويض، هو القيام بمهمات النبي من غير فرق بينهما من هذه الناحية، الا انّ النبي (صلى الله عليه وآله) يخبر عن الله بواسطة الوحي، والامام يخبر عن النبي والكتاب المنزل عليه. وليس في هذه المرويات وغيرها ما يشير إلى انّ الله قد فوض إلى النبي كل شيء حتى امور الخلق والتدبير والنبي قد فوّضها إلى الإمام كما ينسب جماعة إلى الشيعة. ومن الجائز ان يكون المصدر في الصاق هذه الانحرافات بالشيعة بعض الفرق التي انحرفت عن التشيع الصحيح كالسبئية والخطّابية وغيرهما، ولكن وجود فرق من هذا النوع تنتمي إلى التشيّع لا يبرّر تلك الهجمات الصاعقة على الشيعة الإماميّة لمجرد ان بعض الذين كانوا مندسين في صفوفهم خرجوا عن مخطط التشيّع، أو ألحدوا في آرائهم ومعتقداتهم وقالوا في النبي والائمة ما يتنافى مع اصول الاسلام ومبادئه.

وجاء في بعض النصوص الصحيحة عن الائمة: انّ من زعم ان الله فوّض الينا امر الخلق والرزق والاحياء فقد أشرك بالله وضلّ سواء السبيل.

وجاء في باب ذكر الارواح التي في الائمة (عليه السلام) عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر انّه سأل ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) من علم الائمة بما في اقطار الارض وهو في بيته مرخى عليه ستره فقال: يا مفضل انّ الله تبارك وتعالى جعل في النبي خمسة أرواح: روح الحياة فيه دبّ ودرج وروح القوة فيه نهض وجاهد، وروح الشهوة فيه اكل وشرب واتى النساء من الحلال، وروح الايمان فيه آمن وعدل، وروح القدس فيه حمل النبوة، فإذا قبض الله النبي (صلى الله عليه وآله) انتقل روح القدس فصار إلى الامام (عليه السلام) وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو، والاربعة ارواح تنام وتغفل وتزهو وتلعب، وروح القدس كان يرى به.

وروى ثلاث روايات تحت هذا العنوان بهذا المضمون (26).

 وروى في باب ان الامام (عليه السلام) يأخذ علم الامام الذي كان قبله في آخر دقيقة من حياته، روى عن جماعة منهم علي بن اسباط، والحكم بن مسكين، ان بعض الاصحاب أخبره بانه قال لابي عبد الله (عليه السلام) متى يعرف الاخير ما عند الاول؟ قال: في آخر دقيقة تبقى من روحه.

وبهذا النص رواها عن علي بن اسباط، والحكم بن مسكين عن عبيد بن زرارة، ورواها ايضا عن جماعة عن على بن اسباط.

والظاهر انّ المقصود بالمعرفة التي تنتقل إلى الثاني في اخر دقيقة من حياته، هي الامامة، وليس في متنها ما يدعو إلى التردّد والتشكيك رخاصة بعد هذا التفسير.

اما من ناحية سندها، فأحد رواتها علي بن اسباط، وهو فطحي المذهب متعصب لعقيدته، وقد ألّف علي بن مهزيار رسالة في الرد عليه فلم يتراجع عن مذهبه، ولعلّه لذلك رجّح جماعة من المؤلفين في احوال الرجال ضعف مروياته.

وورد في سند الرواية الثالثة، محمد بن الحسين بن سعيد الصبّاغ، وكان منحرف العقيدة ضعيف جدا على حد تعبير النجاشي (27).

وأكثر الروايات التي اوردها الكليني رحمه الله في هذه الابواب من كتاب الحجة لو عرضناها على الاصول والقواعد المقرّرة في علم الدراية لا تتوفر فيها الشروط المطلوبة، ولازم ذلك دخول هذا النوع من المرويات في قسم الضعيف حسب التصنيف الذي احدثه العلامة الحلي واستاذه، وذكرنا سابقا ان ضعف الرواية من ناحية سندها لا يوجب طرحها، لجواز كونها محاطة ببعض القرائن التي تؤكد صدورها عن الامام (عليه السلام) أو لوجودها في الكتب المعتبرة عند الطبقة الاولى من الرواة أو لان مضمونها متواتر ولو بالمعنى، أو لموافقتها لظاهر الكتاب والسنة، أو لغير ذلك من ـ القرائن التي توجب الاطمئنان بصدورها، ولأجل ذلك فقد اعتبر المتقدمون هذا النوع من المرويات من الصحيح الذي يصح الاعتماد عليه والركون إليه ولو كان الراوي له من المنحرفين في عقيدته وعمله.

وروى في باب النص على الائمة (عليه السلام) واحدا بعد واحد عن محمد ابن عيسى بسنده إلى ابي بصير انه قال: سألت ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) عن قوله تعالى: {اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم} فقال: نزلت في علي والحسن والحسين (عليه السلام) فقلت له: انّ الناس يقولون: فما له لم يسمّ عليا واهل بيته في كتاب الله عزّ وجلّ، فقال: قولوا لهم: انّ رسول الله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله للناس ثلاثا ولا أربعا حتى كان رسول الله هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم في كلّ اربعين درهما درهم واحد، ونزل الحج ولم يقل لهم: طوفوا سبعا. فكان رسول الله هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت: اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم، فبيّن الرسول المراد منها، وقال في علي (عليه السلام): من كنت مولاه فعلي مولاه. وقال: اوصيكم بكتاب الله واهل بيتي، فانّي سألت الله عزّ وجلّ ان لا يفرّق بينهما حتى يوردهما على الحوض فأعطاني ذلك.

وقال: لا تعلّموهم فانّهم اعلم منكم، لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة، فلو سكت رسول الله ولم يبيّن من هم اهل بيته لادعاها آل فلان وآل فلان، لكنّ الله انزله في كتابه تصديقا لنبيه، فقال: {انّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا} فكان علي والحسن والحسين وفاطمة، فأدخلهم رسول الله تحت الكساء في بيت ام سلمة، ثم قال: اللهمّ انّ لكل نبي اهلا وثقلا، وهؤلاء اهلي اهل بيتي وثقلي.

فقالت ام سلمه ألست من اهلك يا رسول الله فقال: إنّك إلى خير ولكن هؤلاء اهلي وثقلي، فلمّا قبض رسول الله، كان علي (عليه السلام) اولى الناس بالناس لكثرة ما بلغ فيه رسول الله، فلمّا مضى علي كان الحسن اولى بها من بقية اولاد علي، ولمّا مضى الحسن كان الحسين اولى بها وهكذا.

وروى الكليني بهذا المضمون أكثر من سبع روايات، وفيها يؤكد الامام (عليه السلام) انّ المراد بأولي الامر في الآية من سورة النساء الأئمة من اهل البيت (عليه السلام(28).

وروى في باب انّ الجن يأتونهم ليأخذوا عنهم معالم دينهم، عن جماعة منهم سعد الاسكاف انه قال: اتيت ابا جعفر (عليه السلام) اريد الاذن عليه فإذا رحال إبل مصفوفة على الباب، والاحداج قد ارتفعت ثم خرج قوم معتمون بالعمائم يشبهون الزط، فدخلت على ابي جعفر (عليه السلام) فقلت له جعلت فداك: أبطأ اذنك على اليوم، ورأيت قوما خرجوا عليّ معتمين بالعمائم فأنكرتهم، فقال أو تدري من اولئك يا سعد؟ قلت: لا، قال: اولئك اخوانكم من الجن يأتون فيسألون عن حلالهم وحرامهم ومعالم دينهم.

وروى سبع روايات بهذا المضمون، وقد وصف المجلسي في مرآة العقول هذه الروايات كلّها بالضعف، ولم يستثنِ منها الا الرواية الرابعة التي رواها سدير الصيرفي عن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) وجاء فيها: انّ الائمة يسخّرون الجن لقضاء حوائجهم إذا اقتضى الأمر السرعة في انجازها، وعدّها من نوع الحسن بين أصناف الحديث (29).

وروى في باب انّ مستقى العلم في بيت آل محمد، عن يحيى بن عبد الله عن ابي الحسن انّه قال: سمعت جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول وعنده ناس من اهل الكوفة، عجبا للناس، انّهم أخذوا علمهم كله عن رسول الله فعملوا به واهتدوا، ويرون انّ اهل بيته لم يأخذوا علمه، ونحن اهل بيته وذريته في منازلنا نزل الوحي، ومن عندنا خرج العلم إليهم، فيرون انهم علموا واهتدوا وجهلنا نحن وضللنا ان أهذا لمحال.

وفي باب انّ حديثهم صعب مستصعب، روى عن عمار بن مروان عن جابر انّ ابا جعفر (عليه السلام) قال: انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: انّ حديث آل محمد صعب مستصعب، لا يؤمن به الا ملك مقرب أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للايمان فما ورد عليكم من حديث آل محمد (عليه السلام) فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه، وما اشمأزت منه قلوبكم فأنكرتموه فردوه إلى الله ورسوله والى العالم من آل محمد، وانما الهالك ان يحدث احدكم بشيء منه لا يتحمله، فيقول: والله ما كان هذا(30).

وروى في باب الولاية عن علي بن حمزة عن اي بصير، انّ ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: انّ الآية {ومن يطع الله ورسوله} نزلت على النحو التالي: ومن يطع الله ورسوله في ولاية على وولاية الائمة من بعده فقد فاز فوزا عظيما.

وهذه الرواية ضعيفة السند، كما نصّ على ذلك المجلسي في مرآة العقول قد رواها على بن اسباط عن علي بن ابي حمزة، وعلي بن اسباط كان فطحيا، وابن ابي حمزة كان واقفا، ومتهما بالكذب ووضع الأحاديث.

وجاء عن علي بن الحسن بن فضال انه كتب تفسير القرآن، وانه لا يستحل ان يروي عنه حديثا واحدا. ونسب له المؤلفون في احوال الرجال، انّه استولى على الاموال التي كانت في حيازته للإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) وأنكرها بعد وفاته (31).

وعلى تقدير صحّة الرواية فلا بدّ وان يكون المراد من قوله (عليه السلام) هكذا نزلت انّها نزلت بهذا المعنى لا بهذه الالفاظ، وانّ المعنى المراد منها هو ولاية علي والائمة من بعده ومع الاعراض عن ذلك فليس ببعيد ان تكون هذه الزيادة في الآية من موضوعات علي بن حمزة، أو انه قد اخذها من الكتب التي الفت في تفسير الباطن، ككتابي علي بن حسان، وعبد الرحمن بن كثير وغيرهما من الغلاة والاسماعيلية.

وقد اورد في الكافي نحوا من اثنين وتسعين رواية تتضمن تفسير أكثر من مئة آية بعلي والأئمة من ولده (عليه السلام) واكثرها بعيدة عن مداليل الالفاظ واسلوب القرآن.

ومن امثلة هذا النوع من المرويّات، ما رواه عن على بن محمد عن احمد بن محمد بن عبد الله في تفسير قوله تعالى {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} انّه قال: الوالد وما ولد، على وما ولد من الأئمة (عليه السلام).

ومنه ما رواه عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، ان ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) قال في تفسير قوله تعالى: {هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب وأخر متشابهات} انّ الآيات المحكمات علي والأئمة من ولده والمتشابهات فلان وفلان وفلان، والذين في قلوبهم زيغ، هم اصحابهم واهل ولايتهم.

وروى عن محمد بن جمهور، عن صفوان وابن مسكان، ان ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) قال في تفسير قوله تعالى: {وان جنحوا للسلم فاجنح لها} انّ المراد من السلم الدخول في ولاية الائمة (عليه السلام).

وروى عن محمد بن سليمان عن عبد الله بن سنان انّ ابا عبد الله الصادق قال: ان الآية: ولقد عهدنا إلى آدم كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، والأئمة من ذريّتهم فنسي، واضاف الإمام على حد قول الراوي، انّ الآية هكذا والله نزلت على محمد (صلى الله عليه وآله) (32).

وروى عن محمد بن جمهور عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر انه قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى: {ائتِ بقرآن غير هذا أو بدّله} قال: قولوا: أو بدّل عليا، والرواة الثلاثة لهذه الرواية لا يعتد بمروياتهم كما ذكرنا سابقا، وقد وصف المجلسي هذه المرويات كلّها بالضعف، وممّا لا شك فيه انّ اكثرها من صنع الغلاة والمنحرفين عن عقيدة التشيّع.

وممّا يؤيّد ذلك انّ المتتبّع في أسانيدها لا يجد رواية يخلو سندها عن أحد الغلاة أو المتّهمين بالانحراف والكذب، وعلي وابناؤه الائمة الهداة الذين اختارهم الله أئمة لعباده يدعون إلى الحق وبه يعملون في غنى عن هذه التأويلات التي لا تساعد عليها ظواهر تلك الآيات ولا تؤيدها نصوص القرآن الكريم.

انّ اكثر هذه المرويات لا تنسجم مع سيرة اهل البيت (عليه السلام) الذين قالوا: انّا إذا حدّثنا لا نحدّث الا بما وافق كتاب الله، وانّ ما خالف كتاب الله فليس منّا، وهل ينسجم قولهم هذا: مع تفسير قوله تعالى الذي نسبه الغلاة إليهم: ائت بقرآن غير هذا أو بدله، اي بدّل عليا (عليه السلام) كما جاء في رواية محمد بن جمهور عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر، ومع تفسير قوله تعالى: {ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين} اي لم نكُ من اتباع الائمة (عليه السلام) الذين قال الله فيهم: {والسابقون السابقون * اولئك المقربون} انّ ابا عبد الله الصادق الصدوق اجلّ شأنا وارفع قدرا من ان يتصرّف في كتاب الله بما يذهب بهاءه وروعته ويطمس من اضوائه النيّرة الساطعة التي هزمت فصحاء العرب وبلغاءهم وارتدوا على اعقابهم خاسرين مدحورين {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}. وروى عن علي بن اسباط وعلي بن ابي حمزة عن ابي بصير انّ ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) قرأ: فستعلمون يا معشر المكذّبين حيث انبأتكم رسالة ربّي في ولاية علي والائمة من بعده من هو في ضلال مبين.

وانّه قال: إنّ الآية: {ان تلووا وتعرضوا} أصلها: ان تلووا الامر وتعرضوا عمّا امرتم به فانّ الله كان بما تعملون خبيرا، فلنذيقنّ الذين كفروا بتركهم ولاية امير المؤمنين عذابا شديدا في الدنيا، ولنجزينّهم أسوأ الذي كانوا يعملون (33).

وروى عن محمد بن ارومة عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير انّ ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) قال في تفسير قوله تعالى: {وهدوا إلى الطيّب من القول وهدوا إلى صراط الحميد} انّ الذين هدوا إلى الطيّب من القول والى صراط الحميد، هم الذين هدوا إلى امير المؤمنين (عليه السلام)، وانّ المراد من قوله تعالى: {حبّب اليكم الايمان وزيّنه في قلوبكم} انّه حبب اليكم امير المؤمنين، وكرّه اليكم الكفر والفسوق والعصيان، الاول والثاني والثالث (34) إلى غير ذلك من المرويّات التي دوّنها في المجلد الأول من الكافي في هذا الباب من كتاب الحجة.

وبعد التتبّع والدراسة الواعية يطمئنّ الباحث إلى انّ أكثر تلك الأحاديث لا ينسجم مع واقع اهل البيت (عليه السلام) بالإضافة إلى انّها غير جامعة لشروط الاعتماد على الرواية، لأنّ رواة هذا النوع اكثرهم من الغلاة المعروفين بالكذب والانحراف ...

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر ص 12 إلى ص 22، ج 1، من الكافي.

(2) نفس المصدر، ص 168.

(3) ص 176، ومقتضى هذه الرواية انّ الامام يشارك الرسول والنبي في سماع الكلام ولكنّه لا يرى جبرائيل كما يراه النبي والرسول، وقد وصف المجلسي في مرآة العقول هذه الرواية بالجهالة، وعلى تقدير صحة الرواية فسماع الائمة للكلام ليس عن طريق الوحي. ونص الشيخ المفيد في اوائل المقالات: على ان العقل لا يحيل ذلك، ولكن الاجماع قد تم على ان من زعم ان احدا بعد نبينا (صلى الله عليه وآله) يوحي إليه فقد أخطأ وكفر لحصول العلم بذلك من دين النبي، فيكون المراد من السماع الذي يصح بالنسبة إليهم، انّ الله سبحانه قد يلقي في اذهانهم امورا تتعلّق بما سيكون فيخبرون عنها، أو تبقى مخزونة عندهم وجاء في البخاري عن ابي سلمة وابى هريرة، انّ النبي قال: لقد كان فيمن كان قبلكم قوم يكلّمون وليسوا انبياء، فإن يكن من امتي منهم أحد فذاك عمر بن الخطاب.

(4) انظر اتقان المقال للشيخ محمد طه ص 16.

(5) انظر 295، ج 2، من الصحيح للبخاري.

(6) أي كعبادة جماهير الناس الذين يسأ قون في أكثر اعمالهم وعباداتهم تقليدا للآباء والامهات.

(7) ص 182، والمقصود من ذلك انّ الخلق لا بد لهم من دليل على الله ورسوله، والائمة هم الادلاء على الله كما نصّت على ذلك طائفة من المرويات في هذا الباب.

(8) ص 187 نفس المصدر، والذي اراده الامام (عليه السلام) انّ على الناس ان يرجعوا إليهم في امور الدين، ويعملوا بما يأمرون به وينهون عنه، لانهم اعرف بالله واحكامه وبالقران ومحتوياته من سائر الناس، فعليهم ان يقولوا وعلى الناس ان يسمعوا ويطيعوا، لانهم ينطقون بلسان جدهم، ويحدثون بأحاديثه، وبذلك يمكن تفسير ما جاء في الكافي حول هذا الموضوع، مثل قولهم من عرفنا كان مؤمنا، ومن أنكرنا كان كافرا أو ضالا أي ان من اتبع اوامرهم وانتهى عما نهوا عنه، كان مؤمنا لان اوامرهم لا تعدو اوامر الله ورسوله ومن انكرهم وتجاهلهم، فقد انكر كتاب الله، لانهما لن يفترقا حتى يردا على رسول الله.

(9) ص 194، لقد عدّ المجلسي في شرح اصول الكافي هذه الرواية من الروايات الضعيفة؛ لأنّ في سندها ابا خالد الكابلي، ولو تغاضينا عن هذه الناحية، فالمراد من النور الوارد فيها هو المعرفة التي ترشد الى الخير والحق وتدلهم على الله سبحانه، وقد وصف الائمة بأنهم نور السموات في الارض من حيث ان متابعتهم والاقتداء بهم من افضل الطرق الموصلة لمعرفة الله وامتثال اوامره واقربها وهم ينورون قلوب المؤمنين بإرشاداتهم ونصائحهم وتعاليمهم، فمن اتبعهم فقد اهتدى الى الطريق الموصل إلى الله، ومن حاد عنهم فقد اظلم قلبه وضل سواء السبيل.

(10) انظر ص 342 من الاتقان للشيخ محمد طه وغيره من كتب الرجال.

(11) انظر الاتقان للشيخ محمد طه ص 306 و316 ورجال الميرزا محمد وغيره من كتب الرجال.

(12) انظر اتقان المقال ص 258 و259.

(13) المتعقّب هو المعترض عليه أو المتردّد في شيء منها؛ لانّه لا يحكم الا بحكم الله ورسوله، فمن ردّ حكمه فقد رفض حكم الله، ومن طعن عليه فقد طعن على رسوله وهو باب الله من حيث انّه الدليل والمرشد إلى الله سبحانه، وقد جعله الله قسيما بين الجنة والنار بمعنى ان حبه ومتابعته في اقواله وافعاله يوجب لاتباعه ومحبيه الجنة والذي لا يتابعه ولا يتولاه وينتقصه خارج عن حدود ما امر الله، ومن كان كذلك كان مصيره إلى النار، وقد قال له الرسول: يا علي لا يحبّك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق، فكونه القسيم للجنة والنار من حيث انّ اهل الجنّة يعرفون بحبهم له، واهل النار يعرفون ببغضهم له، والعصا التي وردت في الرواية كناية عن قوته وصلابته في الحق، والميسم هو حبه وبغضه اللذان يعرف بهما اهل الجنة من اهل النار فعلامة اهل الجنة حبه، وعلامة اهل النار بغضه.

(14) انظر ص 258 و254 و346 و347 من الاتقان.

(15) انظر الغدير، ج 5، ص 320، عن الخطيب في تاريخه، والذهبي في الميزان.

(16) ص 114 و216، ج 1.

(17) هذا التحديد في مقابل من ينسب إليهم النبوة أو خصائصها، ومقتضى الرواية انّهم قد ورثوا من رسول الله العلم، فعلى الناس ان يرجعوا إليهم فيما يعود إلى امور دينهم، اما النبوة وخصائصها فهي للأنبياء وحدهم.

(18) انظر ص 239 و242، ج 1.

(19) انّ هذه الزيادة في مصحف عائشة تشير إلى المنزلة العالية التي كان يتمتّع بها المصلون في الصف الأول مع النبي (صلى الله عليه وآله) ولا شكّ بأنّ اباها كان في طليعتهم.

(20) انظر ص 269، ج 1، بهاتين الروايتين وغيرهما من عشرات الروايات دفع الإمام (عليه السلام) ادّعاء المغالين الذين وضعوهم فوق مستوى المخلوط قات وألبسوهم ثوب الأئمة أو المرسلين، جهلا وضلالا، وأكّد الإمام في مختلف المناسبات بأنّهم عبيد لله لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، ولا يدفعون عنها موتا ولا حياة، ولم يبلغوا ما بلغوه الا بطاعتهم لله سبحانه.

(21) والذي يعنيه الإمام (عليه السلام) بقوله كونوا النمرقة الوسطى، اي نمطا بارزا ومثلاً في الاستقامة والسرّ على المخطط الاسلامي ليرجع اليكم الخارج عن مخطّط التشيع، ويلحق بكم التالي، أي ليكون المستقيم في أعماله تبعاً لكم.

(22) انظر ص 70 و73، ج 2 من اصول الكافي.

(23) نفس المصدر، ص 558.

(24) انظر ص 258، ج 1، من الكافي، ورجال الميرزا محمد، ص 192 و316.

(25) ص 264 ج 1.

(26) انظر ص 271 و 272، والمراد من الأرواح هي القوى الكامنة في النبي (صلى الله عليه وآله) وفي كلّ انسان ما عدا روح القدس، وبواسطة تلك القوى يتحرك ويجاهد ويأكل ويشرب ويحكم بالعدل، أما روح القدس فهي التي استحق بها النبوة بما لها من الخواص والآثار، وانتقالها الى الإمام لا يعني انتقال النبوة إليه كما يوهمه ظاهر الرواية على انّ هذه الرواية رواها محمد بن سنان عن المفضّل، وهما ضعيفان لا يعتدّ بمروياتهما والثانية رواها منخل بن جميل عن جابر الجعفي، وهما متّهمان عند اكثر المؤلّفين في أحوال الرجال، والثالثة رواها ابراهيم بن عمر اليماني عن جابر، وجاء في الخلاصة انّ جلّ من يروي عن جابر ضعيف هذا بالإضافة الى انّ جابراً نفسه، كان هدفا لهجوم عنيف من اكثر المؤلفين في الرجال فليس لروايته تلك الحصانة التي لرواية غيره من الموثوقين.

(27) انظر ص 275 من الكافي ج 1، وص 324 من اتقان المقال.

(28) ص 287 الى ص 262.

(29) ص 395 و396 و398، ومعلوم انّ النوع الحسن من الروايات في مقابل الصحيح، ويأتي في المرتبة الثالثة حسب التصنيف الرباعي للحديث، واعتبارها من هذا النوع لا يعنى انها من الروايات المقبولة، ذلك لأنّ الحديث إذا لم يتفق مع كتاب الله وسنّة نبيه يتعين طرحه ولو بلغ أعلى مراتب الصحة من حيث سنده.

(30) إنّما كان حديثهم صعب مستصعب؛ لأنّهم قد يخبرون أحياناً عن أمور ستحدق في مستقبل الزمان كما وصل إليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والأخبار عمّا سيحدث قبل حدوثه لا يؤمن به إلا مَن بلغ أعلى درجات الإيمان وعرفهم على واقعهم، ولذا فانّ الامام (عليه السلام) قد نهاهم عن تكذيب ما تنفر منه قلوبهم وطبائعهم وأمرهم برد هذا النوع إلى مصدره، ويحتمل ان يكون صعبا مستصعبا من حيث انّ الذين كانوا يحملون أحاديثهم ويحدثون بها كانوا يتعرّضون لأنواع الظلم من الحكّام وأعداء اهل البيت (عليه السلام).

(31) انظر رجال الشيخ محمد طه، ص 322 و323.

(32) وهذه الرواية تنصّ بصراحة انّه سقط من الآية أكثر من نصفها والأمر في ذلك سهل بعد ان كان أحد رواتها محمد بن سليمان وجاء في كتب الرجال عنه انّه ضعيف لا يعوّل عليه في شيء كما نصّ على ذلك في اتقان المقال والميرزا محمد في رجاله.

(33) وقد ذكرنا لمحة عن تاريخ العليين علي بن اسباط، وعلي بن أبي حمزة لذا فإنّ هذه الرواية وامثالها لا يقرّها علماء الشيعة، ولا تبرعن رأيهم في مختلف العصور.

(34) انّ ابطال هذه الرواية، محمد بن اورمة، وعلي بن حسان، وعبد الرحمن بن كثير ثالثهم من الغلاة المشهورين، وهذا النوع من التفسير من كتابي تفسير الباطن لعلي بن حسان ومحمد بن اورمة، انظر ص 413 و414 وما بعدهما، ج 1.