تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
الأحمال الزائدة: تفسير العوالم المتعدّدة
المؤلف: جون جريبين
المصدر: ستة أشياء مستحيلة («كموم العزاء» وألغاز العالم دون الذري)
الجزء والصفحة: (ص47 – ص52)
2023-03-27
1025
إذا كنت قد سمعت عن تفسير العوالم المتعدّدة، فمن المرجح أنك تعتقد أن الأمريكي هيو إفريت هو من ابتكره في منتصف خمسينيات القرن العشرين. وهذا صحيح إلى حد ما. فقد جاء بالفكرة وحده تمامًا. لكنه لم يكن يدري أن الفكرة نفسها في مجملها كانت قد خطرت لإرفين شرودنجر قبله بخمس سنوات. يغلب على صيغة إفريت الطابع الرياضي، فيما يغلب على صيغة شرودنجر طابع فلسفي، لكن بيت القصيد أن كليهما كان مدفوعا برغبة في التخلص من فكرة انهيار الدالة الموجية»، وأفلح كلاهما.
كما اعتاد شرودنجر أن يشير لأي شخص مستعد للإنصات، لم يرد في المعادلات (بما في ذلك معادلته الموجية الشهيرة) أيُّ شيء بشأن الانهيار. كان ذلك شيئًا أضافه بور إلى النظرية الأصلية حتى «يفسّر» السبب وراء رؤية نتيجة واحدة فقط للتجربة – قطة ميتة أو قطة حية - وليس خليطًا، أو تراكبًا للحالتين. لكن تبين نتيجة واحدة فقط – حل واحد للدالة الموجية – لا يعني بالضرورة أن الحلول البديلة ليس لها وجود. ففي بحث نشره عام 1952، أشار شرودنجر إلى سذاجة توقع انهيار تراكب كمي لمجرد أننا نظرنا إليه. فكتب يقول إن «من العبث البين» أن تخضع الدالة الموجية للسيطرة بطريقتين مختلفتين كليةً، بالمعادلة الموجية أحيانًا، وبالتدخل المباشر للمراقب أحيانًا أخرى، ولا يخضع لسيطرة المعادلة الموجية.
بالرغم من أن شرودنجر نفسه لم يطبق فكرته على القطة الشهيرة، فإنها تحلُّ ذلك اللغز بإجادة ودقة. على سبيل تجديد مصطلحاته، لنقل إنه يوجد كونان، أو عالمان، متوازيان حيث القطة حية في واحد وميتة في الآخر. عند فتح الصندوق في أحد الكونين، يكشف عن قطة ميتة. وفي الكون الآخر، توجد قطة حية. لكن طالما كان هناك عالمان، يطابق كلُّ منهما الآخر حتى اللحظة التي حسم فيها الجهاز الخبيث مصير القطة (أو القطتين). فلا يوجد انهيار للدالة الموجية. وقد توقع شرودنجر رد فعل زملائه في خطبةٍ ألقاها في دبلن، حيث كان يقيم آنذاك، في عام 1952. فبعد التأكيد على أن معادلته التي تحمل اسمه، رغم أنها تصف احتمالات مختلفة فيما يبدو، فإنها «ليست بدائل، وإنما تحدث كلها في آن واحد في الواقع»، قال:
تكاد كل نتيجة يعلن عنها [المنظّر الكمي] أن تكون عن احتمال حدوث هذا أو ذاك، مع وجود العديد من البدائل في الغالب وفكرة أنها قد لا تكون بدائل وإنما تحدث كلها في آن واحد في الواقع تبدو له ضربًا من الجنون؛ لكونها مستحيلة تمامًا. فهو يعتقد أنه اتخذت قوانين الطبيعة هذا الشكل لمدة ربع ساعة، مثلًا، فسنجد محيطنا يتحوّل سريعًا إلى مستنقع، أو نوع من الهلام أو البلازما بلا ملامح، وقد راحت معالمه تُطمس، وقد نصبح نحن أنفسنا قناديل بحر. ومن الغريب أن يعتقد ذلك. فأنا أدرك أنه يُقر بأن الطبيعة غير المرصودة تتصرف على هذا النحو بالفعل؛ أي وفقًا للمعادلة الموجية. ولا يبدأ دور البدائل المذكورة آنفا إلا حين نقوم برصدٍ ما، وليس بالضرورة أن يكون رصدًا علميًّا بالطبع. لكن يبدو، بحسب المنظر الكمي، أن لا شيء لا يمنع الطبيعة من التحول سريعًا إلى هلام سوى إدراكنا أو رصدنا له... وهو استنتاج غريب.
في الواقع، لم يستجب أحد لفكرة شرودنجر. فقد قوبلت بالتجاهل وباتت في طي النسيان، واعتبرت مستحيلة. لذا وضع إفريت صيغته الخاصة لتفسير العوالم المتعددة بمعزل تام عنها، وكادت تلقى التجاهل التام ذاته. لكن كان إفريت هو من قدَّم فكرة «انقسام» الكون إلى نسخ مختلفة من نفسه عند مواجهة اختيارات كمية؛ مما زاد الأمور تعقيدًا طيلة عقود. توصل إفريت إلى هذه الفكرة في عام 1955، حين كان طالب دكتوراه في جامعة برينستون. في النسخة الأصلية لفكرته التي وضعها في مسودة لرسالة الدكتوراه لم تُنشر آنذاك، قارن الموقف بأميبا تنقسم إلى خليتين وليدتين. لو كان لخليتي الأميبا دماغ، لاحتفظت كل خلية وليدة بسجل طبق الأصل لتاريخها حتى مرحلة الانقسام، ثم تكون ذكرياتها الخاصة. في تشبيه القطة الشائع، يظل لدينا كون واحد، وقطة واحدة، قبل أن يدور الجهاز الخبيث، فيصير لدينا حينها كونان في كلٌّ منه قطة، وهكذا. وقد شجعه جون ويلر، الذي كان مُشْرِفًا على رسالته للدكتوراه، على وضع وصف رياضي لفكرته من أجل الرسالة، ومن أجل بحث نُشِر في دورية «ريفيوز أوف مودرن فيزيكس» في عام 1957، لكن أغفلت مقارنة الأميبا وسط الأحداث، ولم تظهر نشرًا إلا فيما بعد. غير أن إفريت أشار بالفعل إلى أنه نظرًا لعدم وجود المراقب الذي من شأنه أن يدرك وجود العوالم الأخرى قط، فإن الادعاء بأنها لا يمكن أن تكون موجودة لأننا لا نستطيع أن نراها ليس أصح من الادعاء بأن الأرض لا تدور حول الشمس لأننا لا نستطيع الشعور بحركة دورانها.
لم يروج إفريت نفسه قط لفكرة تفسير العوالم المتعددة. حتى إنه قبل الانتهاء من رسالة الدكتوراه، قبِل عرضًا لوظيفة في البنتاجون للعمل ضمن «مجموعة تقييم أنظمة الأسلحة» من أجل تطبيق تقنيات رياضية (سُمِّيت نظرية الألعاب) على مشكلات سرية متعلقة بالحرب الباردة (وكان بعض من مهام عمله من السرية حتى إنها ما زالت مصنفةً معلومات سريةً يُحظر الاطلاع عليها) واختفى أساسًا من على الرادار الأكاديمي. ولم يكن قبل أواخر ستينيات القرن العشرين حين اكتسبت الفكرة بعضَ الزَّخم، حين تبناها برايس ديويت من جامعة كارولينا الشمالية، وروّج لها بحماس؛ إذ كتب يقول: «كل تحول كمي يقع في كل نجم، وكل مجرَّة، في كل زاوية بعيدة من الكون، يشطر عالمنا المحلي على الأرض إلى نسخ عديدة من نفسه.» هنا عظم الأمر على ويلر الذي تراجع عن دعمه الأول لتفسير العوالم المتعدّدة، فكان أن قال في سبعينيات القرن العشرين: «لقد اضطررت على مضض إلى التخلي عن دعمي لوجهة النظر تلك في النهاية؛ لأنني أخشى أنها تحمل عبئًا ميتافيزيقيا أضخم من اللازم.»1 المفارقة أنه في نفس ذلك التوقيت بالضبط أُعيد إحياء الفكرة وتعديلها، من خلال تطبيقات في علم الكونيات والحوسبة الكمية.
بدأت صلاحية التفسير تلقى تقديرًا حتى ممن كانوا متردّدين في منحه التأييد التام. فقد أشار جون بيل إلى أن «الأشخاص لا شك يتضاعفون مع العالم، ولن يختبر أولئك القابعون في فرع معيّن إلا ما يحدث في ذلك الفرع فحسب»، وأقر على مضض بأنه قد يكون به شيء من الأهمية:
يبدو لي «تفسير العوالم المتعدّدة فرضيةً مُبالغًا فيها، بل فرضية مبهمة لدرجة مبالغ فيها. بل إنني كدت أنبذها باعتبارها فرضية ساذجة. ولكنها ... ربما تُفصح عن شيء مختلف يتعلق بـ «لغز أينشتاين-بودولسكي-روزن»، وأعتقد أنه سيكون من المفيد أن تُصاغ منها صيغة دقيقة لنرى إن كان الأمر كذلك حقًا. ولعل وجود كل العوالم المحتملة يجعلنا أكثر اطمئنانا حيال وجود عالمنا ... الذي يبدو مستبعدًا إلى حدٍّ كبير من بعض النواحي.2
جاءت الصيغة الدقيقة لتفسير العوالم المتعددة من ديفيد دويتش، بجامعة أكسفورد، والواقع أنها قد وضعت صيغة شرودنجر على أساس راسخ ومتين، وإن كان دويتش لم يكن على دراية بصيغة شرودنجر حين وضع تفسيره عمل دويتش مع ديويت خلال سبعينيات القرن العشرين وفي عام 1977 التقى بإفريت في مؤتمر نظمه ديويت، وكانت المرة الوحيدة التي قدَّم فيها إفريت أفكاره أمام جمهور عريض. ولقناعة دويتش بأن تفسير العوالم المتعددة هو السبيل الصحيح لفهم عالم الكم، صار رائدًا في مجال الحوسبة الكمية، ليس من خلال أي اهتمام بالكمبيوتر في حد ذاته، وإنما لإيمانه بأن وجود كمبيوتر كمي فعّال من شأنه أن يُثبت واقعية تفسير العوالم المتعددة.
يعود بنا هذا إلى صيغة لفكرة شرودنجر. في صيغة إفريت للغز القطة، يظل هناك قطة واحدة حتى المرحلة التي يعمل فيها الجهاز. حينها ينقسم الكون بأكمله إلى جزأين. بالمثل، كما أشار ديويت، حين يواجه إلكترون في مجرة بعيدة خيار اتخاذ مسارين كمِّيَّين (أو أكثر)، يؤدي ذلك بالكون بأكمله، بما في ذلك نحن أنفسنا، إلى الانقسام. في صيغة دويتش – شرودنجر، توجد مجموعة لا نهائية من الأكوان (نظرية الأكوان المتعددة مناظرة لكل الحلول الممكنة لدالة الموجة الكمية. أما فيما يتعلق بتجربة القطة، فهناك العديد من الأكوان المتطابقة ينشئ فيها مجرّبون متطابقون أجهزةً فتَّاكة متطابقة. تظل هذه الأكوان متطابقة حتى اللحظة التي يدور فيها الجهاز. عندئذ تموت القطة في بعض الأكوان، وتعيش في بعضها، وتختلف الأحداث التالية في المقابل. لكن لا يمكن للعوالم المتوازية أن تتواصل بعضها مع بعض أبدًا. أم تستطيع؟
يذهب دويتش إلى أنه حين يُضطر كونان أو أكثر، كانا متطابقين فيما سبق لأن يصبحا مستقلين من خلال عمليات كمية كما في تجربة الثقبين، يحدث تداخل مؤقت بين الأكوان، ينحسر مع تطورها. وهذا التفاعل هو ما يؤدي إلى النتائج المرصودة لتلك التجارب. ولديه حلم بأن يشهد اختراع جهاز كمي ذكي – كمبيوتر – يرصد ظاهرةً كمية تتضمن حدوث تداخل بداخل رأسه. يزعم دويتش، مستخدمًا حجةً حاذقة نوعا ما، أن الكمبيوتر الكمي الذكي سيكون قادرًا على تذكَّر تجربة الوجود مؤقتًا في عوالم متوازية. لعلها تجربة أبعد ما تكون عن العملية. لكن لدى دويتش كذلك «دليل» أبسط كثيرًا على وجود الأكوان المتعددة.
ديفيد دويتش
«جيتي إيميدجز»
إن ما يجعل الكمبيوتر الكمي مختلفا نوعيًّا عن الكمبيوتر العادي أن «المفاتيح» التي بداخله توجد في حالاتٍ متراكبة. يتكون الكمبيوتر العادي من مجموعة من المفاتيح (وحدات في دوائر كهربائية) قد تكون في حالة عمل أو توقُّف، بما يقابل الرقمين واحدًا أو صفرًا. يتيح هذا إجراء العمليات الحسابية بمعالجة سلاسل الأرقام في شفرات ثنائية. يُعرف كل مفتاح باسم البت، وكلما زاد عدد البتات، كان الكمبيوتر أقوى. يتكون البايت الواحد من ثمانية بتات، وقد صارت ذاكرة الكمبيوتر اليوم تُقاس بمليارات البايتات؛ فيما يُعرف بالجيجابايت، أو Gb. وتحرّيًا للدقة، بما أننا نتعامل بنظام ثنائي، فإن الجيجابايت تساوي 230 بايت، لكن غالبًا ما يُعد ذلك من المسلمات. بيد أن كل مفتاح في الكمبيوتر الكمي هو كيان يمكن أن يكون في حالات تراكبية. وغالبًا ما تكون هذه الحالات ذرات، لكن يمكنك أن تعتبرها إلكترونات في حالة دوران مغزلي إما لأعلى أو لأسفل. الفرق أنها في التراكب تكون في دوران لأعلى وأسفل في الوقت ذاته؛ أي صفر وواحد. ويُسمى كل مفتاح بتّا كميًّا أو كيوبت.
وبسبب هذه الخاصية الكمية، يساوي كل كيوبت اثنين من البتات. لا يبدو الأمر باهرًا من أول وهلة، لكنه كذلك. فإذا كان لديك مثلًا ثلاثة كيوبتات، فمن الممكن ترتيبها بثماني طرق: 000، 001، 010، 011، 100، 101، 110، 111. فالتراكب يسع كلَّ هذه الاحتمالات. من ثُم لا تساوي الكيوبتات الثلاثة ستة بتات (2 × 3)، وإنما ثمانية بتات (2 مرفوعة للقوة 3). فدائمًا ما يساوي عدد البتات 2 مرفوعة إلى قوة عدد الكيوبتات. فعشرة كيوبتات تساوي 210 بتات؛ أي 1024، لكنها غالبًا ما يُشار إليها بكيلوبيت. سريعا ما تتطور مثل تلك الأسيات. يعادل جهاز الكمبيوتر الذي يحتوي على 300 كيوبت فقط الكمبيوتر العادي الذي لديه من البتات أكثر مما في الكون المرئي من ذرات. فكيف يُجري مثل ذلك الكمبيوتر العمليات الحسابية؟ صار السؤال أكثر إلحاحا نظرًا لإنشاء أجهزة كمبيوتر كمية بسيطة بالفعل، تضم القليل من الكيوبتات، وأثبتت الكفاءة المتوقعة في العمل. فهي حقًا أقوى من أجهزة الكمبيوتر العادية التي تحتوي على نفس عدد البتات.
يُجيب دويتش على السؤال بأن العملية الحسابية تجري في نفس الوقت على أجهزة كمبيوتر متطابقة في كلٌّ من الأكوان المتوازية المناظرة للحالات المتراكبة. فبالنسبة إلى كمبيوتر ذي ثلاثة كيوبتات، يوجد ثماني حالات تراكب لعلماء كمبيوتر يعملون على المسألة نفسها باستخدام أجهزة كمبيوتر متطابقة للوصول إلى حل. ولا غرابة في أن «يتعاونوا» على هذا النحو، ما دام المجرّبون متطابقين، ولديهم أسباب متطابقة لحل نفس المسألة. ليس من الصعب تخيل ذلك. لكننا حين ننشئ جهازًا من 300 كيوبت – وهو ما سيحدث يقينا – سوف نشارك في تعاون بين أكوان يفوق عددها عدد الذرات في كوننا المرئي، هذا إذا كان دويتش على حق. إنها مسألة اختيار ما بين الاعتقاد بأن ذلك عبء ميتافيزيقي ثقيل جدًّا أم لا. لكن إذا كنت تظن ذلك، فسوف تحتاج إلى طريقة أخرى لشرح سبب كفاءة الكمبيوتر الكمي.
يفضّل أغلب علماء الكمبيوتر الكمي ألا يفكّروا في هذه التبعات. لكن ثَمة مجموعة من العلماء اعتادوا التفكير حتى في أكثر من ستة أشياء مستحيلة قبل الفطور، وهم علماء الكونيات. فبعضهم تبنّى تفسير العوالم المتعددة باعتباره أفضل طريقة لتفسير وجود الكون نفسه.
والنقطة التي ينطلقون منها هو ما أشار إليه شرودنجر بشأن عدم وجود شيء في المعادلات يشير إلى انهيار للدالة الموجية وهم يعنون الدالة الموجية، واحدة فقط، التي تصف العالم بأسره باعتباره حالات متراكبة؛ أي كونًا متعددًا مكونا من تراكب للأكوان.
كانت النسخة الأولى من رسالة إفريت للدكتوراه (التي عُدِّلت لاحقًا وقُصِّرت بناءً على نصيحة ويلر) تحمل في الحقيقة اسم نظرية الدالة الموجية الكونية.3 وكان يقصد بكلمة «كونية» المعنى الحرفي لها؛ إذ يقول:
بما أنه قد ثبتت صحة وصف دالة الحالة عامةً، فلنا أن نعتبر دوال الحالات أنفسها باعتبارها الكيانات الأساسية، بل يمكن أن ندرس دالة حالة الكون بأسره. ويمكن من هذا المنطلق أن تُسمَّى هذه النظرية نظرية «الدالة الموجية الكونية»؛ إذ يُعتقد أن الفيزياء كلها مترتبة على هذه الدالة وحدها.
... حيث يُقصد بدالة الحالة في هذا السياق «دالة موجية». ويُقصد بـ «الفيزياء كلها» كل شيء، بما في ذلك نحن؛ «المراقبون» بلغة الفيزياء. وهذا مما يُلهب حماسة علماء الكونيات؛ ليس لأنهم مشمولون في الدالة الموجية، وإنما لأن فكرة دالة موجية واحدة غير منهارة هي الطريقة الوحيدة لوصف الكون بأكمله في إطار ميكانيكا الكم مع بقاء الوصف منسجما مع النظرية العامة للنسبية. في النسخة القصيرة من أطروحته المنشورة عام 1957، خلص إفريت إلى أن صياغته لميكانيكا الكم بناءً على ذلك قد تثبت أنها إطار مثمر لتكمية النسبية العامة. ورغم أن ذلك الحلم لم يتحقق بعد، فقد شجّع علماء الكونيات على إنجاز قدر كبير من الأعمال والأبحاث منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين، منذ بدأ ولعهم بالفكرة. لكنها حقًا تجلب معها أعباء جمة.
تصف الدالة الموجية الكونية موقع كل جسيم في الكون في لحظة محددة من الزمن. لكنها تصف كذلك كل موقع ممكن لتلك الجسيمات في تلك اللحظة. وتصف كذلك كل موقع محتمل لكل جسيم في أي لحظة أخرى من الزمن، وإن كان عدد الاحتمالات مرهونا بالتحبُّب الكمي للمكان والزمان. وسيكون بين هذا الكم من الأكوان المحتملة نُسخّ عديدة لا يمكن أن تُوجد بها نجوم وكواكب مستقرة، ولا بشر يعيشون على تلك الكواكب. لكن سيكون هناك على الأقل بعض الأكوان مشابهة لكوننا، شبهًا دقيقًا بدرجة أو أخرى، على النحو الذي كثيرًا ما تصوره قصص الخيال العلمي. أو غيره من الأدب في الواقع. فقد أشار دويتش إلى أنه وفقًا لتفسير العوالم المتعددة، أي عالم يُوصف في عمل أدبي يكون موجودًا حقًّا في مكان ما في الكون المتعدد، شريطة أن يكون خاضعًا لقوانين الفيزياء. فعلى سبيل المثال، هناك بالفعل عالم مرتفعات وذرينج (لكن لا يوجد عالم «هاري بوتر»).
لا ينتهي الأمر عند هذا الحد. فالدالة الموجية الواحدة تصف كل الأكوان المحتملة في جميع الأوقات الممكنة. لكنها لا تقول شيئًا عن التغير من حالة لأخرى. فالزمن لا يتدفق. وعلى سبيل البقاء قرب الأرض، يضم معامل إفريت، المسمى متَّجه الحالة، وصفا لعالم نوجد فيه وتوجد كذلك كل سجلات تاريخ ذلك العالم، ابتداءً من ذكرياتنا، مرورًا بالأحفوريات، وصولًا للضوء الذي يصلنا من المجرات البعيدة. سيكون هناك أيضًا كون آخر مثله تمامًا، عدا أن خطوته الزمنية تسبقنا، لنقل بثانية (أو ساعة، أو عام). لكن لا يوجد إيحاء بانتقال أي كون من خطوة زمنية لأخرى. سيكون هناك نسخة مني في هذا الكون الثاني تصفه دالة موجية كونية، لديه كل الذكريات التي لدي في اللحظة الأولى، علاوةً على تلك الذكريات المواكبة للحظة التي بعدها (أو الساعة أو العام أو أي مدة زمنية كانت). لكن من المستحيل القول إن هذه النسخ مني هي نفس الشخص. يمكن ترتيب الحالات الزمنية المختلفة وفقًا للأحداث التي تصفها، لتحديد الفارق بين الماضي والمستقبل، لكنها لا تتغير من حالة إلى أخرى كل الحالات تُوجد فحسب. فالزمن، بالطريقة التي اعتدنا أن نراه بها، لا يتدفّق في تفسير إفريت للعوالم المتعددة. أما ما أراه أنا، فهو أن الوقت قد حان للتغيير. وقت البحث عن نوع آخر من العزاء، هذه المرة في إزالة الترابط.
هوامش
(1) ورد في كتاب «بعض الغرابة في النسبة»، تحرير إتش وولف (أديسون-ويزلي،
1981).
(2) اليسير والمستعصي في ميكانيكا الكم (دار نشر جامعة كمبريدج، 1987).
(3) نُشرت في النهاية في عام 1973 في كتاب «تفسير العوالم المتعددة لميكانيكا الكم»، من تحرير بي إس ديويت وإن جراهام (دار نشر جامعة برينستون).