x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية والجنسية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
حب الزوجة
المؤلف: د. رضا باك نجاد
المصدر: الواجبات الزوجيّة للرجل في الإسلام
الجزء والصفحة: ص215 ـ 225
2023-02-15
952
إذا كان الإسلام الحنيف يتدخل لصالح العائلة الجديدة في أدق الأمور.. فيوصي العريس بتوفير بيت للزوجة يفوق في مستواه بيت والديها ولو بمقدار قليل، ويوصيه بتوفير غذاء أرقى مستوى مما اعتادت عليه في السابق ولو بنسبة ضئيلة ثم يوصيه شراء ثياب لها أفضل مما كانت ترتديه في الماضي ولو بشيء قليل...
إذا كانت هذه وصايا الإسلام الحنيف، فهل يعقل أنه لم يتطرق لموضوع إحاطتها بالمحبة والود؟ وهل يا ترى أنه اكتفى بالإشارة إلى موضوع الرفاه الجسدي للمرأة وتوفير عوامله ولم يصدر أوامره باتباع منهج إسلامي وإنساني مع البنت القادمة من بيت والديها المفعم بكل تلك المحبة؟.
لا شك أن الجواب إيجابي..
فأبعاد الرحمة الإلهية حيث (أرحم الراحمين)، طالت بواسطة الإسلام كافة زوايا وجوانب الحياة بما فيها هذه الزهرة الغضّة التي تفرعت جذورها في حديقة العريس والعروس.
إذا اعتبرنا أن معدل سن الزواج للبنت والابن يكون في السابعة عشرة من العمر، واستناداً لما قيل فإنه ينبغي تحسين أوضاع المباني والألبسة والأغذية للمسلمين ولو عمل بذلك من قبل لصارت المدن كلها انموذجاً من المدينة الفاضلة، ومن نفس المنطلق إذا نقل الأب والأم محبتهما المتزايدة في كل سبعة عشر عاماً إلى بيت العريس والعروس لتحققت الوحدة العامة التي ينشدها الإسلام الحنيف.
رغم أن عجلة التقدم الفيزيائي للحياة مستمرة في حركتها حتى بلغ الإنسان بعقله الفضاء وصار عصره يسمى اليوم بعصر الفضاء، إلا أن قلبه ظل قابعاً في عصر التحجر أو ما يسمى بالعصر الحجري ولو لوحظت ومضات إنسانية ولمحات أخلاقية من شخص أو مجتمع ما فمنشؤها من اتباع الأديان الإلهية وبالتالي فإننا نرى جمعاً غفيرا من بني البشر يقف عند محطة لا أخلاقية وتحده الحدود المادية وذلك بمجرد أن يبرز وجه جديد من وجوه الفلسفة المادية، وما أكثر ما يحصل من تضييع للمنهج الديني في كل مجتمع.
إن المحبة الصادرة عن الأب والأم قضية فطرية، ملحوظة حتى لدى الحيوانات، أما محبة الولد للوالدين تتخللها عقبات كثيرة على أن المتمسك بعرى الدين لا يرى مناصاً من أن يكن الاحترام لهذه المحبة والعمل بها في أي حال من الأحوال. ولذا فالبنت التي عاشت ظروف المحبة في بيت والديها وسواء قابلت تلك المحبة بالمثل أم لم تفعل، تتوقع وهي تدخل العش الزوجي أن ترى أجواء كالتي اعتادت عليها وصوتاً دافئاً وكلمات عذبة كالتي طرقت أسماعها من قبل وتتطلع إلى أن تشاهد في المحطة الثانية من حياتها تلك الصور الجميلة التي جاءت تحملها من بيت والديها، ولكن هل يحصل ذلك دوماً.. إنها قد لا ترى ما كانت تحب رؤيته وتتطلع إلى مشاهدته وعندها سينعكس ذلك على تصرفاتها وقيامها بواجباتها الأنثوية وأداء مسؤولياتها التربوية ازاء أولادها.
المشهور أن رؤساء الحكومات وحدهم الذين ينادون بالدفاع عن حقوق الإنسان ومصلحة الشعوب لكن الحقيقة هي أن هذا الأمر لم يزل مضيعاً لدى البشرية والشعوب وغير معترف به رسمياً، أما الشيء الذي يقره الجميع فهو النجاح الذي حققه النوع الإنساني على الصعيد الفيزيائي وفيه فرض الرجل سيطرته جاعلاً من المرأة وسيلة ومحطة لبلوغ هدفه، ثم صيّرها - سوى من يتصف بالتدين والتقوى - غرضاً لرغباته الشهوية في كل مكان وزمان. على هذا فلو لم تر البنت بعد انتقالها لبيت الزوجية، وبعد كل تلك المحبة في بيت والديها، تحقق أحلامها السعيدة فيه فإنه يمكن القول بأنها لم تحتل موقعها الاجتماعي ولم تنل حقوقها كامرأة فضلاً عما سيصيبها من وضع عصيب داخل أو خارج البيت.
إن الدنيا يتحكم فيها عاملان رئيسان، الأول الكفاح والمثابرة والثاني الاقتصاد، فالأم تنهض بأعباء توليد المثل وتربية الأطفال بينما تقع مسؤولية الاقتصاد غالباً على الوالد ولذا فالمرأة المشغولة دوماً بشيء ما لا تفكر مطلقاً بأن تشكل لها عائلة إلا أن يكون هناك شخص من الجنس الآخر يحفزها على التفكير بهذا الأمر، كما أن الرجل قلما يتحدث عن الزوجة وأمها والزواج والمباشرة إلا أن تكون له علاقة تربطه بالجنس اللطيف ومن هنا كانت المرأة مولدة لعنصر الكفاح والتضحية والرجل مولدا لعنصر الاقتصاد، وبالأحرى إن العنصرين عاملا الإرادة في عالمنا، أحدهما إلى جانب الآخر؛ فمثلما أن الكفاح والتضحية مجردة من معناها بدون القدرة الاقتصادية وأن الاقتصاد لا قيمة له بدون جهود وتضحيات فإن المرأة لا اعتبار لها بدون الرجل كما أن الرجل ناقص بدون المرأة. إن هذه الرؤية توضح بأن الحياة الزوجية المشتركة تمتلك قوة إدارية خاصة تقوم بتوزيع المهام على أعضائها وكأنها شركة أسمنتها ولبنتها المحبة والمودة، ولو افتقدتا فإنها ستكون شركة مضطربة لا تعرف هدفها وهي قد ضيعت موظفيها ومنتسبيها؛ أعضاء العائلة.
ما أظرف وأبلغ عبارات وكلام القرآن الكريم حينما يخبرنا بأن (السكن) أنسب مكان يأوي إليه الزوج والزوجة حيث يقول في قصة النبي آدم (عليه السلام): {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35]، وحينما تريد المرأة أن يكون لها مكان تستقر فيه فإنها تذكر لفظة (البيت): {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم: 11]، بينما الرجل يعبّر عن مقر سكناه بـ (المنزل): {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [المؤمنون: 29].
في الحقيقة أن الإنسان يسعى دوماً إلى تحسين موقعه مكانياً وزمانياً، هذا فضلاً عن أن العلم أثبت تأثر العمل مهما كان بالعوامل المتغيرة المحيطة بالعمل أثناء انجازه؛ فزرق الابرة مثلاً له أثر في المكان المضيء يختلف عنه في المكان المظلم، والمكان الذي يعج بالأصوات والصخب تكون له آثار غير الآثار الناجمة عن المكان الهادئ.
إن المنزل محط رحال الرجل والبيت مقر المرأة، وكلاهما ينشد السكنى والسكون.
لدينا الدائرة ولدينا المحل ولدينا.. وقد ذكرت التباين فيما بينها من قبل لكن هناك نقطة أخرى يستلزم تناولها بالبحث.
يطمح كل من الرجل والمرأة إلى العيش بهدوء وسكينة، والقرآن الكريم يصف كلاً منهما بأنه لباس للآخر ثم يجعل السكنى ثمرة الزواج: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: 21]، إذ يحتاج الاثنان معاً إلى سكن. أما عندما تكون المرأة وحيدة فهي تحتاج إلى (بيت) والذي هو محل للبيات والحرية والاستقلالية وبعبارة أخرى تحتاج إلى مكان يتواءم مع عواطفها ويحفظ لها سرها ومكنونها، بينما (المنزل) مبتغى الرجل ويتفق مع تفكيره وتطلعاته.
إن المرأة تمتاز بنمو القوة التخيلية، التي هي مصدر العاطفة لديها، أكثر من الرجل، فيما مقدم الرأس، الذي هو مصدر التفكير والحركات الإرادية، أكثر نمواً لدى الرجل.. والعاطفة تنسجم مع البيت في الوقت الذي ينسجم التفكير مع المنزل.
يطالع الجامعي كتاب أستاذه فيصعب عليه فهمه ويقرأ طالب علوم الدين مؤلف أحد حجج الإسلام فيلاقي مشقة في بلوغ مراميه، والسبب في ذلك يعود إلى البون الشاسع بين المستوى العلمي للاثنين في كل من المثالين، وهكذا يزداد مقدار عدم الفهم للمحتوى كلما ازدادت الفاصلة بين المستوى العلمي للطالب والأستاذ وحل هذه المعضلة رهن أمرين لا ثالث لهما فإما أن يزداد علم الجامعي وطالب العلم ليفهم كل منهما المراد وإما أن ينزل الأستاذ وحجة الإسلام بموضوعهما إلى المستوى الذي يمكن للجامعي وطالب العلم أن يفهماهما.. إن الله جل وعلا الذي هو منشأ كافة العلوم والفاصلة بينه وبين عباده لا يمكن قياسها، حينما يريد أن يرسل كتاباً من عنده إلى الناس فإنه يقوم بإنزاله ثم يمن عليهم بنعمة فهمه بصورة إعجازية. الرجل أيضاً عليه أن يفعل ذلك، فحينما يريد الرجل الذي يمتاز بنمو أكبر من الناحية الفكرية أن يعيش ويدرك من يمتاز بعاطفة أكبر فعلية أن ينزل إليه، أي يعد ويهيأ نفسه ويمهد السبيل لعيشة هانئة مع زوجته ملؤها التفاهم والانسجام، عليه أن يتقبل دلالها ويطري على ظرافتها ويتجاوب مع كل أفعالها العاطفية ويستفيد منها لصالح العائلة ثم يجعلها بعقله وحنكته مطواعة له ويكون في مستواها حتى يصير لباساً لها وهي لباس له.
الرجل يتزوج، والمرأة تصير زوجة..
الرجل يخطبُ، والمرأة تُخطب..
الرجل ينزل المنزل، والمرأة تبيت في البيت.. وهما معاً يختاران سكناً وهدوءا...
الرجل وظيفته الحفاظ على البيت، والمرأة لا بد لها من الحفاظ على المنزل...
الرجل ينزل المنزل ليصل إلى مستوى عاطفة المرأة، والمرأة تريد البيت لتدرك تفكير الرجل..
وهذا يستلزم إظهار الرجل حبه لزوجته وترجمة حبها له، ولهذا كان قول الرجل لزوجته (أحبك) ذا وقع كبير في نفسها ولا يذهب من قلبها حتى لو عرفت بكذب مقالته لكن المرأة عليها أن تترجم حبها له ولو أدرك الزوج كذب الزوجة في قولها له (أحبك) لاضطرب وتغير حاله وهذان المفهومان يتفقان مع معنى المنزل والبيت حيث إن التجاوب مع العواطف يعد نوعاً من المحبة والتفكير يخترق حجب القضايا فيعرف كنهها فيقبلها أو يرفضها.
ينبغي للرجل الذي يمتهن صنعة أو مهنة أو يواجه تغييرا أو فشلاً على الأصعدة السياسية والاجتماعية، أن يكون بمستوى أعلى من هذه الأمور مواصلاً مسيرته على طريق التكامل ويستشعر قدرته المؤثرة في الزمان والمكان، وهذا هو ديدن الحياة.
روي أن حكيماً دخل إحدى المدن وكانت مقبرتها في مدخلها، فراح يقرأ ما كتب على القبور، وبعد أن قرأ ما هو مكتوب على قبر أو قبرين فوجئ بأمر عجيب دفعه لقراءة باقي الكتابات... لقد لاحظ أن عمر أصحابها لا يتجاوز إلا ساعات كما هو مكتوب، بل بعضهم نصف ساعة ثم أكثرهم عمرا ثلاث وثمانون ساعة، أي أن الأعمار كتبت بالساعات.. فاستغرق بالتفكير بذلك، ما معنى ذلك؟، ثم سأل أحد المارة عن الموضوع فقال له: لكل شخص في هذه القرية ساعات ودقائق قضاها في فعل الخير، الخير الذي يقره الجميع، وقد جمع كل منهم تلك الساعات وأوصى بكتابتها على قبره، وهذا يقال له (نتاج العمر).
ينبغي الرجل أن يكون كذلك في كل الأمور، وإذا أراد أن يعرف درجته ومنزلته في الدين الإسلامي الحنيف فليحمل القرآن الكريم ويحسب كم آية شريفة عمل بها.
إذا أراد أن يعرف مقدار عمره فليأخذ قلماً وورقة ويدون كيف قضى السنوات الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين الماضية، كم منها كان يغط في النوم وكم من الوقت كان نشطاً وفاعلاً ومفيدا؟ إن اتساع نطاق تأثير الرجل على الصعيدين المكاني والزماني مؤشر على تكامله وفاعليته وتخطيه لعاملي الزمان والمكان وتوسيع مساحة حياته، فلو لم يتخط الرجل عاملي الزمان والمكان وظل يراوح مدى عمره في مكانه، فما سيكون فرقه عن الحيوان؟ أعرف رجلاً ظل لمدة خمسة وثلاثين عاماً أو أكثر يحمل في كل صباح على كتفه خرقة فيمر من زقاقنا إلى خارج المدينة حتى يشتري قليلاً من المخضرات ثم يأتي بها إلى داخل المدينة فيبيعها، ولقد كان بعد خمسة وثلاثين عاماً على نفس الحال الذي شاهدته فيه في اليوم الأول، ومثل هذا الشخص إذا أراد أن يعرف عمره فعليه أن يعد أسنانه فقط..
إن قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (اختلاف أمتي رحمة)(1)، يشمل كافة المواقف..
لاحظوا الحيوانات، فالآلاف منها على نمط واحد ولا اختلاف بينها أبدا، في حين أن الرجل هو الذي يستشعر وسعته في العالم بالضرورة ولهذا فهو يحتاج إلى منزل ينزل نفسه فيه أمام عائلته وبنفس المقدار من تقدمه وتطوره. إنه لمن الاجحاف وانعدام الرجولة والشهامة أن يكون الرجل طبّاعاً عادياً عند زواجه ثم يرتقي المناصب واحدا تلو الآخر حتى يصبح رئيساً للبلدية وعندما تقول له زوجته (لِمَ لم تشتر لنا الخبز؟)، يجيبها بأنفة قائلاً (أنا رئيس بلدية.. وهل يصح أن يقف رئيس البلدية على الخباز ليشتري الخبز)! وهذا النموذج من الرجال لا يحتاج إلى منزل بل لا يستحقه ولا يستحق أن يكون له بيت يؤوي إليه بل مكانه الدائرة ليحافظ فقط - كما هو تفكيره - على وضعه القائم.. وعلى نفس المسار يمكن للمرأة أن تستشعر وسعتها في العالم ولذا فهي أيضاً تحتاج إلى بيت.
أن اتساع مساحة تأثير الرجل على تناسب طردي مع الأولاد وعمق تربيتهم وعلاقته بالبيت والعائلة، ونفس تنازل الرجل ونزوله في مقابل الزوجة والأولاد يستلزم محبة من الطرف المقابل يتناسب معه.. لا ننس المعادلة العامة للحياة والمعيار الذي تقوم عليه الخلقة حيث على الرجل التنازل والمماشاة وعلى الزوجة التمكين من نفسها.
أن القوى الخبيثة لهذا الزمان سخرت المرأة لتكون أداة لتخدير الرجال في الوقت الذي يريدها القرآن الكريم مبعث طمأنينته: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، وإذا سكّن الرجل نفسه بالمخدرات أو المرأة المسلوبة الإرادة بدل الزوجة فماذا سيجنيه؟ وهنا لا بد من القول أيضاً بأن الرجل إذا لم يتسع صدرا وسماحة في مقابل الزوجة في البيت وظل يراوح في مكانه وإن كانت هي على نفس المنوال فإن ذلك المنزل والبيت لم ولن يكون سكناً لهما.
يعلمنا الله سبحانه وتعالى بواسطة قرآنه المنزل دعاءً بشأن الزوجة والأولاد وهو: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]، والشيء الذي يقوله الله سبحانه وتعالى أو يعلمنا إياه هو الخيار الأنسب فهو العالم بحال بني آدم، فمثلما يعلمنا جل جلاله أن نسأله الهداية إلى الصراط المستقيم عشر مرات في اليوم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6]، يعلمنا الخالق المصور هنا أن نسأله بأن يمن علينا بقرة الأعين، ورغم أن الذرية هم قرة الأعين لكنه جل وعلا قدم ذكر الأزواج على الأولاد.
إن القرآن الكريم يريد للمرأة أن تكون مبعث الهدوء والسكينة للزوج ولباسه الذي يحميه ويغنيه ونور عينه وباب المودة والرحمة له والسلم في تساميه وتكامله في مختلف الاتجاهات الإلهية.
على الزوج الذي يعتبر المدير الاقتصادي للحياة المشتركة، أن يقبل ويعترف بأن الزوجة بمثابة رئيس الأركان المشتركة ومدير الانتاج وكلاهما على مستوى واحد في الأبعاد الاجتماعية والثقافية حيث ساوى القرآن الكريم بينهما على الصعيدين الحقيقي والاعتباري: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
ينبغي الاقرار بمبدأ المساواة؛ فالرجل مدير لقوة كبيرة تدير العالم اسمها (الاقتصاد) والزوجة مديرة لقوة كبيرة تدير العالم أيضاً اسمها (الكفاح والتفاني)، والاثنان معاً مسؤولان عن احراز التقدم الاجتماعي والثقافي، وانطلاقاً من مبدأ عدم الفصل بين الدين والسياسة في الإسلام الحنيف فإن المرأة تجد الباب مفتوحاً أمامها لممارسة دورها إلى جانب الرجل كلما اقتضت السياسة الإسلامية ذلك كما تم تعيين الطريق أو الطرق التي ينبغي للرجل طيها بمفرده ومنح المرأة ما يقابل ذلك؛ فلو حرمت المرأة من أمر ومنصب ما فقد حرم الرجل من لبس الحرير أو الذهب وفي كل الأحوال لم يعد الحرمان المذكور منقصة لا للمرأة ولا للرجل ولا للمنصب ولا للذهب والحرير.
على الرجل أن يدخل حياة الزوجية وهو يحمل ماضيه بينما ينبغي للمرأة أن تقطع صلتها بماضيها وهي تدخل حياة الزوجية، وهذا المفهوم هو الذي جعلها قرة عين الزوج حيث ضحت بماضيها من أجل زوجها.
إن الزوجة تقبل دوماً أن يكون زوجها بمنزلة نصف (الرب) لها مما يعني أن يكون بمستوى نصف (ارحم الراحمين)، على أن صفة (أرحم الراحمين) المختصة بالله جل وعلا متأتية في أحد أبعادها من تفضله على الناس بإرسال الرسل (عليهم السلام) للناس لتعليمهم وتنظيم شؤونهم بواسطة الدين ولو كان هناك شيء أفضل من الدين لأرسله إليهم، وكل ذلك من فيوضات الرحمة الإلهية. إن الزوج الذي يعد بمثابة نصف الرب بالنسبة للزوجة والإسلام الحنيف يقول على لسان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): (... لو كنت آمراً أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن...)(2) يجب عليه أن يكون نصف (أرحم الراحمين) لزوجته، والشرط الأول في تحقق هذا المعنى هو أن يعترف بها وينظر إليها كونها (قرة عين) له.
على الهامش.. يقول ابن سينا العلامة والفيلسوف بأن مقام أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعرف من قوله الذي ردده مرارا (.. أنا عبدٌ من عبيد محمد)(3)، ولقد أجاد ابن سينا في قوله..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ بحار الأنوار: ج1، ص227، باب7.
2ـ ميزان الحكمة: ج4، باب الزواج، ص284.
3ـ نهج البلاغة.