x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
التوحيد
النظر و المعرفة
اثبات وجود الله تعالى و وحدانيته
صفات الله تعالى
الصفات الثبوتية
القدرة و الاختيار
العلم و الحكمة
الحياة و الادراك
الارادة
السمع و البصر
التكلم و الصدق
الأزلية و الأبدية
الصفات الجلالية ( السلبية )
الصفات - مواضيع عامة
معنى التوحيد و مراتبه
العدل
البداء
التكليف
الجبر و التفويض
الحسن و القبح
القضاء و القدر
اللطف الالهي
مواضيع عامة
النبوة
اثبات النبوة
الانبياء
العصمة
الغرض من بعثة الانبياء
المعجزة
صفات النبي
النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
الامامة
الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
صفات الأئمة وفضائلهم
العصمة
امامة الامام علي عليه السلام
إمامة الأئمة الأثني عشر
الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف
الرجعة
المعاد
تعريف المعاد و الدليل عليه
المعاد الجسماني
الموت و القبر و البرزخ
القيامة
الثواب و العقاب
الجنة و النار
الشفاعة
التوبة
فرق و أديان
علم الملل و النحل ومصنفاته
علل تكون الفرق و المذاهب
الفرق بين الفرق
الشيعة الاثنا عشرية
أهل السنة و الجماعة
أهل الحديث و الحشوية
الخوارج
المعتزلة
الزيدية
الاشاعرة
الاسماعيلية
الاباضية
القدرية
المرجئة
الماتريدية
الظاهرية
الجبرية
المفوضة
المجسمة
الجهمية
الصوفية
الكرامية
الغلو
الدروز
القاديانيّة
الشيخية
النصيرية
الحنابلة
السلفية
الوهابية
شبهات و ردود
التوحيـــــــد
العـــــــدل
النبـــــــوة
الامامـــــــة
المعـــاد
القرآن الكريم
الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)
الزهراء (عليها السلام)
الامام الحسين (عليه السلام) و كربلاء
الامام المهدي (عليه السلام)
إمامة الائمـــــــة الاثني عشر
العصمـــــــة
الغلـــــــو
التقية
الشفاعة والدعاء والتوسل والاستغاثة
الاسلام والمسلمين
الشيعة والتشيع
اديان و مذاهب و فرق
الصحابة
ابو بكر و عمر و عثمان و مشروعية خلافتهم
نساء النبي (صلى الله عليه واله و سلم)
البكاء على الميت و احياء ذكرى الصاحين
التبرك و الزيارة و البناء على القبور
الفقه
سيرة و تاريخ
مواضيع عامة
مقالات عقائدية
مصطلحات عقائدية
أسئلة وأجوبة عقائدية
التوحيد
اثبات الصانع ونفي الشريك عنه
اسماء وصفات الباري تعالى
التجسيم والتشبيه
النظر والمعرفة
رؤية الله تعالى
مواضيع عامة
النبوة والأنبياء
الإمامة
العدل الإلهي
المعاد
القرآن الكريم
القرآن
آيات القرآن العقائدية
تحريف القرآن
النبي محمد صلى الله عليه وآله
فاطمة الزهراء عليها السلام
الاسلام والمسلمين
الصحابة
الأئمة الإثنا عشر
الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
أدلة إمامة إمير المؤمنين
الإمام الحسن عليه السلام
الإمام الحسين عليه السلام
الإمام السجاد عليه السلام
الإمام الباقر عليه السلام
الإمام الصادق عليه السلام
الإمام الكاظم عليه السلام
الإمام الرضا عليه السلام
الإمام الجواد عليه السلام
الإمام الهادي عليه السلام
الإمام العسكري عليه السلام
الإمام المهدي عليه السلام
إمامة الأئمة الإثنا عشر
الشيعة والتشيع
العصمة
الموالات والتبري واللعن
أهل البيت عليهم السلام
علم المعصوم
أديان وفرق ومذاهب
الإسماعيلية
الأصولية والاخبارية والشيخية
الخوارج والأباضية
السبئية وعبد الله بن سبأ
الصوفية والتصوف
العلويين
الغلاة
النواصب
الفرقة الناجية
المعتزلة والاشاعرة
الوهابية ومحمد بن عبد الوهاب
أهل السنة
أهل الكتاب
زيد بن علي والزيدية
مواضيع عامة
البكاء والعزاء وإحياء المناسبات
احاديث وروايات
حديث اثنا عشر خليفة
حديث الغدير
حديث الثقلين
حديث الدار
حديث السفينة
حديث المنزلة
حديث المؤاخاة
حديث رد الشمس
حديث مدينة العلم
حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه
احاديث متنوعة
التوسل والاستغاثة بالاولياء
الجبر والاختيار والقضاء والقدر
الجنة والنار
الخلق والخليقة
الدعاء والذكر والاستخارة
الذنب والابتلاء والتوبة
الشفاعة
الفقه
القبور
المرأة
الملائكة
أولياء وخلفاء وشخصيات
أبو الفضل العباس عليه السلام
زينب الكبرى عليها السلام
مريم عليها السلام
ابو طالب
ابن عباس
المختار الثقفي
ابن تيمية
أبو هريرة
أبو بكر
عثمان بن عفان
عمر بن الخطاب
محمد بن الحنفية
خالد بن الوليد
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
عمر بن عبد العزيز
شخصيات متفرقة
زوجات النبي صلى الله عليه وآله
زيارة المعصوم
سيرة وتاريخ
علم الحديث والرجال
كتب ومؤلفات
مفاهيم ومصطلحات
اسئلة عامة
أصول الدين وفروعه
الاسراء والمعراج
الرجعة
الحوزة العلمية
الولاية التكوينية والتشريعية
تزويج عمر من ام كلثوم
الشيطان
فتوحات وثورات وغزوات
عالم الذر
البدعة
التقية
البيعة
رزية يوم الخميس
نهج البلاغة
مواضيع مختلفة
الحوار العقائدي
* التوحيد
* العدل
* النبوة
* الإمامة
* المعاد
* الرجعة
* القرآن الكريم
* النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
* أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
* فضائل النبي وآله
* الإمام علي (عليه السلام)
* فاطمة الزهراء (عليها السلام)
* الإمام الحسين (عليه السلام) وكربلاء
* الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
* زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)
* الخلفاء والملوك بعد الرسول ومشروعية سلطتهم
* العـصمة
* التقيــة
* الملائكة
* الأولياء والصالحين
* فرق وأديان
* الشيعة والتشيع
* التوسل وبناء القبور وزيارتها
* العلم والعلماء
* سيرة وتاريخ
* أحاديث وروايات
* طُرف الحوارات
* آداب وأخلاق
* الفقه والأصول والشرائع
* مواضيع عامة
الامامة في السنة النبوية
المؤلف: الشيخ محمد السند
المصدر: الامامة الالهية
الجزء والصفحة: .....
5-08-2015
1705
سوف ننتقي الروايات التي تواتر نقلها لدى الفريقين والتركيز على الفقه العقلي والذوق المعرفي.
الحديث الأول: حديث
الثقلين :
وهو حديث متواتر ومشهور بين
العامة والخاصة ويظهر التسليم على أنه قد ذكره النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله)
في مواطن عدة حتى قال ابن حجر الهيثمي في صواعقه: ثم اعلم ان لحديث التمسك بذلك
طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا، ومر له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه، وفي
بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة وفي أخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه
وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أخرى أنه قال ذلك بغدير خم، وفي أخرى أنه قال لما
قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف، ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في
تلك المواضع وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة (1) .
والاستدلال من طرق العامة في
ثبوت هذه الاحاديث له فائدة في افحام الخصم لأن الحديث كلما كان نقلته غير مؤمنين
بما ورد فيه كلما كان ابعد عن الرمي بالتدليس والكذب [ لعدم توفر المصلحة والداعي
للكذب والتدليس ] .
والبيان الاجمالي لهذا الحديث
هو: ان النبي اشترط للنجاة من الضلال التمسك بالعترة ومن ثم ورد في كثير من
الروايات انهم اعدال الكتاب فلا مجال لمقولة حسبنا كتاب الله ولا أن يقال حسبنا
الروايات المأثورة، وعلى حسب تعبير العلامة: ان من يقول حسبنا كتاب الله فقد خالف
الحديث وذلك لأن من فارق التمسك بهما فقد فارقهما لا أنه فارق أحد والتزم بالأخر.
ثم أن مقتضى العِدلية هي
اتحاد صفاتهما، فإذا كان الكتاب تبياناً لكل شيء ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا
من خلفه ونور وهدى وغير ذلك هو ثبوت الصفات للعِدل الآخر، ومن ثم تسمى كل منهما
باسم الآخر، فهم القرآن الناطق، والكتاب امام لمن استهداه وعمل به.
ومن الغريب بعد ذلك حسر مفاد
حديث الثقلين بكون مفاده كالقاعدة الفقهية، وهو كون مصدر التشريع الكتاب والعترة،
وحجية اقوالهم، كيف وأن نفي الضلال المشروط بالتمسك بهما ليس مخصوصا بالاعمال
الجارحية، بل أن الشطر الاعظم في جانب الضلال هو في العقيدة والمعرفة فبالتمسك
بهما يتحرز عنه اولا، وعن الضلال في الفروع ثانيا، كما ان الكتاب الكريم أكثر ما
اشتمل عليه هو في المعتقدات والمعارف، وكذلك مجموعة المنظومة الروائية المأثورة
عنهم (عليهم السلام) ، وهل يتم التمسك بالكتاب - مع ذلك - من دون الاعتقاد به انه
منزل من الباري تعالى، فكذلك في التمسك بالعترة لا يتم من دون الاعتقاد بنصبهم من
قبله تعالى، مع ان لازم حجية اقوالهم الاخذ بما يدعون إليه من الاعتقاد بإمامتهم.
1 ـ حديث الثقلين في القرآن
الكريم ... ان هذا الحديث الشريف اكد عليه القرآن في ضمن مجموعة من الآيات
نستعرضها :
1 ـ قوله تعالى {وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]، وقوله تعالى {مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وغيرها من الآيات الدالة
على ان الكتاب الكريم فيه تبيان لكل شيء ولا يعدوه شيء ثم نربط هذا بقوله تعالى
{هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49]
، حيث ان القرآن ـ الحامل لهذا النعت المادح لنفسه - لابد ان يوجد من يصل إلى هذا
البيان العظيم الذي اقتصر على الذين اوتوا العلم وصاروا هم المحيطون به احاطة
علمية تامة، فقد جعل الله لهذا القرآن عِدلا مطلعا على أسراره واحاطته ، وهؤلاء
موجودون ما وجد القرآن ، وذلك لأنه لو كان تبيانا ولا يوجد من يصل إلى هذا التبيان
لما كان هناك فائدة من هذا الوصف، واللطيف أنه لم يدع احد من المسلمين علم ما في
القرآن إلا هم (عليهم السلام) .
2 ـ قوله تعالى {إِنَّهُ
لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ *لَا يَمَسُّهُ إِلَّا
الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 77 - 79]، وهي دالة على ان للقرآن مرتبة وجودية
تكوينية غيبية لا يصل إليها أحد إلا المطهرون المعصومون، كما نستطيع اقتناص عدة
نكات من الآية: أ - أن مس هذا الكتاب المكنون وهو مرتبة للقرآن ... مختص بالمطهرين
مما يدل على ان لهم رقي روحي يجعلهم قادرون على الوصول إلى تلك المرتبة، ب - انهم
معصومون، ج - ان المؤهل لنيل هذه المرتبة العلمية العالية بسبب الطهارة والعصمة.
3 ـ قوله تعالى {هُوَ الَّذِي
أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ
وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ
تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي
الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] . ويستفاد منها:
أ- ان الاستفادة المستقلة من
الكتاب من دون توسط الراسخون غير ممكن ويجب الاستهداء بهم في رفع المتشابه.
ب ـ كما تدل على أن المحكم أيضا
لا سبيل للوصول إليه من دونهم وذلك لأن المحيط بالمحكم يرتفع عنده التشابه حينئذ
حيث انها ام الكتاب والامومة هي في الاحاطة التامة، فهم يهدون إلى القرآن وعليه
نستطيع فهم المعية فهما صحيحا فلا مقولة حسبنا كتاب الله تامة ولا مقولة حسبنا
الروايات المأثورة تامة بل هما معا.
جـ ـ إن هذه الآية تدل على
وجودهم دائما لأن القرآن موجود دائما والمحكم والمتشابه موجودان فيجب أن يكون هناك
من يرفع هذا المتشابه خصوصا أن التشابه في كثير من الاحيان يعود إلى المصداق
والتطبيق لا المعنى المراد، و إلى تأويل القرآن تطبيقاته حيث أن كثير من الاخطاء
والانحرافات تنشأ من ارجاع الصغريات أو الكليات العديدة المتوسطة إلى الكليات
الفوقانية.
ومن هنا ايضا نفهم كيف يقاتل
(عليه السلام) على التنزيل وعلى التأويل ايضا، ومن هنا نتوجه لمعنى ما روي عنهم
(عليهم السلام) أنهم الكتاب الناطق، وأن بدونهم يعني تعطيل الكتاب وترك التمسك به،
ومن أمثلة رفع التشابه ما ذكره المشايخ الثلاث وابن حمزة والحلبي ان من فوائد
وجوده (عليه السلام) أنه ينبه بوسائل خفية بوسائط غيبية شيعته، ولذا اعتبروا
الاجماع حجة من باب اللطف وأن الامام إذا وجد الاتفاق على الخطأ فإنه يتدخل لإزالته
واحداث الخلاف فيرتفع الاتفاق.
د ـ ان هذه الطائفة تدلل على
وجوب الاتباع في الجزئيات والكليات المتوسطة، ومن ثم يدل على لزوم الإئتمام بهم
وهذا هو الهداية الايصالية التي هي حد الامامة، فإذا كان امير المؤمنين (عليه
السلام) قاتل على التأويل فإن بقية الائمة يهدون إلى التأويل، فليس الايمان فقط
بالتنزيل بل المهم ايضا الايمان بالتأويل وأنه بيد ثلة خاصة هم اهل البيت (عليهم
السلام) ، إذ ما الفائدة في الايمان بالكليات الفوقانية مع فرض الخطأ في الكليات
المتوسطة بدرجات عديدة و في الجزئيات والمصاديق.
4 ـ قوله تعالى {مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وقوله تعالى {وَمَنْ
عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } [الرعد: 43] .
وواضح الارتباط بين الآيتين
إذ أن الكتاب الحاوي لكل شيء ولم يغادر صغيرة ولا كبيرة وان الذي عنده علم الكتاب
هم أهل البيت (عليهم السلام) .
5 ـ قوله تعالى {كُونُوا مَعَ
الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] الدالة على أن الصادقين المأمور بالكون معهم موجودون
في كل زمان ومكان.
2 ـ أما ما ورد من الالفاظ في
الحديث الشريف:
التعبير بـ (الثقل) وهو
العيار الذي يوضع ليثبت به الميزان، وقد يعبر به عن الثقل والتثبت وأن حركته تكون
مطمئنة فالكتاب والعترة هما اللذان تستقر بهما الحياة المطمئنة الدنيوية،
وبارتفاعهما يرتفع الاستقرار، وبهذا المضمون "لولا الحجة لساخت الارض
بأهلها".
- (فيكم) مما يدل على التواجد
الدائم وأنه امر يتوصل إليه وليس ممتنعا.
- "ما ان تمسكتم
بهما" لم يقيد التمسك بمورد معين أو في مجال ما، بل جعله مطلقا حتى يشمل كل
شيء ومطلق الامور وخصوصا أن القرآن جامع لكل العلوم.
- "لن تضلوا أبدا"
تأكيد الاطلاق بـ (أبدا) يدل على عدم الضلال المطلق وهو يعني أنه غير مختص
بالارائة فقط بل يعمه إلى الهداية الايصالية وهو يدلل على ماهية الامامة التي
ذكرناه.
- "لن يفترقا" دليل
على العصمة حيث أن العترة مع الكتاب دوما، والكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه
ولا من خلفه، وهذا غير مختص بهذه النشأة بل يدل على الاتصال في جميع مراتبه
ومدارجه - إن المعية بين القرآن والعترة مؤبدة بدليل قوله "حتى يردا علي
الحوض" وهذا يشمل جميع النشآت التالية للدنيوية والبرزخ والبعث وتطاير
الكتب... والمراد من الحوض هو حوض يوم القيامة وقد يشار به إلى حقائق أخرى، كما
يستفاد من الورود على النبي انه (صلى الله عليه وآله) أعلى مكانة ومنزلة ومقاما من
العترة ومن الكتاب إذ انه المرجع والمنتهى، وهو المبدأ "إني تارك" لحجية
الثقلين وهو المنتهى (علي الحوض) لهما.
3 ـ النظريات في تفسير المعية
بين القرآن والعترة :
ثم إن مقتضى المعية
الواردة ... هو التلازم بينهما كما
ذكرنا مرارا وهاهنا بحث في تفسير هذه المعية وقد ظهرت ثلاث نظريات في بيان العلاقة
بينهما :
النظرية الاولى :
حسبنا كتاب الله وأنه هاد،
ولذلك ورد الأمر في تمييز الحجة عن اللاحجة من الروايات في عرضها على الكتاب
الكريم، وهذا مؤيد بأنه المعجزة الخالدة الباقية الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه
ولا خلفه، ودور اهل البيت هو كونهم مقدمة للقرآن الذي عليه المدار فإذا وصل واصل
إلى تلك المفادات بأي طريقة كانت فبها ونعمت فيكون الآل طريق ليس إلا، ويستدل لهذا
البيان بقوله تعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ}
[النحل: 44] ، {يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 129] فدوره دور
المعلم والدال على طريق التعليم والأصل هو القرآن، ويعضده ما ورد من تحدي المشركين
بأن يؤتوا بمثل هذا القرآن فلو كان مغلقا مقفلا لما كان هناك معنى للتحدي، بل إن
حجية قوله (صلى الله عليه وآله) مستمدة من معجزة القرآن وحجيته.
وفي مقام تقييم هذه النظرية
نرى ان أدلة النظرية الثانية وان لم تتم منفردة فهي بلا شك تخدش في تمامية هذه
النظرية، ولكن يمكن الاجابة عن هذه النظرية بعدة وجوه:
منها: وجود آيات - قد أشرنا
إليها وهي التي ذكرنا أنها دالة على الثقلين ومعيتهما على الاطلاق وغيرها - وطوائف
روايات عدة دالة على أنهم المخاطبون بالقرآن وهم القادرون على فهمه وتأويله،
والظاهر من عموم الادلة أنه لا يمكن الإستبداد دونهم والانفراد في فهم القرآن.
منها: أن معجزة الرسالة
المحمدية ليس هو القرآن وحده والذي يظهر من النصوص - سواء من حديث الثقلين وغيره -
أن مقام النبي الخاتم فوق مقام القرآن، فهو كما ذكرنا المبدأ لهما بمقتضى أنه (صلى
الله عليه وآله) أسند وجود الثقلين في الامة إلى نفسه الشريفة "إني
تارك" فهو بمنزلة المصدر لاعتبارهما، وهو المنتهى باعتبار "يردا علي
الحوض".
بل أحد وجوه حجية القرآن هي
صفات الرسول (صلى الله عليه وآله) {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا
بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ
هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ
نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ
رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ
عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ
أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يونس: 15، 16] {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ
لَهُ مُنْكِرُونَ} [المؤمنون: 69] فأمانته وصدقه ووثاقته كانت بدرجة عالية فائقة
تضاهي أمانة وصدق ووثوق المعجزة في الدلالة على كون القرآن من الباري تعالى، وقد
لبث فيهم عمرا لم يأتهم بشيء لأنه لم يأته من تلقاء نفسه، وهذه كلها من الموثقات
على ان القرآن من عند الله، والتاريخ ينقل لنا ان الرسول الاكرم (صلى الله عليه
وآله) سأل المشركين: أنه لو اخبرتكم ان العدو وراءكم وراء هذا الجبل أكنتم
تصدقوني؟ قالوا: بلى انك الصادق الامين، إذن نفس حجية الكتاب من نفس قطع المشركين
بصدقه وامانته، وما رأوا من بقية معجزاته، لكنه العناد والتكبر هو الذي منعهم عن
التسليم له.
ومنها: ان الاحتياج إلى الغير
في فهم القرآن لا يدل على نقص القرآن الكريم، بل هو أشبه شيء بالوادي العميق الذي
يحتاج في ارتياده إلى رائد يقود المسير والقرآن فيه المحكم والمتشابه والظاهر
والباطن، فالنقص في الواقع هو في الانسان الذي يقرأ القرآن ويتداوله حيث لا يستطيع
أن يصل إلى أعماقه، لا في القرآن الذي نزل بلسان عربي مبين وعلى الانسان ان يغرف
منه ما استطاع طبقا لما يمتلك من القدرات والامكانيات العلمية.
ومنها: أن الصحيح بعدما تقدم
هو تكافل الحجج الالهية فصفات الرسول (صلى الله عليه وآله) وبقية معجزاته أحد وجوه
حجية القرآن و القرآن هو أحد معجزات النبي (صلى الله عليه وآله) ، ومن عنده علم
الكتاب، والراسخون في العلم، والذين اوتوا العلم... أحد وجوه حجية القرآن، وهم
شهداء للرسول (صلى الله عليه وآله) ، فالتكافل والتشاهد بين الحجج برهانا وفي مقام
الدلالة الاثباتية كذلك...
النظرية الثانية:
ومؤداها حسبنا الاحاديث
المأثورة عن العترة الطاهرة وقد نادى بها الاخباريون، واستدلوا على ذلك بما ورد
بأنهم المخاطبون بالقرآن وأنه لا يحيط بالقرآن إلا أهل البيت، وأن القرآن فيه
المحكم والمتشابه وله ظاهر وباطن وفيه العام والخاص والناسخ والمنسوخ، وهذا يعني عدم
امكان التوصل لنا إلى معانيه المرادة الواقعية، وكذلك يستدل بما ورد من النهي عن
التفسير بالرأي والذي فسر على أساس النهي عن الاستبداد بالرأي، كما يستدل بالحصر
الوارد في قوله تعالى {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] حيث أن فيها
حصرا في عدم العلم بالتأويل إلا لهؤلاء، وهذا يعني ان المحكم ايضا لا يحيط به كل
أحد وذلك لأن للمحكم قيمومة على المتشابه باعتبار أنه أم الكتاب فلو كان غير
الراسخين لهم احاطة بالمحكمات فلا يبقى متشابه حينئذ وعليه يبطل الحصر الوارد ان
المتشابه لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم.
وما ذكره الاخباريون من مواد
الأدلة متين لكن لا يؤدي إلى ما ذكروه، ونفس أدلة النظرية الأولى تبطل أدلتهم، كما
أن النصوص القرآنية لا تجعل المدار على أقوال العترة فقط بل تنص على أن للقرآن
دورا خصوصا مع روايات العرض على الكتاب، ونفس الآيات التي مفادها حديث الثقلين
وكذا نفس الحديث التمسك فيه بهما معا لا بأحدهما هو المدار في عدم الضلال، بل قد
تقدم أن التمسك بأحدهما هو تمسك صوري وإلا فهو في واقعه عدم تمسك به أيضا لأنهما
لا ينفكان عن الآخر فالانفكاك عن احدهما انفكاك عن كل منهما معا.
النظرية الثالثة:
وهي التي نادى بها أغلب علماء
الامامية والتي تنص على المعية على نحو المجموعية لا الاستقلال كما أفادته
النظريتان السالفتان، وهذه المجموعية هي المدار في المعرفة الدينية واستنباط
الاحكام الشرعية الاصولية والفرعية، فالتعامل يكون معهما كوحدة واحدة. هذا هو
البيان الاجمالي لمفاد النظرية، اما المفاد التفصيلي:
فإن المعية بين الكتاب والسنة
على صعيدين أحدهما تكويني والاخر اعتباري باعتبار الحجية. أما الصعيد الاول ...[فأن]
للقرآن حقائق تكوينية و مدارج في عالم التكوين، وأن لأهل البيت حقيقة تكوينية وأن
تلك الحقيقتين في الواقع واحدة.
ونشير مجملا إلى ذلك ببيان أن
المصداق الحقيقي للكتاب هو الشيء الوجودي الجامع للكلمات الحقيقية فالكتاب له
دلالة على شيء جامع لكل شيء وهو شاعر، ومَن تكون له الاحاطة الحضورية بذلك الوجود
الجامع، ويكون هناك اتحاد بين العالم والمعلوم والعلم فهذا يعني أن العلم يكون
فصلا نوعيا واحدا، وكذا الفصول النوعية للراسخين في العلم والذين أوتوا العلم فهي
تدل على أن الفصل النوعي كمال جوهره ورقيه بذلك العلم، وهو يدل على الوحدة
التكوينية بينهما فهناك معية في مدارج الوجود.
نعم في تنزل هذه الحقائق
العلوية تتنزل بكثرة ويعبر عن ذلك في بعض الروايات أن الائمة نور واحد، وقد يعبر
عنه في مقام التنزل بالروح الاعظم التي تنتقل من امام إلى امام.
فإذا كان الحال هكذا في مدارج
التكوين فهو بنفسه في مدارج الاعتبار، فالوجود الاعتباري اللفظي المصوت أو للنقوش
المرسومة في الخط للقرآن في محاذاته وجود اعتباري للامام وهو كلامه، ومما تقدم
يتضح أن كلامهم (عليهم السلام) واحد وإن كان متفرقا ومجموعه حجة وإن تعددت
رواياته، نعم القرآن له اضافة تشريفية في كونه كلام الله وكلام العترة هو دونه
وانه كلام المخلوق وفي الجهة الحقيقية التكوينية فإنهم كلمات الله التكوينية، كما
في التعبير عن عيسى أنه كلمة الله وهم حقيقة القران.
ومن هنا نفهم لماذا يجب عرض
رواياتهم على الكتاب الكريم بمعنى ان المتشابهات من كل من الكتاب والعترة تعرض على
المحكمات منهما جميعا، وما ذلك إلا لأن مصدر الكلام واحد، وقريب من هذا التعبير في
عالم الاعتبار والحجية ما يقال إن الكتاب الكريم هو كالمتن، وإن روايات المعصومين
هي كالشرح على المتن وإنهم شارحون لشريعته (صلى الله عليه وآله) وهادين إليها على
اساس {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } [الرعد: 7] .
4 ـ خلاصة ما يستفاد من
الحديث :
1 ـ أن من المسامحة والبعد عن
الانصاف حصر مفاد الحديث في التشريع والفروع حيث أن التمسك بهما ورد مطلقا من دون
تقييد ومقتضى الاطلاق وجوب الاخذ بهما في الاعتقادات، كما ان مقتضى ذلك هو وجوب
الاعتقاد بكل منهما.
2 ـ دوام وتأبيد بقاء امامتهم
وهذا التأبيد شامل لعالم الدنيا والحشر.
3 ـ أن النبي (صلى الله عليه
وآله) هو المبدأ لحجية الثقلين والمنتهى لهما وأنه أفضل من أهل البيت (عليهم
السلام) .
4 ـ ان لهم مقام غيبي
باعتبارهم عِدلا للقرآن فصفات القرآن المسطورة في الآيات والسور المتكثرة كلها
فيهم بمساعدة الآيات الدالة على الحديث.
5 ـ المعية في الحجية بين
الكتاب والعترة فلا يجوز الاكتفاء بأحدهما دون الاخر.
6 ـ مفاضلتهم على بقية
الانبياء حيث أن الكتاب وصف بأوصاف لم يتصف بها أي من الكتب السماوية التي نزلت
على الانبياء، وكونهم عدل الكتاب المتصف بهذه الاوصاف يدل على مدارجهم الروحية
واحاطتهم بهذا الكتاب الذي امتاز بهذه المميزات.
الحديث الثاني:
"من مات ولم يعرف امام
زمانه مات ميتة جاهلية".
وهذا من الاحاديث التي ثبتت
صحتها من كتب العامة والخاصة والكلام في فقه الحديث.
وللأسف حاول البعض تفسير هذا
الحديث سياسيا بمعنى وجوب مبايعة الامام ولو كان فاسقا ولا يجوز ان تكون رقبة وذمة
المكلف خالية من البيعة، وقد وجدنا امثال هؤلاء في العصر المتقدم كعبد الله بن عمر
مع الحجاج عندما ذهب إليه ليبايعه مستدلا بهذا الحديث، وسوف نتناول الحديث في نقاط
عدة:
- إن أول أمر يواجهنا في هذا
الحديث هو الأثر المترتب على عدم المعرفة لا عدم البيعة، وهو أن تكون النتيجة
كميتة الجاهلية أي أن هذا الانسان مدرج في الذي لم يشم رائحة الاسلام في الآخرة أي
بحسب الواقع، ويكأن الرواية الشريفة تعطي مفاد الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ
دِينًا } [المائدة: 3] فرضيت كانت متوقفة على الامامة التي بلّغها الرسول في هذا
اليوم وبها يتم الدين والاسلام كمجموع متكامل وكل شيء مرهون به، وقبله لم يكن رضا،
ولذلك قال عز من قائل {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}
[المائدة: 67] وهذه كلها تؤكد المضمون الذي يورده هذا الحديث من أن معرفة
والاعتقاد بالإمامة دخيل في أصل الدين والتدين بالإسلام بحسب الواقع والآخرة.
- نعود إلى الشرط المذكور في
الرواية حيث أنه مطلق غير مقيد بشيء بل هو المعرفة المطلقة مما يدلل على أن
المطلوب العمدة هو أمر اعتقادي، فليس المطلوب الاهم المتابعة في الفروع ولا
المتابعة السياسية بل المتابعة الاعتقادية والمعرفة والتدين والائتمام، وهل يعقل
ترتب مثل هذه النتيجة وهي الموت ميتة الجاهلية على مجرد عدم المتابعة في الفروع،
بل الأمر أهم وأكبر وهو محور اعتقادي المعرفة والاعتقاد، ولو فرض المتابعة
السياسية المصطلح عليه بالولاء السياسي والمتابعة في الفروع والاخذ من الامام
المنصوب أحكام الفروع من دون المتابعة الاعتقادية المصطلح عليه بالولاء الاعتقادي
المعرفي لما تحقق أصل التدين بالإسلام بحسب عالم الآخرة والواقع.
- إن الرواية مطلقة من حيث
الزمان والمكان فهذا اللسان عام وشامل لكل الافراد في جميع الازمنة، مما يدلل على
عموم وجود الامام وانه موجود حتى قيام الساعة وهذا يؤيد مدعى الامامية من تأبيد
وجود الامام.
- إن الرواية تدلل على وجود
واجب شرعي في قسم من الأصول الدينية على الفرد المسلم وهو السعي إلى معرفة الامام
في كل فترة من فترات حياته فهذه وظيفته التي أوكلها إليه الحق سبحانه ويقع على
عاتقه تشخيص الامام، وإن هذا الواجب جانحي، وإن هذا الامام تناط به النجاة من
النار.
- ثم أن هذا الوجوب الاعتقادي
- من قسم الاصول الدينية - دال على كون المعتقد من الامامة ليس من سنخ حسي مشهود
بالآلات الحسية، بل متعلق المعرفة ومتعلق الاعتقاد هو من السنخ الغيبي فمثلا نبوة
النبي ليست امرا حسيا بل شيئا وراء الحس ومن قبيل نشأة الروح، وإن كان لها آثار في
عالم الدنيا والحس دالة عليها برهانا، وإلا فمثل السماء والارض والشمس والقمر
والنجوم والجبال ونحوها من الحسيات ليست تتعلق بها المعرفة الدينية، فالمعرفة
الحسية والشهود المادية ليس من متعلقات الايمان والمعرفة الدينية، فالإيمان ركن
متعلقه لا بد أن يكون غيبيا من نشآت أخرى وأن كانت تلك النشآت مهيمنة محيطة على
الحس، يقصر الحس عن مدرج ظهورها فتكون غيبا عنه، فظهورها الشديد عين غيبها عن
الحس.
- وقد ينقض على هذا اللسان ما
ورد من ان من استطاع الحج ولم يحج او سوّف في ذلك ثم مات بعثه الله يهوديا أو
نصرانيا، ولكن التأمل في هذا المفاد يبين الفرق بين ان يبعث يهوديا وان يبعث كافرا
جاهليا فإن الثاني هو من لم يدخل في الدين السماوي من الاساس أما الأول فهو
المعتنق للديانة الالهية إلا انه بعّض في التدين وآمن ببعض وكفر ببعض، فقد تكرر في
أحاديث كثيرة ان تكون هناك درجة معينة من العذاب في النار مترتبة على ارتكاب بعض
الكبائر، ولكنه بخلاف ما نحن فيه من ان المنكر وغير العارف لإمام زمانه يخلد في
النار ويموت ميتة الجاهلية، وهو إنما يتفق مع كون الواجب الاعتقادي من اصول
الديانة.
الحديث الثالث: في
تبليغ سورة براءة :
وقد ورد الحديث بألسنة متعددة
منها: ان جبرائيل نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد لا يؤدي
عنك إلا رجل منك، ومنها: لا يبلغ عنك إلا علي، ومنها: لا يؤدي عني إلى أنا أو رجل
مني.
ولا خلاف في نزول هذا الحديث
في امير المؤمنين (عليه السلام) ، ولكن الكلام في مدلول هذا الحديث الشريف الذي
ينطوي على دلالات مهمة تفوق مسألة التبليغ لسورة براءة كما يحاول كثير من العامة
تصويرها على أساس أن من عادات العرب ان لا ينقض العهد إلا عاقده أو رجل من أهل
بيته ومراعاة هذه العادة الجارية هي التي دعت النبي (صلى الله عليه وآله) أن يأخذ
سورة براءة - وفيها نقض ما للمشركين من عهد - من ابي بكر ويسلمها إلى علي ليستحفظ
بذلك السنة العربية فيؤديها عنه بعض اهل بيته ويزعمون أن ابا بكر لم ينفصل من
امارة الحاج.
وواضح أن هذا التأويل من
العامة لا أساس له.
أما أولا: فأي شهادة من
التاريخ أن من عادة العرب ذلك بل من عاداتهم أنهم يبعثون في اجراء العهد أو حله
علية القوم ومن يطمئنون به، وأي مدرك في سير ووقائع العرب دال على أنه يجب أن يكون
من عشيرة القوم، فهذه قريش في صلح الحديبية بعثت مسعود الثقفي وهو ليس من قريش
لإبرام العهد مع النبي (صلى الله عليه وآله) والواقعة في تبليغ سورة براءة ليست
قبلية وعائلية وشخصية بل أمر الهي لا يتحمله إلا من هو أهل له.
وثانيا : إن كتب السير
والتاريخ مختلفة في كون أمارة الحاج بيد أبي بكر في ذلك العام، مضافا إلى أن أبا
بكر لم يكن هو الأمير إلى الابد بل تولى الامارة غيره أيضا.
وثالثا: ما ذكره العلامة
الطباطبائي: من أن البحث ليس في أفضلية مَن على مَن، بل الكلام في ما يمكن فهمه من
الحديث، و"وليت شعري من اين تسلموا ان هذه الجملة التي نزل بها جبرائيل:
"انه لا يؤدي عنك إلا انت او رجل منك" مقيدة بنقض العهد لا تدل على ازيد
من ذلك ولا دليل عليه من نقل او عقل فالجملة ظاهرة أتم ظهور في أن ما كان على رسول
الله (صلى الله عليه وآله) أن يؤديه لا يجوز ان يؤديه إلا هو أو رجل منه سواء كان
نقض عهد من جانب الله كما في مورد سورة براءة او حكما آخر إلهيا على رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ان يؤديه ويبلغه" ثم أن هذا التبليغ يتميز أنه التبليغ
الأول عن السماء حيث ان الحكم لم يعلن بعد على مسامع المسلمين وغيرهم بل اختص به
النبي (صلى الله عليه وآله) ، ومن هنا ورد في الرواية أن الكتاب كان لدى ابي بكر
مغلق لا يعلم ما فيه وعندما اتى الامام اخذه منه.
وهذا يغاير ابلاغ بقية
الاحكام بتوسط من سمعها إلى من لم يسمعها التي كان النبي قد أعلن عنها في ملأ
المسلمين في مناسبات عدة، فمقام تبليغ سورة براءة هو مقام الناطق الرسمي عن السماء
وهذا لا يعني الشركة في النبوة مع النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن
الوارد هو لا يؤدي عنك إلا انت أو رجل منك وليس الوارد لا يؤدي إلا انت أو رجل
منك، وواضح الفرق بين المعنيين بأدنى تأمل.
وبتعبير آخر: أن الذي له
أهلية التبليغ عن الغيب يجب أن يكون له ارتباط بالغيب، فلا يبلغ عن تلقيك النبوي
إلا لسانك النازل وبفيك أو فاه آخر لكنه من سنخك الذي يسمع صوت الوحي ويرى نوره
ويشمه، ويسمع رنة ابليس، كما تقدم في .
وهذا يفتح الباب لفقه حديث
المنزلة (أشركه في أمري) وأن هارون كموسى نبي، وحيث يضفي النبي على عليّ تلك
المنزلة إلا النبوة أي الانباء فبقية الصفات تكون ثابتة للامام بمقتضى حديث
المنزلة، كما يتضح معنى الحديث "يا علي انا وانت ابوا هذه الامة"
والظاهر أن هذا المقام من مختصات علي أمير المؤمنين، وهكذا نفهم المؤاخاة بينهما
في المدينة ليست اعتبارية بل تكوينية حقيقية.
فالمدلول الذي نستفيده من
الحديث أنه يشير إلى مقام للامام (عليه السلام) وأن مقام تأدية الاحكام الالهية لا
يكون إلا للنبي أو من يؤديه عنه وهو منه، ونستفيد منه أن ما يبلغه الامام وبقية
الائمة لا ينحصر فيما بلغه النبي بل حتى الموارد التي لم يبلغها للامة فهم
يبلغونها عنه، وتشمل الأخذ عن مقامه النوري بعد مماته كما هو الحال في مصحف فاطمة
عليها السلام، لأن عنعنتهم عن النبي ليست روائية حسية سماعية كما هو المتعارف في
نقلة الحديث خاضعة لشرائط الحس والمشاهدة، بل هي عنعنة نورية.
وقد روى الصدوق في العيون
"ان المأمون سأل الرضا (عليه السلام) : ما وجه إخباركم بما يكون؟ قال: ذلك
بعهد معهود إلينا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فما وجه إخباركم بما في
قلوب الناس؟ قال (عليه السلام) : اما بلغك قول الرسول (صلى الله عليه وآله) اتقوا
فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله، قال: بلى، قال: وما من مؤمن إلا وله فراسة
ينظر بنور الله على قدر ايمانه ومبلغ استبصاره وعلمه وقد جمع الله في الائمة منّا
ما فرقه في جميع المؤمنين، وقال الله عز وجل في محكم كتابه {إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75] فأول المتوسمين رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ثم امير المؤمنين (عليه السلام) من بعده، ثم الحسن والحسين والائمة من
ولد الحسين (عليهم السلام) إلى يوم القيامة، قال: فنظر المأمون فقال له: يا أبا
الحسن زدنا مما جعل الله لكم أهل البيت، فقال الرضا (عليه السلام) : إن الله عز
وجل قد ايدنا بروح منه مقدسة مطهرة ليست بملك ولم تكن مع أحد ممن مضى إلا مع رسول
الله وهي مع الائمة منا تسددهم وتوفقهم وهو عمود من نور بيننا وبين الله عز
وجل" (2) .
ومن هنا يجب ان نهتم كثيرا
بإزالة هذا الالتباس عن أذهان الجميع من ان روايتهم ليست رواية بالموازين العادية
أوان حجية اقوالهم بما أنهم رواة.
ونتجاوز اطار اللفظ إلى عمق
المعنى لنقول إن هذا الحديث يدلنا على حجية الزهراء البتول (عليها السلام) وذلك من
جهة ان المناط في حجية المؤدي عن النبي (صلى الله عليه وآله) هو الوصف المتعقب
للرجل وهو (منك) وهذا الوصف يدل على عدم خصوصية الرجل بل الوصف هو المهم وقد ورد
في الحديث انها منه (صلى الله عليه وآله) ، فما تؤديه عن النبي لا ينبغي التشكيك
فيه، ومن هنا كان مصحف فاطمة مصدر لعلوم الائمة (عليهم السلام) .
اشكال ودفع:
قد يقال ان رواة الحديث الذين
ينقلون الحديث عن المعصومين لهم هذا المقام، حيث يسأل الامام حول مسألة معينة ولم
يكن الامام قد أظهر الحكم فيها قبل ذلك، ويكون دور الراوي نشر هذا الحكم بين أهل
مدينته أو قبيلته وما شابه ذلك؟
والجواب عن هذا الاشكال: أن
الحديث يتحدث عن مقام خاص اختص به الامير (عليه السلام) ، وليس الحديث عن مسألة
شرعية سألها أحد المسلمين بتلقيه حسا عن حس المعصوم، وهذا المقام هو مقام التلقي
النبوي الذي حازه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، ولو كان هذا التلقي عن
الوجود النازل لمقام النبوة لما قيل في الحديث القدسي لا يؤدي عنك إلا أنت أو...
فتأدية النبي (صلى الله عليه وآله) عن نفسه، ليست بمعنى تأدية حسه الشريف عن حسه
بل هو نحو من التجريد وتأدية المراتب النازلة من وجوده الشريف عن المراتب العالية
من روحه المقدسة، وعن مقام التلقي للوحي في درجة وجوده، فالذي يبلغ عن ذلك المقام
من روحه وجوده النازل أو رجل منه يتلقى عن ذلك المقام، فعلي (عليه السلام) يتلقى
من المقام الروحي النوري النبوي كما تتلقى القوى الادراكية النازلة في نفس النبي
(صلى الله عليه وآله) عن المقام الباطن لروحه الشريفة، ومن ذلك يتضح أن عليا في
حين أخوته للنبي (صلى الله عليه وآله) إلا ان النبي (صلى الله عليه وآله) يمتاز
عليه وعلى بقية الائمة (عليه السلام) انهم يتلقون مما قد تلقاه المقام الروحي
النوري النبوي أي في طوله متأخرا عنه.
فالتصريح بأنه لا يؤدي عنك أي
عن هذا المقام الذي انت فيه إلا انت او رجل منك، والترديد هو لإفادة كونكما في نفس
هذه المرتبة الصالحة للتأدية عن مقامك النوري.
وجواب ثالث: أن المعصوم في
السؤال والجواب العاديين لا يكون غرضه تخصيص السائل دون غيره بالحكم بل أي شخص أتى
وسأله هذا السؤال لكان أجابه بنفس الحكم لأنه أدى إليه الحكم عبر قناة الحس إلى
حسه، فليس المقام مقام تبليغ حكم عن السماء وكون المبلغ هو الناطق الرسمي، بل من
باب الاتفاق اختص هذا السائل بهذا الحكم، ثم إن الحصر الوارد في هذا الحديث القدسي
عن رب العزة بالحصر في التأدية بهذين دليل على ان هذا لا يشمل مقام الرواية.
الحديث الرابع:
"ان الله يرضى لرضا فاطمة" :
إن هذا الحديث من الاحاديث
المهمة التي نستفيد منها عصمة الزهراء البتول، وليست المسألة هي مداراة من العلي
القدير لنبيه الاكرم في تبجيل ابنته التي يحبها، بل هو مقام حباها الله به، حيث
تكون هي ممثلة لرضا الله جل وعلى ويكون رضاه برضاها، وهذا يعني أنها لا تفعل المعصية
لأنها ممثلة لرضا الرب وغضبه.
و... في بحث المراتب الوجودية
للانسان وتنزل العلوم ان للانسان مراتب ثلاث هي مرتبة العلم الحضوري ومرتبة العلوم
الحصولية ومرتبة القوى العملية التي هي دون المرتبتين، وسلامة الافعال تتوقف على
مدى المطابقة بين هذه المدارج الثلاث حيث تتنزل الارادات الالهية من دون عوائق،
ولا تكون هناك مشاكسات من القوى المادون وذلك إذا ما ابتلي بالأمراض والوساوس
والبلادة والحدة أو سلطنة الغرائز النازلة...
وبناء على هذا فعندما يقال ان
الرضا الالهي هو برضا أحد عباده فهذا يعني أن هذا العبد هو ممثل للمشيئة الالهية
ويكون كل حركاته وسكناته لا تتخلف عن المشيئة الالهية، وهذا يعني ان تكون القنوات
التي تسير فيها علوم الانسان ... غير مبتلاة بأمراض ادراكية ولا عملية، ولا يكون
هناك عائق أمامها فتتنزل صافية من دون كدر، وهذا ليس تأليها بل هو استقامة في
مدارج الوجود فيخرج العمل مظهرا للإرادة الالهية، وعلى هذا البيان لا تنحصر عصمة
في الموضوعات الكلية بل تشمل الجزئيات الخارجية ولا يشذ عنها مورد، وقريب من هذا
المعنى الحديث الذي ينص على ان عليا مع الحق والحق مع علي، إذ لا يمكن أن تكون
هناك موائمة بينه وبين الحق إلا إذا افترضنا ان هناك عصمة علمية عملية
تجعل كل تصرفاته نابعة عن
العلم الحضوري وأن اراداته تمثل الارادة الالهية.
ومنه نستطيع الربط مع
الاحاديث التي تبين كيفية تلقي الامام (عليه السلام) عن النبي الاكرم (صلى الله
عليه وآله) حيث لا يكون التلقي من الوجود البشري للنبي (صلى الله عليه وآله) ، بل
هو تلقي عن مقام النورية للنبي وخصوصا في مثل الحديث القائل "علمني رسول الله
الف باب من العلم ينفتح من كل باب الف باب"، حيث لا يوجد تفسير لها على نحو
العلوم الحصولية، بل هي الوراثة النورية التي ورثها النبي (صلى الله عليه وآله)
للائمة الاطهار، وعليه يكون أداء الائمة عن النبي ليس عن مرتبته الوجود الحسي له،
بل عن المرتبة النورية.
وقد اورد على هذا التقريب
لفقه الحديث عدة نقوض حاصلها: انه قد ورد في الاحاديث والآيات القرآنية تصريح برضا
الله تعالى عن بعض المؤمنين، مثل {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ
الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [المائدة: 119] ، وورد في موارد اربعة قوله تعالى (رضي
الله عنهم) الفتح 18، المجادلة 22، البينة 8، التوبة 100، ما ورد في الحديث الشريف
"رضي الله عن عمار"، وان ابا ذر لا يكذب قط.
وهناك جواب تفسيري عن هذه
الاحاديث ينفع جوابا كليا عن هذه الموارد نذكره: وهو ان العصمة على درجات وليس
كلها من نحو واحد، فإن منها العلمية ومنها العملية ومنها الذاتية ومنها الافعالية
أي في مقام الفعل دون الذات، وكل منها فيه شدة وضعف، وقد مر بعض الحديث عن ذلك في
آية استخلاف آدم والفرق بين عصمته وعصمة الملائكة، كذلك هناك مقامات تتلو أدنى
مراتب العصمة كمقام الحكمة الذي من أوتيه أوتي خيرا كثيرا كما وردت الاشارة إليه
في الآيات، وكمقام الصديقين ومقام أهل الفوائد ومنهم من يعطى علم البلايا والمنايا
وغير ذلك من المقامات.
ويشير إلى تلك المقامات حديث
الامام الصادق (عليه السلام) الذي رواه الخزاز القمي في كفاية الاثر: 253، وهي
مقامات من سنخ غيبي وهيبة ملكوتية بحسب تولي الشخص وتسليمه لأوامر الله تعالى
ونواهيه الالزامية والندبية وطوعانيته لأراداته.
فلا يقال بامتناع انوجادها في
من يتلو المعصومين من المؤمنين المتمسكين بحبل الله كالأوتاد والابدال الذين
اخلصوا في طاعة الله، مثل لقمان الذي لم يكن نبيا ومع ذلك اوتي الحكمة وهي نحو
يتلو العصمة العلمية، وكما في ذي القرنين الذي ورد عن امير المؤمنين (عليه السلام)
أنه رجل أحب الله فأحبه الله وآتاه ما تذكره سورة الكهف، و مثل زينب عندما قال لها
الامام زين العابدين يا عمة انك عالمة غير معلمة، وفي السيد محمد ابن الامام
الهادي (عليه السلام) وابي الفضل العباس وغيرهم من ابناء الائمة وهكذا عمار وابو
ذر، مضافا إلى انهم ممن ائتم بإمامة أهل البيت (عليهم السلام) وآمن بالمقام الغيبي
للائمة ويتولون أهل الكساء وممن يتشفع بهم، وهذا المقدار لا يجعل مقامهم مقام
الائمة.
وقد ذكرنا في علم الكلام
وعلوم المعارف أن الصفات الكمالية وإن كانت مشتركة بين الخالق وعبده ولكنها ليست
بمرتبة واحدة كالصدق فقوله تعالى {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:
122] و النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) هو الصادق الامين أيضا، لكن اتصاف الحق
تعالى بهذه الصفة في مرتبة واجب الوجود - لا متناهية - غير مرتبة اتصاف الرسول
الاكرم بها، وهذا التفاوت في الدرجات حاصل أيضا بين المعصوم وغيره اذ ان رضا الله
لرضا المعصوم غير رضاه على عمار او ابي ذر لأنهم آمنوا بالمعصوم واعتقدوا به فهم
في مرتبة تلي المعصوم، وروايات كثيرة تشير إلى الاوتاد وان وجودهم هو حفظ لمدنهم
او لمن يحيط بهم، كالذي ورد عن الرضا (عليه السلام) في زكريا بن آدم (3) والذي ورد
في سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار (4) ،
كما تشير المصادر ان عمار
انما وصف بهذا الوصف في سياق نصرته وولائه لعلي (عليه السلام) (5) .
اما الجواب التفصيلي:
1 ـ اما آية المجادلة {لَا
تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ
حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ
إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ
وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ
أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
[المجادلة: 22] ، وهذه الآية لا ينقض بها على ما تقدم وذلك لأن الرضا الالهي مترتب
على الاتصاف بهذه الاوصاف الخاصة وهي الايمان بالله واليوم الآخر و عدم موادة من
حاد الله ورسوله، كتب الايمان في قلوبهم، التأييد بروح منه و الاتصاف بها مورد رضا
الله وهو يختلف عما نحن فيه حيث ان الرضا مترتب على ذات فاطمة من دون تقييدها بوصف
معين ولا زمان ولا مكان معين بل هو عام شامل ومطلق، اما ما ورد في الآية فهو رضا
للوصف لا لذات هؤلاء بما هي هي.
2 ـ وقريب منه ما في سورة
البينة حيث أن الرضا هو للوصف ويزاد عليه ما ختمت به الآية من ان {ذَلِكَ لِمَنْ
خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 8] أي مقيد بالخشية منه تعالى وإلا ينتفي عنه الرضا،
مضافا إلى ان المفسرين ينصون على انها نزلت في علي (عليه السلام) ، وقد ذكره
السيوطي في الدر المنثور في ذيل آية خير البرية من السورة.
3 ـ آية الفتح: { لَقَدْ
رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ
فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18] وهذه الآية الشريفة تؤكد نفس المدلول من ان الرضا
هنا بالوصف وهو الايمان لا انه مطلق وذلك مع ان مطلق المسلمين قد بايع لكن الرضا
لم يكن عن الكل، ويؤيد ذلك "إذ التعليلية حيث أن الرضا نتيجة الفعل الصالح
وهو المبايعة تحت الشجرة وليس رضا بالذات، ثم إن تمامية المبايعة والحصول على
الرضا الالهي مناط بالموافاة والبقاء على العهد حتى الموت، وهكذا آية المائدة التي
ذكر فيها الرضا مقيدا بالوصف وهو الصدق مع شرط الموافاة.
4 ـ أما آية التوبة {وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } [التوبة: 100] فالجواب عن
النقض بها مضافا إلى الاجوبة السابقة...
أ- ورد في الحديث في ذيل
الآية انهم هم النقباء وابوذر والمقداد وسلمان وعمار ومن آمن وثبت على ولاية امير
المؤمنين (عليه السلام) (6) . ويشهد لذلك و لعدم إرادة العموم أن سورة التوبة تقسم
من صحب النبي (صلى الله عليه وآله) من المكيين والمدنيين إلى اقسام عديدة كالذين
في قلوبهم مرض، ومن أهل المدينة مردوا على النفاق، الذين يلمزون المطوعين،
المخلّفون، الذين يؤذون النبي، المنافقون وغيرهم.
ب ـ إنه ليس فيها تعميم لكل
المهاجرين والانصار بل خصوص السابقين، بل خصوص الأولين من السابقين، بل خصوص
الاولين من السابقين.
جـ ـ إن اصطلاح السابقون
تشرحه الآيات القرآنية {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ
الْمُقَرَّبُونَ } [الواقعة: 10، 11] ومن هم المقربون {كِتَابٌ مَرْقُومٌ *
يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 20، 21] فهم شهداء الأعمال الذين لا
يكونوا بشرا عاديين إذ لا يمكن أن يشهد الأعمال إلا البشر الذين يكون لهم نفوس
خاصة هي عِدل النبوة ...
د ـ إن الآيات في سورة المدثر
تشير إلى أن بعض من أسلم أول البعثة من المنافقين من الذين في قلوبهم مرض أي أن
اسلامهم لم يكن عن ايمان فلا يمكن أن يراد منها السابقون من المهاجرين والانصار
على العموم، وكذا ما في سورة العنكبوت المكية الآية 1 ـ 13 وسورة النحل المكية:
107 ـ 110.
هـ - ورد في الرواية ان
المقصود من السابقين علي (عليه السلام) ومن الانصار الحسن والحسين، والذين اتبعوهم
بإحسان هم الائمة الذين لم يدركوا النبي (صلى الله عليه وآله) ، ويشهد لذلك ما
تقدم من إرادة شهداء الاعمال من السابقين الاولين.
و ـ ان (من المهاجرين) ليس متعلقا
و لا معمولا للسابق بل للفاعل المضمر فيه إذ لا تصلح (من) التبعيضية للتعلق لمادة
السبق، ولو أريد ذلك لاتي بلفط (في الهجرة) ونحوه، وهذا يعني أن (السابقون) وصف
مستقل و (المهاجرين) وصف مستقل آخر لهؤلاء الاشخاص، لا أن المراد السابقون هجرة
كما يريد البعض تصويرها.
ز ـ أنه ورد في العديد من
السور تأنيب الصحابة الذين خالفوا أوامر الرسول، ونجد ذلك في سورة الانفال وهي من
أوائل السور المدنية وتتعرض لغزوة بدر، وتقسم مَن شهد بدرا إلى صالح وبعضهم طالح،
وكذا سورة آل عمران تتعرض لمَن شهد أحدا وتقسمهم إلى ثلاث فئات واحدة صالحة مخلصة
واثنتين طالحتين، فلاحظ سياق مجموع الآيات في السورتين، وكذا سورة الاحزاب في مَن
شهد الخندق وسورة محمد، وفي سورة التوبة نفسها وهي آخر ما نزل في المدينة تقسيم
مَن صحب النبي (صلى الله عليه وآله) من المكيين والمدنيين إلى فئات عديدة كما تقدم
وتشير إلى فرار المسلمين في حنين إمام الزحف إلا ثلة من بني هاشم ومن هنا لا
نستطيع القول ان الآية شاملة لكل من أسلم مع الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) .
وهناك نكتة تشير إليها الآية
وهي أن التابع موصوف بالمحسن فكيف بالسابق إذ مقام الاحسان ليس من المقامات
العادية حيث ورد في القرآن {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [المائدة: 93] ، فهو مقام بعد الايمان والعمل الصالح
والتقوى بدرجات من المنازل العلوية، ثم المذكور في هذه الآية هو التابعين المقيدين
بقيد الاحسان، وهذا لا يكون إلا في المعصومين الذين لم يشهدوا الرسول الاكرم (صلى
الله عليه وآله) .
وورد في رواية أن عليا (عليه
السلام) قرأ هذه الآية في زمن عثمان وقرأ بعدها آية السابقون السابقون وقال: من
يشهد أنها نزلت فيمن؟ فشهد عدة من الصحابة أنها نزلت في الانبياء والاوصياء وفي
علي، وكذا ينفي العموم ما ورد في مسلم (كتاب الفضائل - باب حوض النبي (صلى الله
عليه وآله) ) والبخاري (كتاب الفتن) مِن عرض الصحابة على رسول الله (صلى الله عليه
وآله) عند الحوض، إلا أن جماعات منهم يحال بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، ويذادون عن الحوض فيقول: اصحابي اصحابي، فيقال: لقد أحدثوا أو بدلوا بعدك،
فيقول: بُعدا بُعدا "على اختلاف في الفاظ الحديث، وهي تؤكد ان الصحبة ليست هي
الموجبة للنجاة بل الموافاة على منهاج رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى الممات
هو المناط في النجاة.
الحديث الخامس: "علي
مني وانا من علي" :
هذا الحديث الشريف الذي تواتر
نقله في كتب العامة والخاصة، دال بلا ريب على النشوية وهي ليست البدنية فقط بل هي
وحدة بلحاظ الروح و النورية، وفي بعض الروايات قال جبرائيل وأنا منكما، وهذا يدل
على ان الوحدة من سنخ الملك الغيبي العلوي اللطيف، وقريب من هذا المعنى ما ورد من
"الناس معادن شتى واشجار شتى وانا وعلي من شجرة واحدة"، وبنفس البيان
حديث النور الوارد كنت انا وعليا نورا بين يدي الله..
الحديث السادس: "قاتلت
على التأويل كما قاتلت على التنزيل" :
والتنزيل هو تلقي المقامات
الكلية لحقيقة القرآن الكريم، والتأويل هو تطبيق تلك المقامات الكلية على الموارد
الدرجات المتوسطة و الجزئية العديدة، ولا يمكن لشخص أن يحيط بكل تأويل القرآن إلا
أن يكون قد أحاط بمراتب القرآن وأن تكون قواه خالية من الزلل والزيغ ومنه يعلم أن
النبوة في التنزيل والامامة في التأويل فهي تلو النبوة الخاتمة ومشتقة منها
ومترتبة عليها، وفي كثير من الاحاديث نرى ان النبي (صلى الله عليه وآله) يقرن بين
النبوة والامامة المتمثلة بشخص النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه
السلام) ، مع بيان الفاصل بين الشأن النبوي والشأن المولوي.
____________
1- الصواعق المحرقة: 89 ـ 90.
2- عيون اخبار الرضا (ع) 2:
200 باب 46.
3- رجال الكشي: 857 ح 111.
4- المصدر السابق: 33 ح 13.
5- صحيح مسلم - كتاب الفتن، وكتاب صفات
المنافقين.
6- تفسير الصافي: 2: 369.