تعيين ونصب الامام من الله تعالى
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج2، ص 100 - 102
2025-12-03
9
...قد مضى البحث [في أصل النبوة] عن كون أمر تعيين النبيّ بيد الله أو بيد النبيّ الاخر الذي عيّنه الله فإنه لا يقول إلّا عن الله ، وحيث إنّ الإمامة كالنبوّة عندنا إلّا في تلقّي الوحي فالأمر فيه واضح ، فلا مجال لانتخاب الناس وتعيينهم ، كما لا يخفى ، ولذلك قال في العقائد الحقّة : فمن قال بلزوم بعث النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ من جانب الله تبارك وتعالى ، لا بدّ له من القول بلزوم نصب الإمام من جانب الله تبارك وتعالى ، وليس هذا من قبيل نصب السلطان أو نصب السلطان وليّ العهد ؛ لأنّ نصب الناس أو نصب السلطان راجع إلى نصب من يلي أمر الناس من جهة معاشهم ، وما يكون مربوطا بدنياهم ولا ربط له بامور الآخرة ، فنصب الإمام من جانب الناس ، كنصب الناس من يكون طبيبا لهم يعالجهم من دون أن يكون عالما بعلم الطب (1).
وأشار إليه المحقق الطوسيّ ـ قدس سره ـ حيث قال : «والعصمة تقتضي النصّ وسيرته عليه السلام» ، وقال العلّامة الحليّ ـ قدس سره ـ في شرحه : «أقول : ذهبت الإمامية خاصة إلى أنّ الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه ، وقالت العبّاسية : إنّ الطريق إلى تعيين الإمام ، النصّ أو الميراث. وقالت الزيدية : تعيين الإمام بالنصّ أو الدعوة إلى نفسه. وقال باقي المسلمين : الطريق إنّما هو النصّ أو اختيار أهل الحلّ والعقد.
والدليل على ما ذهبنا إليه وجهان:
الأوّل : أنّا قد بيّنا أنّه يجب أن يكون الإمام معصوما ، والعصمة أمر خفي لا يعلمها إلّا الله تعالى ، فيجب أن يكون نصبه من قبله تعالى ؛ لأنّه العالم بالشرط دون غيره.
الثاني : أنّ النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ كان أشفق على الناس من الوالد على ولده حتّى أنّه ـ عليه السلام ـ أرشدهم إلى أشياء لا نسبة لها إلى الخليفة بعده ، كما أرشدهم في قضاء الحاجة إلى امور كثيرة مندوبة وغيرها من الوقائع ، وكان ـ عليه السلام ـ إذا سافر عن المدينة يوما أو يومين استخلف فيها من يقوم بأمر المسلمين ، ومن هذه حاله كيف ينسب إليه إهمال أمّته ، وعدم إرشادهم في أجلّ الأشياء وأسناها وأعظمها قدرا ، وأكثرها فائدة وأشدّهم حاجة إليها وهو المتولي لامورهم بعده ، فوجب من سيرته ـ عليه السلام ـ نصب إمام بعده والنصّ عليه وتعريفهم إيّاه وهذا برهان لميّ (2).
هذا كلّه ما يقضيه الدليل العقلي والاعتبار ، وتؤيده الأخبار والروايات منها : ما عن الرضا ـ عليه السلام ـ في ضمن حديث «أنّ الإمامة أجلّ قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا إماما باختيارهم» الحديث (3).
ومنها : ما عن الصدوق عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ يقول : «أترون الأمر إلينا نضعه حيث نشاء كلا والله ، إنّه لعهد معهود من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى رجل فرجل حتّى ينتهي إلى صاحبه» (4) ، وغير ذلك من الروايات.
وبالجملة فهو من المسلّمات عند الشيعة في الإمام المعصوم ، ومن المعلوم أنّ مع التعيين والتشخيص من جانب الله لا مورد لاختيار الناس ، ثم لا يخفى أنّ التنصيص أحد الطرق التي يعرف الإمام بها لإمكان المعرفة بالإمامة من إقامة المعجزة مع دعوى الإمامة ، ولذا صرّح الميرزا القمّي ـ قدس سره ـ بذلك حيث قال : إنّ الإمام إذا ادعى الإمامة ، وأقام على طبقها المعجزة دلّ ذلك على حقّيته كما مرّ في النبوّة (5) ، بل ظاهر الكلمات أنّ الإمام يعرف بالأفضلية في الصفات ، فإنّ تقديم المفضول على الأفضل قبيح ، فهو طريق ثالث للمعرفة بالإمام كما صرّح به المحقق القمّي أيضا فراجع ، والمحقق اللاهيجي في كتاب سرمايه إيمان (6).
_____________
(1) كتاب العقائد الحقّة : ص 18.
(2) شرح تجريد الاعتقاد : ص 366 الطبع الحديث.
(3) الأصول من الكافي : ج 1 ص 198.
(4) ولاية الفقيه : ج 1 ص 392 ، نقلا عن بحار الأنوار : ج 23 ص 70.
(5) اصول دين : ص 37.
(6) أصول دين : ص 125.
الاكثر قراءة في الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة