تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
حياة العلامة السيد الطباطبائي
المؤلف: الشيخ عارف هنديجاني فرد
المصدر: علوم القرآن عند العلامة آية الله السّيّد محمد حسين الطّباطبائيّ (قده) «دراسة مقارنة»
الجزء والصفحة: ص 42 - 64 .
10-11-2020
8352
أولاً : اسمه ونسبه
هو السيد محمد حسين ابن السيد محمد ابن السيد محمد حسين الميرزا علي أصغر شيخ الاسلام بن الميرزا محمد تقي القاضي بن الميرزا محمد القاضي بن الميرزا محمد علي القاضي بن الميرزا صدر الدين محمد بن الميرزا يوسف نقيب الأشراف بن الميرزا صدر الدين محمد بن مجد الدين بن السيد إسماعيل بن الأمير علي أكبر الشهير بمير شاه بن سراج الدين الأمير عبد الوهاب بن الأمير عبد الغفار بن السيد عماد الدين أمير الحاج بن فخر الدين حسن بن كمال الدين محمد بن السيد حسن بن شهاب الدين علي بن عماد الدين علي بن السيد حمد بن السيد عماد الدين بن أبي الحسين علي الشهاب بن أبي الحسن محمد الشاعر بن أبي عبد الله أحمد الشاعر بن أبي جعفر محمد الأصغر بن أبي عبد الله أحمد بن إبراهيم طبطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) وابن فاطمة بنت الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) (1) . ويُلقب بالحسني ، الحسيني ، والطباطبائي (2) .
ثانياً : حياته ونشأته الدراسية
أ - حياته ونشأته الدراسية
ولد في 29 ذي الحجة 1321هـ/1903م ، في مدينة تبريز ، وقد اشتهرت أسرته منذ القدم بالفضل والعلم والرياسة ، وكانت سلسلة أجداده الأربعة عشر الماضين من العلماء المعروفين فيها ، توفيت والدته وعمره خمس سنوات ، وتوفي والده عندما بلغ التاسعة من عمره ، وفي هذه السن ، ذهب إلى المدارس لتعلم القراءة والكتابة والقرآن الكريم والكتب الفارسية المتعارف عليها في ذلك الوقت ، كما تعلم فن الخط عند الأستاذ الميرزا علي النقي ، ثم باشر بعد ذلك دراسة اللغة العربية والأدب العربي ، وأنهى مرحلة السطوح عند الأساتذة المعروفين في مدينة تبريز . «قال في ترجمته نفسه : ولدت في أسرة علمية بمدينة تبريز وقد حازت شهرة علمية منذ زمن بعيد في ذلك البلد ، وفقدت أمي في الخامسة من عمري وأبي في التاسعة منه ، فذقت بذلك ألم اليتم وأحسست به منذ صباي ، ولكن الله قد منَّ علينا بيسر في المعيشة والمال . . . وبعد شطر من عمرنا ذهبنا إلى المدرسة وبإشراف معلم خاص كان يأتي إلى بيتنا كل يوم ، وقد بدأنا بدراسة اللغة الفارسية وآدابها ، وبعد ست سنوات متتالية فرغنا من تعلمها ومن الدراسات البدائية للأطفال . في تلك الأيام لم يكن للدراسات البدائية المدرسية برنامج خاص بل يتهيأ للطالب عند وروده المدرسة ، وكل أحد يتعلم حسب ذوقه واستعداده للدراسة ، وقد انتهيت من تعلم القرآن الكريم الذي كان يدرس قبل كل شيء ومن ثم من كتاب كلستان وبوستان لسعدي الشيرازي ونصاب الصبيان وأنوار سهيلي وأخلاق مصور وتاريخ معجم ومنشآت أمير نظام وإرشاد الحساب ، وهكذا تمت دراستنا في الدور الأول في تعلم الأطفال» (3) .
في عام 1344هـ ، هاجر إلى النجف الأشرف ـ عاصمة العلم في ذاك الزمان ـ لإكمال دراسته الحوزوية ، وبقي هناك عشر سنوات يحضر دروس الفقه والأصول عند العلماء الكبار آنذاك ، فحضر دورة كاملة في بحث أُصول الشيخ محمد حسين الأصفهاني ، التي استمرت ست سنوات ، وحضر أبحاثه الفقهية أيضاً ، كما حضر بحث فقه الميرزا النائيني لمدة ثماني سنوات ، ودورة كاملة في علم الأصول ، وبعض أبحاث السيد أبي الحسن الأصفهاني (4) .
درس الفلسفة الاسلامية على يد الفيلسوف السيد حسين البادكوبي لمدة ست سنوات ، وقرأ عنده المنظومة للحكيم المولى هادي السبزواري ، «والحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة» ، و«المشاعر» لمجدد الفلسفة الإسلامية صدر الدين الشيرازي ، ودورة كاملة لكتاب الشفاء لابن سينا ، وكتاب أثولوجيا ، وتمهيد القواعد لابن تركه الأصفهاني ، والأخلاق لابن مسكويه ، وقد حثه أستاذه السيد البادكوبي على دراسة الرياضيات لتقوية العقل الفلسفي والبرهاني لديه ، فدرس الرياضيات على يد علامة زمانه في ذلك العلم أبي القاسم الخوانساري ، حيث درس الهندسة والجبر إضافة إلى دورة كاملة في الرياضيات القديمة من «الأصول» لأقليدس إلى «المجسطي» لبطليموس .
أما في السير والسلوك والعرفان العلمي ، فقد تتلمذ على يد نابغة زمانه العارف الكامل الميرزا علي القاضي (قده) . وقد نال السيد محمد حسين الطباطبائي في هذه الفترة الوجيزة (إحدى عشرة سنة) درجة الاجتهاد ، فحصل على إجازة الاجتهاد والرواية من المحقق العلامة النائيني ، وإجازة الرواية من عدد من الأعلام (5) .
في عام 1354هـ ، عاد السيد الطباطبائي إلى تبريز برفقة أخيه السيد محمد حسن نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي طرأت على حياته ، ومارس التدريس فيها لفترة عشر سنوات ، وقد كانت تلك الفترة الزمانية من أصعب المراحل التي مر فيها السيد الطباطبائي من الناحية المادية والروحية ، حيث اضطر إلى ترك الدرس والتدريس ، وعمل في الفلاحة والزراعة لتأمين معاشه . يعبر السيد الطباطبائي عن هذه المرحلة بقوله : «ثم اضطررت إلى العودة إلى الوطن إثر تدهور الأوضاع الاقتصادية ونزلت بمدينة تبريز مسقط رأسي وأقمت بها مدة أكثر من عشر سنين ، ففي الحقيقة كانت تلك الأيام أياماً تعيسة في حياتي ، لأني بسبب الحاجة الماسة للإعاشة ولأمرار شؤون الحياة انشغلت عن التفكر والدراسة واشتغلت بالفلاحة والزراعة ، وكنت أشعر بخسارة روحية عندما كنت هناك وكان يسود البؤس نفسي ويظلني غمام الألم والضجر ، بسبب انشغالي عن الدراسة والتفكير» (6) .
ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية وما نجم عنها من استقرار القوات الروسية في مقاطعة آذربيجان ، وتحسن وضعه الاقتصادي ، وجد السيد الطباطبائي في هذه الظروف عوامل مشجعة لاستئناف الحياة العلمية من جديد ، فهاجر إلى قم المقدسة عام 1365هـ ، وبدأ بتدريس علم التفسير والفلسفة والعلوم العقلية ، وهي علوم لم تكن تدرس من قبل في الحوزة ، وذلك جنباً إلى جنب مع العلوم الأخرى مثل الفقه والأصول . وتعد هذه الفترة من حياته زاهرة بالعطاء والإنتاج في التدريس والتربية والتأليف ، فقد شرع منذ سنة 1368هـ بتدريس الأخلاق والعرفان ، ثم بتدريس رسالة السير والسلوك المنسوبة للعلامة بحر العلوم ، ولقد كان يحضر درسه المئات من الطلاب ، وبرز منهم العلماء الكبار الأفذاذ (7) ، أشهرهم : الشهيد الأستاذ مرتضى المطهري ، وآية الله جوادي آملي ، والأستاذ محمد تقي مصباح اليزدي ، والشيخ أنصاري شيرازي ، والدكتور مفتح ، وغيرهم (8) .
ب - أساتذته
تلقى العلامة الطباطبائي علومه على مجموعة من كبار الأستاذة الأفاضل ، بحيث أن كل واحد منهم نبغ في علم أو أكثر ، نذكر منهم الشيخ محمد حسين النائيني ، درس على يديه أصول الفقه وأنهى عنده دورة كاملة ، والشيخ محمد حسن الكمباني في الفقه والأصول ، والسيد حسين البادكوبي في الفلسفة ، تتلمذ على يده ست سنوات ، وكان له أثر كبير على شخصيته العلمية ، لا سيما المنحى العقلي لديه ، ومن أساتذته أيضاً السيد أبو الحسن الأصفهاني في الفقه ، حيث درس عنده عدة سنوات ، والميرزا علي القاضي الطباطبائي في الأخلاق والسير والسلوك ، الذي كان له تأثير عميق على شخصية الطباطبائي ، فقد استلهم من منهجه أسلوب تفسير القرآن بالقرآن بالإضافة إلى فقه الحديث . وحصل على إجازة في الاجتهاد من الميرزا النائيني وإجازات في الرواية من الشيخ عباس القمي وآية الله حسين البروجردي ، وتتلمذ أيضاً على الشيخ الكوهكمري ، والسيد أبو القاسم الخونساري ، والميرزا علي الأيرواني ، والشيخ علي أصغر الملكي .
يقول السيد الطباطبائي عن الفترة التي قضاها في الدراسة في النجف الأشرف على يد جماعة من العلماء والمراجع الكبار : «واستكمالاً لدراساتي الاسلامية ذهبت إلى النجف الأشرف فحضرت درس الأستاذ آية الله الشيخ محمد حسين الأصفهاني ، ودرست خارج أصول الفقه لمدة ست سنوات متتالية ، وفي أثناء تلك الفترة كنت أحضر الدراسات العالية في التشريع الاسلامي والفقه الشيعي لشيخنا آية الله النائيني وأكملت عند سماحته أيضاً دورة كاملة خارج أُصول الفقه لمدة ثماني سنوات ، وفي الرجال تتلمذت في : كليات علم الرجال على المرحوم آية الله الحجة الكوهكمري . كان أستاذي في الفلسفة الاسلامية ، وهو حكيم الإسلام السيد حسين البادكوبي وقد تتلمذت على سماحته في منظومة السبزواري والأسفار والمشاعر للملا صدرا ، والشفاء لابن سينا ، وكتاب أثولوجيا لأرسطو ، والتمهيد لابن تركه . والأخلاق لابن مسكويه . وقد كان الاستاذ البادكوبي يحبني كثيراً ويشرف بنفسه على دراستي وترسيخ جذور التربية في وجودي ، ومن ذلك كان يرشدني إلى مدارج الفكر وطرق الاستدلال ، حتى اعتدت بها في تفكيري ، ومن ثم أمرني أن أحضر درس العالم الفلكي السيد أبو القاسم الخونساري فقرأت معه : الرياضيات العالية دورة كاملة والعلوم الهندسية بكلا قسميها : المسطحة والفضائية والجبر الاستدلالي» (9) .
ج - تلامذة الطباطبائي
لقد امتاز العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي بدماثة الخلق ، فكان عاملاً رئيسياً في شد الطلاب إلى محاضراته القيمة ، إذ كان يحضرها المئات ، فنال الكثيرون منهم درجة الاجتهاد في الحكمة وأصبحوا قادرين على تدريسها (10) . ولقد درس على يديه جيل من الطلبة والأفاضل الذين نهلوا من علومه المختلفة ، وكان لهم دور بارز في تنمية العلوم العقلية التي كان العلامة يوليها اهتمامه ، نذكر منهم : الشهيد مرتضى المطهري ، الشهيد محمد حسين البهشتي ، الشهيد محمد مفتح الهمداني ، الشيخ علي القدوسي ، الشهيد محمد رضا السعيدي ، آية الله جوادي آملي ، الأستاذ محمد تقي مصباح اليزدي ، آية الله مكارم الشيرازي ، الشهيد مصطفى الخميني ، السيد عبد الكريم الأردبيلي ، العلامة السيد محمد حسين الطهراني الذي ألف كتاب مهر تابان حول شرح أحوال أستاذه العلامة الطباطبائي ، والشيخ أنصاري شيرازي .
د - مؤلفاته
للعلامة الطباطبائي مؤلفات كثيرة باللغتين العربية والفارسية ، منها ما ألفه في النجف الأشرف ، ومنها ما ألفه في تبريز ، ومنها ما ألفه في قم المقدسة ، ومؤلفاته هي :
1 ـ تفسير الميزان ويقع في عشرين جزءاً باللغة العربية ، وترجم إلى الفارسية والإنجليزية . وهو تفسير يجمع كل مناهج التفاسير ، حيث أن العلامة الطباطبائي جمع إلى جانب منهج تفسير القرآن بالقرآن منهج التفسير الروائي والفلسفي والتاريخي والاجتماعي (11) .
2 ـ مبادىء الفلسفة وطريقة المثالية ، مع شرح وهوامش للعلامة الفيلسوف الشهيد مرتضى المطهري .
3 ـ بداية الحكمة ، ونهاية الحكمة .
4 ـ شرح الأسفار لصدر الدين الشيرازي ، في ستة مجلدات .
5 ـ حوار مع الأستاذ هنري كوربان في مجلدين .
6 ـ رسالة في الحكومة الاسلامية ، طبعت بالعربية والفارسية والألمانية .
7 ـ رسالة في القوة والفعل .
8 ـ رسالة في إثبات الذات .
9 ـ رسالة في الصفات .
10 ـ رسالة في الأفعال .
11 ـ رسالة في الوسائط .
12 ـ الإنسان قبل الدنيا .
13 ـ الإنسان في الدنيا .
14 ـ الإنسان بعد الدنيا .
15 ـ رسالة في النبوة .
16 ـ رسالة في الولاية .
17 ـ رسالة في المشتقات .
18 ـ رسالة في البرهان .
19 ـ رسالة في المغالطة .
20 ـ رسالة في التحليل .
21 ـ رسالة في التركيب .
22 ـ رسالة في الاعتبارات .
23 ـ رسالة في النبوة والمنامات .
24 ـ منظومة في رسم خط النستعليق .
25 ـ علي والفلسفة الإلهية .
26 ـ القرآن في الإسلام .
27 ـ الشيعة في الإسلام .
28 ـ المرأة في الإسلام .
29 ـ سنن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
30 ـ الإسلام الميسر .
31 ـ حاشية الكفاية .
هذا فضلاً عن التعليقات والمقالات المتعددة التي كانت تنشر في المجلات العلمية آنذاك .
ولعل من أهم آثار العلامة ومؤلفاته هو كتابه الميزان في تفسير القرآن ، ويعتبر من التفاسير القيمة لهذا العصر ، فقد خدم هذا التفسير المجتمع الإسلامي ، كما خدمت التفاسير القيمة القديمة المسلمين ، بتناسبها وتلازمها مع العلوم والفلسفة حينئذ ، لفهم معاني القرآن في العصور السالفة . لقد اتخذ العلامة نهجاً خاصاً في تفسيره هذا إذ يبتني على نص الحديث ، وهو تفسير القرآن بالقرآن (12) .
هـ - وفاته
بقي العلاّمة الطباطبائي في مدينة قم حتى وافته المنيّة في الساعة التاسعة صباحاً من يوم الأحد المصادف 18 محرم الحرام سنة 1402هـ ، وشيّع تشييعاً مهيباً بعد إعلان الحداد الرسمي ، وقد ووري جثمانه الطاهر الثرى في أحد جوانب مرقد السيدة الطاهرة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى الكاظم (عليهما السلام) . ويذكر العلاّمة السيد محمد حسين الحسيني الطهراني عن أحوال السيد الطباطبائي في أواخر أيام حياته : «كانت حال أستاذنا العلاّمة تسوء يوماً بعد يوم ، وفي أواخر أيامه نقلوه إلى المشفى ، حيث بقي هناك مدة أُسبوع ، وفي اليومين الأخيرين فقد وعيه بالكامل . عندما خرج من المنزل قال لزوجته : أنا لن أعود» (13) ! .
ثالثاً : مكانته بين أقرانه
اتصف العلامة الطباطبائي منذ صغره بالفطنة والذكاء ، فظهرت عليه ملامح النبوغ منذ نعومة أظافره ، فكان محباً للعلم والمعرفة والحكمة ، وهو الذي يقول : «وطالما قضيت الليل في القراءة خاصة في فصلي : الربيع والصيف حتى تطلع الشمس وأنا مشغول بالمطالعة ، وكم معضلة حلت لي خلال مطالعاتي وكنت أقرأ درس الغد قبل مجيء يومه فلا تبقى لي مشكلة عندما أواجه الأستاذ» (14) .
لا شك أن العلامة السيد الطباطبائي بلغ من الكمال ما لم يبلغه أحد من أقرانه ، بحيث يمكن القول أنه بلغ كمالات في الكثير من أبعاده الشخصية الوجودية والحياتية والفكرية والروحية ، في حين أن كثيراً من أقرانه بلغوا كمالات في جوانب محددة ، فمنهم من نبغ بالفقه والأصول ، ومنهم من اجتهد في الأخلاق والعرفان ، وآخرون بعلم الكلام ، لكن العلامة الطباطبائي نبغ في شتى العلوم الدينية الإسلامية . يقول العلامة الطهراني في هذا المجال : «لقد بلغ أستاذنا العلامة الطباطبائي مبلغ الكمال في العناصر الثلاثة جميعاً ، بل حاز بين الأقران على المرتبة الأولى . فمن جهة كمال القوة العقلية والحكمة النظرية ، ثمّ اتفاق على ذلك بين الصديق والعدو ، وقد كان في ذلك ممن لا نظير له في العالم الإسلامي . وأما من جهة كمال القوة العلمية والحكمة العلمية والسير الباطني في المدارج ومعارج عوالم الغيب والملكوت ، والبلوغ إلى درجات المقربين والصديقين ، فقد كان صمته عن ذلك وسكوته عنه ، وإطباق شفتيه عليه حتى في حياته ، مما لا يسمح لنا أن نكشف الستار عن أكثر من ذلك في هذه المرحلة ، لا سيما وأنَّه كان يعتبر كتمان السر من أعظم الفرائض . وأما من جهة الشرع ، فقد كان فقيهاً مشرعاً ، بذل سعيه بتمام معنى الكلمة في رعاية السنن والآداب ، ولم يكن يتوانى عن الالتزام بأداء أقل المستحبات ، وكان ينظر بعين التعظيم والإجلال والتبجيل لأولياء الشرع المبين» (15) .
لقد سطع نجمه بعد فترة صغيرة من شروعه بتدريس الفلسفة في قم ، فاحتل مكانة لائقة بين جموع العلماء ، وتحلق حوله عدد كبير من الطلاب ، وأصبح أحد الأعلام والمدرسين الكبار ، ومن أركان الحوزة العلمية في قم ، يحضر درسه ويستفيد من علومه جمع كثير من مختلف الطلاب (16) . «وغدا قدوة حقيقية للمعلم ، وأسوة للطلبة في تجسيد الإنسانية في أبعادها التربوية والسلوكية والأخلاقية ، بالإضافة إلى إحياء السنن الالهية قولاً وعملاً ، إذ استطاع أن يجسد روح الشريعة المقدسة بسلوكه الذي أحيا به غير واحدة من السنن» (17) .
يقول آية الله الحاج الشيخ محمد تقي الآملي في مكانة العلامة الطباطبائي بين أقرانه من التلامذة : «إن كان ينبغي للمرء أن يصل إلى مرحلة معينة ويخطو خطوة ما في ظل رعاية وتربية كاملة ، فإنني لا أرى بالنسبة لكم من هو أفضل من سماحة السيد الطباطبائي ، فعليكم بالتردد عليه أكثر ، فإنه والمغفور له السيد أحمد الكربلائي الكشميري كانا الأفضل من بين تلامذة المغفور له السيد القاضي ، وكان للسيد الطباطبائي في ذلك الوقت الكشفيات الكثيرة» (18) .
ومما لا شك فيه أن نبوغ العلامة الطباطبائي في الفلسفة وتبحره فيها ميزته عن جميع أقرانه ، فغدا «من كبار أساطين العلم والفلسفة في الهيئة العلمية» (19) . فقد برز عالماً متبحراً في فلسفة الشرق ، بحيث لم يجاره أحد في هذا المجال ، «ولا يختلف الصديق والعدو في أن العلامة المرحوم كان المتخصص الوحيد في فلسفة الشرق في العالم كله . وقيل : إن أميركا قد عرفته قبل ثلاثين سنة بأفضل مما عرفه الإيرانيون» (20) . ينقل تلميذه السيد الطهراني أن الولايات المتحدة الأمريكية طلبت من شاه إيران (محمد رضا بهلوي) أن يدعو السيد الطباطبائي ليتولى مهمة تدريس فلسفة الشرق في جامعاتها ، وقد نقل الشاه طلب الولايات المتحدة الأمريكية إلى زعيم الحوزة العلمية في قم المقدسة آية الله العظمى السيد البروجردي ، وربما كان الطلب إلى زعيم الحوزة من باب الضغط المعنوي لحمل العلامة الطباطبائي على القبول من خلال المرجعية ، لكنه أجاب بالرفض (21) .
والحق أنَّه ليس من السهل إبراز الأبعاد العلمية والفلسفية والفكرية عند العلامة الطباطبائي وتحليلها بصورة كافية ، كذلك من الصعب تدوين السيرة الفلسفية والعلمية لهذه الشخصية ، لأن أفكاره الفلسفية تشهد في أعماقها خشوع عباد الله الخلص ، وتتجلى في جميع أركان شخصيته العبادية بصائر علمية عميقة ، ويصدق عليه التعبير الرفيع للمحقق الطوسي (قده) في «شرح الإشارات» : كان وافر الحظ من نقاء السريرة واستقامة السيرة معاً ، وهذان شرطان لتحصيل الحكمة ، هذا بالإضافة إلى الجهود الذاتية التي أخذت جل أوقاته في التحصيل والتمحيص وتربية النفس ، حتى استحق وبحق أن يكون من زمرة أولياء الله الذين «بهم عُلِمَ الكتاب وبه علموا» كما في نهج البلاغة (22) .
رابعاً : مكانته العلمية والاجتماعية
كان العلامة السيد الطباطبائي واحداً من أولئك الأفذاذ الذين عزّ نظيرهم ، وقلّما يجود الزمان بمثلهم ، فلقد عم خبره وجرت ينابيع الحكمة والمعرفة على لسانه وقلمه . وما أروع ما يصف به تلميذ استاذه حيث يقول الطهراني : «لقد كان سماحة العلامة آية عظيمة ، ليس فقط في الفلسفة والإحاطة بتفسير القرآن الكريم ، وليس فقط في فهم الأحاديث وإدراك معناها ومرادها سواء الروايات الأصولية أم الفرعية ، وليس فقط من الناحية الجامعية والشمولية بالنسبة لسائر العلوم وإحاطته بالمعقول والمنقول ، بل وأيضاً من ناحية التوحيد والمعارف الإلهية والواردات القلبية والمكاشفات التوحيدية والمشاهدات الإلهية القدسية ومقام التمكين واستقرار التجليات «والجلوات» الذاتية في جميع عوالم النفس وزواياها» (23) . ويصف العلامة الشيخ جعفر سبحاني مكانة السيد الطباطبائي العلمية فيقول : «وكان المرحوم العلامة الطباطبائي ، أمّة لوحده ، نظراً للخدمات القيمة والآثار التي تركها ، وبعبارة أخرى ، أنه يعد فرداً من زاوية النظرة الظاهرية ، ولكنه من حيث الأعمال التي حصلت كان في عداد الأمم ، وفقدانه ، كان فقدان أمة وليس فرد» (24) .
لم يكن العلامة مجتهداً في العلوم العقلية والنقلية فحسب ، بل كان لديه سعة اطلاع واسعة ، فكتب حول القرآن والعرفان والكلام والبرهان ، فأحسن في كل ذلك وأجاد وأتقن وأفاد . كذلك كان أديباً وشاعراً ماهراً كتب القصائد الشعرية باللغتين العربية والفارسية ، وفناناً بارعاً بالخط ، فقد كان خطه جميلاً جداً ، وله منظومة في آداب الخطّ ضمّها إلى أحد مؤلفاته . يحدث الطهراني عن حسن خطه فيقول : «كان خطه على نسق «نستعليق» أي نسخ التعليق ، وهو خط فارسي معروف ، وفي الخط الفارسي «شكسته» من أجمل وأفضل ما خطه أساتذة فن الخط» (25) . ثم يضيف : «كان جامعاً للعلوم ، ولقد جمع بين العلم والعمل ، وجمع بين العلوم والكمالات الفكرية وبين الوجدانيات والأذواق القلبية وبين الكمالات العملية والبدنية ، وأحاط بالعلوم الغريبة ، كالرمل والجفر وعلم الاعداد والحساب ، وكان له فيها طرق مختلفة ومهارات عجيبة ، إضافة إلى علوم الجبر والمقابلة والهندسة ، أما في الأدب العربي والمعاني والبيان والبديع فقد كان استاذاً ، ناهيك عن الفقه والأصول والفلسفة» (26) .
كان العلامة الطباطبائي هادئاً وليناً في كلامه عند إلقاء الدروس ، ولا ينتهي من مطلب من مطالب الدرس إلاّ بعد أن يقوم بإشباعه بحثاً ، وبعبارات قصيرة من دون تشتيت لأذهان الطلاب بكثرة التفريعات ، ويقوم بشرح مطالب المادة على أساس الاستدلال والبرهان في إثبات العلوم النظرية مثل الفلسفة وما شابهها . أما بالنسبة إلى علاقته وسلوكه مع طلابه ، فيصور الطهراني حالته فيقول : «كان رجلاً بسيطاً وكبيراً وخلوقاً وطاهراً وعفيفاً ومثل أخ حنون ورفيق شفوق ، كان يأتي عصر كل يوم إلى الحجرة ويتناقش معنا حول مسائل القرآن المجيد والمعارف الإلهية إضافة إلى درسه الرسمي» (27) .
من الصعب بمكان الإحاطة بشخصية الطباطبائي التي جسَّدت بسلوكها كلَّ معاني التقوى والأخلاق الحسنة ، وحوت بفكرها أكثر العلوم والمعارف في زمانه . «تلك الشخصية التي تميزت بخصائصها الفردية التي جعلت منها محط أنظار طلاب العلم وعشاق الحقيقة ، ولقد اشتملت حياته على جوانب مضيئة كثيرة بحيث إن كل جانب من جوانب حياته يستحق دراسة مستقلة ، ففي جانب العلم وفضيلته العلمية ، فقد كان جامعاً لعلوم المعقول والمنقول ، فمع كونه كان فيلسوفاً بارعاً كان فقيهاً وأصولياً ومفسراً كبيراً» (28) .
ومما قاله عنه السيد علي الخامنئي : «لقد كان من الذين لا يمكن تربية أمثاله إلاّ في الحضن المبارك لعقيدة جامعة ، كالإسلام . كان وجهه المعنوي ، صورة صلبة لرجل قرن الإيمان الراسخ والعرفان الحقيقي بعلم واسع وعميق وأثبت أن الإسلام يمكنه أن يجمع الحرقة الباطنية لذوي القلوب المتحرقة المحبين مع العقل الراسخ للحكماء المهذبين وكان قد مزج سعيه وجهاده غير المتناهي ، الذي لا ينطفىء بهذا المزيج الإلهي . وفي أكثر العصور حساسية في حياة الإسلام والتشيع ، قام بالدفاع عن حرم المعنوية الإسلامية والحكمة والمعرفة الإلهية واستخراج المفاهيم الاجتماعية الإسلامية الجميلة من آيات كلام الله ، وقام بعرض كامل وجامع للإسلام ، وكان مدافعاً ثابتاً عن قيم الثقافة الإسلامية أمام البساط الخادع للعقائد التي هاجمت هذه الثقافة بالاستفادة من أنواع الأساليب وقد انفصلت بالتدريج علاقة القلوب والعقول عن ينبوعه العذب في بعض أجزاء المجتمع . وكان يعد من أسطع الجواهر في مائدة المتاع القيمة في الحوزة العلمية في قم وكان يعطي تلك المدرسة الإسلامية المباركة قيمة ولم ينحصر في تلك الحوزة بل راح يجسد ويبرز حضوره أكثر بالتدريج في جميع الحوزات العلمية وفي جميع الأوساط الإسلامية وفي دائرة واسعة من المجتمع وكانت المعارف التي تخرج من لسانه وقلمه وتطبع على صفحات القلوب والأوراق ، تنتشر من خلال مئات وآلاف الألسن ومئات وآلاف الكلمات في كل مكان وكان يعلّم الجميع العلم والمعرفة (29) .
كان العلامة بسيطاً متواضعاً في جميع شؤون حياته ، فكان يعيش في مسكن متواضع ، وكان يلبس القماش العادي ، ومما يؤثر عنه ، أنه لم يعتمد طول حياته في تيسير أُموره المعاشية على الحقوق الشرعية ، بل كان يعتمد في سد احتياجاته على واردات قطعة أرض زراعية صغيرة ورثها عن أجداده في تبريز ، بالإضافة إلى حقوق مؤلفاته وقد كان مديوناً لسنوات عديدة (30) . وتصف ابنته السيدة نجمة السادات أخلاقه وسلوكه فتقول : «كانت له أخلاق وسلوك محمديّة لم يكن ينفعل ولا يغضب أبداً ، كما أني لم أسمعه يتحدث بصوت عال في أي وقت من الأوقات ، ولكن في الوقت الذي كان فيه ليناً في طبعه وخلقه كان حاسماً وحازماً أيضاً (31) .
ينقل العلامة المفسر الشيخ قراءتي في تواضع السيد الطباطبائي : «عندما كان السيد العلامة الطباطبائي يتشرف بزيارة مشهد ، ويصلي في الصحن الرضوي الشريف ، كان يقف في الصفوف الأخيرة بين آلاف المصلين ، في حين أن الآلاف من العوام يقفون أمامه ، والذين بحسب الظاهر صلاتهم صحيحة ، لكن قراءتهم للسورة والحمد غير صحيحة» (32) . وقد سئل العلامة يوماً ، وكان في إحدى زياراته لمرقد الإمام الرضا (عليه السلام) في مدينة مشهد المقدسة : هل تقبل الضريح كعامة الناس؟ فرد قائلاً : «ليس الضريح وحده ، بل ألثم الأرض والخشب في الحرم ، وكل ما يرتبط بالإمام» (33) .
ومن شدة تواضعه ، قال له الطهراني يوماً : «إن هذه الدرجة من الأدب والدقة والرعاية فيكم جعلتنا بلا أدب! فهلا فكرتم بحالنا» (34) . وكان البعض يسأل السيد العلامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان عن مسائل ، فيقول : إذا قلت لست أعلم فهل يوجد إشكال؟ قالوا : لا ، فيقول : «لست أعلم» (35) .
لقد كان يملك روحاً عظيمة عز نظيرها ، لقد تناهى إلى سمعه ، أن أحد الأشخاص كتب كتاباً مخالفاً لكتاب تفسير الميزان ، وأن هناك انتقادات حول «الميزان» ، لكن العلامة السيد الطباطبائي ، عندما نقلوا إليه القصة ، مرر يده على لحيته البيضاء ثم تبسم وقال : «جيد جداً» من دون أي غضب أو عصبية (36) .
وأما مع أساتذته ، فقد كان شديد التواضع والاحترام ، وبالخصوص أستاذه في الأخلاق آية الله القاضي الطباطبائي ، كما كان متواضعاً مع طلابه ، حيث كان يرفض أن يناديه طلابه بكلمة أستاذ ، وكان يقول : أنا وأنتم عبارة عن مجموعة جئنا إلى الدرس لغرض العمل سوية ، للتعرف على حقائق الإسلام . ويذكر أنّه ـ ولمدة أربعين سنة ـ لم ير في مجلس مستنداً إلى وسادة أو ما شابه ويجلس بعيداً قليلاً عن الحائط ، وبكل أدب أسفل الداخلين والضيوف (37) .
لقد ملأ اسم الطباطبائي الآفاق ، بحيث «ذاعت شهرته في إيران بعد أن هاجر إلى قم ، وكان لمحاضراته في الحوزة العلمية أثراً بليغاً في طلابها ، ويمكن القول بأنه أسس مدرسة جديدة في التربية وعلم الأخلاق فقدم للمجتمع نماذج تتصف بأخلاق إسلامية عالية ، وكان يؤكد كثيراً على ضرورة تلازم التعاليم الإسلامية مع التربية المدرسية ويعتبرها من المسائل الأساسية في المعارف الإسلامية» (38) . كان من المقرر أن يحضر درسه الأول عدد قليل من الطلبة ، لكن خبر وصول ذاك الاستاذ العالم بالرياضيات والفلسفة والفقه والأصول وتفسير القرآن القادم من تبريز تناقلته الألسن ، فحضر درسه أكثر من مائة طالب حوزوي (39) .
اكتسى حضور العلامة الطباطبائي إلى قم أهمية خاصة في تبلور تلك النهضة الفكرية القوية التي شهدتها في النصف الثاني من القرن العشرين ، وإشعال جذوتها ، حيث شرع بتدريس تفسير القرآن والأخلاق ، وهذا ما عبّر عنه بقوله : «حين جئت إلى قم ، وفكرت بشأن المجتمع الإسلامي ، فلم أر ذلك التناسب بين تلك الحاجة وما كان موجوداً . كان مجتمعنا بحاجة إلى معرفة القرآن بشكل صحيح ، بوصفه مجتمعاً اسلامياً ويستفيد من كنوز علوم هذا الكتاب الإلهي العظيم ، ولكن لم يكن هناك في الحوزات العلمية حتى درس رسمي واحد لتفسير القرآن . كان مجتمعنا يحتاج إلى قوة استدلال عقلي من أجل أن يتمكن من عرض عقائده في مقابل عقائد الآخرين ويدافع عنها . كان يجب أن يتصف العلماء بوصفهم شريحة من المجتمع تتولى القيادة المعنوية للناس بالفضائل الأخلاقية والتعرف على الرموز المعنوية ولم يكن موجوداً هذا التعليم والتربية المعنوية والأخلاقية إلاّ في أماكن متفرقة ولأشخاص نادرين . فلم تكن تدرس الفلسفة والمعقول ولا تفسير القرآن ولا سائر أقسام الكتاب والسنة . فرأيت من اللازم علي أن أبدأ في الحوزة بدرس تفسير القرآن ودرس الأخلاق» (40) .
ولم تكن الفلسفة أحسن حالاً من التفسير ، ولئن كان التفسير درساً قليل المنزلة في عُرف البعض ، فإن الفلسفة كانت تواجه العقبات ، وما إن باشر السيد الطباطبائي بتدريس الفلسفة وجعل مادة درسه كتاب الأسفار ، انطلاقاً من تشخيصه لمسؤولياته والدور الذي ينبغي القيام به في مواجهة النزعات المادية التي غدت تغزو المسلمين ، والفلسفات الغربية التي انبهر بها أبناؤهم ، حتى برزت جهود تحاول إيقافه ، حيث أوغر البعض صدر آية الله البروجردي وأخذوا يقربون إليه فكرة تعطيل هذا الدرس المهم الذي كان يحضره مئة طالب ، وفجأة أبلغ السيد الطباطبائي بخبر قرار قطع رواتب الطلبة الذين يحضرون عنده ، وهنا أخذت الحيرة منه مأخذاً كبيراً ، بين الاستمرار في الدرس وما يترتب على ذلك من سلبيات كبيرة ، وبين تعطيله الذي يعني تعطيل الوظيفة الإسلامية . وفي هذه الأثناء ، أرسل آية الله البروجردي موفداً عنه إلى السيد الطباطبائي مع رسالة تحريرية يذكر فيها أن سماحته ـ أي السيد البروجردي ـ كان يدرِّس الأسفار في أصفهان مع زملاء خفية ، وأن طرح مثل هذا الدرس بشكل علني أمر لا مصلحة فيه ، وبعد قراءته للرسالة ، أجاب السيد الطباطبائي عليها شفهياً للموفد ، بأنه ليس عاجزاً عن تدريس الفقه والأصول ، وأنه جاء من تبريز إلى قم لتصحيح ما تسرب إلى أذهان الطلبة ولمواجهة الماديين وغيرهم ، وإن عصرنا الحاضر يختلف عن العصر الذي كانت تدرس فيه الأسفار بشكل خفي ، إذ لم تكن آنذاك فلسفات مضادة توجب إقحام الحوزة في العلوم العقلية ، وشفع هذه الإجابة برسالة تحريرية إلى آية الله البروجردي قال فيها : «إن مواصلتي لهذا الدرس نابعة من تشخيصي لمسؤولية شرعية لسدِّ نقص ضروري ألمسه داخل المجتمع الإسلامي ، ولكنني في الوقت نفسه ، ونظراً إلى أنني لا أجيز لنفسي مخالفة توصياتكم باعتباركم زعيم الحوزة وقائد المجتمع الشيعي ، فإنني ألزمت نفسي بالطاعة لما تصدرونه من حكم ، حتى لو أدّى ذلك إلى تعطيل الدرس ، وإني سأعتمد حكمكم مبرراً لي أمام الله تعالى للتخلي عن هذه الوظيفة التي شخّصتها ، أما إذا كان رأيكم غير هذا ، فإنني سأواصل الدرس» (41) .
وإثر هذه الرسالة المفعمة بالأخلاق الرفيعة وروح المسؤولية ، استجاب آية الله البروجردي لرغبته وأجازه بالاستمرار في درسه .
نذر السيد الطباطبائي حياته للعلم والمعرفة والتدريس والتأليف . «لقد قضى العلامة عمراً في خدمة الدين الحنيف ، والمجتمع الإسلامي ، فكان ـ ولا يزال مناراً لرواد الفضيلة والعلم ، فقد أنار الطريق للعديد ممن قرأوا مصنفاته ، وحضروا مجلسه ، فمنحهم روحاً علمية خالصة واتجاهاً فكرياً سليماً (42) .
ويمكن القول ، أن السيد الطباطبائي قد برع في شتى العلوم الدينية لا سيما التفسير ، فكان يمتلك قدرات استثنائية ، وموهبة خاصة ، وروحاً علمية فذة ، اعتمد عليها في هذا المجال . يقول الدكتور جعفر الباقري : «وأما العلماء الذين برزوا في مجال التفسير من هذا الكيان (أي الحوزات) وعلى رأسهم العلامة محمد حسين الطباطبائي صاحب تفسير الميزان ، فقد اعتمدوا على قدراتهم ومواهبهم الخاصة . . .» (43) .
وفي جانب آخر ، يؤكد العلاّمة في بحوثه نقطة مهمة ، وهي أن الدين والعقل لا يفترقان ، ويجب الرجوع إلى القرآن الكريم والوحي في الحالات التي تعجز فيها العقول عن التوصل إلى الحقائق ، ولذلك كان من اهتماماته : طرح تفسير جديد له يحرص على الأصالة ويتسم بالعصرية والعمق والاستيعاب في آن واحد ، وبشكل يناسب مكانة القرآن الكريم كمصدر وحيد وخالد لهداية الإنسان في الفكر والسلوك ، وهذا ما لحظه العلامة الطباطبائي في تفسيره «الميزان» الشهير ، وقد تميز هذا التفسير بأنه يختزن قوة علمية متعمقة في البحث ، مع السهولة واليسر والبعد عن التشدد ، والتخفف من المذهبية الخاصة إلى حدٍّ بعيد ، والرجوع إلى القرآن نفسه بتفسير بعضه ببعض ، والنأي به عن الأقوال التي لا تصح من الروايات الكثيرة المختلفة ، وعن الآراء التي ترجع إلى تأويل آياته حتى توافق نظراً علمياً ، أو تقليداً مذهبياً ، أو أصلاً كلامياً ، أو فلسفة خاصة ، أو تجديداً حديثاً . . . إلى غير ذلك مما تلحظه بعض التفاسير القديمة والحديثة . «وهو تفسير جامع حافل بمباحث نظرية تحليلية ذات صبغة فلسفية في الأغلب . جمع فيه المؤلف إلى الأنماط التفسيرية السائدة ، أُموراً مما أثارته النهضة الحديثة في التفسير ، فقد تصدى لما يثيره أعداء الإسلام من شبهات ، وما يضللون به من تشويه للمفاهيم الاسلامية ، بروح اجتماعية واعية ، على أساس من القرآن الكريم» (44) .
ومما قاله في بيان منهجه : «نفسر القرآن بالقرآن ، ونستوضح معنى الآية من نظيرتها بالتدبر المندوب إليه في نفس القرآن ، ونشخّص المصاديق ، ونتعرفها بالخواص التي تعطيها الآيات ، كما قال الله تعالى : ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النحل : 89] ، وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكل شيء ، ولا يكون تبياناً لنفسه ، وقال تعالى : ﴿ هُدىً لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة : 185] . وقال تعالى : ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً ﴾ [النساء : 174] .
وكيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقاناً ونوراً مبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ، ولا يكفيهم في احتياجهم إليه ، وهو أشد الاحتياج؟ وقال الله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت : 69] وأي جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه ، وأي سبيل أهدى إليه من القرآن !» (45) .
ومن أبرز مزايا هذا التفسير ، الجمع بين نمطي التفسير : الموضوعي والترتيبي ، وتفسير القرآن آية فآية وسورة فسورة ، إضافة إلى الجمع بين الآيات المتناسقة بعضها مع بعض ، لبحث الموضوع المشترك بينها ، كذلك العناية التامة بالوحدة الموضوعية السائدة في القرآن ، فلكل سورة هدف أو أهداف معينة ، فهي التي تشكل بنيان السورة . يضاف إلى ذلك «الوحدة الكلية» التي تحكم القرآن كله ، فهو يشتمل على روح كلية تسري في جميع آياته وسوره ، وتشكل حقيقة القرآن الأصلية . هذا بالإضافة إلى ما ذكر سابقاً من الاستعانة بمنهج «تفسير القرآن بالقرآن» الذي اعتمده صاحب الميزان العلامة الطباطبائي ، بحيث أنّه كان يرى أن غير القرآن لا يصلح لتفسير القرآن ، وكيف يكون القرآن تبياناً لكل شيء ولا يكون تبياناً لنفسه (46) ؟!
غاية القول : إنّ العلامة الطباطبائي غدا كالشمس المنيرة ، يفيض على من عاصره ومن جاء بعده علماً وحكمة وفلسفة وأخلاقاً ، قضى عمره في تحصيل العلوم وتدريسها ، وكان يملك مواهب خاصة وقدرات فكرية استثنائية ، وظفها في خدمة الدين الحنيف ، وترك آثاراً قيمة ستبقى الأجيال تنهل من معينها ، ويكفي تفسيره «الميزان» الذي عزّ نظيره بين كتب التفاسير . يقول الإمام الخامنئي في حق شخصية هذا العالم : «كان مجموعة من المعارف والثقافة الإسلامية ، كان فقيهاً ، حكيماً ، عارفاً بالتراث الفلسفي الشرقي والغربي ، كان مفسراً للقرآن ومطلعاً على العلوم الاسلامية أي العلوم المأخوذة من الإسلام : الأصول والكلام والأدب والنجوم والهيئة والرياضيات وبعض العلوم الأخرى» (47) .