حركة ابن الزبير
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج1، ص 108- 111
8-10-2020
2704
حركة ابن الزبير (١) تقدم بنا أن يزيد بن معاوية كتب الى واليه بالمدينة في عام ٦٠ هجرية ليأخذ له البيعة من المعارضين في المدينة، كما تقدم بنا أن الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير رأسا المعارضين واحتالا للخروج إلى مكة حتى إذا انتهيا اليها لم يلبث الحسين فيها إلا ريثما أعد عدته للخروج منها الى شيعته في الكوفة مستجيبا لدعوتهم التي لقي حتفه فيها.
أما ابن الزبير فقد ظل في مكانه من مكة .. ولما وافاه خبر مقتل الحسين رأى الفرصة سانحة للنهوض بفكرة كان قد طال عليها السكوت ؛ ولا نبعد كثيرا ونحن نسميها فكرة خاصة به فابن الزبير كان يحس احساسا عميقا بأهليته للخلافة من أول يوم أمره عثمان بن عفان على داره أيام الثورة ضده ولا يؤمره عثمان دون غيره من أصحاب الكفايات إلا وهو عارف مكانه من الكفاية الممتازة ، ولقد سكت ابن الزبير يوم ولى المسلمون عليا الخلافة ولكنه ما لبث أن انضم الى جيوش المعارضين من حزب خالته عائشة ، ثم سكت عندما تناقلت الأخبار أن جيوش الشام بايعت معاوية ورأى بقية الأمصار تنضم الى هذه البيعة بما فيها من أجلة قريش وكبار الصحابة وعند ما رأى معاوية يترضاه ويتودد إليه ويبالغ في التودد اليه : «مرحبا بابن عمة رسول الله وابن حواريه .. يا غلام احمل إليه مائة ألف وارفع الي بجميع حوائجه!!» (٢).
سكت كل هذه المدة الطويلة واقتصر نشاطه على العناية بأقار به وحاشيته وفتح داره الكبيرة ـ بجوار باب دريبة ـ لزواره وقاصديه وعقد المجتمعات التي كانت لا تخلو من المجاهرة بآرائه في الحكم القائم ونقداته التي كانت تقلق بال عامل الأمويين في مكة عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق.
وكان عمرو بن سعيد بن العاص تبلغه أنباء هذه المجتمعات ولكنه لا يملك إلا ان يتغافل لعلمه بمنزلة ابن الزبير من عامة الأهلين في مكة وما يتمتع به من جرأة نادرة المثال، كما أن معاوية في الشام كانت تصله أخبار ابن الزبير فيعالجها بحلمه ويقابلها بمعروفه وبره.
ومات معاوية وبويع ليزيد في عام ٦٠ الهجري فتوثب ابن الزبير للعمل في خطوته الأولى وئيدا إلا أن منافسه الحسين بن علي (عليه السلام) كان يحتل في مكة وأمصار الاسلام مركزا يطغى على منزلة ابن الزبير فلما وافاه خبر وفاة الحسين (عليه السلام) عام ٦١ ه نهض على قدميه ورفع صوته بالدعوة.
وحاول الأشدق والي مكة ليزيد أن يعالج الأمر في حرص وحذر وأن يحد بالمداراة نشاطه ، فبث العيون حول أنصاره ورتب الجواسيس ليحصوا حركات أتباعه وسن ما يشبه نظام مراقبة الأجانب اليوم فجهز مكة بمختصين يكتبون أسماء القادمين اليها ويتعرفون هويتهم فمن وجدوه ذا علاقة خاصة بابن الزبير يمنعونه من الدخول إلا أن محاولاته جميعا لم تفت في عضد ابن الزبير ولم تهن من عزيمته وجاءت أوامر يزيد بارسال ابن الزبير مقيدا فلم يستطع الأشدق عمل شيء أكثر من أن يرسل اليه سلسلة من فضة (3).
حملة لتأديب ابن الزبير:
وتناقلت الأخبار في هذه الأثناء حوادث بدء الاضطرابات في المدينة فأمر يزيد عمرو بن سعيد أن ينتقل الى المدينة فأناب عنه في مكة الحارث بن خالد المخزومي بعد أن أوصاه بالتيقظ لأعمال ابن الزبير فلم تنفع وصيته شيئا لأن ابن الزبير أبى أن يعير يقظة الولاة اهتماما وهو يشعر ببأسه في مكة واتفاق من فيها عليه (4).
وبدا ليزيد في هذا العام ٦١ تأديب ابن الزبير، فأرسل الى عمرو بن سعيد المنقول الى المدينة أن يجهز على ابن الزبير فجهز له جيشا من ألفي مقاتل أمر عليه عمر بن الزبير أخا عبد الله وأنيس بن عمر الأسلمي، فسار الجيش حتى عسكر بعضه في الأبطح وبعضه في ذي طوى فقابلهم ابن الزبير بجموعه وأبادهم ثم أسر أخاه عمر وكان ذلك في أواخر عام ٦١ وهي أول حملة تأديبية ضد ابن الزبير.
عصيان المدينة واباحتها:
ودخل عام ٦٢ ه والاضطرابات على حالها في المدينة ومكة وكان أهل المدينة قد كتبوا قبل ذلك إلى عبد الله بن الزبير يقولون. «أما إذ قتل الحسين فليس من ينازع ابن الزبير» ثم ما لبثوا أن اجتمعوا على خلع طاعة يزيد واخراج عامله فتطورت الأحوال في تلك السنة وانتهت بواقعة الحرة عام ٦٣ وفي واقعة الحرة سجل سيف يزيد الى جانب ما سجله في مقتلة الحسين مأساة جديدة تمثلت في أوامر يزيد باقتحام المدينة عنوة واباحتها لجنده ثلاثة أيام (5).
_______________
(١) عبد الله بن الزبير ولد في السنة الأولى للهجرة كان أبوه الزبير أحد حواري الرسول وكانت أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق وخالته عائشة كان معروفا من صغره بالشجاعة.
(٢) الكامل ٤ / ٢٦ وما بعدها.
(3) الكامل لابن الأثير ٣ / ٣٠٥
(4) المصدر نفسه والصفحة نفسها.
(5) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٩٨
الاكثر قراءة في يزيد بن معاوية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة