1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

التاريخ : التاريخ الاسلامي : الخلفاء الاربعة : ابو بكر بن ابي قحافة :

معركة اليرموك أم المعارك في فتح الشام

المؤلف:  علي الكوراني العاملي

المصدر:  قراءة جديدة للفتوحات الإسلامية

الجزء والصفحة:  ج1، ص377-403

3-8-2020

5778

معركة اليرموك أم المعارك في فتح الشام

أخذ هرقل يحشد قواته لمعركة اليرموك ، فانسحب المسلمون من حمص ، فقد خاف أبو عبيدة من المفاجأة ، فأمر بالإنسحاب من حمص إلى دمشق ، وبعد انسحابهم بفترة دخلت قوات الروم إلى حمص ، وأعادت احتلالها .

وقد أخبر المسلمون عمر بهذا التراجع ، فكتب إلى أبي عبيدة يلومه عليه : « بلغني خروجك من أرض حمص ، وترككم بلاداً فتحها الله عز وجل عليكم ، فكرهت هذا من رأيكم وفعلكم » . ( فتوح ابن الأعثم : 1 / 178 ) .

لكن العمل الرائع للمسلمين عند انسحابهم من حمص أنهم أرجعوا لأهلها ما كانوا أخذوه منهم من الجزية ، لأنهم لا يستطيعون أن يحموهم من العدو !

قال البلاذري في الفتوح / 103 : « حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال : بلغني أنه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لوقعة اليرموك ، ردوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج وقالوا : شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم ، فأنتم على أمركم . فقال أهل حمص : لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم . ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم .

ونهض اليهود فقالوا : والتوراة لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن نُغلب ونجهد ! فأغلقوا الأبواب وحرسوها .

وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود وقالوا : إن ظهر الروم وأتباعهم على المسلمين صرنا إلى ما كنا عليه ، وإلا فأنا على أمرنا ما بقي للمسلمين عدد . فلما هزم الله الكفرة وأظهر المسلمين ، فتحوا مدنهم وأخرجوا المقلسين ، فلعبوا ( رقصوا في استقبالهم ) وأدوا الخراج . وسار أبو عبيده إلى جند قنسرين وإنطاكية ففتحها » .

وروى الحموي في معجم البلدان ( 3 / 280 ) سبب تجميع هرقل جيشه في اليرموك ، فقال : « لما نصر الله المسلمين بفحل ، وقدم المنهزمون من الروم على هرقل بأنطاكية ، دعا رجالاً منهم فأدخلهم عليه فقال : حدثوني ويحكم عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم أليسوا بشراً مثلكم ؟ قالوا : بلى ، قال : فأنتم أكثر أو هم ؟ قالوا : بل نحن ، قال : فما بالكم ؟ فسكتوا ، فقام شيخ منهم وقال : أنا أخبرك أنهم إذا حملوا صبروا ولم يكذبوا ، وإذا حملنا لم نصبر ونكذب ، وهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويرون أن قتلاهم في الجنة وأحياءهم فائزون بالغنيمة والأجر . فقال : يا شيخ لقد صدقتني ولأخرجن من هذه القرية وما لي في صحبتكم من حاجة ولا في قتال القوم من إرب !

فقال ذلك الشيخ : أنشدك الله أن تدع سورية جنة الدنيا للعرب ، وتخرج منها ولم تعذر ، فقال : قد قاتلتم بأجنادين ودمشق وفحل وحمص كل ذلك تفرون ولا تصلحون ، فقال الشيخ : أتفر وحولك من الروم عدد النجوم ، وأي عذر لك عند النصرانية ؟ فثناه ذلك إلى المقام ، وأرسل إلى رومية وقسطنطينية وأرمينية وجميع الجيوش فقال لهم : يا معشر الروم إن العرب إذا ظهروا على سورية لم يرضوا حتى يتملكوا أقصى بلادكم ، ويسبوا أولادكم ونساءكم ويتخذوا أبناء الملوك عبيداً ، فامنعوا حريمكم وسلطانكم ، وأرسلهم نحو المسلمين ، فكانت وقعة اليرموك ، وأقام قيصر بأنطاكية ، فلما هزم الروم وجاءه الخبر وبلغه أن المسلمين قد بلغوا قنسرين خرج يريد القسطنطينية ، وصعد على نشز وأشرف على أرض الروم وقال : سلام عليك يا سورية ، سلام مودع لا يرجو أن يرجع إليك أبداً ! ثم قال: ويحك أرضاً! ما أنفعك أرضاً! ما أنفعك لعدوك لكثرة ما فيك من العشب والخصب! ثم إنه مضى إلى القسطنطينية» .

وقال ابن الأعثم في الفتوح : 1 / 172 : « قال : فعندها كتب هرقل إلى القسطنطينية وإلى رومية ، وعمورية ، ولهوانة ، واليعقوبية ، والسماوية ، والمسيحية وجماعة مدائن الروم ، فأمرهم بالمصير إليه . ثم كتب إلى أهل بيت المقدس ، وإلى قيسارية ، وإلى أهل أرمينية والجزيرة ، أن لا يبقى أحد منهم ممن أدرك الحلم وحمل السلاح وكان على دين هرقل إلا صار إليه ، فأجابته أهل دين النصرانية من جميع البلاد من أرض الشام وبلاد الشام ، وكور أرمينية ، وأرض الجزيرة ، فصار في خلق عظيم لا يحصيهم إلا الذي خلقهم .

ثم دعا بوزيره الأعظم واسمه ماهان فتوَّجه بتاج ، ووصله بمائة ألف درهم وضم إليه مائة ألف من خواص جيشه ، ومن الذين يعتمد عليهم ، ثم قال له :

إعلم يا ماهان أني اخترتك مقدماً على جميع أهل دين النصرانية ، فاعمل بما أوصيك به في حق أجنادك ، وعليك بالعدل فيهم ، والإشفاق عليهم ، والاحتراز من عدوهم ، والمسارعة لما يقر بهم من مقصدهم ، وعدم التشاغل عند الفرصة ، والتثبيت عند الحملة ، والجهد في صائب الرأي ، والحزم فيما يشكل من الأمور ، والعمل بما يقتضيه حكم كتابكم ، والوفاء بما يمكن فيه الصدق ، والعزم على ما يكون فيه الصواب ، واعلم بأن النصر مع الثبات والنجاة مع الميل إلى الحق ، وعليك بالعمل بما أوصيك به في الرجال أن توقر كبيرهم ، ولا تحقر صغيرهم وتكون لهم كالأب الشفيق ، واعلم أنه أحق بالذل من سمع وصايا الخير ولم يعمل بها ، وأنه لجدير أن يكون حقيرا في ملكوت السماوات . وقد تبين لكم أن هؤلاء العرب لم ينصروا على سائر الناس إلا بقبول وصايا الخير والرجوع إلى مشورة الأكابر والعقلاء منهم ، فهي الوصلة إلى العاجل في تحصيل المطلوب ، وفي الآجل إلى الفوز من عالم القديسين ، وإنكم لن تجتمعوا إن هزموكم هؤلاء والعياذ بالله من ذلك ، وكل مقتضى كائن ، وقد أوصيتك بما لم يوصه ملك من قبل ، فإياك ومخالفتي وإياك وهوى النفس ، فإنه أعظم المصائب وبه يدخل على سائر الخلق الآفات والنوائب ، وألن جانبك لهم فإنك بهم تصول على أعدائك .

قال: فلما سمع ماهان وصية هرقل خرج من بين يديه، واستعرض الجيش الذي قدمه هرقل عليه، وعسكر بهم ظاهر مدينة أنطاكية لتكامل عدتهم، فكان عدة القوم مائة ألف من النصرانية.

ودعا ( هرقل ) بوزير له آخر يقال له الديرجان ، فتوَّجه بتاج ووصله بمائة ألف درهم ، وضم إليه مائة ألف من النصرانية .

ثم دعا بوزير آخر يقال له قناطر ، فتوجه ووصله بمائة ألف درهم ، وضم إليه مائة ألف رجل . ثم جعل ماهان أميراً على جميع أجناده ، وأمر الوزراء والبطارقة والأساقفة أن لا يقطعوا أمراً دونه .

قال : وترك هرقل باقي الجنود عنده بأنطاكية ، ثم أقبل على بطارقة الروم فقال : ألا تسمعون ؟ فقالوا : أيها الملك قل نسمع ، وننتهي إلى أمرك .

فقال : قد علمتم أن هؤلاء العرب قد ظهروا عليكم وغلبوا على أرضكم ، وأنهم ليسوا يرضون بالأرض والمدائن والقرى ، ولا الحنطة والشعير ، ولا الذهب ولا الديباج والحرير ، ولكنهم يريدون سبي الأمهات والأخوات والأزواج ، والبنين والبنات ، وأن يتخذوا الأحرار وأبناء الملوك عبيداً ، والآن فانصروا دينكم ، وقاتلوا عن حريمكم وأولادكم وأموالكم ، وامنعوا عن سلطانكم ودار ملككم » .

وفي تاريخ دمشق : 2 / 145 : « أخبرني صفوان بن عبد الرحمن بن جبير أن المسلمين صالحوا أهل مدينة دمشق وأهل حمص وقيصر يومئذ وجنوده بأنطاكية ، يريد أن يدخل بهم بلاده . وتأتي بطارقته من الروم وأهل قنسرين وأهل الجزيرة عليه يسألونه أن يسير بهم فيقاتلوا المسلمين ، ويأبى عليهم ، فقالوا : فاعقد لرجل وسيرنا معه ففعل ، فعقد لباهان الرومي الأرمني ، وسير معه من روم الروم مائتي ألف ، وسار من روم قنسرين وأهل الجزيرة وغيرهم بشر كثير ، فبلغ ذلك المسلمين الذين على حمص ، فأجمع أمرهم على المسير إلى إخوانهم الذين بدمشق فيكون أمرهم واحداً ، فقال لهم أهل مدينة حمص نحن على صلحنا إن ظفرتم لا نكثر عليكم ولا نمد ؟ قالوا : نعم . وساروا إلى دمشق .

وسارت الروم على حمص على بعلبك ، ثم على البقاع ، ثم على حولة دمشق ، فأشفق المسلمون أن يحولوا بينهم وبين إخوانهم الذين بسواد الأردن وما قبلها ، فساروا حتى نزلوا الجابية ، وانضم إليهم إخوانهم فكانوا جميعاً » .

وفي تاريخ دمشق : 2 / 162 : « فكتب إلى بطارقته أن اجتمعوا لهم وانزلوا بالروم منزلاً واسع العطن ، واسع المطرد ، ضيق المهرب . . . فنزلوا الواقوصة على ضفة اليرموك ، وصار الوادي خندقاً لهم وهو لهب لا يدرك ، وإنما أراد باهان وأصحابه أن تستفيق الروم . . . ومخرجهم صفر سنة ثلاث عشرة وشهري ربيع لا يقدرون من الروم على شئ ، ولا يخلصون إليهم واللهب وهو الواقوصة من ورائهم ، والخندق من ورائهم » .

وقال الواقدي في : 1 / 163 : « ثم إن الملك هرقل لما قلد أمر جيوشه ماهان ملك الأرمن ، وأمره بالنهوض إلى قتال المسلمين وركب الملك هرقل وركب الروم وضربوا بوق الرحيل ، وخرج الملك هرقل ليتبع عساكره . . . وسار ماهان في أثر القوم بجيوشه والرجال أمامه ينحتون له الأرض ويزيلون من طريقهم الحجارة ، وكانوا لا يمرون على بلد ولا مدينة الا أضروا بأهلها ، ويطالبونهم بالعلوفة والإقامات ولا قدرة لهم بذلك فيدعون عليهم ويقولون : لا ردكم الله سالمين . قال وجَبْلَة بن الأيْهم ( رئيس غسان ومن معها ) في مقدمة ماهان ومعه العرب المتنصرة من غسان ولخم وجذام . . . . وجعل الجواسيس يسيرون حتى وصلوا إلى الجابية وحضروا بين يدي الأمير أبي عبيدة وأخبروه بما رأوه من عظم الجيوش والعساكر ، فلما سمع أبو عبيدة ذلك عظم عليه وكبر لديه وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وبات قلقاً لم تغمض له عين خوفاً على المسلمين . . . قال عطية بن عامر : فوالله ما شبهت عساكر اليرموك إلا كالجراد المنتشر إذْ سدَّ بكثرته الوادي ! قال : ونظرت إلى المسلمين قد ظهر منهم القلق وهم لا يفترون عن قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وأبو عبيدة يقول : رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ » .

 

أبو بكر وعمر يستنجدان بعلي ( عليه السلام )

خاف أبو عبيدة من تحشيد الروم، فكتب إلى أبي بكر، ثم كتب إلى عمر. قال الكلاعي الأندلسي: 3 / 279: «وقد استمدوا أبا بكر، وأعلموه الشأن، في صفر من سنة ثلاث عشرة» . فقد حشد الروم مئة وعشرين ألف مقاتل ، وكان عدد المسلمين أربعةً وعشرين ألفاً . ( تاريخ دمشق : 2 / 143 ) .

وقال ابن الأعثم في : 1 / 179 : « وبلغ أبا عبيدة بأن ماهان وزير هرقل أقبل في عساكره ، حتى نزل مدينة حمص في مائة ألف ، فاغتم لذلك . . .

قال : ثم تكلم قيس بن هبيرة المرادي فقال : أيها الأمير هذا وقت رأيٌ نشير به عليك ، أترانا نرجع إلى بلادنا ومساقط رؤوسنا ، وتترك لهؤلاء الروم حصوناً ودياراً وأموالاً قد أفاءها الله علينا ، ونزعها من أيديهم فجعلها في أيدينا ، إذن لا ردنا الله إلى أهلنا أبداً إن تركنا هذه العيون المتفجرة والأنهار المطردة والزرع والنبات والكروم والأعناب والذهب والفضة والديباج والحرير والحنطة والشعير ! ونرجع إلى أكل الضب ولبوس العباءة، ونحن نزعم أن قتيلنا في الجنة يصيب نعيماً مقيماً، وقتيلهم في النار يلقى عذاباً أليما! أُثبت أيها الأمير وشجع أصحابك، وتوكل على الله ، وثق به ولا تيأس من النصر والظفر .

قال فقال أبو عبيدة : أحسنت يا قيس ، ما الرأي إلا ما رأيت ، وأنا زعيم لك ، ولا أبرح هذه الأرض حتى يأذن الله لي » .

أقول : يدل هذا النص على أن خوف بعض المسلمين من الروم قد بلغ مداه ! وأن المعادلة الدنيوية كانت غالبة عليهم ، لكن بعضهم غلبت عليه الطمأنينة والمعادلة الدينية ، كما رأيت في اطمئنان علي ( عليه السلام ) بالوعد النبوي بهزيمة الروم .

وكان أبو عبيدة كتب إلى أبي بكر أيضاً ، فاستشار علياً ( عليه السلام ) فأرسل الأشتر وعمرو بن معدي كرب ، وفرسان النخعيين ، وكانوا شيعته وأنصاره عندما كان في اليمن .

قال الواقدي : 1 / 68 : « فما لبثوا حتى أقبل مالك بن الأشتر النخعي . . . وقد عزم على الخروج مع الناس إلى الشام . . واجتمع بالمدينة نحو تسعة آلاف ، فلما تم أمرهم كتب أبو بكر كتاباً إلى خالد بن الوليد . . . وقد تقدم إليك أبطال اليمن وأبطال مكة ، ويكفيك ابن معد يكرب الزبيدي ، ومالك بن الحارث » .

ثم توفي أبو بكر واستمر تحشيد الروم لقواتهم فكتب أبو عبيدة إلى عمر :

في فتوح الشام : 1 / 177 : « قال الواقدي : حدثني من أثق به أن الأمير أبا عبيدة لما نظر إلى عساكر الروم معولة على قتاله ، كتب إلى عمر بن الخطاب كتاباً يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم . إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من أبي عبيدة عامر بن الجراح عامله . سلام عليك ، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو ، وأصلي على نبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) . واعلم يا أمير المؤمنين أن كلب الروم هرقل قد استفزَّ علينا كل من يحمل الصليب ، وقد سار القوم إلينا كالجراد المنتشر ، وقد نزلنا باليرموك بالقرب من أرض الرماة والخولان ، والعدو في ثمان مائة ألف مقاتل غير التبع وفي مقدمتهم ستون ألف من العرب المنتصرة من غسان ولخم وجذام . . .

فلا تغفل عن المسلمين وأمدنا برجال من الموحدين ، ونحن نسأل الله تعالى أن ينصرنا وينصر الإسلام وأهله ، والسلام عليك وعلى جميع المسلمين ورحمة الله وبركاته . وطوى الكتاب وسلمه إلى عبد الله بن قرط الأزدي ، وأمره أن يتوجه إلى مدينة يثرب . قال عبد الله بن قرط : فركبت من اليرموك يوم الجمعة في الساعة العاشرة بعد العصر ، وقد مضى من شهر ذي الحجة اثنا عشر يوماً والقمر زائد النور ، فوصلت يوم الجمعة في الساعة الخامسة ، والمسجد مملوء بالناس ، فأنخت ناقتي على باب جبريل ( عليه السلام ) وأتيت الروضة وسلمت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعلى أبي بكر الصديق وصليت فيها ركعتين ، ونشرت الكتاب إلى عمر بن الخطاب ، قال فضجت المسلمون عند رؤيته ، وتطاولت إلى عمر بن الخطاب ، وقبلت يديه وسلمت عليه ، فلما فتح عمر الكتاب انتقع لونه وتزعزع كونه ، وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون .

فقال عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والعباس وعبد الرحمن بن عوف وطلحة وغيرهم من الصحابة : يا أمير المؤمنين أطلعنا على ما في هذا الكتاب من أمر إخواننا المسلمين . فقام عمر ورقى المنبر خطيباً وقرأ الكتاب على الناس ، فلما سمعوا ما فيه ضجوا بالبكاء شوقاً إلى إخوانهم وشفقة عليهم ، وكان أكثر الناس بكاء عبد الرحمن بن عوف ، وقال : يا أمير المؤمنين ابعث بنا إليهم ، ولو قدمت أنت إلى الشام لشدت بك ظهور المسلمين ، فوالله ما أملك إلا نفسي ومالي ، وما أبخل بهما على المسلمين .

قال : فلما سمع عمر بن الخطاب كلام عبد الرحمن بن عوف ونظر إلى إشفاق المسلمين وجزعهم على إخوانهم ، أقبل على عبد الله وقال : يا ابن قرط من المقدم على عساكر الروم ؟ فقلت : خمسة بطارقة أحدهم ابن أخت الملك هرقل ، وهو قورين ، والديرجان ، وقناطير ، وجيرجير ، وصلبانهم تحت صليب ماهان الأرمني ، وهو الملك على الجميع ، وجبلة بن الأيهم الغساني مقدم على ستين ألف فارس من العرب المتنصرة .

فاسترجع عمر وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ثم قرأ عمر : يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . ثم قال : ما تشيرون به عليَّ رحمكم الله تعالى ؟

فقال له علي بن أبي طالب : أبشروا رحمكم الله تعالى ، فإن هذه الوقعة يكون فيها آية من آيات الله تعالى ، يختبر بها عباده المؤمنين لينظر أفعالهم وصبرهم ، فمن صبر واحتسب كان عند الله من الصابرين . واعلموا أن هذه الوقعة هي التي ذكرها لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) التي يبقى ذكرها إلى الأبد ! هذه الدائرة المهلكة .

فقال العباس : على مَن هي يا ابن أخي ؟ فقال : يا عماه على من كفر بالله واتخذ معه ولداً ، فثقوا بنصر الله عز وجل .

ثم قال لعمر : يا أمير المؤمنين ، أكتب إلى عاملك أبي عبيدة كتاباً ، وأعلمه فيه أن نصر الله خير له من غوثنا ، ونجدتنا فيوشك أنه في أمر عظيم .

فقام عمر ورقى المنبر وخطب خطبة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، وذكر فضل الجهاد ثم نزل وصلى بالمسلمين، فلما فرغ من صلاته كتب إلى أبي عبيدة كتاباً، يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى أمين الأمة أبي عبيدة بن الجراح، ومن معه من المهاجرين والأنصار. سلام عليكم ، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو ، وأصلي على نبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) . أما بعد ، فإن نصر الله خير لكم من معونتنا ، واعلموا أنه ليس بالجمع الكثير يهزم الجمع القليل ، وإنما يهزم الجمع القليل ، وإنما يهزم بما أنزل الله من النصر ، وإن الله عز وجل يقول : وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ . وربما ينصر الله العصابة القليل عددها على العصابة الكثيرة، وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وقد قال تعالى : فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً . يا طوبى للشهداء ويا طوبى لمن يتكل على الله . فالقَ العدو بمن معك من المسلمين، ولا تيأس بمن صرع من المسلمين، فقد رأيت من صرع بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وما عجزوا عن عدوهم في مواطن كثيرة ، حتى قتلوا في سبيل الله ، ولم يهابوا لقاء الموت في جنب الله تعالى ، بل جاهدوا في سبيل الله حق جهاده : وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقرأه على المسلمين، وأمرهم أن يقاتلوا العدو في سبيل الله عز وجل، واقرأ عليهم : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . والسلام عليك ورحمة الله وبركاته » .

أقول : قول الرواة الساعة العاشرة أو الخامسة : أي من طلوع الشمس ، وكانت العرب تقسم النهار اثنتي عشرة ساعة ، من طلوع الشمس إلى غروبها ، والليل اثني عشر ساعة من غروبها إلى طلوعها .

وقول علي ( عليه السلام ) في الرواية : « أبشروا رحمكم الله تعالى ، فإن هذه الوقعة يكون فيها آية من آيات الله تعالى » : يقصد آية تحقق النصر للمسلمين ، والآية مالك الأشتر رضي الله عنه ، حيث قتل ماهان القائد العام لجيوش هرقل ، وعشرة أو أكثر من قادتهم في مطلع المعركة فضعضع أركانهم ، وألقى الرعب في قلوبهم !

قال الكلاعي في الاكتفاء : 3 / 273 : « كان من جلداء الرجال وأشدائهم ، وأهل القوة والنجدة منهم ، وإنه قتل يوم اليرموك قبل أن ينهزموا أحد عشر رجلاً من بطارقتهم ، وقتل منهم ثلاثة مبارزة » !

هذا ، وقد أهمل أكثر رواة السلطة مشاورة أبي بكر لعلي ( عليه السلام ) ، وإرساله فرسان النخع ، وتقدم قول الواقدي ( 1 / 68 ) : « فما تمت أيام قلائل حتى جاء جمع من اليمن وعليهم عمرو بن معد يكرب الزبيدي يريد الشام ، فما لبثوا حتى أقبل مالك بن الأشتر النخعي فنزل عند الإمام علي ( عليه السلام ) بأهله ، وكان مالك يحب سيدنا علياً وقد شهد معه الوقائع وخاض المعامع في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد عزم على الخروج مع الناس إلى الشام » .

كما غيب أكثرهم مشاورة عمر لعلي ( عليه السلام ) وتبشيره بالنصر على يد الذين أرسلهم !

قال الطبري : 2 / 590 : « وخرج هرقل حتى نزل بحمص فأعد لهم الجنود ، وعبأ لهم العساكر ، وأراد اشتغال بعضهم عن بعض لكثرة جنده وفضول رجاله ، وأرسل إلى عمرو أخاه تذارق لأبيه وأمه ، فخرج نحوهم في تسعين ألفاً ، وبعث من يسوقهم حتى نزل صاحب الساقة ثنية جلق بأعلى فلسطين ، وبعث جرجة بن توذرا نحو يزيد بن أبي سفيان فعسكر بإزائه ، وبعث الدراقص فاستقبل شرحبيل بن حسنة ، وبعث الفيقار بن نسطوس في ستين ألفاً نحو أبى عبيدة . فهابهم المسلمون ، وجميع فرق المسلمين واحد وعشرون ألفاً ، سوى عكرمة في ستة آلاف ، ففزعوا جميعاً بالكتب وبالرسل إلى عمر أن ما الرأي ؟ فكاتبهم وراسلهم إن الرأي الاجتماع ، وذلك أن مثلنا إذا اجتمع لم يغلب من قلة ، وإذا نحن تفرقنا لم يبق الرجل منا في عدد يقرن فيه لأحد ممن استقبلنا وأعد لنا لكل طائفة منا . فاتعدوا اليرموك ليجتمعوا به .

وقد كتب إلى أبى بكر بمثل ما كاتب به عمراً فطلع عليهم كتابه بمثل رأى عمرو ، بأن اجتمعوا فتكونوا عسكراً واحداً ، والقوا زحوف المشركين بزحف المسلمين ، فإنكم أعوان الله ، والله ناصر من نصره وخاذل من كفره ، ولن يؤتى مثلكم من قلة ، وإنما يؤتى العشرة آلاف والزيادة على العشرة آلاف إذا أتوا من تلقاء الذنوب ، فاحترسوا من الذنوب ، واجتمعوا باليرموك متساندين ، وليصل كل رجل منكم بأصحابه .

وبلغ ذلك هرقل فكتب إلى بطارقته أن اجتمعوا لهم ، وانزلوا بالروم منزلاً واسع العطن ، واسع المطرد ، ضيق المهرب ، وعلى الناس التذارق وعلى المقدمة جرجة ، وعلى مجنبتيه باهان والدراقص ، وعلى الحرب الفيقار ، وأبشروا فإن باهان في الأثر مدداً لكم ، ففعلوا فنزلوا الواقوصة ، وهى على ضفة اليرموك وصار الوادي خندقاً لهم وهو لهب لا يدرك . وإنما أراد باهان وأصحابه أن تستفيق الروم ويأنسوا بالمسلمين ، وترجع إليهم أفئدتهم عن طريتها .

وانتقل المسلمون عن عسكرهم الذي اجتمعوا به ، فنزلوا عليهم بحذائهم على طريقهم ، وليس للروم طريق إلا عليهم ، فقال عمرو : أيها الناس أبشروا حصرت والله الروم ، وقلما جاء محصور بخير .

فأقاموا بإزائهم وعلى طريقهم ومخرجهم صفر من سنة ثلاث عشرة ، وشهرى ربيع ، لا يقدرون من الروم على شئ ، ولا يخلصون إليهم ، واللهب وهو الواقوصة من ورائهم ، والخندق من أمامهم ، ولا يخرجون خرجة إلا أديل المسلمون منهم ، حتى إذا سلخوا شهر ربيع الأول وقد استمدوا أبا بكر وأعلموه الشأن في صفر » .

أقول : الصحيح أنهم في تلك المدة استمدوا عمر لأن أبا بكر توفي قبل مرج الصفَّر ، واليرموك وفِحل ، وتولى الخلافة عمر ، فبادر إلى عزل خالد بن الوليد ومصادرة نصف أمواله ، وأمَّر أبا عبيدة مكانه ، فبعث إليه يستمده أيضاً !

لم يكن خالد بن الوليد قائد معركة اليرموك

كانت قيادة المعركة مشتركة، والروم نحو مئتي ألف، والمسلمون أربعين ألفاً ، قال ابن عساكر في تاريخ دمشق : 2 / 142 : « قال خليفة بن خياط : قال ابن الكلبي : كانت الوقعة يعني باليرموك يوم الاثنين لخمس مضين من رجب ، سنة خمس عشرة . وهذه الأقوال هي المحفوظة في تاريخ اليرموك) .

وروى الطبري : 2 / 591 ، أن المسلمين كانوا ستاً وثلاثين ألفاً ، والروم : « أربعون ومائتا ألف ، منهم ثمانون ألف مقيد ، وأربعون ألفاً منهم مسلسل للموت ، وأربعون ألفاً مربطون بالعمائم ، وثمانون ألف فارس ، وثمانون ألف راجل » .

وفي تاريخ دمشق : 2 / 143 : « أن المسلمين كانوا أربعة وعشرين ألفاً وعليهم أبو عبيدة بن الجراح ، والروم عشرون ومائة ألف عليهم ماهان وسقلان يوم اليرموك » . وفي تاريخ دمشق: 2 / 158: «وكانوا جميعاً ( المسلمين ) ستة وأربعين ألفاً » .

وفي نهاية ابن كثير : 7 / 18 : « وقتل في هذا اليوم من المسلمين ثلاثة آلاف ، منهم عكرمة وابنه عمرو ، وسلمة بن هشام ، وعمرو بن سعيد ، وأبان بن سعيد ، وأثبت خالد بن سعيد ، فلا يدرى أين ذهب ، وضرار بن الأزور ، وهشام بن العاص ، وعمرو بن الطفيل بن عمرو الدوسي وحقق الله رؤيا أبيه يوم اليمامة . وقد أتلف في هذا اليوم جماعة من الناس » .

وكان أمراء اليرموك أربعة ، أبو عبيدة ، وشرحبيل ، ويزيد بن أبي سفيان ، وعمرو العاص . وكانت لأبي عبيدة ولاية عامة ، لكنها نظرية أكثر منها عملية .

قال الطبري : 2 / 592 : « وكان عسكر أبي عبيدة باليرموك مجاوراً لعسكر عمرو بن العاص ، وعسكر شرحبيل مجاوراً لعسكر يزيد بن أبي سفيان ، فكان أبو عبيدة ربما صلى مع عمرو ، وشرحبيل مع يزيد . فأما عمرو ويزيد فإنهما كانا لا يصليان مع أبي عبيدة وشرحبيل » .

أما خالد بن الوليد فكان أميراً على الذين جاء بهم من العراق، وهم بضع مئات. قال البلاذري : 1 / 130 : « وسار في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة في ثمان مئة ، ويقال في ست مئة ، ويقال في خمس مئة » .

وكانت معركة مرج الصُّفَّر قبل اليرموك، واتفق فيها القادة : ابن الجراح ، وابن أبي سفيان ، وشرحبيل ، وابن العاص ، ومعهم ابن الوليد الذي جاء من العراق على إعطاء قيادتها إلى خالد بن سعيد ، كما ذكرناه في ترجمته ، لما رأوه من كفاءته في أجنادين فحقق فيها النصر وأبلى فيها بلاء مميزاً ، حتى حفظوا عنه قوله :

 [ ابتداء شعر ]

مَنْ فارسٌ كَرِهَ الطعان يعيرني *** رمحاً إذا نزلوا بمرج الصُّفَّر

 [ انتهاء شعر ]

وهو يدل على أنه اعتمد في قتاله على الرمح أكثر من السيف ، وكان عندما كان ينكسر رمحه يستعير رمحاً غيره ، ويواصل قتاله .

ثم كانت بعدها معركة فِحل ، ويبدو أنهم أعطوه القيادة أيضاً لكفاءته ، ولا ننسَ أنه بميزان قبائل قريش محترم عند أولئك القادة ، وكان مهاباً عند خالد بن الوليد ، فقد سبق أن ألزمه بطاعة علي ( عليه السلام ) في اليمن .

لكن حدث بعد معركة أجنادين مباشرة أن أبا بكر توفي ، وتسلم عمر الخلافة ، وكان يصر على أبي بكر أن يقتل خالد بن الوليد قصاصاً بمالك بن نويرة ، فلم يطعه ، فكان أول مرسوم كتبه عمر في خلافته عزل خالد بن الوليد ، بل أمر بنزع عمامته وإهانته ، وبمصادرة نصف أمواله ، حتى أنه صادر فردة نعليه !

وكان غضب عمر على خالد بن سعيد أشد من غضبه على ابن الوليد، وقد أطاعه فيه أبو بكر فعزله، لكن خالد بن سعيد فرض احترامه على قادة الجيوش فقدموه عليهم ، وهو أمرٌ يغيض عمر ، فلا بد أنه كتب لهم أن لا يعطوه القيادة . وهذا هو السبب في أنه لم تظهر أخباره في اليرموك، بل قالت رواية إنه شارك واستشهد، وقالت رواية إنه شارك وجُرح، وقالت رواية في الطبري : 2 / 597 : « وكان ممن أصيب في الثلاثة الآلاف الذين أصيبوا يوم اليرموك ، عكرمة ، وعمرو بن عكرمة ، وسلمة بن هشام ، وعمرو بن سعيد ، وأبان بن سعيد ، وأثبت خالد بن سعيد فلا يدرى أين مات » ! وهكذا ضاع أكبر قائد للفتوحات !

وبعد أن عزل عمر خالد بن الوليد لم تكن له صفة في معركة اليرموك ، فكان دوره ثانوياً . على أن دوره في المعارك كان دائماً شكلياً لا حقيقياً ، كما أثبتنا !

لكنك مع كل هذا ، تجد في التأريخ الرسمي لليرموك أن الرواة جعلوا خالد بن الوليد القائد العام المطاع ، والعبقري المخطط ، والوالي المفاوض للروم ، والبطل الذي يسوق بسيفه ألوفاً مؤلفة من الروم !

وسبب ذلك أنه بعد وفاة عمر ، ردَّ عثمان إلى ابن الوليد اعتباره ، فدخل في نادي المؤيدين للسلطة ، وأخذ الرواة يروون مناقبه العظيمة ، وتناسوا غضب عمر عليه ! وواصل ذلك معاوية بعد أن التحق به عبد الرحمن بن خالد ، وكان القائد العام لجيشه في صفين !

قال الواقدي في فتوح الشام : 2 / 253 : « فتأهب الأمراء للحرب ، فلما أصبح خالد صلى بأصحابه صلاة الصبح وبادروا للحرب والقتال ، وصاحوا النصر النصر يا خيل الله اركبي وللجنة اطلبي . فركب المسلمون خيولهم وركزوا راياتهم واصطفوا ميمنة وميسرة وقلباً وجناحين ، وخالد في وسط الجيش ، وعلى الساقة ميسرة بن مسروق العبسي ، ومالك الأشتر النخعي ، في خمس مائة فارس من المهاجرين والأنصار » .

فهو في هذه الرواية قائد المعركة ، بل دوره أكبر من ذلك حسب الرواية التالية : قال الطبري : 2 / 592 : « وكان عسكر أبى عبيدة باليرموك مجاوراً لعسكر عمرو بن العاص ، وعسكر شرحبيل مجاوراً لعسكر يزيد بن أبي سفيان ، فكان أبو عبيدة ربما صلى مع عمرو وشرحبيل مع يزيد ، فأما عمرو ويزيد فإنهما كانا لا يصليان مع أبي عبيدة وشرحبيل .

وقدم خالد بن الوليد وهم على حالهم تلك ، فعسكر على حدة ، فصلى بأهل العراق ، ووافق خالد بن الوليد المسلمين وهم متضايقون بمدد الروم ، عليهم باهان ، ووافق الروم وهم نشاط بمددهم ، فالتقوا فهزمهم الله حتى ألجأهم وأمدادهم إلى الخنادق ، والواقوصة أحد حدوده ، فلزموا خندقهم عامة شهرهم يحضهم القسيسون والشمامسة والرهبان ، وينعون لهم النصرانية ، حتى استبصروا فخرجوا للقتال الذي لم يكن بعده قتال مثله في جمادى الآخرة .

فلما أحس المسلمون خروجهم وأرادوا الخروج متساندين ، سار فيهم خالد بن الوليد فحمد الله وأثنى عليه ، وقال إن هذا يوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغى ، أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم ، فإن هذا يوم له ما بعده ، ولا تقاتلوا قوماً على نظام وتعبية ، على تساند وانتشار ، فإن ذلك لا يحل ولا ينبغي . وإن من وراءكم لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا ، فاعملوا فيما لم تؤمروا به الذي ترون أنه الرأي من واليكم ومحبته .

قالوا : فهات فما الرأي ؟ قال : إن أبا بكر لم يبعثنا إلا وهو يرى أنا سنتياسر ، ولو علم بالذي كان ويكون لقد جمعكم . إن الذي أنتم فيه ( من الاختلاف ) أشد على المسلمين مما قد غشيهم ، وأنفع للمشركين من أمدادهم ، ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم ، فالله الله فقد أفرد كل رجل منكم ببلد من البلدان ، لا ينتقصه منه إن دان لأحد من أمراء الجنود ، ولا يزيده عليه إن دانوا له .

إن تأمير بعضكم لا ينقصكم عند الله ، ولا عند خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . هلموا فإن هؤلاء قد تهيؤوا وهذا يوم له ما بعده ، إن رددناهم إلى خندقهم اليوم ، لم نزل نردهم ، وإن هزمونا لم نفلح بعدها فهلموا فلنتعاور ( نتناوب ) الإمارة ، فليكن عليها بعضنا اليوم والآخر غداً والآخر بعد غد ، حتى يتأمر كلكم . ودعوني إليكم اليوم ، فأمَّروه وهم يرون أنها كخرجاتهم وأن الأمر أطول مما صاروا إليه ، فخرجت الروم في تعبية لم ير الراؤون مثلها قط ، وخرج خالد في تعبية لم تعبها العرب قبل ذلك ، فخرج في ستة وثلاثين كردوساً إلى الأربعين وقال : إن عدوكم قد كثر وطغى وليس من التعبية تعبية أكثر من رأى العين من الكراديس ( أي أكثر من مد البصر والكردوس مجموعة قد يصل إلى ألف ) ، فجعل القلب كراديس وأقام فيه أبا عبيدة ، وجعل الميمنة كراديس وعليها عمرو بن العاص وفيها شرحبيل بن حسنة ، وجعل الميسرة كراديس وعليها يزيد بن أبي سفيان ، وكان على كردوس من كراديس أهل العراق القعقاع بن عمرو ، وعلى كردوس مذعور بن عدي ، وعياض بن غنم على كردوس ، وهاشم بن عتبة على كردوس ، وزياد بن حنظلة على كردوس ، وخالد في كردوس ، وعلى فالَّة خالد بن سعيد دحية بن خليفة على كردوس ، وامرؤ القيس على كردوس ، ويزيد بن يحنس على كردوس ، وأبو عبيدة على كردوس ، وعكرمة على كردوس ، وسهيل على كردوس ، وعبد الرحمن بن خالد على كردوس ، وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة ، وحبيب بن مسلمة على كردوس ، وصفوان بن أمية على كردوس ، وسعيد بن خالد على كردوس ، وأبو الأعور بن سفيان على كردوس ، وابن ذي الخمار على كردوس ، وفى الميمنة عمارة بن مخشى بن خويلد على كردوس ، وشرحبيل على كردوس ، ومعه خالد بن سعيد ، وعبد الله بن قيس على كردوس ، وعمرو بن عبسة على كردوس ، والسمط بن الأسود على كردوس ، وذو الكلاع على كردوس ، ومعاوية بن حديج على آخر ، وجندب بن عمرو بن حممة على كردوس ، وعمرو بن فلان على كردوس ، ولقيط بن عبد القيس بن بجرة حليف لبنى ظفر من بنى فزارة على كردوس ، وفى الميسرة يزيد بن أبي سفيان على كردوس ، والزبير على كردوس ، وحوشب ذو ظليم على كردوس ، وقيس بن عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن مازن بن صعصعة من هوازن حليف لبنى النجار على كردوس ، وعصمة بن عبد الله حليف لبنى النجار من بنى أسد على كردوس ، وضرار بن الأزور على كردوس ، ومسروق بن فلان على كردوس ، وعتبة بن ربيعة بن بهز حليف لبنى عصمة على كردوس ، وجارية بن عبد الله الأشجعي حليف لبنى سلمة على كردوس ، وقباث على كردوس ، وكان القاضي أبو الدرداء ، وكان القاص أبو سفيان بن حرب ، وكان على الطلائع قباث بن أشيم ، وكان على الأقباض عبد الله بن مسعود . . .

وكان القارئ المقداد ومن السنة التي سن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعد بدر ، أن يقرأ سورة الجهاد عند اللقاء وهى الأنفال ، ولم يزل الناس بعد ذلك على ذلك » .

ثم وصفت الرواية المعركة ، فقالت : « فزحف بهم خالد حتى تصافحوا بالسيوف فضرب فيهم خالد وجرجة ( قائد مقدمة الروم زعموا أنه أسلم على يد خالد ) من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب ، ثم أصيب جرجة ، ولم يصلِّ صلاة سجد فيها إلا الركعتين اللتين أسلم عليهما ، وصلى الناس الأولى والعصر إيماء ، وتضعضع الروم ونهد خالد بالقلب حتى كان بين خيلهم ورجلهم ، وكان مقاتلهم واسع المطرد ضيق المهرب ، فلما وجدت خيلهم مذهباً ذهبت ، وتركوا رَجِلَهم في مصافهم ، وخرجت خيلهم تشتد بهم في الصحراء ، وأخر الناس الصلاة حتى صلوا بعد الفتح .

ولما رأى المسلمون خيل الروم توجهت للهرب ، أفرجوا لها ولم يحرجوها فذهبت فتفرقت في البلاد ، وأقبل خالد والمسلمون على الرِّجل ففضوهم ، فكأنما هدم بهم حائط ، فاقتحموا في خندقهم فاقتحمه عليهم ، فعمدوا إلى الواقوصة ، حتى هوى فيها المقرنون وغيرهم ، فمن صبر من المقترنين للقتال هوى به من جشعت نفسه ، فيهوى الواحد بالعشرة لا يطيقونه ، كلما هوى اثنان كانت البقية أضعف ، فتهافت في الواقوصة عشرون ومائة ألف ، ثمانون ألف مقترن وأربعون ألف مطلق ! سوى من قتل في المعركة من الخيل والرجل فكان سهم الفارس يومئذ ألفاً وخمس مائة » .

 

ملاحظات على هذه الرواية

1 - أنها تزعم أن خالداً هو القائد العام ، وهو التقي الواعظ للقادة ، وهو الذي يعطي المناصب حتى لأبي عبيدة ، مع أنه معزول بشدة من الخليفة !

قال البلاذري : 1 / 138 : « ثم وليَ أبو عبيدة بن الجراح أمر الشام كله وإمرة الأمراء في الحرب والسلم من قبل عمر بن الخطاب ، وذلك أنه لما استخلف كتب إلى خالد بعزله ، وولى أبا عبيدة » .

2 - تزعم الرواية أن خالداً وزع المسؤوليات وأنه القائد العام ، وورد فها ذكر كردوس فيه اسم خالد فقد يكون هو . كما زادت الكراديس عن أربعين .

3 - نلاحظ أن خالد بن سعيد وابنه سعيداً كانا من قادة الكراديس في اليرموك وأن شرحبيل كان شريكاً في القيادة مع خالد ، كما كان شريكاً مع عمرو العاص في قيادة الميمنة ، وهو اضطراب في الرواية ، يقصد منه تغييب دوره ، وقد رووا مبارزة شرحبيل لقائد رومي وقتله ، ولم يرووا مبارزات خالد بن سعيد وحملاته !

أما ابنه سعيد ، فقتلوه كما قتلوا أباه عدة مرات ، قبل اليرموك وفيها !

4 - ذكروا أن جرجة الأرمني كان قائد مقدمة جيوش هرقل ( الواقدي : 1 / 185 ) وأنه جرجيس وقتله ضرار ( الطبري : 2 / 590 ) وأنه جرجير وقتله أبو عبيدة ! ثم صار مسلماً على يد خالد يوم المعركة ، وقاتل معه حتى قتل شهيداً !

5 - أعطوا منقبة لأبي سفيان بأنه قصَّاص جيش المسلمين ، أي شيخ الخلافة القرشية ، يحكي لجيشها القصص الحكيمة ! فماذا يحكي غير قصص عداوته لله تعالى ، ومكائده وحربه لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) !

قال ابن عبد البر في الإستيعاب: 4 / 1679: «وفي خبر ابن الزبير أنه رآه يوم اليرموك قال: فكانت الروم إذا ظهرت قال أبو سفيان: إيهٍ بنى الأصفر، فإذا كشفهم المسلمون قال أبو سفيان:

 [ ابتداء شعر ]

وبنو الأصفر الملوكُ ملوكُ *** الرومِ لم يبقَ منهمُ مذكورُ

 [ انتهاء شعر ]

فحدث به ابن الزبير أباه لما فتح الله على المسلمين ، فقال الزبير : قاتله الله يأبى إلا نفاقاً ، أو لسنا خيراً له من بني الأصفر » ! والأغاني لأبي الفرج : 6 / 529 .

وفي فتوح ابن الأعثم : 1 / 203 ، أن زوجته هنداً آكلة الأكباد كانت في اليرموك : « ونظرت إلى أبي سفيان وهو منهزم ، فضربت وجه حصانه بعمودها ، وقالت : إلى أين يا بن صخر ؟ إرجع إلى القتال وابذل مهجتك ، حتى يمحص الله عنك ما سلف من تحريضك على رسول الله » ! وهدف الراوي أن يمدح هنداً ولو بذم زوجها !

6 - وصفت الرواية المعركة وصفاً مبتوراً بأن خالداً قاد ثلاثين ألف مقاتل وحمل على مئات الآلاف من الروم فهزمهم ، وجعلت المعركة يوماً واحداً ، ولم تصف المبارزات فيها ، ولا ما حدث للميمنة والميسرة والقلب ، وماذا عمل فلان أو فلان ، من قادة المسلمين وأبطالهم !

7 - معنى وَقَص فلان وَوَقَصَتْ به دابَّتُه : سقط عنها فاندقت عنقه ومات . وقد سموا الوادي التي كانت خلف جيش الروم : الواقوصة ، لأن الروم وقصوا فيها وماتوا . كما سموا الأودية : الأهوية ، لأن الإنسان يهوي فيها .

قال الحموي في معجم البلدان : 5 / 354 : « الواقوصة : واد بالشام في أرض حوران نزلها المسلمون أيام أبي بكر على اليرموك لغزو الروم ، وقال القعقاع بن عمرو :

 [ ابتداء شعر ]

ألم ترنا على اليرموك فزنا *** كما فزنا بأيام العراق

قتلنا الروم حتى ما تساوي *** على اليرموك مفروق الوراق

فضضنا جمعهم لما استحالوا *** على الواقوصة البتر الرقاق

غداة تهافتوا فيها فصاروا *** إلى أمر تعضل بالذواق

 [ انتهاء شعر ]

وفي كتاب أبي حذيفة : أن المسلمين أوقعوا بالمشركين يوماً باليرموك ، قال : فشد خالد في سرعان الناس ، وشد المسلمون معه يقتلونهم كل قتلة ، فركب بعضهم بعضاً حتى انتهوا إلى أعلى مكان مشرف على أهوية ، فأخذوا يتساقطون فيها وهم لا يبصرون وهو يوم ذو ضباب . وقيل كان ذلك بالليل وكان آخرهم لا يعلم بما صار إليه الذي قبله حتى سقط فيها ثمانون ألفاً فما أحصوا إلا بالقضيب وسميت هذه الأهوية بالواقوصة من يومئذ حتى اليوم لأنهم وقصوا فيها ، فلما أصبح المسلمون ولم يروا الكفار ظنوا أنهم قد كمنوا لهم ، حتى أخبروا بأمرهم . ورحل الروم وتبعهم المسلمون يقتلون فيهم ، وكانت الكسرة للروم » .

أقول : لا يمكن تصديق أن مئة ألف أو نحوهم يسقطون في وادٍ سحيق وهم في حالة هرب على خيولهم ، ولا ينتبه حصان واحد منهم إلى أنها وادٍ فيقف !

فلو زعم الرواة أنهم كانوا خمسين فارساً مثلاً ، أصابهم الذعر وكان الجو ضباباً ، لصدقه بعض الناس . لكن الرواة أفرطوا ، فوجب التوقف في كلامهم .

كما لا يمكن قبول زعمهم أن القادة قبلوا أن يخلط خالد خمس مئة نفر جاء بهم من العراق ، بجيوشهم ثم يجعل القيادة دورية ، ويأخذها في اليوم الأول ! وبالأمس جاء كتاب عزله المشدد من الخليفة وتخوينه ومقاسمته ماله ، وإهانته !

قال البلاذري : 1 / 138 : « وكان أميرهم عند الاجتماع في حربهم أول أيام أبى بكر عمرو بن العاص ، حتى قدم خالد بن الوليد الشام فكان أمير المسلمين في كل حرب . ثم ولى أبو عبيدة بن الجراح أمر الشام كله وإمرة الأمراء في الحرب والسلم ، من قبل عمر ابن الخطاب ، وذلك أنه لما استخلف كتب إلى خالد بعزله ، وولى أبا عبيدة » .

وهذا نص في أن خالد بن الوليد لم يكن قائد معركة اليرموك ، فقد توفي أبو بكر بعد أجنادين بأيام ، وقد أثبتنا أن الذي خاض معركة أجنادين جيش شرحبيل وقاده خالد بن سعيد ، وكان كل أمير أميراً على جيشه ، وكان أبو عبيدة وخالد في آخر الناس . وجاءت بعدها معركة مرج الصُّفَّر وقد أعطوا قيادتها لخالد بن سعيد ، وكانت بعدها فحل بنفس التعبئة ، وكان خالد في هذه المعارك معزولاً حتى عن قيادة الذين جاء بهم من العراق ، فكيف يتنازل القادة عن قيادتهم ويعطوا القيادة لخالد المعزول ؟ !

طالت معركة اليرموك أربعة أيام

جعل أكثر الرواة المعركة يوماً واحداً ، وقد استمرت أياماً ، وكان فيها هزائم حتى في القيادات ! وغرضهم اختصار المعركة بقيادة خالد وبطولته في حملة واحدة ، وتغطية هزيمة المنهزمين وبطولة الأبطال الحقيقيين ! وهذا من تزويرهم المفضوح للتاريخ !

بينما تجد بالتتبع أن المعركة استمرت أربعة أيام ، وكثر فيها الكر والفر ، وهرب فيها القادة « الكبار » ! وقد نص ابن كثير المتعصب على هروب عمرو بن العاص و « أربعة » معه لم يسمهم ، إلى خلف الجبهة ، حتى وبختهم نساء المسلمين !

قال الواقدي : 1 / 212 : « وكان اليوم الثالث من اليرموك يوماً شديداً انهزمت فيه فرسان المسلمين ثلاث مرات ! كل مرة تردهم النساء بالحجارة والعمد ويلوحون بالأطفال إليهم ، فيرجعون إلى القتال ! ولم يزل القتال قائماً إلى أن أقبل الليل بسواده ورجعت الروم إلى مواضعها ، والقتل فيهم كثير ، وفي المسلمين قليل ، إلا أن الجراح فيهم فاشية من النشاب ، فلما دخل الليل بسواده ، رجعت كل فرقة إلى أماكنها ، وباتوا تحت السلاح » .

وفي نهاية ابن كثير: 7 / 18: «وانهزم عمرو بن العاص في أربعة «؟» حتى وصلوا إلى النساء، ثم رجعوا حين زجرهم النساء، وانكشف شرحبيل بن حسنة وأصحابه، ثم تراجعوا حين وعظهم الأمير، بقوله تعالى: إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ. . » .

وفي تاريخ دمشق : 2 / 156 : « وشد طرف من الروم على عمرو بن العاص فانكشف هو وأصحابه ، حتى دخلوا أول العسكر ، وهم في ذلك يقاتلون ويشدون ، ولم ينهزموا هزيمة ولوا فيها الظهر ! ( يعني هربوا جَنَّابياً ) !

قال فنزلن النساء بعمدهن من التل فضربن وجوه الرجال ونادت الناس أم حبيبة ابنة العاص فقالت : قبح الله رجلاً يفر عن حليلته ، وقبح الله رجلاً يفر عن كريمته . قالوا : وسمع نسوة من النساء المسلمين يقلن : فلستم بعولتنا إن لم تمنعونا ! قال : فترادَّ المسلمون ، وزحف عمرو وأصحابه حتى عادوا إلى قريب من موقفهم . قالوا وقاتل أيضا شرحبيل بن حسنة في ربعه الذي كان فيه ، فكان وسطاً من الناس . . قالوا : وكان أبو عبيدة من وراء ظهره ردءا له وللمسلمين .

قالوا : فلما رأى قيس بن هبيرة خيل المسلمين ، وراء صفهم مما يلي ميسرة المسلمين ، وأن المسلمين قد دخلت ميسرتهم العسكر ، وأن الروم قد صمدت لهم ، اعترض الروم بخيله تلك ينتظر خيل خالد بن الوليد ، فعطف بهم إلى بعض ورجع المسلمون في آثارهم فقاتلوهم ، وحمل على من يليه من الروم وهو في ميمنة المسلمين حتى اضطروهم إلى صفوفهم .

قالوا : فلما رأى خالد بن الوليد أن قيس بن هبيرة قد كشف من يليه ، وأن المسلمين قد رجعت راجعتهم ، حمل على من يليه من الروم ، يعطف بعضهم بعضاً إلى بعض ، وزحف المسلمون إليهم رويداً » .

فإذا كان هؤلاء القادة انهزموا ، وأبو عبيدة وراء الناس ردءٌ لهم كما زعموا ، وخالد بن الوليد يتربص بخيله وراء الناس ، فمن الذي صمد في وجه الروم وكان يقاتلهم ، إلا الأبطال من تلاميذ علي ( عليه السلام ) ؟

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي