x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
ابو بكر والهجرة
المؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي.
المصدر: الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله
الجزء والصفحة: ج 4، ص 212- 226
6-6-2021
2857
تحير أبي بكر في حراسته للنبي صلّى الله عليه وآله :
يقولون : إن أبا بكر كان في الطريق إلى الغار ، تارة يمشي أمام النبي «صلى الله عليه وآله» ، وأخرى خلفه ، وثالثة عن يمينه ، ورابعة عن يساره ؛ فسأله رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن ذلك ، فقال : يا رسول الله ، أذكر الرصد فأكون أمامك ، وأذكر الطلب فأكون خلفك ، ومرة عن يمينك ، ومرة عن يسارك ، لا آمن عليك (١).
وهذا كلام لا يصح.
أولا : لأن حزنه في الغار ، وخوفه وهو يرى الآيات والمعجزات التي يذكرها نفس هؤلاء الراوين لهذه الرواية قد زاد في كدر النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، حتى لقد احتاج النبي «صلى الله عليه وآله» إلى أن ينزل الله سكينته عليه.
ثانيا : عدا عن ذلك فإنه لا معنى لتخوف الرصد ، فقد كانت قريش مطمئنة إلى أنها تحاصر النبي «صلى الله عليه وآله» ، وتحيط به ، وأنه لن تكون له نجاة من مكرها وكيدها ، ثم هل كان لديه سلاح يدفع به عن النبي «صلى الله عليه وآله» ، أو عن نفسه؟!.
ثالثا : أضف إلى ذلك كله : فراره في أحد ، وحنين ، وخيبر ، كما سنرى إن شاء الله تعالى ، ولم يؤثر عنه فيما سوى ذلك أي موقف شجاع يذكر ، وقد يكون للقصة أصل إذا كان يفعل ذلك من جهة خوفه على نفسه ، فكان يبحث عن موقع يشعر فيه بالأمن فلا يجده!! ثم حرفت وحورت حتى صارت كما ترى ، فتبارك الله أحسن الخالقين!!
التأكيد على موقف أبي بكر.
وإننا نكاد نطمئن إلى أن الهدف من هذا وسواه هو تعويض أبي بكر عما فقده ، في مقابل مبيت علي «عليه السلام» على فراش النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» ، حيث باهى الله به ملائكته ، وهو مقام ناله علي «عليه السلام» بجهاده وصبره ، وإخلاصه.
من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله؟!
قد ورد : أن الله تعالى أوحى إلى جبرائيل وميكائيل : إني آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر ، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة.
فأوحى الله إليهما : ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين محمد «صلى الله عليه وآله» ؛ فبات على فراشه يفديه بنفسه ، ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض ، فاحفظاه من عدوه.
فنزلا ، فكان جبرائيل عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ، وجبرائيل ينادي : بخ بخ ، من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله به الملائكة؟
فأنزل الله عز وجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)(2). وقال ابن شهر آشوب : إن هذا الحديث قد رواه الثعلبي ، وابن عاقب في ملحمته وأبو السعادات في فضائل العشرة ، والغزالي في الإحياء ، وفي كيمياء السعادة عن عمار ، وابن بابويه ، وابن شاذان والكليني ، والطوسي ، وابن عقدة ، والبرقي ، وابن قال الإسكافي : «وقد روى المفسرون كلهم : أن قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ..) نزلت في علي «عليه السلام» ليلة المبيت على الفراش» (3).
كذبة مفضوحة :
وبما ذكرناه من المصادر لنزول آية الشراء في علي «عليه السلام» ، وبما ذكره الإسكافي أيضا يظهر كذب ما ذكره فضل بن روزبهان ، من أن أكثر المفسرين يقولون : إن الآية قد نزلت في الزبير والمقداد ، حيث أرسلهما النبي «صلى الله عليه وآله» إلى مكة لينز لا خبيب بن عدي عن الخشبة التي صلب عليها ، وكان حول خشبته أربعون من المشركين ، فخاطرا بنفسيهما حتى أنزلاه ، فأنزل الله الآية (4).
ويذكر المظفر : أن المفسرين لم يذكروا ذلك ، حتى السيوطي ، والرازي ، والكشاف ، مع أن الرازي قد جمع في تفسيره كل أقوالهم ، والسيوطي جمع عامة رواياتهم.
وذكر في الإستيعاب في ترجمة خبيب : أن الذي أرسله النبي «صلى الله عليه وآله» لإنزاله هو عمرو بن أمية الضمري (5).
وابن تيمية ماذا يقول؟!
وقد أنكر «ابن تيمية» على عادته في إنكار فضائل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» وقال : «كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير.
وأيضا قد حصلت له الطمأنينة بقول الصادق له : لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ، فلم يكن فيه فداء بالنفس ، ولا إيثار بالحياة ، والآية المذكورة في سورة البقرة ، وهي مدنية باتفاق.
وقد قيل : إنها نزلت في صهيب «رضي الله عنه» لما هاجر» (6).
ونقول :
١ ـ إن كانت الآية مدنية بالنسبة إلى علي «عليه السلام» ، فهي أيضا مدنية بالنسبة إلى صهيب ، فما يقال هناك يقال هنا.
٢ ـ لقد أجاب الإسكافي المعتزلي على دعوى الجاحظ : أنه «صلى الله عليه وآله» قال لعلي «عليه السلام» : لن يصل إليك شيء تكرهه! فقال :
«هذا هو الكذب الصراح ، والإدخال في الرواية ما ليس منها ، والمعروف المنقول أنه «صلى الله عليه وآله» قال له : «فاضطجع في مضجعي ، وتغش ببردي الحضرمي ، فإن القوم سيفقدونني ، ولا يشهدون مضجعي ، فلعلهم إذا رأوك يسكنهم ذلك ، حتى يصبحوا ، فإذا أصبحت فاغد في أمانتي».
ولم ينقل ما ذكره الجاحظ ، وإنما ولده أبو بكر الأصم ، وأخذه الجاحظ ، ولا أصل له.
ولو كان هذا صحيحا لم يصل إليه منهم مكروه ، وقد وقع الاتفاق على أنه ضرب ، ورمي بالحجارة قبل أن يعلموا من هو ، حتى تضور ، وأنهم قالوا له : رأينا تضورك الخ ..» (7).
هذا وقد تقدم في أوائل هذا الفصل : أن النبي «صلى الله عليه وآله» إنما قال لعلي «عليه السلام» : إنه لا يصل إليه شيء يكرهه ، بعد مبيته على الفراش ، وذلك حينما التقى معه في الغار ، وأمره برد ودائعه ، وأن ينادي في مكة بذلك ، وطمأنه إلى أن نداءه هذا لن يتسبب له بمتاعب وصعوبات وليس المقصود : أنه لن يناله مكروه من أي مشرك في جميع الأحوال والأزمان.
٣ ـ ويدل على أنه كان موطنا نفسه على القتل ما يلي :
أ ـ إنه لو صح ما ذكره ابن تيمية لم يكن معنى للافتخار بموقفه ذاك ؛ فقد روي أن عائشة فخرت بأبيها ، ومكانه في الغار مع الرسول «صلى الله عليه وآله» ، فقال عبد الله بن شداد بن الهاد : وأين أنت من علي بن أبي طالب ، حيث نام في مكانه ، وهو يرى أنه يقتل؟ فسكتت ، ولم تحر جوابا (8).
ب ـ وعن أنس : أنه «عليه السلام» كان موطنا نفسه على القتل (9).
ج ـ إن عليا «عليه السلام» نفسه قد أكد على هذا ، ودفع كل شبهة فيه ، حينما قال شعره المتقدم :
وقيت نفسي خير من وطأ الثرى
.....
إلى أن قال :
وبت أراعيهم متى يثبتونني *** وقد وطنت نفسي على القتل والأسر
وبات رسول الله في الغار آمنا *** هناك وفي حفظ الإله وفي ستر (10)
د ـ وعنه «عليه السلام» : «وأمرني أن أضطجع في مضجعه ، وأقيه بنفسي ، فأسرعت إلى ذلك مطيعا له ، مسرورا لنفسي بأن أقتل دونه ، فمضى «صلى الله عليه وآله» لوجهه ، واضطجعت في مضجعه ، وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي «صلى الله عليه وآله» ، فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي ؛ فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس.
ثم أقبل على أصحابه ، فقال : أليس كذلك ، قالوا : بلى يا أمير المؤمنين» (11).
وقيل إنهم ضربوا عليا ، وحبسوه ساعة ، ثم تركوه (12).
ملاحظة :
يمكن أن يفهم مما تقدم : أن الحديث الذي يقول : إنه «عليه السلام» قد حاربهم بسيف خالد موضع شك وريب ، لأنه إنما حاربهم بسيفه هو لا بسيف خالد.
إلا أن يقال : أن نسبته إليه لا تدل على ملكيته له.
وقد يكون حاربهم بسيفه أولا ، ثم سيف خالد ثانيا بعد أن أخذه منه وإن كان هذا الاحتمال ضعيفا.
٤ ـ وبعد ، فإن قيمته «عليه السلام» إنما هي قائمة في عمق ذاته ، من حيث صفاء جوهره ، وكامنة في عمق ذاته ، تماما كما هي قيمة الذهب والجوهر ، والألماس بالقياس إلى الحديد والنحاس ، فإنك تستخدم الحديد ، وتستفيد منه ليل نهار ، أما الجوهر والألماس ، فإنه يحتفظ بقيمته العالية رغم أنه في أعماق الخزائن ، وقد يستفاد منه في شيء من الأعمال إلا ما شذ وندر ، وهو في معرض المدح والثناء ، ولا يلتفت إليه.
ولأجل ذلك نقول : إن نزول الآية لتعظيم أمير المؤمنين «عليه السلام» يكون أمرا عاديا وصحيحا ، حتى لو لم يكن علي حاضرا في واقعة ليلة الهجرة ، لأن عليا يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله دون كل أحد سواه.
٥ ـ وأما دعوى ابن تيمية : أن حديث حراسة جبرائيل وميكائيل له «عليه السلام» ، ونزول الآية فيه ، كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير.
فلا تصح أصلا ، فإننا لم نجد أحدا منهم صرح بكذب هذه الرواية سواه ، فهو يدعي عليهم ما لا يعرفون ، وينسب إليهم ما هم منه بريئون.
بل عرفت تصحيح الحاكم والذهبي لهذا الحديث ، وتقدم أيضا طائفة كبيرة من الذين رووه من كبار العلماء والحفاظ ، من دون غمز فيه أو لمز.
إلا أن يكون شيطان ابن تيمية قد أوحى إليه بأن ينسب إليهم ما هم منه براء.
٦ ـ وأجاب الحلبي عن كلام ابن تيمية بقوله : «.. لكنه في الإمتاع لم يذكر أنه «صلى الله عليه وآله» قال لعلي ما ذكر ؛ أي لن يصل إليك شيء تكرهه وعليه فيكون فداؤه للنبي بنفسه واضحا.
ولا مانع من تكرار نزول الآية في حق علي ، وفي حق صهيب. وحينئذ يكون «شرى» في حق علي «رضي الله عنه» بمعنى باع ، أي باع نفسه بحياة المصطفى ، وفي حق صهيب بمعنى اشترى ، أي اشترى نفسه بماله.
ونزول هذه الآية بمكة لا يخرج سورة البقرة عن كونها مدنية ؛ لأن الحكم يكون للغالب» (13). انتهى.
ولكن بعض ما أجاب به الحلبي محل نظر ؛ فإن استعمال شرى بمعنى باع تارة وبمعنى اشترى أخرى محل نظر ؛ لأنه يلزم منه استعمال المشترك في أكثر من معنى ، وقد منعه طائفة من العلماء.
وإن كنا نحن نرى : أنه لا مانع من ذلك ؛ إلا ما كان من قبيل الاستعمال في المعنى الحقيقي والمجازي معا ، وشاهدنا على ذلك صحة التورية وشيوعها في كلام العرب ، فإذا لم نجز استعمال المشترك في معنيين لم يصح كلام الحلبي حتى وإن كانت الآية قد نزلت مرتين لأن محل الكلام إنما هو في قراءتنا نحن للآية ، وكيفية فهمنا لها.
هذا عدا عن أن صهيبا لا خصوصية له في بذله ماله ، فإن كثيرا من المهاجرين قد تخلوا عن أموالهم للمشركين وهاجروا فرارا بدينهم.
وعن قضية صهيب نقول :
لقد رووا : أنه لما أراد رسول الله «صلى الله عليه وآله» الخروج إلى الغار أرسل أبا بكر مرتين أو ثلاثا إلى صهيب فوجده يصلي ، فكره أن يقطع صلاته ، وبعد أن جرى ما جرى عاد صهيب إلى بيت أبي بكر ، فسأل عن أخويه : النبي «صلى الله عليه وآله» وأبي بكر ، فأخبروه بما جرى ، فأراد الهجرة وحده ، ولكن المشركين لم يمكنوه من ذلك حتى بذل لهم ماله ؛ فلما اجتمع مع النبي في قباء قال «صلى الله عليه وآله» : ربح صهيب ربح صهيب ، أو ربح البيع ، فأنزل الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ..)(14).
وألفاظ الرواية مختلفة كما يعلم بمراجعة الدر المنثور للسيوطي وغيره .. ويكفي أن نذكر أن بعضها يذكر : أن الآية نزلت لما أخذ المشركون صهيبا ليعذبوه ، فقال لهم : إني شيخ كبير لا يضر ، أمنكم كنت أم من غيركم ، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتدعوني وديني؟ ففعلوا (15).
ورواية أخرى تذكر القضية بنحو يشبه ما جرى لأمير المؤمنين حين هجرته ، وتهديده إياهم ورجوعهم عنه ؛ فراجع (16).
ولكنها قصة لا تصح :
أولا : لأن إرسال النبي «صلى الله عليه وآله» أبا بكر إلى صهيب ثلاث مرات في ظرف كهذا غير معقول ، لا سيما وهم يدّعون : أن قريشا كانت تطلب أبا بكر كما تطلب النبي «صلى الله عليه وآله» ، وجعلت مئة ناقة لمن يأتي به (17) ، وإن كنا نعتقد بعدم صحة ذلك كما سنرى ، ولكن قريشا ولا شك إنما كانت تهتم في أن تستدل على النبي من خلال أبي بكر.
أضف إلى ما تقدم : أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يخبر أحدا بهجرته تلك الليلة ، بل يروون : أنه «صلى الله عليه وآله» إنما صادف أبا بكر وهو في طريقه إلى الغار.
ثانيا : إن كلامه معه وهو في الصلاة ، وإخباره بالأمر ، لا يوجب قطع صلاة صهيب ، إذ باستطاعته أن يلقي إليه الكلام ويرجع دون أن يقطع عليه صلاته كما أنه يمكن أن ينتظره دقيقة أو دقيقتين حتى يفرغ من صلاته ، فيخبره بما يريد ، ويمكن أيضا أن يوصي أهل بيته أن يبلغوه الرسالة التي يريد إبلاغها إلا إذا كان لم يثق بهم.
إلا أن يدّعى : أن أبا بكر كان بحيث لا يدري كيف يتصرف ، أو أنه كان يرى حرمة إلقاء الكلام ليسمعه المصلي ، وكلاهما غير محتمل في حقه ، أو لا يرضى محبوه بنسبته إليه على الأقل ، وباقي الفروض الآنفة تبقى على حالها. هذا بالإضافة إلى هذه الصدفة النادرة فإنه يأتيه مرتين أو ثلاثا ، وهو لا يزال يصلي!!.
ثالثا : لماذا يهتم النبي «صلى الله عليه وآله» بصهيب خاصة ، ويترك من سواه من ضعفاء المؤمنين ، الذين كانت قريش تمارس ضدهم أقسى أنواع التعذيب والأذى ؛ فلا يرسل إليهم ، ولو مرة واحدة ، ولا نقول ثلاث مرات ؛ وهل هذا ينسجم مع ما نعرفه من عدل النبي «صلى الله عليه وآله» ، وعطفه الشديد على أمته؟.
إلا أن يقال : لعل غير صهيب كان مراقبا من قبل المشركين ، أو أن صهيبا كان أشد بلاء من غيره ، إلى غير ذلك من الاحتمالات التي لا دليل عليها ، ولا شاهد لها.
رابعا : إننا نجد بعض الروايات تقول : إن أبا بكر ـ وليس النبي «صلى الله عليه وآله» ـ هو الذي قال لصهيب : ربح البيع يا صهيب وذلك في قضية أخرى لا ربط لها بحديث الغار (18) والبعض يذكر القضية ، ولكنه لا يذكر نزول الآية فيه (19).
خامسا : إن الآية إنما تتمدح من يبذل نفسه في مرضاة الله ، لا أنه يبذل المال في مرضاته ، ورواية صهيب ناظرة إلى الثاني لا الأول.
سادسا : قد قلنا آنفا : إن صهيبا لم يكن الوحيد الذي بذل ماله في سبيل دينه ، فلماذا اختص هذا الوسام به دونهم؟
سابعا : إنهم يذكرون : أنه لم يتخلف مع النبي «صلى الله عليه وآله» أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن ، إلا عليا وأبا بكر (20).
ثامنا : إن الرواية القائلة بأن صهيبا كان شيخا كبيرا لا يضر المشركين ، أكان معهم أم مع غيرهم لا تصح ؛ لأن صهيبا قد توفي سنة ثمان أو تسع وثلاثين وعمره سبعون سنة (21) ؛ فعمره يكون حين الهجرة واحدا أو اثنين وثلاثين سنة ، فهو قد كان في عنفوان شبابه ، لا كما تريد أن تدعيه هذه الرواية المفتعلة.
هذا كله ، عدا عن تناقضات روايات صهيب.
وعدا عن أن عددا منها لا يذكر نزول الآية في حقه.
كما أنها عموما إما مروية عن صهيب نفسه ، أو عن تابعي لم يدرك عهد النبي ، كعكرمة ، وابن المسيب ، وابن جريج ، وليس هناك سوى رواية واحدة وردت عن ابن عباس الذي ولد قبل الهجرة بثلاث سنين فقط.
ويجب أن يعلم : أن صهيبا كان من أعوان الهيئة الحاكمة بعد النبي «صلى الله عليه وآله» ، وممن تخلف عن بيعة أمير المؤمنين ، وكان يعادي أهل البيت «عليهم السلام» (22).
فلعل المقصود هو مكافأته على مواقفه تلك ، بمنحه هذه الفضيلة الثابتة لأمير المؤمنين «عليه السلام» ، فيكون هؤلاء قد أصابوا عصفورين بحجر واحد حينما يزين لهم شيطانهم أن عليا يخسر وخصومه يربحون.
٦ ـ بقي في كلام ابن تيمية المتقدم قوله : إن سورة البقرة مدنية ، ولو صح نزولها في علي «عليه السلام» لكانت مكية.
وجوابه واضح : فإن نزول الآية لو سلم أنه كان في نفس ليلة المبيت ، فمن الواضح أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان حينئذ في الغار ، وليس معه سوى أبي بكر ؛ فلم يكن ثمة مجال للإعلان بنزول الآية إلا بعد وصوله «صلى الله عليه وآله» إلى المدينة ، واستقراره فيها ، ثم إتاحة الفرصة له في الظرف المناسب لإظهار هذه الفضيلة العظيمة لابن عمه ووصيه.
فلا بأس أن تعد بهذا الاعتبار مدنية ، وتجعل في سورة البقرة ، التي كان نزولها في مطلع الهجرة ، كما هو معلوم.
هذا بالإضافة إلى أن وجود آية مكية في سورة مدنية ليس بعزيز.
وأما ما ذكره الحلبي من تكرر نزول الآية فلا دليل عليه ، بل الأدلة الآنفة تدفعه وتنافيه.
__________________
(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٦ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤.
(2) الآية ٢٠٧ من سورة البقرة.
والرواية في : أسد الغابة ج ٤ ص ٢٥ ، والمستجاد للتنوخي ص ١٠ ، وثمرات الأوراق ص ٣٠٣ ، وتفسير البرهان ج ١ ص ٢٠٧ ، وإحياء العلوم ج ٣ ص ٢٥٨ ، وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٣٩ ، وكفاية الطالب ص ٢٣٩ ، وشواهد التنزيل ج ١ ص ٩٧ ، ونور الأبصار ص ٨٦ ، والفصول المهمة لابن الصباغ ص ٣١ ، وتذكرة الخواص ص ٣٥ عن الثعلبي ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٥ و ٣٢٦ ، والبحار ج ١٩ ص ٣٩ و ٦٤ و ٨٠ عن الثعلبي في كنز الفوائد وعن الفضائل لأحمد ص ١٢٤ و ١٢٥ ، وعن الروضة ص ١١٩.
وهي أيضا في : المناقب للخوارزمي ص ٧٤ وينابيع المودة ص ٩٢ عن ابن عقبة في ملحمته وقال في حبيب السير ج ٢ ص ١١ : إن ذلك مذكور في كثير من كتب السير والتاريخ.
والرواية في تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٥ و ٤٥٨ والتفسير الكبير ج ٥ ص ٢٠٤ والجامع لأحكام القرآن ج ٣ ص ٢١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٨ ، وراجع : السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ١٥٩ وفرائد السمطين ج ١ ص ٣٣٠ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤ وتلخيص المستدرك للذهبي بهامش نفس الصفحة ، ومسند أحمد ج ١ ص ٣٣١ وترجمة الإمام علي «عليه السلام» ، من تاريخ دمشق تحقيق المحمودي ج ١ ص ١٣٧ و ١٣٨ ، والمناقب للخوارزمي ص ٧٤ ودلائل الصدق ج ٢ ص ٨١ و ٨٢ والأمالي للطوسي ج ٢ ص ٨٤ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٣١٠ وراجع ص ١٧٨ و ٨٢. وراجع الإرشاد للمفيد ص ٣١ وروضة الواعظين ص ١٠٧ وخصائص الوحي المبين ص ٩٤ و ٩٣ وراجع ص ٩١ والعمدة لابن البطريق ص ٢٤٠ وراجع ص ٢٣٨ ورواه في : غرائب القرآن للنيسابوري بهامش جامع البيان ج ٢ ص ٢٩١ وراجع : المواهب اللدنية ج ١ ص ٦٠ ونقله المحمودي في هوامش شواهد التنزيل ج ١ ص ٩٧ عن غاية المرام ص ٣٤٦ باب ٤٥ وعن تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٢ ص ١٥٢ ونقله المرعشي في ملحقات إحقاق الحق والتعليقات عليه ج ٣ ص ٢٤ ـ ٣٤ وج ٨ ص ٣٣٩ وج ٦ ص ٤٧٩ و ٤٨١ وج ٢٠ ص ١٠٩ ـ ١١٤ وج ١٤ ص ١١٦ عن عدد ممن قدمنا.
وعن المصادر التالية : اللوامع ج ٢ ص ٣٧٦ و ٣٧٥ و ٣٧٧ عن المجمع والمباني ، وعن أبي نعيم والثعلبي وغيرهم وعن البحر المحيط ج ٢ ص ١١٨ وعن معارج النبوة ج ١ ص ٤ وعن مدارج النبوة ص ٧٩ وعن مناقب المرتضوي ص ٣٣ ، وعن روح المعاني ج ٢ ص ٧٣ عن الإمامية وبعض من غيرهم وعن مرآة المؤمنين ص ٤٥ وعن تلخيص المتشابه في الرسم ، للخطيب البغدادي ج ١ ص ٤١٤ وعن إمتاع الأسماع ص ٣٨ ، وعن مقاصد الطالب ص ٧ وعن وسيلة النجاة ص ٧٨ وعن المنتقى للكازروني ص ٧٩ مخطوط. وعن روض الأزهر ص ٣٧١ وعن أرجح المطالب ص ٧٠ و ٥٠٧ و ٤٠٧ وعن إتحاف السادة المتقين ج ٨ ص ٢٠٢ وعن مفتاح النجا في مناقب آل العبا : ص ٢٣ مخطوط وعن روض الأحباب للهروي ص ١٨٥ وعن تفسير الثعلبي وعن السيرة المحمدية للكازروني مخطوط وعن مكاشفة القلوب ص ٤٢ وعن توضيح الدلائل ص ١٥٤ مخطوط وعن الكوكب المضي ص ٤٥ مخطوط وعن غاية المرام في رجال البخاري سيد الأنام ص ٧١ مخطوط وعن الكشف والبيان وعن المختار في مناقب الأخيار ص ٤ مخطوط وعن مناهج الفاضلين للحمويني مخطوط.
فياض ، والعبدلي ، والصفواني والثقفي بأسانيدهم عن ابن عباس ، وأبي رافع وهند بن أبي هالة. والغدير ج ٢ ص ٤٨ عن بعض من تقدم ، وعن : نزهة المجالس ج ٢ ص ٢٠٩ عن السلفي ، ونقله المحمودي في هوامش شواهد التنزيل عن بعض من تقدم وعن أبي الفتوح الرازي ج ٢ ص ١٥٢ وغاية المرام باب ٤٥ ص ٣٤٦.
وأشار إليه مغلطاي في سيرته ٣١ ، والمستطرف ، وكنوز الحقائق ص ٣١. وراجع دلائل الصدق ج ٢ ص ٨١ و ٨٢.
(3) راجع : شرح النهج ج ١٣ ص ٢٦٢.
(4) سيأتي ذلك مع مصادره ومع ما فيه من وجوه ضعف في هذا الكتاب في فصل : جثة خبيب.
(5) راجع : دلائل الصدق ج ٢ ص ٨٢.
(6) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧.
(7) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٦٣.
(8) أمالي الشيخ الطوسي ج ٢ ص ٦٢ ، والبحار ج ١٩ ص ٥٦ عنه.
(9) المصدران السابقان.
(10) نور الأبصار ص ٨٦ ، وشواهد التنزيل ج ١ ص ١٠٢ ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤ وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة ، وأمالي الشيخ الطوسي ج ٢ ص ٨٣ ، وتذكرة الخواص ص ٣٥ ، وفرائد السمطين ج ١ ص ٣٣٠ ، ومناقب الخوارزمي ص ٧٤ و ٧٥ ، والفصول المهمة لابن الصباغ ص ٣١ ، والبحار ج ١٩ ص ٦٣ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٥. والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية) والمصادر لهذا الشعر كثيرة جدا لا مجال لتتبعها.
(11) البحار ج ١٩ ص ٤٥ عن : الخصال ج ٢ ص ١٤ و ١٥.
(12) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٥.
(13) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧.
(14) الآية ٢٠٢ من سورة البقرة ، الإصابة : ج ٢ في ترجمة صهيب ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٣ و ٢٤ والدر المنثور ج ١ ص ٢٠٤ عن ابن سعد ، وابن أبي أسامة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وأبي نعيم في الحلية ، وابن عساكر وابن جرير والطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل وابن أبي خيثمة وفي النصوص اختلاف.
(15) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٨.
(16) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٨.
(17) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٣٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٩ والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٨٢ وإرشاد الساري ج ٦ ص ٢١٨.
(18) راجع : صفين للمنقري ص ٣٢٥. ومجمع البيان ج ٦ ص ٣٦١ ، والبحار ج ١٩ ص ٣٥ عنه ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤.
(19) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ١٢١.
(20) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ١٢٣ ، وسيرة مغلطاي ص ٣١.
(21) الإصابة ج ٢ ص ١٩٦.
(22) راجع ذلك وغيره في ترجمة صهيب في قاموس الرجال ج ٥ ص ١٣٥ ـ ١٣٧.