الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الصيمريّ
المؤلف: د .شوقي ضيف
المصدر: تاريخ الأدب العربي ـالعصر العباسي الثاني
الجزء والصفحة: ص :433ـ435
24-6-2019
2657
الصيمريّ (1)
هو أبو العنبس محمد بن إسحق، أصله من الكوفة، وتولى القضاء بالصّيمرة فنسب إليها، وهي نهر بالبصرة عليه قرى وبلد وزروع، قدم سامرّاء في عصر المتوكل فقرّبه منه واتخذه نديما له، لما كان يمتاز به من الفكاهة و التندير، وكأنما أتيح له مبكرا أن يفرغ للتأليف، إذ روى له ابن النديم في الفهرست طائفة كبيرة من المصنفات، ونجد بينها ما يتصل بالمنادمة، ككتب الأطعمة وكتاب الجوابات المسكتة. وكان عالما بالنجوم، وله فيها كتابان. ولم يكن يجمع بين الهزل والعلم، فقط، فقد كان يضيف إليهما الشعر، ويقولون إنه كان خبيث اللسان، هاجي أكثر شعراء زمانه، ومع ذلك لم يصلنا من هجائه إلا أشعار قليلة من مثل قوله في إبراهيم بن المدبر، وكان قد تولى الولايات الكثيرة وترأس بعض الدواوين، في سامرّاء وبغداد:
ص433
أسل الذي عطف الموا … كب بالأعنّة نحو بابك
وأذلّ موقفي العزي … ز على وقوفي في رحابك
وأراك نفسك مالكا … ما لم يكن لك في حسابك
ألاّ يطيل تجرّعي … غصص المنيّة من حجابك
وله خبر طويل مع البحتري هجاه فيه وسخر منه سخرية مرة، إذ حدّث الرواة أنه كان من عادة البحتري إذا أنشد المتوكل شعره أن يتشادق ويتزاور في مشيه مرة متقدما ومرة متأخرا ويهز رأسه مرة ومنكبيه مرة أخرى ويشير بكمه ويقف عند كل بيت ويقول: أحسنت والله، ثم يقبل على المتوكل ومن في مجلسه فيقول:
مالكم لا تقولون أحسنت؟ هذا والله ما لا يحسن أحد أن يقول مثله. وكان المتوكل يضجر من ذلك. فأقبل على الصيمري والبحتري ينشده مدحته فيه:
عن أي ثغر تبتسم … وبأي طرف تحتكم
وقال له: أما تسمع ما يقول؟ فقال له الصيمري: بلى. فمرني فيه بما أحببت، فقال: اهجه على هذا الرّوىّ، فحضرته على البديهة قصيدة هجاء طويلة من نفس الوزن والقافية، وفيها يقول:
يا بحترىّ حذار وي … لك من قضاقضة ضغم (2)
فبأيّ عرض تعتصم … وبهتكه جفّ القلم
ولقد أسلت بوالدي … ك من الهجا سيل العرم
يا بن الثقيلة والثّقي … ل على قلوب ذوى النّعم
ومضى يفحش في القصيدة ويقذع فيها إقذاعا قبيحا. ولا ريب في أن نظمه قصيدة طويلة بهذا النمط على البديهة يدل على شاعرية قوية. وظلّ خفيفا على قلوب الخلفاء. يسلكونه في ندمائهم حتى عصر المعتمد. أو بعبارة أخرى حتى توفى في عصر هذا الخليفة لسنة 275. وله يهجو طبّاخه المسمى صالحا:
ص434
يا طيب أيامى بمعشوق … ونحن في بعد من السّوق
إذا طلبت الخبز من فارس … ينفخ لي صالح بالبوق
وله بجانب أهاجيه مدائح لبعض الوزراء ورؤساء الدواوين، ومما احتفظت له المصادر به قطعة في مديح الحسن بن مخلد وزير المعتمد حين كان يتولى ديوان الضياع للمتوكل، وهي تطرد على هذا النمط:
زارني بدر على غصن … قابلا وصلى يقبّلني
خلته لما أتى حلما … وهو روحي ردّ في بدنى
إن لي عن مثله شغلا … بمقال الشعر في الحسن
وأبيه مخلد فبه … قد لبسنا سابغ المنن
كاتب قلّ النّظير له … فاضل في العلم واللّسن
وشعره يسيل عذوبة، وكأنما كان يقول أكثره ارتجالا، فلا تكلف فيه ولا تعمّل، ومع ذلك لا نجد فيه هلهلة في النسيج، إنما نجد المتانة التي تجعله سائغا في الآذان والأسماع. وله بعض نظرات وتأملات جيدة من مثل قوله:
كم مريض قد عاش من بعد يأس … بعد موت الطبيب والعوّاد
قد يصاد القطا فينجو سليما … ويحلّ القضاء بالصيّاد
وهي فكرة دقيقة، فقد يعيش المريض الميئوس من شفائه المبكىّ عليه من محبيه وأودّائه، ويموت الطبيب الصحيح المعافى. وبالمثل قد يصاد طائر، ويخطف الموت صائده، بينما تردّ له حريته ويعود إلى رفرفته في الهواء طليقا.
ص435
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر في الصيمري وأخباره وأشعاره كتاب الأغاني (طبعة الساسي) 18/ 173 والفهرست ص 222 وتاريخ بغداد 1/ 238 ومروج الذهب 4/ 9 ومعجم الأدباء 17/ 8 والنجوم الزاهرة 3/ 74 والوافي بالوفيات 2/ 191.
(2)القضاقضة : الأسد .ضغم : مفترس .