في فجرٍ غائمٍ من أيام الشتاء، حين كانت الأرض ما تزال تتثاءب من برد الليل، ارتفعت روحٌ مغامِرة نحو السماء، تحملها مظلةٌ كجناح الأمل، لا تعلم أن الأقدار تتهيأ لاختبارٍ يفصل بين الحياة والموت، بين الخوف والإيمان، بين حدود الإنسان وسرّ القدرة الإلهية.
صعدت تبحث عن مجد الريح، فإذا بها تلامس حافة الغلاف الجوي، حيث الهواء يرقّ حتى كأنه ينسحب من الصدور، وحيث البرد يلسع العظم كإبرٍ من جليدٍ مسموم. هناك، في حضن الغيوم الداكنة، احتضنتها العاصفة لا كأمٍ رؤوم، بل كغولٍ هائجٍ يبتلع الضوء والصوت معًا. كانت الرياح تصرخ حولها، والبرَد ينهال كالرصاص، والمظلة تتمرّد على قوانين الجاذبية لتقذفها صعودًا نحو المجهول.
بلغت من العلو ما لا تبلغه الطيور ولا الطائرات، وهنالك، عند حدود السماء، انطفأ وعيها كما تنطفئ شمعة في مهبّ ريحٍ عاتية. تجمّد الجسد، وسكنت الأنفاس، غير أنّ القدر ألقى عليها عباءة الرحمة، فدخلت في سباتٍ باردٍ حفظها من الفناء، وكأن الزمن وقف احترامًا لذلك المشهد الخارق.
أربعون دقيقة ظلّت معلّقة بين السماء والأرض، بين الغيب والشهادة، حتى خفّت العاصفة واستسلمت السماء للسكون. وهبطت المظلة ببطءٍ كأنها جناحُ مَلَكٍ يُعيد الحياة إلى صاحبتها، لتسقط على الأرض لا ميتةً ولا حيّة، بل شاهدةً على معجزةٍ لم تُدوَّن في كتب العلم وحدها، بل في سجلّ الإيمان العميق.
حين أفاقت، كان وجهها يحمل آثار الرحلة إلى حافة الموت، وكان في عينيها بريقٌ غريب، بريق من رأى وراء السحاب ما لا يُرى. نجاتها لم تكن من صنع مهارةٍ أو صدفةٍ عمياء، بل من يدٍ خفيةٍ تمسك بزمام الأكوان، تحفظ من تشاء حين تنفد الأسباب.
هكذا تُذكّرنا تلك الحكاية أن الحياة ليست حبالًا منطقية تُمسك بها أيدينا، بل خيوطٌ من لطفٍ إلهيٍّ تمتدّ حيث يعجز العقل والبصر. وأن الإنسان مهما حلق في سماء طموحه، يبقى قلبه معلّقًا بما فوق الغيوم، حيث لا سلطان إلا لربّ القدرة والمعجزة.







وائل الوائلي
منذ 6 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN