سلسلة مفاهيم في الفيزياء
الجزء الثالث والسبعون: عودة الميكانيكا البوهمية: لماذا لا يزال نموذج بوم قابلاً للحياة
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
1/11/2025
ربما كان التطور الأهم مؤخرًا في نموذج بوم للمتغيرات الخفية الذي تحدثنا عنه سابقًا، هو أن عددًا متزايدًا من الفيزيائيين من خارج الدائرة المباشرة لطلاب بوم وجون بيل قد بدأوا يأخذون هذا النموذج على محمل الجد.
إحدى هذه المجموعات (دي. دور، إس. غولدستاين، إن. زانغي Physics Letters 172A، 1992) أطلقت عليه الاسم المعبر : "الميكانيكا البوهمية" (Bohmian Mechanics) .
وقد تناولت هذه المجموعة مسألة أساسية، وهي أن التوزيع الابتدائي لمواضع الجسيمات يجب أن يكون متسقًا مع قانون الاحتمال في ميكانيكا الكم. وهو شرط، كما أشرنا سابقًا، ضروري كي يتفق نموذج بوم مع التنبؤات الكمية.
وقد أظهرت المجموعة أن هذا الشرط سيتحقق تلقائيًا في معظم الحالات "النموذجية" من الشروط الابتدائية.
ورغم أن هذا التوافق الاحتمالي يتحقق، وبالتالي يضمن أن نموذج بوم يُطابق التنبؤات الإحصائية لميكانيكا الكم فيما يخص مواضع الجسيمات بل ويتفق مع جميع التجارب المعروفة فقد استمر التردد الواسع في قبول النموذج.
ويرجع هذا التردد جزئيًا إلى وجود مجموعة من ما يُعرف بـ"نظريات الاستحالة" (no-go theorems)، المشابهة لتلك التي طرحها فون نيومان، والتي ناقشناها في مقالات سابقة.
إحدى أبرز هذه النظريات تُعرف باسم مبرهنة كوخنسبيكربيل (KochenSpeckerBell theorem).
والمفارقة أن جون بيل نفسه قد قدّم نسخة مبسطة من إثبات هذه المبرهنة (Reviews of Modern Physics 38 447 عام 1966)، وكان هدفه توضيح أن هذه النتائج لا تُشكل تهديدًا لنموذج بوم
هذه المبرهنات تُشبه في روحها مناقشات اللا-محلية (non-locality).
فكما ناقشنا سابقًا، فإن فكرة "المؤدين الذين يحملون بطاقات تحتوي على إجابات جاهزة" لا تنسجم مع طبيعة المتغيرات الخفية.
إذ إن هذه البطاقات، أو الإجابات، هي نظائر للمتغيرات الخفية؛ والاعتراض الشائع هو أن وجود مثل هذه المتغيرات ممنوع إذا أردنا أن نحافظ على اتساق النموذج مع ميكانيكا الكم.
غير أن الخطأ هنا يكمن في افتراض ثبات الأجوبة، في حين أن المتغيرات الخفية في نموذج بوم ديناميكية، أي أنها تتغير مع الزمن، وتعتمد على السؤال المطروح أو على الجهاز المستخدم في القياس.
وهنا يدخل مفهوم السياقية (contextuality) :
القياسات ليست مطلقة، بل تعتمد على السياق الكامل للمنظومة.
فالأنظمة الكمومية لا يمكن فصلها إلى أجزاء مستقلة، والنتيجة التي تحصل عليها تعتمد على ما تسأله أي على نوع الجهاز أو طريقة القياس.
ويجب التأكيد على أن نموذج بوم يتعامل مع هذه الإشكالات بشكل طبيعي تمامًا.
وفي الواقع، بعد إعادة النظر في كثير من الملاحظات التي قُدمت سابقًا، يبدو أن وصف النموذج بأنه "مصطنع" فيه شيء من الظلم.
هذا التوصيف يوحي بأن جهدًا كبيرًا بُذل لاختراع نظرية توافق ميكانيكا الكم، بينما في الحقيقة، المسارات في نموذج بوم تتحدد وفق مبدأ بسيط للغاية:
إذا كان لدينا عدة أنظمة متطابقة لها دوال موجية متطابقة، ومواضع الجسيمات موزعة وفق قانون الاحتمال الكمومي في لحظة ما، فإن هذا التوزيع سيظل متطابقًا في كل اللحظات التالية.
صحيح أن هذا لا يُحدد المسار بشكل فريد تمامًا، لكن نموذج بوم يمثل ببساطة أبسط خيار ممكن لتفسير تطور هذه المسارات.
يتبع في الجزء 74







وائل الوائلي
منذ 6 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN