حسن الهاشمي
الحياء يعني الخجل، نعم انها خصلة راقية تزين صاحبها بهالة من الوقار والهيبة، وتضفي عليه الرصانة بمنأى عن الرطانة، والمهابة بمنأى عن الوضاعة، تعالوا لنحتمي بجلبابه الواقي من كل شر وحقد وغدر، فالحياء بهذا المعنى على ثلاثة أقسام حياء من النفس وحياء من الناس وحياء من الله تعالى، فالأولان يهيئان الانسان للولوج الى الحياء الأهم، الذي ينجي الانسان من مدلهمّات الخطوب وطوارق الزمن الأغبر.
فالحياء عندما يتفاعل مع مفردات الحياة فانه ينصهر في بوتقة التكامل ليعطي ألقه الأخّاذ رونقا ليس له مثيلا في الكون، ويمكن اعتباره ظاهرة تعبّر عن الخوف من الظهور بمظاهر النقص، حيث يوجّه الإنسان الوجهة الصحيحة التي تحفظ كرامته وتعزز كيانه الإنساني، وفي نهاية المطاف تهبه حصانة فريدة من نوعها، وتقوم بكبح جماح النفس عن ارتكاب المحرمات حذرا من لوم اللائمين وشماتة الشامتين.
والحياء بهذا الاعتبار التزام مبدئي بحدود الوقاية من الآفات والانطلاق نحو الإصلاح والخيرات، ومن لا حياء له لا يرتجى منه إلا الضرر والبليّات، والمقيّد بتعاليم السماء يتجلبب برداء الحياء، ويعلم إن الله تعالى مراقبه وهو في كل حال، فيبتعد عن الذنوب والمعاصي التي تهتك العصم وتزيل النعم.
الذي يستحي من الله تعالى يتخذ من هذا الشعار جلبابا له أينما حل وارتحل "لا تعصِ الله وأنت في محضره" عبارة عظيمة تُذكّر الإنسان أن الله يراه ويعلم أفعاله في كل وقت ومكان، فلا يصح أن يعصيه وهو بين يديه، لأن الوجود كله محضرٌ لله، أي: أمام عِلمه واطلاعه، فلا تخلو لحظة من رقابة الله: (أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ) العلق:14. (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) الحديد:4. فكما تستحي من إنسان يراك، فكيف لا تستحي من خالقك الذي لا يغيب عنك طرفة عين إذا هممت بمعصية الله، فتفكّر أولًا: هل تستطيع أن تختفي عن نظره هل تأمن غضبه هل ترضى أن يراك على معصية العصيان في محضر الله جهل بعظمته، وقلة حياءٍ منه، اجعل هذا الوعي حيًّا في قلبك... يقيك الزلل، ويقودك إلى الطاعة.
بقي أن نعرف إن المرأة وبما أنها مظهر العفة والرأفة والمودة والرحمة، فإنها تستحوذ على معظم أجزاء الحياء، فإنه جلبابها وصدفها الذي تتماهى به، إذا ما أرادت أن تعيش حرة كريمة مرفوعة الرأس والجبين، قال الامام الصادق عليه السلام: (الحياء عشرة أجزاء تسعة في النساء وواحدة في الرجال، فإذا خفضت ـ تلفظت بكلمات نابية ـ ذهب جزء من حيائها، وإذا تزوجت ذهب جزء، فإذا افترعت ـ خلعت حجابها ـ ذهب جزء، وإذا ولدت ذهب جزء، وبقي لها خمسة أجزاء، فإذا فجرت ذهب حياؤها كله، وإن عفت بقي لها خمسة أجزاء)... من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج 3 - ص 468. ان الحياء خُلُق فطري، وقد جُبلت المرأة بطبيعتها على مقدار أكبر من الحياء، لحكمة تتصل بعفتها وأنوثتها ودورها الاجتماعي، وليس المقصود نقص حياء الرجال أو تقليل من قدرهم، بل الإشارة إلى أن المرأة غالبا أشد حياءً بطبعها، وهذا يُعدّ من كمالها لا نقصها.
وانها تبقى تلك المتمنّعة، العذراء في خدرها، الحوراء في صفائها، تتسامى في علياء الخلود، لا يجاريها سيل، ولا يرقى اليها طير، في نبلها وألقها وسؤددها الأخّاذ، تلك التي تحافظ على حيائها قبل الزواج وبعده، فيا لها من دوحة نظرة تسرّ الناظرين، تلك هي دوحة الطهر، وما عليك أختي المكرمة الا امتطاؤها للسير الى مرفأ الخلود، ولكي لا تقعي في شراك الصلافة والوقاحة تجنبي الالفاظ السوقية البذيئة، واركني جانبا التحدّث مع الأجنبي بغير وجه حق، وحافظي على جوهرة نفسك بالصدف الصلد المتماسك، لكي تكوني في عداد المحاطين بهالة الحياء الأخّاذة، بعيدا عن ترّهلات العنوسة، ومتاهات الميوعة، ومنغصات الحياة المادّية الصاخبة، التي هي بمثابة السراب يترائى للعطشان انه ماء، ولكنه وهم وخيال.
أول مظاهر الحياء بالنسبة للمرأة هو ستر مفاتنها وزينتها عن الرجال الأجانب، وهو ما يسمى بالحجاب الشرعي والذي أوجبه الله تعالى عليها لحفظها والمحافظة عليها من دناءة نفوس الرجال الأشرار، فهي كالكنز إن لم تحفظ بشكل جيد فلا يؤمن عليه من أن تمتد إليه أيادي السراق والخائنين.
ويبقى الحياء محمودا في المرأة والرجل، وهو من شعب الإيمان، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لا إيمان لمن لا حياء له) الكافي للكليني: 2 / 106 / 5. فالحياء منبع الخير وأصله؛ لأنه يمنع الإنسان من الوقوع في المعاصي والأفعال القبيحة، ويدفعه إلى الفضائل والأخلاق الكريمة، ومن يتجرد عن الحياء فإنه يتجرأ في عمل القبائح، وقيل إن المؤمن إذا عمل الذنب فكأنما أصيب بحجر على رأسه، والمنافق إذا عمل الذنب فكأنما ذبابة وقفت على وجهه، وشتان ما بين الموقفين، أين الحيي من فاقد الحياء أين الذي يؤنبه ضميره ووجدانه بمجرد ارتكابه الذنب فيحجبه ضميره من الاستمرار والاستزادة، من الذي لا تزيده كثرة الذنوب إلا ارتكاسا في وحل الظلم والجريرة والتهتّك.