حين نبتعد عن الأشياء التي اعتدناها وتغيب عن وجوهنا،نحنُّ إليها، نشتاقها علی الرغم من أنها كانت عادية جدا، وغير لافتة ،وأحيانا تكون مملة روتينية
قبل سنوات حين كنت في نيودلهي وجدت نفسي أبحث عن التفاصيل اليومية، اشتقت إليها، اشتقت للأسواق العراقية واشتقت حتی لأصوات الباعة المتجولين، اشتقت لوجوه الفقراء المبتسمة،ذات مرة خرجت أمشي أنا وزوجي من شقتنا في منطقة (جانك بورا Jangpura) في نيودلهي ولا ندري إلی أين وجهتنا، فجأة وجدنا أنفسنا في منطقة شعبية مزدحمة جدا،ينتشر فيها المتسولون ، أكثرهم من النساء والأطفال، ما إن وقعت عيونهم علينا حتی تجمعوا حولنا ولاسيما حولي :ماما محمد
يستعطفوني باسم النبي (صلی الله عليه وآله)، وبعد أن نجحت في الإفلات منهم واصلنا المسير...
في مقدمة السوق توجد [بسطية] يعرضون عليها رايات خضراء وحمراء وبخور وأوراق الورود وأطباق ورقية وسلال، وقفت لاستطلع فوجدت النساء والرجال يشترون الورد والبخور ومنهم من يشتري الرايات، ويخلعون أحذيتهم ويمشون حفاة الی نهاية السوق، ثم يدخلون الی شارع فرعي آخر يوجد فيه مسجد (نظام الدين أولياء الدهلوي ) الشاعر المتصوف، الذي تسمی المدينة باسمه فينثرون ورق الورد ويتمتمون بخشوع
واصلنا المسير ونحن نبحث عن أشيائنا العادية، علّنا نجد منها أثرا يسلي أرواحنا المشتاقة نمشي حتی وصلنا( مطعم كريم) وهو من سلسة مطاعم كريم الموجودة في أغلب الدول العربية، وله فروع في ايران أيضا، دخلنا المطعم،وطلبنا الطعام،طلبنا (تكة دجاج) من غير توابل حتما
حين وصل الطلب وما إن أكلت أول قطعة دمعت عيناي وشهقت، اتضح لي أن ( بلا توابلهم) تكون هكذا حادة
المهم، لم نأكل سوی البطاطس المقلية واللبن، فهما متوفران في أغلب المطاعم، وخرجنا ولم نلمح تفصيلةً عراقية نسقي بها عطشنا
الشوارع مزدحمة ، ومطاعم شعبية منتشرة علی الجانبين،أفخاذ الدجاج المشوية المصبوغة بالتوابل (حمراء وخضراء) ،وعربات الفلفل المقرمش،ومحلات البقالة التي تفوح منها رائحة البخور القوية،والمخابز غير المألوفة بالنسبة إلينا، فهي أسطوانية الشكل ويجلس الخباز في الأعلی،يخبز أقراصا صغيرة (الچباتي)فيها نوع من التوابل الحادة غير المستساغة.
ركبنا الـ(اوتو) وهو التك تك وبقيت طوال الطريق أتحدث عن(الصمون الحجري العراقي) ونكهته حين يخرج من الفرن، وطعم الأقماع التي نأكلها خلال العودة من الفرن الی المنزل

وسأروي لكم لاحقا تفاصيل جولة أخری