قال ممثل المرجعية الدينية العليا، السيد أحمد الصافي، إن البكاء على الحسين عليه السلام ليس ضعفاً وإنما هو عملية رفض وحزن كبير على قضية كبيرة جداً.
وأشار خلال خطبته الأولى من صلاة يوم الجمعة أمام حشد من المصلين داخل الصحن الحسيني الشريف، إلى أن قتل الحسين، عليه السلام، كانت محاولة من قبل الأعداء3 لقتل الإمامة التي تعد من حرمات الله.
وفي ما يلي النص الكامل للخطبة الأولى من صلاة يوم الجمعة بإمامة السيد أحمد الصافي:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسلام على خير خلقه أبي القاسم محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين، الحمد لله الذي لم يتّخذ ولداً فيكون موروثاً، ولم يكن له شريكٌ في ملكه فيضادّه فيما ابتدَع، ولا وليٌّ من الذلّ فيرفده فيما صنع، فسبحانه سبحانه لو كان فيهما آلهةٌ إلّا الله لفَسَدتا وتفطّرَتا، إخوتي الأفاضل أبنائي الغيارى آبائي أصحاب شيبة الإيمان والجلال، أخواتي بنات الطفّ بناتي تلميذات عاشوراء أمّهاتي خادمات العترة الطاهرة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أوصيكم ونفسي الآثمة بتقوى الله تبارك وتعالى والابتعاد عن حبائل الشيطان وحيله ومكره، جعلنا الله من الذين نفرّ منه اليه فإنّه لا ملجأ ولا عاصم إلّا هو سبحانه وتعالى، عظّم الله لكم الأجر بشهادة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وأهل بيته والكوكبة الصالحة من أصحابه، ورزقنا الله تعالى وإيّاكم شفاعته وجعلنا من الآخذين بثأره مع إمامٍ منصورٍ من أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله).
المشهدُ العاشورائي الذي حدث قبل يومين هو ذكرى تتجدّد دائماً وهي شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)، ولا يخفى على حضراتكم الكريمة أنّ هذا المشهد الذي يتكرّر فيه مجموعةٌ كبيرةٌ وهائلةٌ من الصور، وتكمن قدرتنا في كيفيّة الاستفادة من المشهد العاشورائي، وهذا الموضوع -موضوع سيّد الشهداء (عليه السلام)- هو موضوعٌ أساسيّ وحيويّ، وسنتعرّض لما يُمكن ويسع فيه الوقت لذكر بعض ما يتعلّق به سواءً في الخطبة الأولى أو الثانية، هذا المشهد العاشورائي عندما نقف معه ونحاول أن نبذل جهداً كبيراً في أن نستفيد منه سنعرّج أيضاً على الكمّ الهائل من روايات أهل البيت (عليهم السلام) ونحاول أن نقرأها بطريقةٍ موضوعيّة كيف تعاملت هذه الروايات مع سيّد الشهداء (عليه السلام)، نحن نعتقد أنّ مسألة الحسين (عليه السلام) كانت قد أخذت مساحة واسعة وكبيرة من حياة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) سواءً كان قبل الحسين أو بعد الحسين، وهذه نقطةٌ مهمّة أن الحسين (عليه السلام) شغل مساحةً كبيرة لدى الأئمّة من قبله سواءً مع جدّه النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) أو الأئمّة من بعده، وطبعاً هذه المشاهد أو التركيز على سيّد الشهداء فيه مسألة تقفز الى السطح بشكلٍ واضح ولائح أنّ مسألة عاشوراء قُرِنت بقضيّة الحزن والإبكاء، طبعاً عندنا مجموعةٌ من الروايات من المُمكن أن تزوّدنا بها المدرسة العاشورائية، لكن ما يعنينا الآن فعلاً هو هذا الحديث الذي سأعرضه بخدمتكم وسأقف عند موضوع الحزن وموضوع الدمعة وموضوع البكاء، يعني كيف تعامل الأئمّة الهداة (عليهم السلام) مع المشهد العاشورائي من جهة البكاء ولِمَ؟، تعرفون أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قمّةٌ هائلة وكبيرة وله من الفضائل الكثيرة لكنّ الأئمّة (عليهم السلام) ركّزوا الحديث طبعاً من النبيّ منذ ولادة الحسين (عليه السلام) وتفاعل النبيّ (صلى الله عليه وآله) بطريقةٍ تُلفت النظر، ثم جاء أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم جاء الإمام الحسن (عليه السلام) وذكر هذا الكلام الذي سار مع الدهر وهو: (لا يوم كيومك يا أبا عبد الله)، ثم جاء من بعده الحسين (عليه السلام) والأئمّة جميعاً الى الإمام العسكري (عليه السلام)، ثمّ أخذت قضيّة عاشوراء مساحةً خاصّة أيضاً من وظيفة الإمام المهدي (سلام الله عليه)، فإذن نحن مع قضيّة مهمّة وهذه القضيّة غير مختصّة بشيعة أهل البيت فقط وإنّما قضيّة مهمّة تخصّ جميع المسلمين، لأنّ الحدث كان حدثاً في صلب ما يتعلّق بالمسلمين، الواقعة وأطراف الواقعة والحكومة الرسميّة أو الولاة الرسميّون وهذه المسيرة التي انطلق بها الحسين (عليه السلام) ركّز الأئمّة (عليهم السلام) في قضيّة المشهد الحزني، لاحظوا الرواية الشريفة التي نطق بها الإمام الحسين (عليه السلام) وينقلها أبو بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) والإمام الصادق ينقلها عن آبائه قال: (قال أبو عبد الله الحسين (صلوات الله وسلامه عليه): أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمنٌ إلّا استعبر) لاحظوا كم عند الإمام الحسين من الفضائل في يوم عاشوراء، أرجو أن نركّز عندما ننتهي من الخطبة ستعرف ما هو السبب، الإمام الحسين –مثلاً- أعطى الماء الى الحرّ والحرّ في ألف فارس لكن لم يركّز الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) على هذه الواقعة مع أنّها واقعة تدلّ على عظمة سيّد الشهداء (عليه السلام) وعلى طريقة التعامل، قد نقرأها تاريخاً لكن لم تأخذ مساحةً واسعةً من الإمام بحيث كلّ إمام يقول جدّي الحسين صنع مع الحرّ هكذا لكن عندما نأتي الى قضية البكاء والحزن القضيّة تأخذ محلّاً آخر، فكلّ إمامٍ من الأئمّة (عليهم السلام) يفرد مساحة واسعة سواءً كانت في الكلام أو في سيرته السنويّة عندما يدخل شهر محرّم الحرام، وكأنّ هذا الضخّ الروائيّ في قضيّة التفاعل مع قضيّة سيد الشهداء أنّه إيّاكم يا معاشر المؤمنين أن تُفرغوا ثورة الحسين (عليه السلام) من محتواها إذا ابتعدتم عن قضيّة الإبكاء وقضيّة الحسين، هذا لا يُعطينا فهماً لقضية الحسين بشكلٍ حقيقيّ، هذا ما ذكرته الرواية الأولى لاحظوا الرواية الثانية أيضاً عن الإمام الحسين لكن عن طريقٍ آخر يعني رواية أخرى، لاحظوا الإمام الحسين هو الذي يتكلّم وهذا الكلام وصَلَنا من أبنائه يعني الإمام الصادق (عليه السلام) ينقل يقول: قال جدّي الحسين بن علي، وهذه الرواية عن ابن خارجة عن أبي عبد الله قال: (قال الحسين بن علي (عليهما السلام): أنا قتيل العبرة، قُتلتُ مكروباً وحقيقٌ على الله أن لا يأتيني مكروبٌ إلّا أردّه وأقلبه الى أهله مسروراً) الى أن وصلت النوبة الى الإمام الرضا (عليه السلام) ففتح المطلب -كما نقول- بطريقةٍ أكثر إيقاداً لمسألة الحزن، كيف؟ له رواية طويلة من جملة ما قال الإمام الرضا (عليه السلام): (إنّ يوم الحسين -صلوات الله وسلامه عليه- قد أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذلّ عزيزنا بأرض كربٍ وبلاء...) ثمّ قال: (أورِثْنا الكرب والبلاء الى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين (عليه السلام) فلْيبكِ الباكون)، الآن عندما نأتي الى هذا المشهد ماذا أراد الأئمّة (عليهم السلام) -حسب فهمنا القاصر طبعاً- من هذا الضخّ على الإمام (عليه السلام) بحيث الإمام الصادق (عليه السلام) بنفسه الشريفة يعقد مجلساً على الإمام الحسين ويُوصي أصحابه بعقد المجالس، وبعض الأئمّة (عليهم السلام) كان إذا دخل شهر المحرّم يرون أنّ الحزن قد طغى عليه ويكون أشدّ حزنه يوم العاشر من المحرّم، فأصبحت قضيّة الحزن قرينة ومهمّة بل من خلال الروايات أنّ قضية عاشوراء جزءٌ منها لا يتجزّأ قضية الحزن والتفاعل والتباكي مع قضيّة الحسين (عليه السلام)، التفتوا إخواني قطعاً قضيّة الحزن وإيقادها لا تكون على شيءٍ عاديّ بحيث أنّ الناس تعيب على الإنسان إذا حزن على أمرٍ عاديّ يتكرّر، حتى عندما نفقد عزيزاً -أجاركم الله- الإنسان إذا بدأ يبكي ليلاً ونهاراً الناس تصفه بالجزع وأنّ هذا إنسان ضعيف لا يرضى بقضاء الله تعالى، الأمر عادي كلّ إنسان يموت والدنيا عبارة عن موت وحياة، لكن قضيّة الحسين (عليه السلام) لها نحو خاص من ذلك لماذا؟!! طبعاً التعامل مع مشهدٍ كبير ومشهدٍ مهمّ بحيث هذا المشهد المهمّ والكبير جزءٌ من بقائه سواءً في الذاكرة أو بقائه حياتيّاً يحتاج دائماً الى مذكِّر، والعاطفة والبكاء والحزن من أوسع وأكبر الأشياء التي تكون مذكِّرة ومحفّزة لبيان المشهد، وهذا الحزن هو عبارة عن أمر عاطفيّ يشمل جميع الطبقات العالمة وغير العالمة، فهو ليس أمراً فكريّاً دقيقاً لا يقوى عليه إلّا الأوحدون من الناس، وإنّما هو عبارة عن جانبٍ عاطفيّ مركوز في حياة الجميع يحتاج فقط الى نوعٍ من الإثارة والتحفيز، فكان دور الأئمّة (عليهم السلام) إبقاءً لقضيّة الإمام الحسين (عليه السلام) أن يضخّوا هذا الكمّ الهائل من الروايات لعموم من يعتقد بهم ويواليهم، ولذلك بقيت هذه المسألة بحيث أنّ الإمام الحسين والأئمّة يعبّرون عنه بـ (قتيل العبرة)، يعني الطريقة التي استُهدِفَ بها الإمام الحسين (عليه السلام) بحيث لا يذكره مؤمن إلّا استعبر في جميع ما جرى، طبعاً فيما وَصَلنا من واقعة الطفّ وإلّا بعض الصور في واقعة الطفّ لم تصل الينا، يُنسَب كلامٌ للإمام الباقر (عليه السلام) وهو مسموعٌ كثيراً أنّه: لم نذكر كلّ ما جرى على الحسين (عليه السلام)، في واقعة الطفّ الحالات الإبكائية كأنّما هي أكثر ممّا وصلنا من هذا الكمّ الذي حفّز فينا هذا الأمر!! هل البكاء يمثّل حالة الضعف؟! بعض الذين لا يقرأون المشهد العاشورائي بشكلٍ دقيق يحاولون أن يُضيفوا من عندهم أشياء بعيدة عن المشهد، ولا يقتربون من المشهد أصلاً، فهل البكاء حالة ضعف؟!! الجواب: كلّا.. عمليّة البكاء للّذي يقرأ النصوص ليست عمليّة ضعف، عملية البكاء هي عبارة عن عمليّة رفض وهي عبارة عن عمليّة حزن على شيء كبير سواءً كان الحسين (عليه السلام) أو أهل بيته أو شيءٍ أكثر من ذلك، ما هو؟ هو الموقع والمنصب فهذا الموقع والمنصب الذي تأتي بعض الروايات تعبّر: "بقتلك قُتِل التكبيرُ والتهليلُ"، عندما يتصوّر الإنسان هذا الموقع -موقع الإمامة- وكيف تُستباح الإمامة بهذه الطريقة والإمامة هي عبارة عن حقّ من حقوق الله تعالى، الإمامة كالنبوّة القرآن الكريم يقول لإبراهيم (عليه السلام): (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) مع أنّ ابراهيم كان نبيّاً وهذا حقٌّ من حقوق الله تعالى، فالاعتداء على سيّد الشهداء (عليه السلام) يعبُرُ عن كونه اعتداءً على شخصه هو الحسين بن علي وكفى به اعتداءً، لكن يتجاوز الى مرحلة الاعتداء على حرمةٍ من حرمات الله تعالى ألا وهي الإمامة، ولا شكّ أنّ الإنسان عندما يتأمّل ويجرّد نفسه من كلّ ثقافة أخرى يجد أنّ هذا الحقّ من حقوق الله تبارك وتعالى قد انتُهِك بطريقة يدّعي بها المنتهك أنّه مسلم، ولذلك زينب (عليها السلام) عندما تقول: (بدين أبي ودين جدّي اهتديتَ أنت وأبوك) المسألة ليست خاضعةً لشخصٍ عاديّ وإنّما فيها حالة من الإمامة، أكثر من ذلك ما رَبْطُ قضيّة الضعف بسكّان السماوات؟!! الآن لو فرضنا أنّ قائلاً يقول أنّ قضيّة البكاء قضيّة ضعف وقضيّة مظلوميّة مجرّدة، ما علاقة هذا بأهل السماء؟!! سأقرأ النصّ التالي –لاحظوا- في الزيارة الشريفة ماذا يقول المعصوم (عليه السلام)؟ قال: (لقد عَظُمت المصيبةُ وجلّت الرزيّة بك علينا وعلى جميع المسلمين..) إذن الدائرة توسّعت -علينا وعلى جميع المسلمين- لاحظوا النصّ الآخر قال: (لقد عظمت الرزيّة وجلّت المصيبة بك علينا وعلى جميع أهل السماوات والأرض) أيّ ضعفٍ لأهل السماوات عندما تعظم هذه الرزيّة وهذه المصيبة بهذا النحو، إذن المسألة تحتاج تأمّل ويعبّر عنها (عظمت المصيبة على أهل السماوات)، وهناك نصّ آخر (مصيبةٌ ما أعظمها وأعظم رزيّتها في الإسلام وفي جميع السماوات والأرض) إذن نحن أمام مصيبةٍ هي بنفسها عظيمة، وهذه المصيبة العظيمة تحتاج الى من يُلفت نظرنا الى أنّها هي فعلاً عظيمة، لو لم نكن مع هذا الكمّ الهائل من الروايات ومن طريقة الزيارات لضاعت علينا مصيبةُ الحسين (عليه السلام) بشكلٍ قد لا نتعامل معها إلّا بقضيّة تاريخيّة مجرّدة عن كلّ ما رافقها من هذه المشاهد المؤلمة، إذن التعاطي مع قضيّة الحسين (عليه السلام) تعاطي مهمّ، ما هي المشاهد التي لابُدّ أن نتفاعل معها؟ وما هي الحالة التي لابُدّ أن نبقيها على مرّ الأجيال؟ حقيقةً الحالة التي حفظت هذه العلقة ما بيننا وبين الإمام الحسين هو إصرار المؤمنين -أعلى الله تعالى شأنهم- على أن يتفاعلوا مع قضيّة الحسين (عليه السلام) مثلما جاء في الروايات، وهذه نقطة في غاية الأهمّية إخواني أن تتعاملوا مع قضيّة الإمام الحسين مثلما جاء في الروايات، الروايات الشريفة للأئمّة الأطهار (عليهم السلام) على مدى أكثر من مئتي سنة من زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله) الى سنة (255)، يعني منذ قرنين ونصف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ضخّوا هذا الكمّ الهائل من الروايات بحيث أصبحت قضيّة الإمام الحسين (عليه السلام) عصيّة، حتّى حالة الإبكاء عصيّة على أن يقف أحد بوجهها، وهذا جهد بذله الأئمّة الأطهار (سلام الله عليهم) -لأنّ القضيّة قضيّتهم- في التفاعل مع قضيّة الحسين، لذا فإنّ الإنسان الذي يتعامل مع قضيّة الإمام الحسين وفق هذا المشهد وإلّا هناك مشاهد أخرى، وأنا فقط أحببتُ أن أركّز على المشهد الإبكائي، المشهد الذي فيه حالة من الاستعداد النفسي لرفض الظلم، المشهد الذي يبيّن عظم الموقع والمصيبة التي مرّت على آل النبيّ (صلى الله عليه وآله) في قضيّة سيّد الشهداء، إنّما المشاهد كثيرة في واقعة الطفّ قد نعرّج على بعضها في وقتٍ آخر، لكن هذا المشهد لأنّه تعرّض الى كثيرٍ من اللّغط لمن لا يقرأ ولمن أعمَتْه الحالة من أن يرى واقع الحال، وإنّما هذا المشهد حقيقةً هو مشهدٌ إبقائيّ لقضيّة سيد الشهداء (عليه السلام)، الإمام الحسين (عليه السلام) عندما يقول: (أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمنٌ إلّا استعبر) لا يتحدّث عن مؤمنين في عصره وإنّما هي حالةٌ عامّة، وهذه الحالة العامّة تشمل المؤمنين في زمنه والمؤمنين اللاحقين، كلّ من يسمع ويعلم ويرى هذا المشهد العاشورائيّ عليه أن يتفاعل، ولذلك المواكب –مثلاً- من فوائد المواكب الحسينيّة يكون موكب يكون موكبان أو ثلاثة في البداية أمّا الآن المواكب الحسينيّة لا نقوى على عدّها، وهذا المشهد الإبكائي بالطريقة التي تُستدرّ فيها الدمعة ويُبان أنّ للإمام الحسين (عليه السلام) هذا الكيان، ومع ذلك تجرّأ عليه من يدّعي الإسلام وقتله، قطعاً هذه المواكب لها هذا الأثر الطيّب في ضخّ وإبقاء هذه الحالة العاطفيّة التي تتكرّر مع مشهد سيد الشهداء (عليه السلام) في كلّ عام، وطبعاً أين عَمَّم هذا المشهد -التفتوا إخواني- أين عمّمه؟ عمَّمَه على بقيّة الأئمّة بحيث هناك روايات تقول: (يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا) لكن هذا المشهد تعمّم على جميع الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، بحيث أصبح الآن الشابّ والطفل يعرِفُ مَنْ هم أئمّته (سلام الله عليهم) من خلال إحياء المؤمنين لهذه المراسيم على طول السنة، بحيث من السهل الآن على أيّ شاب أن يعدّد أسماء الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، الجزء الباقي من هذا هو هذه الممارسات الحزنية التي أكّدت عليها الروايات الشريفة، وإلّا أهلُ السماء مَنْ هم؟! من هم سكّان السماء؟! بشر؟!! ملائكة؟!! أيّ حالةٍ من الضعف تمرّ بهم وهم يحزنون في السماء؟! هذا المشهد الى الآن نحن لم نقرأه بطريقةٍ مثل ما أراد الأئمّة (سلام الله عليهم)، قد يكون عندنا قصور في هذه المصيبة التي يتفاعل معها سكّان السماوات ويتفاعل معها سكّان الأرضين، وقرأنا بخدمتكم سابقاً رواياتٍ مفصّلة كثيرة أنّ الله تعالى أوكل بهذا القبر الشريف وبأصحابه أيضاً الملائكة تنزل غبراً شعثاً يبكون الحسين (عليه السلام)، فإذن ما حدث في يوم عاشوراء شيءٌ مهول عندما تقول زينب (عليها السلام): (ليت السّماء أطبقت على الأرض)، لأنّ زينب (عليها السلام) عالمة تعرف هول المُصاب الذي سيحدث، ولولا أنّ أمّة النبيّ أمّة مرحومة لوقع فيها ما وقع، نعم يكفي الأمّة أن يقع بعض منها في ضلال باستهدافهم سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، النقطة التي أحببت أن أبيّنها أنّ قضيّة الحزن وقضيّة الإبكاء والبكاء ليست مسألة طارئة على عاشوراء، بل هي مسألة أساسيّة وجزء مهم من قضيّة عاشوراء، وهذه الروايات الصريحة في ذلك تؤكّد بل هذا البقاء للإمام الحسين (عليه السلام) جزءٌ منه هو هذه المجالس التي تستدرّ الدمعة على سيّد الشهداء (عليه السلام).
على كلّ حال نسأل الله سبحانه وتعالى ونحن في أيّام الحزن أيّام محرّم الحرام أن يجعلنا الله تعالى من الذين يتوفّقون دائماً لإحياء مجالس سيّد الشهداء (عليه السلام)، وأن يرزقنا الله تعالى زيارته وشفاعته في الدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين.