ابدت المرجعية الدينية العليا أسفها عمن ما زال يلهث وراء الامتيازات الدنيوية ويسعى الى المزيد من المنافع المادية قبالة نماذج عراقية رائعة من شهداء الحشد الشعبي ممن بلغ القمة في الأيمان والإخلاص والتضحية .
وقال ممثل المرجعية الدينية العليا وإمام جمعتها في كربلاء المقدسة سماحة الشيخ الكربلائي ـــ في مورد مقارنته بين من لبنى نداء المرجعية الدينية في فتواها بالجهاد المقدس وبين من يلهث وراء المناصب وامتيازاتها الدنيوية ـــ بــ " أننا نستصغر انفسنا ونشعر بالخجل أمام هذه النماذج الرائعة من العراقيين الذين بلغوا القمة في إيمانهم وإخلاصهم وتضحيتهم ، ونقف لهم إجلالا واعظاما وهم اهل ليكونوا قدوة وأسوة لنا جميعاً " .
واستغرب سماحته ــــ خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة التي أقيمت بإمامته في الصحن الحسيني الشريف اليوم الجمعة 24 شوال 1437هـ الموافق 29 تموز 2016 م ــــ عن خلو هؤلاء اللاهثون خلف الامتياز والمغنم الدنيوي من مضح ٍ ، في وقت كان المؤمل فيهم والمتوقع منهم ولو بأدنى حد أنه يشابهوا هؤلاء الكرام عطاء وتضحية .
وفي مورد سرده لأحدى قصص شهداء الحشد الشعبي ممن ترك الأهل والأطفال مرضى وبلا معيل ، مستذكرا ما ذكرّته به زوجته من تضحيات البيت النبوي الكريم ، اكد الكربلائي بأن هذه القصص " تحمل أنبل معاني التضحية والإيثار والصبر والترفع عن الدنيا وزينتها سيما وأنها لمواطن عادي لم يحصل في هذا الوطن ومن حكومته على الحد الأدنى من مستلزمات العيش الكريم ، ولم يمنح حتى ما يوفر به العلاج لأولاده المرضى ولكن لم يمنعه ذلك من تلبية نداء الدين والوطن ؛ فترك زوجته وصبيته تحت رعاية الله تعالى ولطفه ومضى باذلا مهجته ليصون وطنه ومقدساته وأعراض مواطنيه " .
وبعد ان وظّف سماحته ايات الجهاد معطوفة بمأثور البيت العصموي عن الجهاد والقتال في سبيل الله ومنازل الشهداء عند مليك مقتدر ، أكد سماحته بأن الله تعالى قد كتب على العراقيين ان يجاهدوا بأنفسهم وبأموالهم دفاعاً عن الارض والعرض والمقدسات أمام هجمة المتوحشين الدواعش " ، معتبرا أنهم أوفوا ما كتبه الله عليهم " فهبّوا شيباً وشباناً وتسابقوا للحضور في جبهات القتال للقيام بهذه المهمة العظيمة ، وقدموا تضحيات كبيرة وحققوا انتصارات مهمة " .
وتضرع سماحته الى الله بأن يمن على العراقيين بتخليص وطنهم من الإرهاب الداعشي بالقريب العاجل .
وفيما يلي النص الكامل للخطبة ...
(( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96)) ( سورة النساء ) .
لقد عظّمت النصوص الشريفة من الآيات القرآنية وأحاديث المعصومين عليهم السلام شأن المجاهدين وجعلت لهم المنزلة الفريدة والأجر العظيم ..
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( فوق كل ذي بر بر حتى يقتل في سبيل الله فاذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر )) .
وعن امير المؤمنين عليه السلام : (( ان افضل ما توسل به المتوسلون الى الله سبحانه وتعالى الايمان به وبرسوله والجهاد في سبيله فانه ذُروة الإسلام )) .
وعن امير المؤمنين عليه السلام : (( ان الجهاد باب من ابواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه )) .
الى غير ذلك من مئات الاحاديث الشريفة الواردة في فضل الجهاد وأهله ، وفي عصرنا الحاضر كتب الله تعالى على العراقيين ان يجاهدوا بأنفسهم وبأموالهم دفاعاً عن الارض والعرض والمقدسات امام هجمة المتوحشين الدواعش ، فهبّوا لذلك شيباً وشباناً وتسابقوا للحضور في جبهات القتال للقيام بهذه المهمة العظيمة ، وقدموا تضحيات كبيرة وحققوا انتصارات مهمة ، نسأل الله تعالى ان يبارك لهم بها ويّتمها في القريب العاجل بتخليص جميع الارض العراقية من الإرهاب الداعشي .
ايها الإخوة الاعزاء والأخوات الكريمات .. أود ان أقص على مسامعكم حكاية رجل من رجال معركة الجهاد للدفاع عن العراق ومقدساته قد ختم الله تعالى له بالشهادة في سبيله ؛ إذ تحمل قصته مبادئ سامية في الجهاد والتضحية والايثار من اجل هذا الوطن وعزة أهله ، يحسن بنا ان نتوقف عند تلك المبادئ والقيم لنستلهم منها دروساً لمسيرة حياتنا الحاضرة .
هو مواطن بسيط لا يملك شيئاً من الدنيا غير زوجة صالحة وثلاثة من الأولاد الصغار ولكنهم جميعاً مرضى ، خرج من داره حاملا ً هموماً أثقلت كاهله متوجهاً الى ساحات القتال ، استوقف على قارعة الطريق احد جيرانه الذين عاشروه فعرفوه بدماثة الخلق وحب مساعدة الآخرين وقد اعتادوا يومياً سماع فصول الآذان وترتيل القرآن تصدح بها حنجرته ، وّدع جاره موصياً إياه بوالديه المسنين وأطفاله .. التفت وراءه وجال ببصره هنا وهناك .. لم يجد غير مساكن بسيطة متفرقة شيدها أصحابها بعرق جبينهم ، وتراءى له ابنه الصغير يقف خلف نافذة غرفتهم التي كانت دون زجاج يرمقه بنظرة مزجت بين ألم الفراق والاعتزاز بأب مثله ، تأمل وجه الولد مليّاً ليتساءل مع نفسه ماذا لو أصابته ـــ ايام غيابه ـــ نوبة إغماء نتيجة لمرضه وهو لم يترك لدى أمه ما تراجع به المستشفى وتشتري به الدواء .. وأطلت عليه ابنته الوحيدة وقد اعتلى محياها الحزن والوجوم ، فهي تخفي بيدها ورما بان في رقبتها لتضخم في الغدة الدرقية وهي بحاجة الى عملية جراحية ولكنه لا يملك كلفة تلك العملية، وتذكر طفله الرضيع الراقد في المستشفى منذ ايام وهو ينتظر اباه ليعود به الى البيت ، وقف لدقائق يراجع نفسه ويخيرها بين رعاية اولاده الثلاثة المرضى وبين تلبية نداء الوطن الذي ينزف من جراحاته ويدعوه للدفاع عنه ، أيهما أهم وأكثر الحاحاً ؟
وهنا سمع صوت زوجته الصابرة المؤمنة تقول مستنهضة لعزيمته وأيمانه : " لا تقلق فللأطفال أمهات ترعاهم ولابد للوطن من رجال يدافعون عنه .. تذكر إمامك الحسين عليه السلام ، هل ترك القتال ليبقى مع ولده العليل زين العابدين عليه السلام في خيمته ؟ وهل تركه لأجل ريحانة فؤاده فاطمة عليها السلام ؟ لقد ترك الامام الحسين عليه السلام لمحبيه درساً ما بعده من درس في هجرة الاهل والأحباب تلبية لنداء الواجب .. اذهب يا زوجي الى الجبهة ولا يهمك ما يعانيه أطفالك من أمراض ! اين هي من أمراض اصابت ضمائر من اؤتمنوا على ارض العراق وثرواته وشعبه فخانوا الامانة وخذلوا الشعب.. اذهب وناصر اخوتك المجاهدين لتمنعوا الارهابيين الاشرار من ان يدنسوا مقدساتنا وينتهكوا أعراضنا .. ان جهودكم وتضحياتكم هي التي ترسم مستقبلنا بالعز والكرامة وتمنحنا الامن والامان وتوقف المجازر التي ازهقت فيها آلاف الارواح البريئة ومنها ارواح مئات الاطفال ممن هم بأعمار أطفالك الثلاثة " .
سارع هذا البطل الى ساحات الجهاد حتى نال ـــ بعد ايام من القتال الضاري مع عصابات داعش ـــ وسام الشرف والعزة والكرامة ، وسام الشهادة تاركا وراءه زوجة مؤمنة صابرة واطفالا ً ثلاثة مرضى مستخلفاً الله تعالى عليهم لتقر عينه بلقياهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
ايها الإخوة والأخوات ... هذه قصة شهيد من الشهداء الكرام ، تحمل أنبل معاني التضحية والإيثار والصبر والترفع عن الدنيا وزينتها ، هو مواطن عادي لم يحصل في هذا الوطن ومن حكومته على الحد الادنى من مستلزمات العيش الكريم ، لم يمنح حتى ما يوفر به العلاج لأولاده المرضى ولكن لم يمنعه ذلك من تلبية نداء الدين والوطن ؛ فترك زوجته وصبيته تحت رعاية الله تعالى ولطفه ومضى باذلا مهجته ليصون وطنه ومقدساته وأعراض مواطنيه .
أننا نستصغر انفسنا ونشعر بالخجل أمام هذه النماذج الرائعة من العراقيين الذين بلغوا القمة في إيمانهم وإخلاصهم وتضحيتهم ، ونقف لهم إجلالا واعظاما وهم اهل ليكونوا قدوة وأسوة لنا جميعاً .
ولكن في المقابل ، وللأسف ؛ هنالك اخرون ما زالوا يلهثون وراء الامتيازات الدنيوية ويسعون الى المزيد من المنافع المادية في حين كان المتوقع ان يكون فيهم ـــ في الحد الأدنى ـــ شبه بهؤلاء الكرام في العطاء والتضحية ، ولكنهم أبوا ان يكونوا كذلك ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
اللهم وفقنا لطاعة من سَدّدنا ومتابعة من ارشدنا واذا اشتكلت علينا الامور فوفقنا لأهداها واذا تشابهت الاعمال فوفقنا لأزكاها واذا تناقضت الملل فوفقنا لأرضاها ، انك قريب مجيب .