في سياق خطبته الأولى ، وبعد قراءته للدعاء الثاني من ادعية الصحيفة السجادية المباركة ، اكد خطيب جمعة كربلاء المقدسة سماحة السيد احمد الصافي (دام عزه) خلال خطبته الدينية التي القاها في الصحن الحسيني الشريف يوم الجمعة 13/ ربيع الاول/1437هـ الموافق 25/12/2015م ، على ضرورة الالتفات الى نِعم الله تعالى وشكرانها ، خصوصا تلك الكبرى منها ، والتي يستشعر الفرد منها بأن له فيها سعادة الدارين الدنيا والآخرة وبالأخص منها نعمة الله ومّنته علينا بنبيه الأكرم محمد صلى الله عليه وآله .
وبخصوص مناسبة ولادة الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، تطرق الصافي الى بديع الكلمات التي استعملها الامام السجاد عليه السلام في دعائه هذا ، وما يمكن وصفه بأنها في منتهى الدقّة خصوصا تلك التي تصفه صلى الله عليه وآله وسلم بأنه " إمَامِ الرَّحْمَةِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ ومِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ " .
وفي مورد حديثه عما لاقه نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من أذى في مورد كونه بشرا ، تحدث الصافي عن ما تعرض له من معارضة شديدة من قبل قومه ، فضلا عما لاقاه من مكروه وتعب وجراحات في ذلك ، في وقت كان هو الواسطة الوحيدة بين السماء والأرض ، الا أن ذلك لم يجعل من مسار رسالته سهل ولا مّعبد بالورد .
كما تطرق سماحته الى ضرورة البذل والتصحيح الدائم ، بالاستفادة من الشخصية الأعظم في التأريخ ـ شخصية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ ومنها توظيف الاحتفالات في ذكرى ولاته العطرة باعتبارها إحياء لذكراهم وأمرهم ـ اهل البيت ـ كما اكد على ذلك الائمة الهداة بـ (احيوا امرنا) ، عادا اياه ـ الإحياء هذا ـ إستمدادا للسنة وتأسي وإقتداء بصاحبها صلوات الله عليه وعلى آله وسلم .
هذا وقد جاء فيها ما يلي :
من جملة ما قال الامام زين العابدين (عليه السلام) وهو الدعاء الثاني في الصحيفة الموسومة بالصحيفة السجادية المباركة قال (عليه السلام )
( وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّد نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله دُونَ الاُمَمِ الْمَـاضِيَةِ وَالْقُـرُونِ السَّالِفَةِ بِقُدْرَتِهِ الَّتِي لاَ تَعْجِزُ عَنْ شَيْء وَ إنْ عَظُمَ، وَ لا يَفُوتُهَا شَيءٌ وَإنْ لَطُفَ، فَخَتَمَ بِنَا عَلَى جَمِيع مَنْ ذَرَأَ وَ جَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَى مَنْ جَحَدَ وَكَثَّرَنا بِمَنِّهِ عَلَى مَنْ قَلَّ. اللّهمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد أَمِينِكَ عَلَى وَحْيِكَ، وَنَجِيبِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَ صَفِيِّكَ مِنْ عِبَادِكَ، إمَامِ الرَّحْمَةِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَ مِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ، كَمَا نَصَبَ لاِمْرِكَ نَفْسَهُ ، وَ عَرَّضَ فِيْكَ لِلْمَكْرُوهِ بَدَنَهُ، وَكَاشَفَ فِي الدعاء إلَيْكَ حَامَّتَهُ وَ حَارَبَ فِي رِضَاكَ أسْرَتَهُ وَقَطَعَ)
لاحظوا اخواني الانسان عندما يلتفت الى نِعم الله تعالى.. ذكرنا قبل فترة ان قدرة الانسان تختلف من فرد الى آخر قد الواحد منّا يرى ان كل النعمة التي انعمها الله تعالى عليه لا تخلوا ان تكون دريهمات معدودة .. وآخر يراها تنحصر في بيت.. وآخر يراها تنحصر في صحة.. وآخر يراها تنحصر في موقع اجتماعي.. نعم هذه كلها نِعم تستوجب الشكر لكن فرق بين نعمة الانسان يستشعر بها حسيّاً وبين نعمة اخرى كبرى الانسان يستشعر ان هذه افادته سعادة الدارين الدنيا والآخرة..
ولذلك هذا الدعاء الشريف يربط هذه القضية يقول : (وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّد نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله دُونَ الاُمَمِ الْمَـاضِيَةِ وَالْقُـرُونِ السَّالِفَةِ) اذن هذه اخواني بنفسها نعمة قطعاً تحتاج الى توجه وشكر والامام (عليه السلام) ايضاً يحمد الله تعالى ..
الدعاء لكنني اقف عند بعض الموارد باعتبار هذه الايام هي ايام ولادة الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ..
ثم بعد ذلك قال الامام زين العابدين (عليه السلام) : (اللّهمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد أَمِينِكَ عَلَى وَحْيِكَ، وَنَجِيبِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَ صَفِيِّكَ مِنْ عِبَادِكَ، إمَامِ الرَّحْمَةِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَ مِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ)
اخواني الامام (عليه السلام) يستعمل كلمات في منتهى الدقّة للتعريف برسول الانسانية (إمَامِ الرَّحْمَةِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَ مِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ)..
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) امام الرحمة وهو قائد الخير ، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يقودنا الى شيء غير الخير وهو قائد الخير بكل ما جاء به ، ومفتاح البركة وهذه المسألة يستشعرها من يعرف طرق الوصول الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والى آهل الاطهار من خلال هذه الآثار الكبيرة التي خلفتّها هذه البعثة المباركة والولادة المباركة ..
ثم يقول الامام السجاد (عليه السلام) : (كَمَا نَصَبَ لاِمْرِكَ نَفْسَهُ ، وَ عَرَّضَ فِيْكَ لِلْمَكْرُوهِ بَدَنَهُ)
هذا فيه اشارة واضحة وصريحة ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنتيجة بشر الله لم يجعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ملك من الملائكة وانما بشر وهذا البشر يتأذى في موارد اذية البشر عندما يجرح وعندما يرهق لكن نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تختلف قطعاً وهذه النفس كانت تحمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على ان يكون واسطة بين السماء والارض فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما اعلن دعوته وعندما جاهد لاشك عورض ومعارضة شديدة فيقول الامام (عليه السلام) : (وَ عَرَّضَ فِيْكَ لِلْمَكْرُوهِ بَدَنَهُ) وهذا البدن تعرض الى مكروه والى تعب وجراحات كما في بعض الغزوات.. هذا المكروه لمن ؟ لله تبارك وتعالى وهو الذي لا ينطق عن الهوى .. هذا المديح للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى يستشعر كل منّا ان مسألة الرسالة لم تكن مسألة سهلة ومعبدة بالورود..
البعض تصوّر كونه مجرد نبي لابد ان تدار له جميع الاشياء.. قطعاً المسألة ليست كذلك .. النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حورب وتألم كثيراً من مجتمعه بل من بعض قرابته وهذا الألم وهذه الاذية بل كما نُقل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ما أوذي نبي مثلما اوذيت) فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : (ما أوذي نبي مثلما اوذيت) ان هذه الاشياء كلها من ألم وأذية لاقوها الانبياء (عليهم السلام) لكن عندما تُقارن مع اذية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قطعاً أذية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ستفوق سواء كان في نفسه او في ابنته او ذريته الى يومنا هذا ..
الامام السجاد (عليه السلام) يبين مجاهدات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الخاصة ليست مسألة النبوة هي مسألة امر ونهي فقط وانما جهد وهذا الجهد جهد من نوع خاص يقول (عليه السلام) : (وَ عَرَّضَ فِيْكَ لِلْمَكْرُوهِ بَدَنَهُ، وَكَاشَفَ فِي الدُّعَآءِ إلَيْكَ حَامَّتَهُ وَ حَارَبَ فِي رِضَاكَ أسْرَتَهُ وَقَطَعَ)
(وَكَاشَفَ فِي الدُّعَآءِ إلَيْكَ حَامَّتَهُ)
كاشف في الدعوة والرغبة اليك حامته وخواصه واقربائه وهذه الحامّة بالحاء خصوصيات الشخص، كاشفهم حريص على ان يكونوا معه في إحياء دينه..
ثم الامام (عليه السلام) يقول : (وَ حَارَبَ فِي رِضَاكَ أسْرَتَهُ وَقَطَعَ)
هناك فئة في هذه الجهة وفئة في جهة اخرى والحرب قائمة مشتعلة بينهم على ماذا؟! لماذا الانسان يحارب ولماذا يتخذ عدوا ؟! لابد من وجود سبب .. تارة السبب يريد ان يتوسع في الارض ويقضم ما استطاع ان يقضم الاراضي هذا الاسلوب اسلوب طمع ..
وتارة الانسان يحارب لمبدأ حرصاً منه على ان هؤلاء سينتهي الامر بهم الى ضياع فيقول : (وَ حَارَبَ فِي رِضَاكَ أسْرَتَهُ وَقَطَعَ) في الوقت الذي لابد ان تكون الاسرة هي الحامية فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجعل هذا هو المناط في الرجوع للاسرة بعنوان الاسرة بل بالعكس رفع راية مخالفة لما الفه البعض حتى ان عمّه بذل كل ما في وسعه من اجل ان تقف دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا تصل لأحد واستعان مع زوجته في سبيل ان يوقف دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ..
اخواني الآن ما شاء الله في عالمنا اعداد بالملايين ينتمون الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نسباً فهذه ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ملأت الخافقين هؤلاء الذريّة المكرّمة عليهم ان يلتفتوا الى ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انما جاء بهذا المجد والخلود لأن هذه كانت صفاته فهو لا يفعل الا وفق هذه النظرية (دائماً لله) قد تكون صعبة علينا لكننا لابد ان نعلمها اولا ً حتى نحاول قدر الامكان ان نعمل.. اما اذا كان ينتمي لكنه غير مرتبط وليس له علاقة فاعتقد ان المسألة تكون صعبة ..
اخواني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء بالمعجز لكن سلوك طريقه ليس بالمعجز فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء بالقران وخلّف فينا الثقلين لكن البقاء على منهاجه وسنتّه ليس امراً معجزاً ..
لابد من بذل وتصحيح ولابد من الرجوع .. ومع هذه الشخصية المعظّمة لابد ان لا نيأس ولابد ان نتجه .. ولذلك اخواني في قضية الاحتفالات والمناسبات احياؤها مهم ولابد ان اخرج بفائدة ما قبل وما بعد .. فالائمة عليهم السلام يقولون (احيوا امرنا) فالقضية ليست قضية تصفيق مثلا ً وانما قضية معرفة هذه الشخصية التي نحتفي بها وهذا الاحياء حتى نستمد منه السنة والاسوة والطريقة وهذا الكلام الذي بيّنه الامام زين العابدين (عليه السلام) ..