ألقى أستاذ الحوزة العلميَّة العلَّامة السيِّد أحمد الصافي المحاضرة العلميَّة الأولى لشرح دعاء أبي حمزة الثمالي في شهر رمضان المبارك 1446، بحضور مسؤولي العتبة العبَّاسيَّة المقدَّسة وخَدَمتها وجمع من الفضلاء وطلبة العلوم الدينية. المحاضرة ضمن سلسلة المحاضرات التي ألقاها سماحته في السنوات الماضية، في شرح دعاء أبي حمزة الثمالي للإمام السجاد (عليه السلام)، وانطلقت في هذا الشهر الفضيل مجدَّدًا لشرح ما يتعلَّق بهذا الدعاء ومضامينه. وتطرَّق سماحته إلى موضوع رحمة الله سبحانه وأهمية التنافس الحقيقي بين المؤمنين في طلب رحمته سبحانه، التي وسعت كل شيء، خصوصاً في شهر رمضان المبارك، مبيِّنا أن دعاء أبي حمزة الثمالي يمثِّل مجموعة من القيم التربوية التي يجب على المؤمن التأمُّل فيها وتطبيقها. وجاء في نص المحاضرة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. بَدْءًا نسأل الله تعالى أن يكون هذا الشهر المبارك شهر خير على الجميع في قبول الطاعات والأعمال ورفع الدرجات. قبل أن أبدأ بالدعاء الكريم، واقعا أتشكَّر من كل الإخوة الأعزَّاء الذين طوَّقوني بجميل العبارات ومحمود الأفعال، وأعتقد أنه قد بالغوا فيما يتعلَّق بي، حقيقة ما أنا إلا عبدٌ قد أثقلت ظهري الذنوب، سائلين الله تبارك وتعالى أن يتلطف الإخوة على هذا العبد بالدعاء، خصوصا في هذا الشهر الشريف، حيث الشهر الذي فيه أفضل ألطاف الله تبارك وتعالى علينا. الإنسان كلما زادت محبة إخوته له زادت مسؤوليته، وفي الواقع أنا أعجز على أن أرد عشرة أعشار ما طوَّقني به الإخوة من الكلام ومن الدُّعاء، واحتسب ذلك عند الله تبارك وتعالى، أن يجزيكم الجزاء الأوفى وألَّا يريكم في أنفسكم وفي أهليكم ومتعلقيكم وجميع من تحبون إلا خيرا، وأن الله تعالى يبعد عنكم مضلات الفتن، وأن يبارك دائما في أعمالكم وفي أقوالكم، وإن شاء الله أبقى دائم الدعاء لكم. الشيء الوحيد الذي يمكن أن نتنافس عليه جميعا وهو مشروع (رحمة الله سبحانه وتعالى)، هذا الشيء الذي يفترض أن لا ينفكَّ عن اهتمامنا. لا شك أننا كمخلوقات شيء من هذه الأشياء، وأن رحمة الله وسعت كل شيء، ولأنني كإنسان شيء من الأشياء في هذا الوجود، وطمعي وطموحي أن أشمل برحمة الله سبحانه وتعالى. وهذا الدعاء مطلوب خصوصا في هذا الشهر المبارك الذي تنزَّل فيه هذه الرحمات الكثيرة، نسأل الله تعالى كلما أنسانا سبحانه في العمر، كان العمر في طاعة الله تعالى، ونعوذ به سبحانه أن يكون العمر في معصيته، فإذا كان العمر في معصيته سبحانه، الإنسان حينها قطعا سيتمنَّى الموت حتى لا يزداد عصيانا لما له من الآثار، نسأله (جل وعلا) أن يتلطف على الجميع بالعفو والمغفرة وأن يبارك بكل جهد عمله الإخوة، والحمد لله أوَّلًا وآخرا وظاهرا وباطنا. طبعًا هذا الدعاء الشريف دعاء أبي حمزة الثمالي أصبح من الأمور الواضحة بالنسبة إلى المؤمنين في شهر رمضان المبارك، وقد تكلَّمنا عن هذا الدعاء كثيرا في السابق، لكن في كل فترة نحتاج إلى تنبيه، لا أقول برهانا - فإن البرهان يكون على القضايا النظرية التي تحتاج إلى استدلال - وإنما أقول "تنبيه"، لأن التنبيه يتعلَّق بالقضايا البديهية التي يلتفت إليها الإنسان بمجرد أن يتأكد هذا المعنى عنده. هذا الدعاء الشريف هو عبارة عن مجموعة فقرات تربويَّة، وعلى الإنسان دائما أن يتأمَّل كل فقرة من الفقرات ليحاول أن يربِّيَ نفسه من خلالها، وهذه من معاجز وكرامات الأئمة (عليهم السلام). طريقة الأئمة (سلام الله عليهم) مع المؤمنين ومع شيعتهم تختلف، هم الراعي ونحن الرعيَّة، فهم يحاولون أن ينقذوا رعيَّتهم من خطوب هذه الدنيا، حتى أن الإمام (عليه السلام) كان يتحدَّث مع أحدهم عن مضلات الفتن وآخر الزمان، وهذه الشخص بدأ يتخوَّف، فالإمام (عليه السلام) قال: "لأمرُنا أبين من هذه الشمس"، لأن الأئمة (عليهم السلام) وضَّحوا تقريبا كل شيء. كلما اقتربنا من أحاديث الأئمة (عليهم السلام) ازددنا إيمانا وازددنا حصانة أيضا، كيف تعامل الأئمة خلال 250 عاما مع المؤمنين، أي خلال قرنين ونصف، الأئمة (عليهم السلام) كانوا يربُّون شيعتهم.. المؤمنين، من خلال تعليمهم المسائل الفقهية والعقديَّة والأخلاقية والتربوية، لم يتركوا شيئًا إلا وبيَّنوه، ونحن نحتاج إلى تنبيه حول تراث الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، ونحتاج أن نعرف كيف نقرؤه؟، قد يُشْكِلُ أحد ويقول: القراءة سهلة!! أنا لا أقصد القراءة الأبجدية، أقصد كيف نتأمَّل؟ كيف نتعامل مع النصِّ التشريعي؟، سواء كان النص القرآني أو النص الذي جادت به أفواه النبي والأئمة الأطهار (عليهم الصلاة والسلام) مع الاهتمام الكبير بهذا التراث. الآن نحن نمجِّد نهج البلاغة، ومن حقِّنا أن نمجِّده، لكن أن نتعامل مع نهج البلاغة بالمعنى الذي أراده أمير المؤمنين (عليه السلام) - وهو إمام الأمة - هذا أمر لا يحصل عند الكثيرين، وإنما القلة الذين يفكرون في ذلك. نتعامل مع الصحيفة السجادية - مثلاً- ونمدحها، لكن أن نعيش مع الصحيفة السجادية حقًّا، هذا لا يناله إلا القلة. دعاء أبي حمزة الثمالي، أدعية شهر رمضان، كذلك هذا الدعاء قطعا المراد منه المعنى الذي فيه، الإنسان يقف أمام الله ويطلب ويستغفر ويدعو، لكن الطريقة التي يبيِّنها الإمام (عليه السلام) في تأليف الدعاء نحن نعجز أن نبيِّنها حتى إن كنَّا نستشعر بها، الإمام (عليه السلام) في بلاغته وفي علمه وفي عمق تفكيره يبيِّن طريقة الدعاء مع الله سبحانه وتعالى، وهذه تنعكس إيجابيًّا على سلوكيات المؤمن إن طبَّقها. النبي (صلى الله عليه وآله) يقول (أدَّبني ربي فأحسن تأديبي)، والنبي (صلى الله عليه وآله) حريص على أمته، وكل شيء من علم وما له دخل في تربية وتكامل الإنسان وسعادته في الدارين، أعطاه لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وأمير المؤمنين حريص أيضا على أمَّته وكل شيء مما ورثه عن النبي (صلى الله عليه وآله) أعطاه إلى الإمام الحسن ثم هو بدوره أعطاه للإمام الحسين (عليهما السلام) وهذا المعروف عندنا بكونه ميراث النبوة، وهكذا وصولاً إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، إلى أن أعطي إلى الإمام الحجة (صلوات الله وسلامه عليه)، فصَدَرَ من الأئمة (عليهم السلام) ما صَدَرَ خلال القرنين ونصف مما ينفعنا في الدارين، وبقية الأمور ما زالت مكنونة عند صاحب العصر(عجل الله فرجه)، لكن هذا الذي صدر يكفينا بهذا المقدار في النجاة، ولذلك فإن الأئمة (عليهم السلام) حرصوا جدًّا على أن يقربونا إلى الله (تبارك وتعالى) ويبعدونا عن الشيطان، السبب! لأن الشيطان اتخذ على نفسه عهدا، أن هذا العهد هو (لأُضِلَّنَّهُم أجمعين)، وسبق وذكرنا أن وظيفة الشيطان هي الغواية، فلا يمكن أن يتركنا إطلاقا لشأننا، ولذا فنحن لا بدَّ أن نكون على حذر منه، الإنسان يعبد الله تعالى ويدعوه ويأتي بالقُربات، لكن يجب أن لا يكون من الغافلين، وتقدمت هذه الفقرات في الدعاء في المحاضرات السابقة، إذًا لا يمكن للإنسان أن يغفل دائما، من خلال سعيه لامتلاك بصيرة بما يفعله، لكي تكون عنده رقابة أكيدة على الشيطان. الإمام الصادق (عليه السلام) أيضا يشير إلى إشارة تتعلق من باب التذكرة، نحن تقدم منا كلام في هذا الدعاء حتى نربط الموضوع السابق بما يأتي قال، (ولا تجعل ثوابي ثوابَ مَنْ عَبَدَ سواك فإن قوماً آمنوا بألسنتهم ليحقنوا به دماءهم فأدركوا ما أمَّلوا وإنا آمنَّا بك بألسنتنا وقلوبنا لتعفو عنا فأدركنا ما أمَلْنا وثبِّت رجاءك في صدورنا)، هذه الفقرة انتهينا من شرحها في السابق، والآن نبدأ بقوله (ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدُنك رحمة إنك أنت الوهاب)، هذه العبارة الشريفة هي مضمون آية في سورة آل عِمران الآية الثامنة، فيها هذا المعنى (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)، الآية تتحدث عن "المحكم والمتشابه" و"الراسخون في العلم" ثم هذا الدعاء، نعيد الدعاء حتى نقف عنده لأن مضمونه كبير جدا، (ربنا لا تزغ قلوبنا) هذا الشق الأول (بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب). الزيغ هنا بمعنى الميل، والإنسان مرات يقال: ناله زيغ، يعني انحرف، فهذا المقطع يطلب فيه الداعي من الله تعالى دعاءً مُستَقْطَعاً من الآية الشريفة (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (آل عمران 8) أن لا تجعل قلوبنا تميل. متى يطلب منه ذلك؟ لاحظوا الدقة في الآية (بعد إذ هديتنا)؛ إذاً نحن أمام قضية قد تبدو خطيرة، وهو أن الإنسان بعد أن يهتدي، لا يرفع عنه القلم ويقال إن الأمر انتهى، وهذا إنسان مهتدٍ!! بل يجب أن يكون مهتديا إلى آخر عمره. المسألة ليست هكذا، وإنما الإنسان لا بدَّ أن يكون - كما قلنا - على حذر لأن من الممكن أن ينحرف، وهذا الانحراف يعتبر من الأمور التي تهدِّد وجود الإنسان في الدنيا، (لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا)، كيف للإنسان أن لا يزيغ قلبه، الإنسان يقول أنا مهتدٍ وأؤمن بالله تبارك وتعالى وبرسوله وبالكتب والملائكة وبالإمامة وعملي أيضا جيد، مع ذلك القرآن الكريم يقول لا بدَّ أن ندعو بهذا الدعاء، (لا تزغ قلوبنا) لأن القلب إذا مال قطع الموجبات، فتتم تهيئة الأمور للميل والانحراف. مثلاً قرر الإنسان أن يحبَّ الدنيا، لكن لم يظهر الأمر على محيَّاه وسلوكه، لماذا؟ فقط لأنه لا توجد فرصة أمامه حتى تظهر مكنونات نفسه، لكن هو في داخله يحب الدنيا، ظاهرًا هو مهتدٍ ويأتي بما يأتي به المؤمنون، لكن في مكنون نفسه ينتظر الفرصة ليستغلَّها. في مضمون بعض الروايات هناك البعض من يأتي بالأعمال الصالحة ومنها صلاة الليل، لكنهم إذا جاءتهم الفرصة، التعبير يقول (وثبوا عليها)، وقد تقدم سابقاً هذا الحديث الشريف، حيث إن الإنسان يترقَّب بمجرد أن تأتي الفرصة فيستغلها، لذا فالإنسان لا بدَّ أن يكون على حذر. بعض الصلحاء مشهور بالتقوى، فيسأل ويقول لو كنت مكان يوسف (عليه السلام) ماذا كنت تفعل؟، وهنا على العاقل أن يتأمل بالجواب. النبي يوسف (عليه السلام)، كانت أمامه كل أسباب المعصية، باعتبار الطرف الآخر زليخة، وكانت زوجة العزيز، والكل يستجيب لها، النبي يوسف (عليه السلام) عندما امتنع عن مطلبها، فإن الله تعالى عصبه من ارتكاب الرذيلة، مع التفاتة النبي يوسف (عليه السلام) إلى أنه لا يمكن أن يخون الله تبارك وتعالى وإن كان الظرف كله مهيَّأً له، فعندما سئل ذلك العبد الصالح عن إمكانية أن يفعل ما فعله النبي، تأمل في الجواب، ثم قال "ليت تلك الساعة لم تكن"، لم يقل نعم أنا أعمل مثل ما عمل يوسف، قال ليت الساعة لم تكن، أيام وقت الاختبار شديدة على الإنسان، فالرواية الشريفة عن الإنسان المبتلى بالمرض له من الأجر كذا وكذا، ثم يقول الإمام لكن "اسألوا ربكم العافية"، عندنا في الصحيفة، دعاء العافية، الإنسان إذا ابتلي بمرض، بشدة، بفقر، ما معلوم يبقى على وضعه الطبيعي، لأن هذه من موجبات الميل. النبي (صلى الله عليه وآله)، لاحظوا شخصيته، شخصية عظيمة، كونه يأتي بأخبار السماء، هذا الوجود المبارك لا مثيل له، فلا شك هو يجذب كل أحد إلى الهداية في كلامه، في مشيه، في أخلاقه، في كل شيء، لكن لم يتوفق البعض مع أنه في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) أن يهتدي بهداه، بل البعض كان ظاهراً مع النبي (صلى الله عليه وآله)، لكن بمجرد أن وقعت معركة أحد مثلاً يصيبه نوع من الاهتزاز، القلق، يقول أنا أؤمن بالنبي (صلى الله عليه وآله) كيفما اتفق، كلمة على لسانه، لكن عندما فعلا يُختبر يرى نفسه، لا!، يبدأ يشكِّك، يبدأ يُشكل، يبدأ يقترح!! على الإمام (عليه السلام) كذلك، يبدأ يُشكِّك، من قال موقف الإمام (عليه السلام) صحيح؟ يحاول الشيطان أن يسوِّل له، أنه عندما تكون عندك معلومات ممكن تكون أكثر من الإمام (عليه السلام)!!! فيأتي يبيِّن إلى الإمام (عليه السلام) ثم يستشكل على الإمام (عليه السلام). هذا نوع من أنواع الزيغ، لماذا؟، حينما يوطِّن الإنسان نفسه على الطاعة ما دمت في حالة الرخاء، أما إذا ادلهمَّت الخطوب، والإنسان اختبر اختبارًا شديدًا، ما معلوم الإنسان يبقى على ما هو عليه!! أحدهم من أصحاب الأئمة كان معروفاً، بمجرد أن الإمام (عليه السلام) توفَّى - الواقعة مشهورة - أنكر موت الإمام (عليه السلام)!! لا أنكر اعتقادا قلبيًّا، بل اعتقد فعلا أن الإمام الكاظم (عليه السلام) هو الإمام المهدي (عليه السلام)!!!، فـي داخل نفسه أن الإمام (عليه السلام) مات، لكن طمعًا بما عنده من الأموال، غيَّر عقيدته تمامًا!! والإمام الرضا (عليه السلام) يقول حشي قبره نارًا (هذا بعد ذلك الحدث)، توفَّى في زمن الإمام الرضا (عليه السلام)، طمعا بما عنده من أموال، مع أنه شخصية كبيرة ليست شخصية هامشية عادية، كان يدخل على الأئمة (عليهم السلام) وينقل روايات، وعندنا مجموعة من الروايات تنسب إليه، علي بن أبي حمزة البطائني، وأمثاله. ما الذي دعاهم إلى ذلك؟! دعاهم إلى ذلك هو الزيغ، كأن هذه القلوب لم تكن قد وطَّنت نفسها على كل شيء يستجد عليها، فبمجرد أن مُحِّصت نفسه سقط في البلاء. الإمام الحسين (عليه السلام) يقول (النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا ، وَالدِّينُ لَعِقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ ، فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُون)، لم ينقل الإمام (عليه السلام) حالة استثنائية، بل ينقل حالة عادية، الإنسان عندما يبتلى غير ما هو نفس الإنسان خارج الابتلاء، نعم الأئمة (عليهم السلام) تعاملوا مع الناس على ظاهرهم، والإمام (عليه السلام) يعلم أن مصير فلان سيكون مآله كذا وكذا، فيتعامل على ظاهر الأمر، وهذا ينسحب على علاقتنا بالعلماء، نحن لسنا مأمورين أن نشكل على العلماء، التقليد في الفروع حاكم كل أمورنا، ولذلك الإنسان في وقت ما، يتحمل الموقف، والإنسان في العادة عجول، لا يتحمل الموقف، يريد دائماً أن يعترض أو يحتجَّ، وهذا زيغ، هو كان مهتديا، يعني هو لم يكن في صف المنافقين، ولا في صف الكافرين، نعم هو في سلسلة المهتدين، لكن بلحظة من اللحظات ممكن الإنسان بدأ قلبه يميل إلى غير الحق. قصة الزبير معروفة، لم يتحمل فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، بمجرد أن يُذكَر أمير المؤمنين (عليه السلام)، يقول إنَّ عليًّا فيه زهو!! لم يتحمَّل، النتيجة ما هي؟ قاتلَ أمير المؤمنين (عليه السلام)، بمجرد أن صارت فرصة، غاب النبي (صلى الله عليه وآله)، هو يطمح أيضاً أن يكون شخصية لها كيان خاص!!، لم يقبل بداخله أن ينقاد لأمير المؤمنين (عليه السلام)، نعم انقاد لغير أمير المؤمنين (عليه السلام)!! قاتلَ أمير المؤمنين (عليه السلام)، هذا زيغ. الإنسان في الدنيا يبتلى بابتلاءات، ممكن يجرب أن ينهض صباحاً الآن، ويمسك ورقة وقلما بينه وبين الله تعالى، ويحاسب نفسه، لماذا لا أرتاح إلى زيد؟، لا أحد يسمعه، لكن عندك أيها الإنسان قدرة حقيقية أن تحاسب نفسك؟ لأني أحسده، ثبت، لم يعمل لي شيئا فلان لكن أنا أحسده!! محبوب بين الناس، علاقته طيبة، ذُكر بمنقبة، أنا لم أذكر بمنقبة، فلان ذكر بمنقبة، فيبدأ ينكِّل به، كل هذا نوع من أنواع الزيغ. وهكذا الإنسان تمرُّ عليه أشياء كثيرة لا بدَّ أن يراقب نفسه، "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا"، هذا منهج أهل البيت (عليهم السلام)، الآية الشريفة (ربنا لا تزغ قلوبنا) وردت في مورد فيه آيات فيها مُحكم ومتشابه، آيات شريفة بها مُحكم وبها متشابه، الذي في قلبه زيغ يذهب إلى المتشابه لا يذهب إلى المحكم، لا يذهب إلى الواضح، يذهب إلى المتشابه، يحاول أن يتعلّل بأشياء حتى يبتعد عن الحق. المسألة حقيقةً تحتاج إلى قدرة على الصبر، إلى فهم، إلى وعي، لا تحتاج إلى علم فقط، أرجو الالتفات، لا تحتاج إلى علم فقط، علم مع سيطرة النفس، كي لا تذهب يمينا، إبليس كان من العلماء، ماذا يصنع، ماذا يفعل؟. لكن إبليس استخدم القياس في التشريع بما تهوى نفسه!!، فخرج عن طاعة الله (تبارك وتعالى)، فلم ينفعه علمه. إذا إضافة للعلم نحتاج إلى نفس مربِّية، ورعة، سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) في بداية شهر رمضان، ما هو أفضل عمل في شهر رمضان قال (الورع عن محارم الله)، الورع أمر، عموماً، دائماً، مطلوب لكنه في شهر رمضان له خصوصية. ذكرنا فيما مضى، أن الشياطين مكبَّلة فيه، وأبواب النيران مغلقة وأبواب الجنة مفتوحة، لذا فهي فرصة لكي يعوِّد الإنسان نفسه أن يكون ورعاً، ما أجمل هذه الكلمة وما أصعبها، لا أقول معدومة، فما شاء الله كثير من المؤمنين كذلك، ما شاء الله تعالى صفاتهم لا شكَّ أفضل مني بكثير، لكن على الإنسان أن ينتبه، يقول (ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب)، عبارة المجانسة ما بين الفعل والاسم، وهب لنا، لاحظوا هذا سبق وذكرنا علاقة بين أسماء الله تعالى والطلب، يقول وهب لنا من لدنك رحمة، ماذا وصفه؟ إنك أنت الوهاب، عندنا واهب وعندنا وهاب، كلاهما صفة تعود إلى الله تعالى، الله هو واهب العطاء، واهب الخير، واهب العطايا. تارةً لا، أتعامل مع الله أنه وهاب، أستشعر بداخلي ما أعطاني الله تبارك وتعالى، (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)، هذه الكلمة ليست كلمة مجازية، بل كلمة حقيقيَّة، كل نعمة من نعم الله تعالى، الإنسان لا يستطيع أن يعدها، فالله تعالى وهاب. على الإنسان أن لا يستنكف أن يدعو الله تعالى للمزيد من رحمته، لا يستنكف العبد، لا بدَّ له دائماً أن يطلب، فكل شيء هو من الله تبارك وتعالى، والعبد يحتاجه، والله من باب تربية ذلك العبد، يريد أن يسمع كلامه لفائدته هو لا لله. في مضمون الرواية الشريفة أن بعض الفاسقين يستجاب دعاؤه، المؤمن يؤخَّر، فلسفة ذلك الرواية تبينها: لأن الله تعالى يحب أن يسمع دعاء العبد، شكايته، مظلوميته، يحب أن يسمع يقول له يا الله، هذه الرقَّة، هذه العَلاقة بين الرب وعبده هي لتربيته، فنعم الربُّ ربُّنا، يقول سيد الشهداء (عليه السلام) ويخاطب أعداءه يقول "بئس العبيد أنتُم"، حيث إن الله تعالى وهاب، الله يعطي، حيث إنه وهب لنا رحمةً، الرحمة سبق - وكثيرًا - أن تكلّمنا بها ونبقى نتكلَّم بها، هذه الرحمة إذا أُعطيت للإنسان والرحمة تسبق الغضب كما قلنا سابقاً. هناك سباق بين الرحمة والغضب، سباق، من المبدأ إلى المنتهى، أي من نقطة بداية إلى نقطة نهاية، لو تصوَّرنا الرحمة مع الغضب، يتسابقان معاً، والسباق لا بدَّ له من مبدأ ونهاية، الآن إذا رأيت شخصاً يركض وحده، لا تقول هذا يتسابق، يريد أن يتلهَّى، المتسابق لا بدَّ أن يصل إلى هدف، هذا متعارف الآن، السباقات من يسبق من؟، تنطلق من هذه النقطة إلى تلك النقطة، ويبدأ كل إنسان بجهده يريد أن يصل إلى هدف قبل صاحبه، فالرحمة تسبق الغضب في الوصول إلى نهاية ما، أين المنتهى؟، منتهاهما أنا وأنت. هناك موجبات إلى أن الغضب ينزل عليَّ أنا العبد، توجد موجبات، نعم لأني عاصٍ، وهناك موجبات الرحمة، الله تعالى، رحيم ورؤوف، الله تعالى حنَّان، الله تعالى منَّان، أُعدَّت كأنه هذا وقت الرحمة، إذاً الرحمة تسبق الغضب في الوصول للإنسان، وبهذا انتهى كل شيء. لا يجب الإنسان أن يدخل الجنة ثم يخرج إلى النار، بالعكس أهل النار تشرئب أعناقهم إلى أن تأتيهم رحمة الله (سبحانه وتعالى) ويخرجوا، هذا الأمل، أما أهل الجنة يذهب إلى النار فلا، فيقول لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، اجعلنا يا إلهي دائما في سلك الهداية وهب لنا من لدنك رحمة، و"هب"، لاحظوا، الهبة لا تحتاج إلى شروط، الله (سبحانه وتعالى) لإرادته مصلحة لا يعلمها إلا هو، هب لهذه الرحمة، بعض الرواة عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول، كأن هذا الراوي أنا طلبته، استوهبته من الله تعالى، فوهبه لي - لعله بكير أو غير بكير- لاحظ، استوهبته من الله تعالى، الله وهبه، الله تعالى إذا وهب شيئاً انتهى، دخلنا في هذه السعة من الهبة، والله لا يهب قليلا فهذا لا يناسبه، الله يهب بما يتناسب مع رحمته سبحانه وتعالى، مع عطائه، ولذلك وسعت دائماً هذه العبارة مع الرحمة، وليس فقط رحمة، وسعت هذه الرحمة كل شيء. ماذا تتصور الآن الأشياء في ذهنك، الرحمة أكبر، فالإمام (عليه السلام) يريد أن يستمطر رحمة الله تعالى، نريد هذه الرحمة، فطلب من الله تعالى هذا، قال (وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنكَ رَحْمَةً إنَّكَ أَنْتَ الوهاب)، انظر الإمام الصادق (عليه السلام) قبل أن ننتقل إلى هذه الفقرة، عبارة دقيقة جدًّا عن العياشي هكذا ينقل، يقول (أكثروا من أن تقولوا ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا)، ثم قال (ولا تأمن الزيغ)، كلمة في منتهى الروعة، أكثروا لكن لا تأمنوا الزيغ. بعض أولاد الأئمة (عليهم السلام)، يذهب إلى خليفة ذلك الوقت، يقول له خليفتان في وقت واحد!! قال له من؟ قال أنت في بغداد وموسى بن جعفر (عليه السلام) في المدينة، هو هنا يشي بالإمام الكاظم (عليه السلام)!! والإمام الكاظم (عليه السلام) عمه، لماذا؟!، هو الزيغ لا غير. عاش في هذا البيت الكريم الشريف، لكن مع ذلك يطمع بما عند الآخرين!! حفنة من الدراهم، سرعان ما نفدت أو لا يحصل عليها أصلاً!! هذا نوع من الزيغ، لا تأمنوا الزيغ. لا يوجد طلب في القرآن، أو دعاء في القرآن، إلا فيه نكتة أو التفاتة علمية، وهذه النكتة للإنسان، إذ لا بدَّ أن يكون دائما على سلامة من دينه، هذا العنوان المهم، بقية الأمور هيِّنة. الإنسان ممكن أن يتأذَّى من مرض، من فقر، من ضغوطات الحياة، لكن عنده شيء يجب أن لا يخسره، وهو دينه، وهذه منافذ إبليس، حيث يبقى معنا موسوساً إلى الموت، دعاء الإمام (عليه السلام) لأولاده في الصحيفة السجادية بهذا المعنى، يبقى إبليس إلى الموت وحتى في ساعته!!!، تريد أن تتشهَّد فيقف إبليس أمامك يقول لك لا تقل هذه الكلمة!!، بل في قصص كثيرة من ثقات، نعم المؤمن المتقي يهرب منه. إبليس لا سلطان على هؤلاء الأعاظم، كالعلماء، وقبلهم - بلا شك - المعصومون (عليهم السلام) أيضا، لكن الإنسان عليه أن لا يأمن الزيغ والعياذ بالله. ثم قال (فوَعِزَّتِكَ يا سَيِّدِي لَوْ نَهَرْتَنِي ما بَرِحْتُ مِنْ بابِكَ وَلا كَففْتُ عَنْ تَمَلُّقِكَ)، ما ألهم قلبي مِنَ المَعْرِفَةِ بِكَرَمِكَ وَسَعَةِ رَحْمَتِكِ إلى آخرِه، نأتي إلى هذه الجُملة قال (فَوَعِزَّتِكَ)، لا حظوا اليمين، الإنسان يقسم، لكن يقسم على الله بأي شيء، تارة أقسم عليه برسول الله (صلى الله عليه وآله) أقسم عليه بالإمام (عليه السلام)، أقسم عليه برحمته، أقسم عليه بالعزة قال (فوعزَّتِك) والعزة هي منعة، الله تبارك وتعالى هو العزيز، والعزة لا يمكن أن يقابل بضدها، أي الذلة، فهي ليست من صفات الله والعياذ بالله، حتى المؤمن، ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين، المؤمن دائماً عزيز، نعم بعض الابتلاءات الإنسان لا يفقهها بأنها مُقرِّبة له إلى الله تعالى، هو لا يفقهها، المؤمن دائماً عزيز، فالداعي يقول (فوعزتك) لاحظوا (لو انتهرتني)، انتهرتني يعني زجرتني، زجرتني أشبه بالطرد، كقول أحدهم نهرتني عن الباب، يعني زجرتني، بعبارة مثلا: لا تقف على الباب، وباب الله تعالى وصف معنوي، فالله ليس عنده بابٌ ماديٌّ، نعم المسجد من أبواب الله، الحرم الشريف، مكة المعظمة، لكن الله تعالى ندعوه في كل آن فالله تعالى أبوابه مفتحة دائما. الإشكال فيَّ أنا كإنسان مقصِّر، قد لا أكون محلًّا قابلاً لأن يستجاب لي، مع ذلك عليَّ أن لا أيأس يقول (فوعزتك لو انتهرتني) أي لو زجرتني ما برحت من بابك، ما برحت بمعنى ما تركتها، ما غادرتها، بمعنى سأبقى أنا على بابك. هناك عبارة جميلة يبيِّنها الإمام (عليه السلام) وهذه مع الله تعالى جدًّا ممدوحة، وهو عبارة التملّق، التملُّق هو إظهار المودة ونحن في بعض الحالات نستعملها استعمالا في الجانب السلبي، نقول فلان يتملق إلى فلان، يعني يظهر له المودة، وهو غير محبِّ له، بل طمعا في ما عنده من منصب ومال في كذا وكذا،!!، لكنه مع الله أمر طيب وأسلوب دارج مع الله تعالى، أي تملُّق محبوب، لأن الله تعالى بيده كل شيء فلا بدَّ أن أتملق إلى الله تعالى، آتيه من كل باب، أرجو أن نلتفت الى هذه النكتة، آتيه من كل باب يحبُّه. أفكر بيني وبين نفسي أي باب من الأبواب الله يحبُّه، باب الصلاة مثلا؟، الصلاة خير، من شاء استقل ومن شاء استكثر منها، فأصلي لعلي أتملق بها، آتيه من النبي (صلى الله عليه وآله)، جيد، فلا يوجد أشرف من سيد الخلق، آتيه منه، أو من السيدة الزهراء (عليها السلام) أو من سيدي شباب أهل الجنة (عليهما السلام) وهكذا. وهذا كله حال أني أترقَّب فيه من الله تعالى أن يستجيب لدعائي، وإذا متُّ وأنا دائم الدعاء والتملق فأموت على خير، لا يوجد أفضل من ذلك، إن الإنسان مات وهو يدعو الله تعالى. قصة سمعتها من بعض الشخصيات المحترمة، لاحظوا ما دام ذكرنا النبي (صلى الله عليه وآله) فإنها تنفع شاهداً، النبي (صلى الله عليه وآله) كأنه مرة من المرات قال للصحابة: إن هذه الساعة يستجاب لكم فيها الدعاء، ادعوا ما شئتم، فدعوا، طبعا لاحظوا هنا وعي الإنسان يبين بماذا يدعو؟ طبعاً المحتاج بيتا دعا بالبيت، والمحتاج يتزوج دعا أن يتزوج، والمحتاج عملا .هكذا، كلٌّ يدعو بما يحتاجه، فالنبي (صلى الله عليه وآله) ذكر عبارة قال "لو كان أويس القرني هنا لدعا بغير ما دعوتم"، أويس القرني من اليمن، وكان برًّا بوالدته وهو لم يحظَ برؤية النبي (صلى الله عليه وآله) كأنه جاء إلى المدينة والنبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن فيها، ثم جاء بعد ذلك في زمن الخليفة الثاني. بعض الصحابة سمعوا حديث النبي (صلى الله عليه وآله) ذاك وحين جاء أويس صار في ذهنهم أن يستفهموا من أويس؟، تعالَ يا أويس نحن سمعنا النبي (صلى الله عليه وآله) ذكرك والحديث القصة كذا وكذا، فلو كنت في زمنه ماذا كنت تدعو؟، قال لو كنت في ذلك الوقت وهذا الدعاء لقلت إلهي - لاحظوا أن الدعاء مستجاب في هذه الساعة كما ذكر النبي حينها - إلهي أبقِ محمداً إلى يوم القيامة، قطعا هذا وعي لا يكون عند الآخرين، وإذا كان الدعاء مستجابا، ففي نتائجه كل الخير، فأويس عقل ما البعد الكبير لبقاء النبي (صلى الله عليه وآله) على قيد الحياة، فماذا ينتظر لو كان حاضراً تلك اللحظة إذ أخذ ضمانة من الله تعالى بالقبول؟! بقاء النبي هو محط الرحمة ومحط الخير، وإذا بقي (صلى الله عليه وآله) فعلاً إلى يوم القيامة حسب ما كان يطلبه، فيعني بقاء كل الخير بوجود النبي (صلى الله عليه وآله)، بقية الأمور تذوب مع هذا الوجود المعظم. من هذا نفهم أن الإنسان لا بدَّ أن يدعو، وبما فيه الخير. تتمَّة الدعاء.. (ولا كففت عن تملقك) ما قرأناها قال (لو انتهرتني ما برحت من بابك ولا كففت عن تملقك)، ما أكف عن التملق هذا، الآن شهر رمضان، من الليلة الأولى ثم الثانية إلى الثلاثين لا أعلم في أي ساعة يستجاب الدعاء فيها، لا أعلم في أي وقت من النهار يستجاب الدعاء، والدعاء إذا قرن بالرضا تمت الإجابة في هذه اللحظة، فممكن أنَّ الله رضي عنك لأنك أكرمت أمك، أكرمت أباك، أكرمت أستاذك، أكرمت يتيماً، في هذه اللحظة ادعُ الله تبارك وتعالى لأنه يستجيب الدعاء، توفَّقت أن تكون في مكان من الأمكنة التي رغب الله أن العبد يدعو فيها، حينها ادعُ. شغلنا الشاغل أن ندعو، ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم، شغلنا الشاغل هو علاقة الإنسان مع الله، علاقة الدعاء، وهذا مطلب إخواني مربٍّ، على الإنسان دائما أن يدعو الله حتى لا يُنسى، وهو أمر صعب يوم القيامة (اليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا)، من الصعب جدًّا، الله طبعاً لا ينسى، لكن أثر النسيان يقصد به أن لا يهتم لأمره تلك اللحظة!!، ونحن كبشر لو أن الله لم يهتمَّ بنا فما الذي نصنعه؟!. النبي (صلى الله عليه وآله) يهتم، وهو يطيع الله تعالى، ولا يمكن أن يفعل النبي (صلى الله عليه وآله) فعلاً لا يرضي الله تبارك وتعالى، فالشاهد لا بدَّ دائماً أن ندعو الله، ونكون على حذر بالمراقبة للنفس، لأنها أمرٌ مهم، وذلك حذراً من الزيغ. الإمام الصادق (عليه السلام) كما قلنا قال "ولا تأمنوا الزيغ"، وقصص من هذا عجيبة غريبة. واحد ممكن أن يراجع التاريخ ويرى الناس في بداية حياتهم، أشخاص بمجرد أن عرضت لهم الدنيا طلَّقوا الآخرة ووثبوا عليها، ثم قال لما (أُلهِم قلبي من المعرفة بكرمك وسعة رحمتك) طبعاً أُلهِم قلبي تمام الإلهام، وأن يوقع في القلب شيئا، لكن نحن نعرف أيضاً إضافة إلى الإلهام، أن الإنسان عنده معرفة وبرهان إلى أن الله سبحانه وتعالى لا يفعل إلا الخير وعنده علم، عنده معرفة، طبعاً المعرفة تختلف عن العلم، عادة المعرفة تكون مسبوقة بجهل، عرفت الأمر يعني كنت جاهلا والآن عرفته، ولذلك لا يقال على الله إنه عارف، لأنه غير مسبوق بجهل، والعياذ بالله، نعم يقال له عالم، والعلم لا يشترط أن يسبق بجهل، نعم مقابلها صفة الجهل، فالعلم لا يشترط أن يكون مسبوقا بالجهل، بخلاف المعرفة، إذ ممكن أني لم أعرف والآن عرفت يقول (ألهِم قلبي من المعرفة بكرمك وسعة رحمتك) سبق وذكرنا إخواني الأعزاء بعض الصفات، لا بدَّ أن تستثمرها، أنا أفهم وأعلم وأعرف أن الله تعالى كريم، فلا بدَّ أن أستثمر هذه الصفة، أعرف أن الله تعالى واسع الرحمة، فأن أستثمر هذه الصفة، واستثماري يكون بهذا بالدعاء، يعني أستفيد من بركات الوجود بركة خير محض كما يقول الفلاسفة. من بركات الإنسان في الدنيا هذا الوجود الذي الله أفاض علينا، أستفيد منه في أني دائماً أطلب من الله تبارك وتعالى، وأستثمر هذه الصفات ولا أجعلها تغيب عني، الكرم والرحمة وسعة الرحمة والرأفة، والله حنَّان منَّان، الله رازق، لا بدَّ أن أستفيد بالمقابل، أبعد نفسي عن تلك الصفات المخيفة الموجبة للعقاب، لأن الله شديد العقاب، الله تعالى ينتقم، الله جبار. طبعاً أتعوذ بالله تعالى من أن يشملني هذا، وإنما أتمسك بما أُمرت، فلاحظوا هذا الدعاء كثيرا ما مرت علينا صفات الرحمة، وممكن جنابكم تحصونها بورقة وقلم، كم مرة جاءت لفظة الرحمة في هذا الدعاء والرحمة ومشتقاتها؟، لأن الدعاء الآن هو الاستعراض أمام الله تعالى لاستمطار الرحمة والاستفادة من هذه الليالي الكريمة للوقوف بين يدي الله تعالى، ولاحظوا أدعية السحر فيها نكتة دقيقة، الإنسان ينفرد مع الله إذ لا مجال للرياء حتى يراني فلان، فكل شيء بيني وبين الله تعالى عندما ينفرد به العبد. حقيقة هو يأخذ راحته في أن يخاطب المولى (سبحانه وتعالى)، وهذه الصفات تؤدي أن لا بدَّ للإنسان أن يخرج من الدعاء وقد حصل على شيء، لا بدَّ وهذا الشهر الشريف ثلاثون ليلة، إن الله تعالى يتمُّها على الجميع بالقبول ويخرج الإنسان بمقدار ما يتحسس فيه أن رحمة الله تعالى قد شملته، على كل حال هذه الجلسة الأولى نختم وإن وفقنا الله سبحانه وتعالى نأتي إلى بقية الفقرات القادمة. نسأل الله سبحانه وتعالى العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة وأن يتقبل أعمالكم في هذه الليالي المباركة وأن يغفر لنا ولكم ويوفقكم دائماً لكل خير بمحمد وآله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.