عادت الانقسامات حول المسائل المالية بين الدول الغنية والفقيرة للظهور على السطح مرة أخرى بعد تقدم بعض الدول بخططها لمواجهة التغير المناخي إلى الأمم المتحدة.
قالت الهند، صاحبة النصيب الكبير من الانبعاثات الضارة، إنها تحتاج إلى 2.5 تريلليون دولار لتحقيق أهدافها فيما يتعلق بمواجهة تلك الظاهرة.
وقال الفلبين إنها بدون الحصول على مساعدات مالية، لن تتمكن من خفض مستوى الانبعاثات الضارة لديها.
في المقابل، قالت الأمم المتحدة إن الخطط المعروضة عليها تزيد إمكانية التوصل إلى اتفاقية دولية للتصدي لآثار التغير المناخي.
ونجحت 148 دولة من إجمالي 196 عضوا بالأمم المتحدة في تقديم خططها قبل الموعد النهائي، وهي الخطط التي تسميها المنظمة الدولية المساهمات المقررة المحددة وطنيا التي تعتبرها أساسا للعمل على تدارك آثار التغير المناخي في فترة ما بعد عام 2020 عند دخول الاتفاق المقرر التوصل إليه بين الدول الأعضاء قريبا حيز التنفيذ.
وتغطي تلك المساهمات قرابة تسعين في المئة من انبعاثات الكربون على مستوى العالم .
ومن المقرر أن تكون تلك الخطط جزء محوريا من اتفاقية دولية لمواجهة آثار التغير المناخي تأمل الدول الأعضاء في توقيعها في باريس في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وقال محللون مستقلون بمرصد التغير المناخي إن التقدم بتلك الخطط يعني أن العالم يسير في اتجاه ارتفاع درجة حرارة الأرض بواقع 2.7 درجة مقارنة بمستويات الحرارة في فترة ما قبل ازدهار الصناعة.
ويتجاوز هذا الرقم مستويات ارتفاع درجة حرارة الأرض المقبولة لدى المتخصصين، إذ تبدأ خطورة التغير المناخي بعد الارتفاع درجتين مقابل مستويات درجة الحرارة قبل النمو الصناعي.
مع ذلك، جاءت تقديرات المحللين المستقلين أقل من التوقعات التي أشارت في وقت سابق إلى إمكانية الارتفاع بواقع 3.1 درجة، وهو الرقم الذي توصلت إليه الأمم المتحدة بعد تقدم عدد أقل من الدول الأعضاء بخططها.
وأشاد الكثيرون على المستوى الدولي بمساهمة الهند التي وعدت بتقليل الانبعاثات الضارة، لكنها لم تتعهد بالحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
قال وزير البيئة البريطاني السابق ريتشارد بينيون إنه من الجدير بالاهتمام انضمام الهند إلى فئة الدول المتقدمة والنامية التي وضعت على الطاولة تعهدات جادة قبيل قمة باريس لمناقشة التغير المناخي.
أرقام مرعبةفي نفس الوقت، انتقد بعض خبراء البيئة خطة الهند، مؤكدين أنها تتضمن زيادة هائلة في استخدام الفحم كمصدر للطاقة.
قال بوجاريني سين من منظمة السلام الأخضر لقد أحبطتنا تلك المساهمة، إذ لم نر بها أي أهداف تتضمن استخدام الطاقة المتجددة.
وأضاف أنهم يتحدثون عن أربعين في المئة من الطاقة الكهربية التي تنتج اعتمادا على موارد غير حفرية بحلول عام 2030، ولكن هذه النسبة لا تتضمن استخدام الطاقة المتجددة. فهناك حديث عن استخدام الطاقة النووية والسدود العملاقة.
وتقول الخطة الهندية إن تحول الهند إلى فئة الدول قليلة الانبعاثات الضارة تبلغ تكلفته حوالي 2.5 تريلليون دولار، وهو رقم مرعب، خاصة في ضؤ عدم- توضيح الخطة لكيفية تدبير تلك الأموال الطائلة.
فالخطة لم تحدد الجزء الذي ستتمكن الهند من توفيره من تلك الأموال اعتمادا على مواردها الخاصة، والجزء الذي تتوقع الحصول عليه من خلال مساعدات المجتمع الدولي والاستثمارات.
وتضمنت الخطة المكتوبة التي تقدمت بها الهند بعض الإجراءات المقترحة للسيطرة على التغير المناخي والتى تبدو أنها مشروطة بالحصول على أموال من الدول الأكثر ثراء.
تقول الخطة إن النجاح في تنفيذ المساهمة المقررة المحددة وطنيا مشروط بإبرام اتفاقية دولية طموحة تتضمن مزيدا من وسائل التنفيذ توفرها الدول المتقدمة.
وتعهدت الدول المتقدمة بتوفير 100 مليار دولار للدول النامية لمساعدتها على التعامل مع ظاهرة التغير المناخي في إطار خطة زمنية تمتد إلى عام 2020، لكن وزير البيئة الهندي رأى أن التكلفة سوف تتجاوز هذا الرقم إلى حدٍ بعيدٍ.
يقول الوزير الهندي براكاش جافادكار: أقول للعالم إن فاتورة الإجراءات اللازمة للتصدي للتغير المناخي تتجاوز مئة مليار دولار، وربما تصل إلى تريلليونات الدولارات الواجب توفيرها كل عام.
وأضاف أن الدول سوف تتحمل مسؤوليتها كل على حدة، لكن العالم الذي ثبت تاريخيا أنه مسؤول عن انبعاثات الكربون التي نعاني منها اليوم، لابد أن يتحرك إلى نقطة أبعد من المئة مليار دولار.
رسالة تحذيريةوقالت ليز غالاغر، المسؤولة بأحد المراكز البحثية المتخصصة في الشؤون البيئية، إن الشي الوحيد الذي لا زال يفتقر إلى الوضوح المطلوب هو مسألة تمويل إجراءات التصدي للتغير المناخي.
وأضافت أنهم يستخدمون الخطط المقدمة كوسيلة لتوجيه رسالة تحذيرية للدول المتقدمة تتضمن أنها لم تدرك بعد ما عليها فعله.
وركزت خطط بعض الدول على قضية الخسارة والأضرار التي تتعرض لها جراء التغير المناخي، وهي القضية التي أصبحت مثار جدل واسع النطاق في الآونة الأخيرة، إذ تطالب بعض الدول النامية الدول المتقدمة بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بها جراء التغير المناخي.
لكن هذه الفكرة تلقى مقاومة شديدة من الدول المتقدمة، خشية إلقاء مسؤوليات قانونية على عاتقها فيما يتعلق بتلك الأضرار.
وكانت الفلبين من الدول الأكثر وضوحا في خطتها في هذا الشأن، إذ ربطت بين إمكانية خفض انبعاثاتها الضارة بواقع 70 في المئة بما يمكن أن تحصل عليه من أموال كتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بها جراء تلك الظاهرة.
وجاء في الخطة المقدمة للأمم المتحدة من الفلبين أن خطة الفلبين تفترض أن الخسائر والأضرار الناتجة عن التغير المناخي والظواهر المتطرفة لن تتطلب توجيه موارد مستدامة إلى إعادة التأهيل والبناء، ما من شأنه التأثير سلبا على قدرة البلاد على تحقيق أهداف التنمية الوطنية.
وضمنت دول أخرى خططها أرقاما محددة للخسائر التي تعرضت لها جراء التغير المناخي على مدار السنوات الماضية، فصربيا، على سبيل المثال، قدرت خسائرها الناتجة عن تلك الظاهرة بخمسة مليارات يورو بسبب الفيضانات وموجات الجفاف التي حلت بها في الفترة بين عامي 2000 و2015.
وبذلك، من الممكن أن يؤدي التركيز على الخسائر والأضرار إلى تأثير سلبي قوي على مفاوضات باريس المقرر عقدها في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وتقول ليز غالاغر إن هناك خطوط حمراء قانونية لبعض الدول، بما فيها الولايات المتحدة، لا يمكن تجاوزها وصولا إلى قضية التعويضات وما يعنيه التركيز عليها.
وأضافت لكن الخيار السياسي والمنطقي يقتضي أن تكون قضية الخسائر والأضرار في قلب الاتفاقية، وهو ما أتوقع أن يكون تحديا هاما.
ومن المقرر أن يلتقي المفاوضون في بون الشهر المقبل لمراجعة مسودة اتفاقية جديدة قبيل مؤتمر باريس الذي من المقرر عقده بعد جلسة بون بشهر واحد.