في كل عام ومع بزوغ فجر يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول تتوارى الشمس حياءً وخجلاً من سطوع نور النبوة والإمامة وولادة سيد الأنبياء والمرسلين محمد "صلى الله عليه وآله" الذي بعثه الله هداية ورحمة للعالمين لينقذهم من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإيمان والتوحيد، وحفيده عميد الصادقين ولسان الناطقين الإمام جعفر بن محمد "عليه السلام"، واحتفاءً بهذه المناسبتين المباركتين، وغمرة الأفراح التي يعيشها العالم الإسلامي، شهدت العتبة الكاظمية المقدسة، وبرعاية كريمة من معالي رئيس ديوان الوقف الشيعي خادم الإمامين الكاظمين الجوادين الدكتور حيدر حسن الشمّري احتفالاً مركزياً بهيجاً بحضور أعضاء مجلس الإدارة، والأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة، ووفود العتبات المقدسة العلوية والحُسينية والعباسية، ووفود المزارات الشريفة، ووفد رئاسة مجلس الوزراء، ورئيس ديوان الوقف السنُي، ووزير الثقافة والسياحة والآثار، وأمين بغداد، وعددٍ من الشخصيات الدينية والحكومية والاجتماعية، وجمع غفير من زائري الإمامين الكاظمين الجوادين "عليهما السلام".
استهل الحفل بتلاوة آيات من الذكر الحكيم شنف بها قارئ العتبة المقدسة الشيخ عامر الخفاجي أسماع الحاضرين، أعقبها كلمة كلمة ديوان الوقف الشيعي وألقاها خادم الإمامين الكاظمين الجوادين الدكتور حيدر حسن الشمّري جاء فيها قائلاً: (يسعدني في هذا اليوم أن أبارك للعام الإسلامي خاصة، والإنساني عامة هذه الذكرى العظيمة التي تمرّ على البشرية كلّها، وهي تتطلع إلى أفق السماء، ليُعلن لها ولادةُ من هو رحمة للعالمين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، والتي تتزامن مع ولادة حفيده الإمام جعفر الصادق "عليه السلام" أنه النور الذي عمّ الأرض والسماء يوم مولده المبارك، ليكون الشاهد المبشِّر، والداعي إلى الله الأحد: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا)، فأيُّ سراج كان محمد "صلى الله عليه وآله وسلّم" في الأمة، وأيُّ هداية كانت للبشرية بوجوده، إنه صاحب الخُلق الرفيع الذي لا يدانيه أحد من الخلق أجمعين، فقال عزّ وجل فيه (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)، إنه محمد الأوصاف، أحمد الأفعال.
وأضاف: علينا أن نكون امتداداً حقيقياً لهذه الرحمة، من خلال التمسك بالشريعة المقدسة، وجعلها منهجاً راسخاً في واقعنا، لنكون مصداقاً لتلك الأسوة المباركة، ونكون من أتباعه وأنصاره وشيعته العاملين بنهجه الداعين إليه، وعلينا أن نستضيء بأنوار قرآنه الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولنحافظ على نعمة الإسلام التي نحن عليها، ونجعلها زاداً مادياً ومعنوياً في تربية أبنائنا، والحفاظ عليهم من الانحرافات المختلفة، وتحصين شبابنا بروح الإيمان والعقيدة الإسلامية، لنراهم رجال المستقبل الذين يتجلى فيهم حُبّ الدين والوطن، وعلينا أن نعمل بكلّ ما أوتينا من قوة من أجل ترسيخ معالم المحبة والأخّوة والوحدة، كما قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، وعلينا بالتواصل والتعاون للحفاظ على بلدنا وأبنائنا وخيراتنا كلها، والدفاع عن مقدساتنا الإسلامية، وبذل الجهود من أجل التعريف بها في مناهجنا التعليمية، وندواتنا ومجالسنا ومحافلنا وديمومة المطالبة بالحقوق المشروعة فيها، وخصوصاً القدس الشريف أولى القبلتين وثاني الحرمين، فلا نرضخ لأي دعوة ظاهرة أو باطنة للتنازل أو التنزُّل عن هذه الحقوق المقدسة بأسباب دنيوية واهية.
فلقد أكد القرآن الكريم والسُنة الشريفة وسيرة علمائنا ومرجعيتنا المباركة على أهمية الوحدة والتعاون والتكاتف من أجل رفعة الإسلام ومقدساته، وعلينا أن نكون أهلاً لتلك الدعوات المباركة، ونظهر معالم السرور والابتهاج بأيام ربيع الولادة في هذا الشهر الميمون، وبأبهى الاحتفالات الرسمية والشعبية لا أن تكون ذلك في يوم واحد، بل لنجعل من يوم ولادته أسبوع الوحدة الإسلامية).
وبعدها كان لشاعر أهل البيت الاستاذ حاتم صبري الكاظمي قصيدة بهذه المناسبة بعنوان: (وحي المشاعر) مطلعها:
وَحي المشاعِرِ في توصيفكَ انطلقا *** والشعرُ زَخرَفَ وَجهَ القلبِ لا الورقا
أهلاً وسهلاً رسول الله رتلت الـ *** الآيات سُبحانَ من لـ المصطفى خلقا
عبدٌ إليك فلا تعتقْ عبيدك لا *** ما قيمة العبدِ .. لا يسوى إن انعتقا
وكان لفرقة إنشاد الجوادين مشاركة بهذه المناسبة بعدها أجاد الشاعر محمد الفاطمي بقصيدة غرّاء بعنوان: (يا رسول الله) مطلعها:
كم من حديثٍ قد تناول ذِكرنا *** ويمُّر بالأذهان أحيوا أمرنا
وحُسين منّي من حديث المصطفى*** في كلّ وقتٍ بات يشغل فكرنا
أونذكر المختار نوقد شمعةً *** أم إننا بالنحرِ نكتبُ نصرنا
بعدها تألق الرادود عمار الكناني بروائع الكلمات والأهازيج معبّراً عن الولاء المُطلق لصاحبي الذكرى "عليهما السلام".
ثم استمع الحضور إلى أوبريت (محمد رسول الله) تلك اللوحة الإبداعية من كلمات الشاعر خادم الإمامين الجوادين السيد نبيل أبو العيس، وألحان خادم الإمامين الجوادين مصطفى الكناني، وإنتاج قناة الجوادين، ليختتم الحفل البهيج بتكريم الجهات الإعلامية المشاركة في زيارة الأربعين، وتكريم الفائزين في مسابقة فن الرسم التي أقيمت ضمن فعاليات مهرجان ربيع الولادة بنسخته الثالثة.