تطور النشاط المصرفي وأثره على النشاط الاقتصادي :

تنهض المصارف بدور ريادي مهم في اقتصاديات دول العالم كافة , فهي تقوم بتمويل المشاريع الاقتصادية وخدمة برامج التنمية من خلال الاستثمارات الهادفة الموجهة , ويعود نشوء المصارف الى فترات القرون الوسطى عندما كان الافراد يودعون ما يمتلكون من الذهب والفضة ومعادن نفيسة اخرى لدى صاغة الذهب والصيارفة لحفظها في خزانتهم خوفاً عليها من السرقة والضياع مقابل وصل تثبت فيه قيم الودائع , وبلغت الثقة بهؤلاء المودعين أن يتداولوا هذه الوصولات لتسديد ديونهم , ثم أخذ الصاغة والصيارفة بإقراض ما يُودَع لديهم لقاء فوائد مناسبة يحصلون عليها .

ولقد تطور ذلك النشاط المالي ودفع بعضهم الى انشاء بيوت مالية تؤدي وظيفتي الايداع والاقتراض (السحب) , ثم تحولت هذه البيوت المالية الى ما يعرف في عالم اليوم بالمصارف التي تؤدي في الاساس الوظيفتين المشار اليها اعلاه , وهي بذلك تلعب دور الوسيط بين الأفراد الذين لديهم فائض مالي مودع لدى هذه المصارف والاطراف التي تحتاج هذا المال وكالآتي :-

أ- قيام بعض التجار المرابين والصيّاغ في أوربا وبالذات في مدن البندقية وجنوه وبرشلونه بقبول الودائع بغية المحافظة عليها وذلك مقابل اصدار شهادات ايداع رسمية .

ب- قامت هذه المؤسسات تدريجياً بتحويل الودائع  من حساب مُودِع الى حساب مُودِع آخر لسداد المعاملات التجارية , وكان قيد التحويل يسجل في سجلات المؤسسة بحضور كل من الدائن والمدين .

ج- منذ القرن الرابع عشر سُمِح للصاغة والتجار ولبعض عملائهم بالسحب على المكشوف ( أي سحب مبالغ تتجاوز ارصدتهم الدائنة ) ونتيجة لذلك أفلست بعض هذه المؤسسات .

د- وقد دفع هذا الامر (الإفلاس) عدداً من المفكرين في الربع الاخير من القرن السادس عشر الى المطالبة بإنشاء حكومة تقوم بحفظ الودائع والسهر على سلامتها .

هـ - في عام 1587م تم انشاء أول بنك حكومي في البندقية وفي عام 1609 أُنشئ بنك امستردام .

و- باستقرار الثقة في المؤسسات المصدرة لشهادة الايداع اعتاد الافراد على قبولها للمعاملات , وتحولت الشهادات تقريباً من شهادات اسمية الى شهادات تستحق الدفع لحاملها فأزداد تداولها .

ز- قد انبثق عن هذه الشهادات كل من الشيكات والبنكنوت بشكل حديث .

ح- يتم اجتذاب الافراد والمؤسسات التجارية لإيداع أموالهم لدى المصارف من خلال منحهم فائدة على رأس المال المودع وتقديم ضمانات قليلة الخطورة على أموالهم المُودعة .

ط- تقوم المصارف بتمويل المشاريع الاقتصادية المختلفة والتصرف في إمكانية الاستثمار الناجح ودراسة الجدوى الاقتصادية بهدف تجنب القروض التي تنتهي بخسارة المشروع وتفضِّل القروض المضمونة .

ي- عندما ظهرت البنوك كان اول بنك قام بإصدار هذه الشهادات الورقية هو بنك امستردام سنة 1609م وفي سنة 1656م أصدر بنك أستوكهولم الذي أُسس في السويد على يد رجل البنوك المشهور (بالمستراخ) سندات ورقية تمثل التزاماً على البنك وقابلة للتداول , وتعهد بأداء قيمتها بالنقود المعدنية عند الطلب .

ك - لقد كانت عملية الخصم منتشرة فكانت المصارف تمنح لكل من يخصم ورقة تجارية مبلغاً معيناً من النقود المعدنية , لكن بالمستراخ غيّر هذه المعاملة عن طريق دفع البنك قيمة الخصم بنقود ورقية بدلاً من النقود المعدنية , وهي أوراق يصدرها البنك متعهداً فيها يدفع مقابلها نقوداً معدنية بكامل الورقة النقدية 

ل – ثم جاء القرن التاسع عشر الذي اصبحت فيه كل البنوك تصدِّر النقود الورقية والتي سميت (البنكنوت) bank note  وبقيت أوراق البنكنوت تتمتع بالقبول من قبل الأفراد اختيارياً وفي منتصف القرن التاسع عشر أصبحت اجبارياً حيث بدأت الدولة تتدخل في تنظيم تداول الأوراق النقدية بواسطة فرض الطابع القانوني عليها , وأصبح الأفراد ملزمين قانونياً بقبولها في كل معاملاتهم ولتسديد ديونهم وبالرغم أن النقود الورقية أصبحت نقوداً قانونية وإجبارية الا انها كانت في البداية قابلة لتحويلها الى ذهب أو فضة .

م- مع قيام الحرب العالمية الأولى ونقص الارصدة الذهبية في معظم دول العالم بسبب النفقات العسكرية بدأت دول العالم تتخلى عن التحويل وتفرض السعر الاجباري للنقود الورقية , حيث ان النقود الورقية تطورت فوصلت الى مرحلة النقود النهائية أي ليست ورائها نقوداً أخرى .