أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-6-2021
3141
التاريخ: 13-1-2016
2401
التاريخ: 3-2-2021
3133
التاريخ: 11-3-2019
2187
|
مشكلة الكذب من أكبر المشكلات التي يقع فيها الاطفال، ويزداد خوفنا حين ينتشر الكذب بين الكبار ؛ لأن ذلك يشبه الوباء حين ينتشر بين الاطباء! حين تصبح طموحات الناس أكثر دنيوية، وحين تسوء الظروف الاقتصادية، فيصبح الحصول على لقمة العيش عسيرا، فإن لنا أن نتوقع اتساع رقعة الكذب وتكاثر المبتلين به، وهذا ما نشاهده اليوم. ومن هنا فإنني اعتقد ان تحجيم مساحة الكذب في المجتمع سيظل مرتبطا بما يمكن ان نحدثه من تقدم حضاري حقيقي وشامل.
ـ تعريف الكذب :
حين نتحدث عن كذب الاطفال، فإننا نقصد مخالفة كلام الانسان لما يعتقده بقصد التضليل وإخفاء الحقيقة، وذلك كما لو أن ابن العاشرة أراق الحبر على قطعة من أثاث المنزل، وحين سُئل عن ذلك نفى ان يكون قد قام به، او يكون عارفاً بمن قام به.
ـ خطورة الكذب :
تشمئز النفوس من الكذب لأمرين اساسيين :
الأول : هو أن الكذب كثيرا ما يكون من اجل التستر على جُرم او خطأ أو تقصير أو عيب، وهذا يعني بوجهٍ من الوجوه أن الكذب يجعل صاحبه يستسهل الوقوع في الخطأ ما دام قد وجد في الكذب ما ينجيه من تحمل عواقبه، وبذلك يكون إدمان المرء للكذب مفتاحا لانحراف كبير وشرٍّ مستطير...
الثاني : وجود علاقة كبيرة بين الكذب والغش والسرقة والتزوير؛ فقد دل كثير من الدراسات على الجرائم التي يرتكبها الاحداث على ان من اتصف بالكذب يتصف عادة بالغش والسرقة، ولا غرابة في هذا فهذه الصفات السيئة متفرعة من صفة اكبر دلالة هي صفة (الخيانة) خيانة الحقيقة والعقيدة والمواثيق.
من هنا ندرك تشديده ـ عليه الصلاة والسلام - قولاً وعملاً على أهمية اجتناب الكذب لدى الصغار والكبار؛ فقد روي عن عبد الله بن عامر ان أمه دعته، فقالت له: تعال اعطك، فقال (صلى الله عليه واله) (ما اردت ان تعطيه؟) قالت : تمراً، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه واله) : (اما انك لو لم تعطه شيئا لكتبت عليك كذبة)...
لماذا يكذب الطفل؟
علينا في البداية أن نؤكد على أن الكذب ليس صفة فطرية أو وراثية لدى الطفل، أي إنها صفة مكتسبة تتكون لدى الطفل عن طريق التعليم والتقليد وتراكم الخبرة، وهذا يعني ان فشوَّ الكذب بين أفراد أسرة من الأسر أو المجتمع من المجتمعات، يشير إلى نوع من الادانة للكبار الناضجين في تلك الاسرة وذلك المجتمع، لكن مع هذا يمكن ان نقول : ان الطفل يمكن ان يكون اكثر استعداداً لممارسة الكذب في حالتين أساسيتين
1- القدرة اللغوية؛ فطلاقة اللسان والمهارة في صياغة الجمل تدفع بالطفل إلى ان ينطق بالمزيد من الكلمات من غير التأكد من مدى مطابقة ما يقوله للواقع، ومن المؤسف ان هذا قد يستمر مع بعض الاطفال إلى مرحلة الشباب والكهولة؛ فالقدرة على تنميق الكلام والقدرة على الاقناع تغريان من يملكهما بالكذب على نحوٍ خفي !
2- خصوبة الخيال ونشاطه، وهذا واضح جداً لدى الاطفال، هذا طفل يقول : انه رأى قطة لها قرون، وقد كان هذا بعد ان رأى خروف العيد، حيث تمكن خياله من انتزاع قرون الخروف وتركيبها على راس القطة.
بعد هذا يمكن ان نذكر عددا من الاسباب التي تدفع الطفل إلى الكذب، ولعل من اهمها :
1- الخوف من العقاب والخوف من المنع من الوصول إلى بعض الاشياء من اكثر ما يدفع الطفل إلى الكذب، قد اشارت احدى الدراسات إلى ان حوال (70%) من انواع السلوك لدى الاطفال الذين يتصفون بالكذب يرجع إلى الخوف من العقاب، وان (10%) منها يرجع إلى احلام اليقظة والخيال، ويرجع نحو من (20) إلى اغراض الغش والخداع.
2- أشار معظم الدراسات المتعلقة بسلوك الاطفال إلى انه كلما ازدادت قسوة الاباء والامهات، ولجأوا إلى الضرب والعقاب لحمل الطفل على قول الصدق والاقرار ببعض الاخطاء – لجأ الأطفال إلى الكذب، ومن ثم الصيرورة إلى إدمانه، وهذا يعود إلى عامل الخوف، لكنه يحمِّل الاباء القساة مسؤولية انحراف ابنائهم؛ فالرفق – كما علمنا نبينا (صلى الله عليه واله)- ما كان في شيء إلا زانه، وما نُزِعَ من شيء إلا شانه.
3- قد يكذب الطفل حتى يُحدثَ لذة ونشوة عند مستمعيه، وحتى ينتزع اعجابهم، وذلك كان يفاخر بثياب نفسية ليست عنده، او يدعي ان لديه قدرات خارقة في ممارسة بعض الالعاب ..
4- الكذب بقصد الحصول على بعض الاشياء، ومن الصور الشائعة لهذا ان يدَّعي الطفل ان معلمه في المدرسة طلب منه شراء بعض الادوات، والحقيقة انه يريد المال لشراء بعض الحلوى او بعض الالعاب.
5- قد يكذب الطفل لدافع عدواني وكيدي، كما لو كسرت تحفة نفيسة في المنزل، ولم تستطع الام معرفة الفاعل، فقال لها الطفل : الذي كسرها هو فلان، مع انه في الحقيقة لا يعرف من فعل ذلك، ولكن حبه لإيقاع العقوبة به دفعه إلى الكذب.
6- كذب التقليد، فالكذب –كما اشرنا- صفة مكتسبة، والطفل الكذاب كثيرا ما يقلد ابويه او اخواته الكبار او بعض زملائه واصدقائه، وقد ذكر احد الشباب انه كان يعتقد ان كل ما يفعله ابوه صحيح وصائب، وانه تعلم الكذب من ابويه؛ ففي مرات عديدة، اوهماه بانهما نائمان حتى ينام، ويخرجا بعد ذلك في زيارة إلى بعض الاصدقاء، وذكر ان والدته قالت له مرة : تعال معي إلى مدينة الملاهي، وذهب معها مسرورا، واذا به يجد نفسه على كرسي في عيادة الاسنان!
كيف نعالج الكذب عند الاطفال؟
1- الكذب عند ابن أربع أو خمس سنوات، لا يشكل شيئاً مقلقاً؛ وذلك لان الطفل في هذه المرحلة لا يستطيع التمييز بين الخيال والواقع، ولا يدرك ضرورة مطابقة ما يقوله لواقع الحال.
2- حاول ألا تحشر الطفل في زاوية ضيقة، وتطلب منه الاعتراف بجرم ارتكبه او خطأ وقع فيه، واعمل على توفير ادلة يجد معها صعوبة في الشهادة ضد نفسه.
3- يكذب الطفل في بعض الاحيان حتى يثبت لنفسه فضائل ليست له؛ وذلك حتى يعوض عن شعوره بالنقص، وقد راينا – على سبيل المثال – الكثير من الاطفال الذين يحاولون اثبات ان اباءهم اغنياء، وما ذلك الا لشعورهم بانهم فقراء، ومن هنا فان تعزيز ثقة الطفل بنفسه، وما يقلل من لجوئه إلى الكذب.
4- لن يلتزم الاطفال بالصدق في أسرة يكذب فيها الاب على الام والاخ الكبير على الاخ الصغير، وتكذب فيه الفتاة على زميلاتها؛ ولهذا فان الالتزام بقول الحقيقة والدفاع عنها يجعل
الكذب يبدو شيئاً شنيعاً في نظر الاطفال، وهذا اكبر تحدٍّ يواجهنا في هذه المسالة.
5- كثيرا ما تنطوي المبالغة على الكذب، وقد قال أحد الشباب : كنت أسمع والدتي وهي تتحدث مع صديقاتها عن وظيفة أبي، وأنه يشغل مركزاً حساسا جدا، وان مركزه ذاك يضطره إلى ان يسافر كثيراً، وكنت اقول لزملائي في المدرسة في نفس الكلام الذي تقوله امي، وكانوا يغبطونني على ذلك، وحين صرت في المرحلة الثانوية حصلت لي صدمة كبيرة حين اكتشفت أن ابي لم يكن اكثر من مرافق لاحد رجال الاعمال، والمكثرين من السفر !
6- يجب أن يشعر الطفل ان الصدق قيمة من القيم الاسلامية العليا، ويكفي في ذلك في ذلك قوله (صلى الله عليه واله) : (ان الصدق يهدي إلى البر)، والبر : اسم جامع لكل انواع الخير، كما ان علينا ان نُظهر له مقتا للكذب، وخوفنا من عواقبه، وكانت احدى الامهات قد حفظت اكثر من عشرين قصة تجلي فيها المصير السيئ للكذابين، وكانت تسوقها بطريقة بارعة ومشوقة للغاية، وكان الاطفال يلاحقونها حتى تحدثهم بالمزيد من ذلك، ولاحظت ان طفلها ابن التاسعة جعل من نفسه مراقبا عاما على الاسرة، فهو يتابع كل ما يقال وينبه على ما يمكن ان يكون فيه من مخالفة للحقيقة.
7- من المهم ألا نعطي الطفل انطباعا بان الكذب يُنجيه من العقوبة ؛ بل علينا ان نقرر له بوضوح ان الصدق يخفف من عقوبة الخطأ الذي ارتكبه، وان اخفاء الخطأ الذي وقع فيه، يستوجب عقوبتين : عقوبة الخطأ وعقوبة الكذب في التنصل منه.
8- قد لا نستطيع معالجة الكذب لدى الطفل الا اذا عرفنا السبب الحقيقي الذي يدفعه اليه، فاذا كان السبب هو الخوف من العقوبة خفضنا العقوبة، واعطينا الطفل قدرا جيدا من الشعور بالأمان مع العمل على اقناعه بخطورة التمادي في ارتكاب الاخطاء، واذا كان الدافع إلى الكذب هو التقليل من شان الآخرين، ذكرناه بأهمية الانصراف والتشجيع والاحترام المتبادل، واذا تبين لنا ان الطفل يكذب لأنه يقلد احد افراد اسرته الكبار وقفنا وقفة صادقة مع انفسنا، وعملنا على تحمل مسؤولياتنا فياستقامة ألسنتنا، وإذا كان سبب اندفاع الصغير للكذب يكمن في شعوره بالنقص او الحرمان، عملنا على تعزيز قيمة الثقة بالنفس والاعتراف بالواقع، وعملنا على دلالة الطفل على نقاط القوة والتفوق لديه ولدى اسرته وهكذا...
9- الحذر ثم الحذر من ان نرسِّخ في وعي الطفل انه كذاب، وأننا نعرف كل الكذبات التي صدرت منه، فهذا يحمله على الاكثار من الكذب، المطلوب هو أن نثني أمامه على الصادقين وأن نشجع كل موقف صدق نلمسه منه، ونحاول إشعاره حين تصدر منه كذبة، أنه صادق وأنها كانت منه عبارة عن هفوة، ونأمل ان لا تتكرر مرة اخرى، وقد رأيت كثيرا من الاباء الناجحين في تربية ابنائهم وهم يعملون بجد على ان تظل الصورة التي يرسمها ابناؤهم عن انفسهم صورة جميلة ومتألقة ومشجعة. وقد قطفوا ثمار ذلك حين صار اطفالهم يستحون من انفسهم ويتجاوبون سلوكيا مع الثناء الذي يلتقونه من محيطهم.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|